كشف الغمة 346- كتاب الصيام (23) فرع في صوم ثلاثة أيام من كل شهر

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 346- كتاب الصيام (23) فرع في صوم ثلاثة أيام من كل شهر

صباح السبت 8 صفر الخير 1447هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  أهمية الأشهر القمرية والارتباط بها
  •  صوم الأيام البيض
  •  حكم صوم 13 من ذي الحجة
  •  ثلاث وصايا من النبي ﷺ لأبي هريرة
  •  معنى: أجر صوم الدهر
  •  كيف كان صوم الأنبياء؟
  •  قصة فطر أبي ذر إكراما لعمر بن الخطاب
  •  فوائد لصوم 3 أيام من كل شهر
  •  شرح حديث: من صام يوم في سبيل الله
  •  من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله
  •  أنواع الأيام التي صامها النبي في الشهر
  •  معنى صوم سرر الشهر

نص الدرس المكتوب: 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:

 

فرع: في صوم ثلاثة أيام من كل شهر وبيان كيفية صومها 

"كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "أوصاني خليلي رسول الله ﷺ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام فلن أدعهن ما عشت"، وكان ﷺ يقول: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله"، وكان ﷺ يقول: "صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى وصام داود نصف الدهر وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر"، وسأل رجل مرة أبا ذر -رضي الله عنه- : هل أنت صائم؟ قال: نعم ثم دخلا على عمر -رضي الله عنه- فأتوا بقصاع فأكل أبو ذر قال الرجل: فحركته بيدي أذكره فقال إني لم أنس ما قلت لك أخبرتك أني صائم إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام فأنا أبداً صائم، وكان ﷺ يقول: "ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله"، وفي رواية: "صوم شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر"، والوحر الغش والحقد والوساوس، وفي رواية: "ثلاثة أيام من كل شهر يكفر كل يوم منها عشر سيئات وينقى من الإثم كما ينقي الماء الثوب".

قال أنس -رضي الله عنه-: وكان رسول الله ﷺ لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر ويقول ﷺ: "من صام يوماً في سبيل الله بعد الله عن وجهه النار سبعين خريفاً"، وكان ﷺ يقول: "إذا صام أحدكم من الشهر ثلاثاً فليصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فاليوم بعشرة أيام"، وفي رواية عن أبي ذر -رضي الله عنه- : "كان رسول الله ﷺ يأمر بصيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة: ويقول هو كصوم الدهر". 

وكانت عائشة -رضي الله عنها - إذا سئلت كيف كان رسول الله ﷺ يصوم الثلاثة أيام من كل شهر؟ قالت: كان لا يبالي من أي الشهر كان يصوم، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا صامها يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس، وتارة كان يصوم أول خميس من الشهر ثم الاثنين، ثم الخميس وتارة يصوم الاثنين الأول ثم الخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه، وتارة كان يصوم الاثنين والخميس من جمعة والاثنين من الجمعة المقبلة، وتارة يصوم الخميس ثم الاثنين ثم الاثنين من الجمعة المقبلة والله أعلم".

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله مكرمنا بهذه الشريعة وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمد للوجاهات الوسيعة، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه من غدت به أقدارهم رفيعة، وعلى من والاه واتبعه بإحسان على منهجه القويم وشريعته الوسيعة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل المراتب العالية وأهل المنن البديعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

فيذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفرع ما يتعلق بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من هذه الأشهر القمرية التي أولها شهر الله المحرم، وثانيها شهر صفر، وثالثها ربيع الأول إلى التاسع وهو رمضان، إلى الثاني عشر وهو ذو الحجة. فهذه الأشهر التي أنزل الله فيها قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ)[التوبة:36]، وبذلك يتبين وجوب اعتناء المسلمين في تواريخهم بهذه الأشهر، وإذا كتبوا سواءً الأشهر الشمسية أو غيرها، فلا ينبغي إلا أن تكون تبعاً -أن تكون زيادة-، ولكن الأصل في التوقيت والتاريخ هذه الأشهر التي ارتبط بها الزكاة والصيام والحج؛ ثلاثة من أركان الإسلام ارتبطت بهذه الأشهر.

 

 فهي -كما سمعنا- (عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، فهذا هو الأصل في الحساب، لا ينبغي أن يستبدل به غيره، فلا ينبغي للمسلمين أن يؤرخوا أحداثهم ولا كتبهم ولا مناسباتهم إلا بهذه الأشهر، وبهذا التاريخ الذي هو عند الله يوم خلق السماوات والأرض، ومنها الأربعة الحرم، فارتبط الدين بها.

 

ومن الغرابة أن تجد أعداداً من المسلمين في بلاد المسلمين يعرف تاريخ اليوم بالأشهر الشمسية، ويقول لك نحن في شهر أغسطس، أي شهر؛ لا يدري؟! أي شهر من الأشهر القمرية هذه التي هي الأصل، ومرتبط بها ركن زكاته وركن صومه وركن حجه، كله مربوط في هذه الأشهر، وهو لا يدري بها في أي شهر نحن فيه! فهذا من جملة ما غشوا به المسلمين في الخروج عن إنزال الأشياء منازلها؛ وعن وضع الثقافة في محلها؛ فهذه ثقافة المسلمين. 

 

ففي كل شهر ينبغي للمسلم أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: 

  • وهكذا عليه جمهور الفقهاء منهم الحنفية والشافعية والحنابلة.
  • واستحباب كونها في الأيام البيض عند الأئمة الثلاثة. 
  • ويذكر عن الإمام مالك ما يُذكر عنه في صوم الست من شوال أنه يخاف اعتقاد الفرض فيها والوجوب، فمن كان مُقتدىً به ومُطاع أمره فلا يظهرها بالتحديد؛ حتى لا تبقى محل اعتقاد عند العوام أنها واجب وأنها فرض، هكذا يُذكر عنه؛ وإلا قد جاء عنه أنه كان يصومها الأيام البيض، كما كان يصوم أيام الست من شوال كذلك.

 

فكونها من خلال الشهر الأيام البيض، أفضل عند الأئمة الثلاثة لما ورد من ذلك من أحاديث، منها ما ذكره الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وجاء في رواية الترمذي وقال حديث حسن عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال له  : "يا أبا ذر، إذا صمتَ من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" فبهذا قالوا أفضلها.

 

وذكر بعض فقهاء الشافعية إذا أراد أن يحتاط يصوم الثاني عشر لما قيل إنه أول الثلاثة. 

ويستثنى من هذه الأيام البيض يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، فإنه حرام صومه -الثالث عشر من شهر ذي الحجة يحرم صومه- ولكن إذا أراد أن يصوم البيض في شهر ذي الحجة فليصم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر بدل الثالث عشر، وإن قدَّم الصيام في أيام العشر فالعبادة فيها أفضل من غيرها، فيصوم ما تيسر له من أيام العشر فيكون أفضل، وخصوصاً يوم عرفة لغير الحاج كما تقدم معنا.

وهكذا يأتي فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأنها تعد كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، وثلاثة أيام بثلاثين يوم فكأنه صام الشهر كله. وذكر لنا حديث "أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "أوصاني خليلي رسول الله ﷺ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى -أي: لا أترك ركعتين من صلاة الضحى في كل يوم- وأن أوتر قبل أن أنام -أصلي الوتر قبل أن أنام- خشية أن لا أستيقظ قبل الفجر فتفوتني صلاة الوتر- قال: فلن أدعهن ما عشت"، ما دمت حياً فأنا مستمسك بوصية النبي  في هذا المسلك الذي رتبه له في سيره إلى الله -جل جلاله- وعبادته للرحمن:

  • أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
  • وأن لا يدع سبحة الضحى، صلاة الضحى أقلها ركعتين.
  • وأن يوتر قبل أن ينام.

 

"وكان ﷺ يقول: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله"،  أي: أن صاحبها كأنما صام الدهر كله من خلال أن اليوم بعشرة أيام، يعني: يحصل بصيامها أجر صيام الدهر بمضاعفة الأجر والثواب. وكذلك يقول قتادة بن ملحان: كان رسول الله  يأمرنا أن نصوم البيض ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. قال: "وهن كهيئة الدهر"، أخرجه أبو داود، يعني: كصيام الدهر. 

 

ثم إنه يذكر لنا صيام سيدنا نوح: "أنه ﷺ يقول: "صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى" -وفي هذا أن يوم الفطر والأضحى معظمة مقدَّسة وهي أيام عيد عند الأنبياء قبله كلهم من أول الزمان، وكان عندهم تعظيم يوم الأضحى ويوم الفطر- "صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى وصام داود نصف الدهر -يوماً بيوم- وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر"، قال سيدنا إبراهيم: صام الدهر وأفطر الدهر؛ صام الدهر باعتبار مضاعفة الثواب، الثلاثة أيام بثلاثين يوماً، وأفطر الدهر باعتبار أكثر الشهر وهو مفطر، إنما صام ثلاثة أيام، فقد "صام الدهر وأفطر الدهر"، صوم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.

 

"وسأل رجل مرة أبا ذر: هل أنت صائم؟ قال: نعم، ثم دخل على سيدنا عمر -رضي الله عنهم-، فأتوا بقصاعٍ -أي: أواني- فيها طعام، فأكل أبو ذر، فحركته بيدي أُذَكِّرُهُ أنه صائم، فقال: إني لم أنسَ ما قلتُ لك، أخبرتك أني صائم، إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر فأنا أبدى صائم" باعتبار الثواب والذي يظهر أنه كان في ذاك اليوم صائماً؛ ولكن لما قُدِّم الطعام عند عمر، ترخَّص أن يفطر ليصوم يوماً غيره من خلال ذلك الشهر، وما أراد له أن يدلِّس عليه بأنه صائم بذاك اليوم وليس بصائم، وإنما صوم الدهر باعتبار الثواب أي يدرك ثواب الدهر دائماً بسبب صوم ثلاثة أيام. فكان ذاك أحد الأيام التي عزم على صومها، ولكن على مذهب الجمهور أنه يجوز للصائم بتطوع أن يفطر، ويُسنُّ له أن يقضي يوماً مكان ذلك اليوم. فآثر أن يفطر إكراماً لسيدنا عمر بن الخطاب وأن يصوم يومًا بدل هذا اليوم، فلا ينقص عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

 

قال: وكان  يقول: "ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله"، نعم ،الله أكبر. وفي رواية: "صوم شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر". قال: والوَحَر: الغش والحقد والوساوس.

 

ففي فائدة الصوم ثلاثة أيام من كل شهر، من فوائده المعجلة: ما يذهب به من وحر الصدر، وحر الصدر؛ ما كان من غش وحقد ووسواس يتلاشى ببركة صوم ثلاثة أيام من كل شهر، "يذهبن وحر الصدر". وفي رواية: "ثلاثة أيام من كل شهر يكفر كل يوم منها عشر سيئات وينقى من الإثم كما ينقي الماء الثوب".هكذا في رواية الطبراني.

 

"قال أنس -رضي اللّٰه عنه: وكان رسول ﷺ لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر". أي: على حسب ما راقبه هو، وإلا فإنه في عموم سيرته لا تشاء تراه صائما إلا رأيته، ولا تشاء تراه مفطرا إلا رأيته وكما تجيء الروايات عندكم أحيانا يصوم كذا، وأحيانا يصوم من أول الشهر، وأحيانا يصوم من وسطه، وأحيانا يصوم من آخره، وكثيراً ما يصوم الأيام البيض، ولكن قد يصوم غيرها في خلال الشهر إلى غير ذلك مما هو لائق بحاله وشأنه في القيام بعبوديته للرب -جل جلاله-، وما يصادف بعض الأيام أيضا سفرا  أو غيره، ومع ذلك فقد جاء عنه في السفر الصوم، وجاء عنه الفطر كذلك في السفر.

ويقول: "من صام يوماً في سبيل اللّٰه بعد اللّٰه عن وجهه النار سبعين خريفاً". أي: مسافة مسيرة سبعين سنة، يَبعَد عن النار بصوم يوم في سبيل الله. 

 

فقيل: إنَّ في سبيل الله ما كان في أيام الجهاد، أيام الجهاد في سبيل الله. 

وقيل: إنَّ كل صوم أريد به وجه الله فهو في سبيل طاعته سبحانه وتعالى. 

ولكن الخارج في طلب العلم يوشك أن يكون أيضاً مراداً بـ "يوم في سبيل الله" لقوله ﷺ أيضاً في سنن الترمذي: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"، من خرج في طلب العلم ونيته أن يطلب العلم النافع المشرَّع المصُون ليعمل به ويعلمه فهو في سبيل الله، أي: يُعَدُّ عمله عمل المجاهد في سبيل الله إلى أن يرجع. وبهذا ينبغي للمؤمن الحريص على الدرجات عند الله والمنزلة لديه أن ينوي عند انتقاله إلى أي مكان وإلى أي محل أن يحضر فيه مجالس العلم؛ ليكون خروجه لطلب العلم.

 

فينبغي إذا أراد أن يسافر إلى مكان يقول: سأحضر فيه المجلس العلمي الفلاني، فلا تخلو بلدان المسلمين من مجالس علم تُعقد، فيؤكد في باطنه نية الحضور عسى أن يكون ممن خرج لطلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.

 

وكان ﷺ يقول: "إذا صام أحدكم من الشهر ثلاثاً فليصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فاليوم بعشرة أيام". فيه ترجيح أيام البيض. وفي رواية عن أبي ذر -رضي اللّٰه عنه-: كان رسول اللّٰه ﷺ يأمر بصيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ويقول: هو كصوم الدهر".

 

وإذا سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن صوم رسول ﷺ "كيف كان رسول اللّٰه يصوم الثلاثة أيام من كل شهر؟ قالت: كان لا يبالي من أي الشهر كان يصوم". يعني: يصوم أحياناً في أوله وأحياناً في وسطه وأحياناً في آخره، وإن كان كثيراً ما يتحرى البيض، وقد يتحرى الإثنين والخميس، وقد يصوم إثنين وخميساً وإثنيْن، وقد يصوم خميساً وإثنيْن وخميس، وقد يصوم الجمعة مع الخميس والسبت وهكذا. 

 

"يقول سيدنا أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا صامها يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين" يعني: في بعض الأشهر يصوم السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس، وتارة كان يصوم أول خميس من الشهر ثم الاثنين، ثم الخميس وتارة يصوم الاثنين الأول ثم الخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه، وتارة كان يصوم الاثنين والخميس من جمعة والاثنين من الجمعة المقبلة، -الأسبوع الذي بعده- وتارة يصوم الخميس ثم الاثنين ثم الاثنين من الجمعة المقبلة". فهذا كله ورد عنه ﷺ، وما من يوم من أيام الأسبوع من الجمعة إلى الجمعة إلا ورد أنه صامه عليه الصلاة والسلام، ومن أول الشهر ومن وسط الشهر ومن آخر الشهر صام، فهو القدوة للجميع، صلوات ربي وسلامه عليه. 

فجاءت الأحاديث في صفة صيام النبي ﷺ منها: 

  • حديث الترمذي "كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر -الذي بعده- الثلاثاء والأربعاء والخميس" وهذا عمله في بعض الأشهر، وقال: الحديث حسن. 
  • وكذلك جاء عن أبي داود من حديث حفصة أن النبي ﷺ "كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: الإثنين والخميس، والإثنين من الجمعة الأخرى". اثنين وخميس واثنين، فيتَحرى بها الإثنين مرتين والخميس مرة. 
  • والرواية الأخرى عكس ذلك في رواية النسائي "عن حفصة: أن يصوم كل شهر ثلاثة أيام". أول اثنين من الشهر ثم الخميس ثم الخميس الذي يليه. 
  • وفي رواية  قال: "أول اثنين من الشهر وخَميسين". وهكذا جاء في أبي داود معنى ذلك.

فالأمر متَّسع كلٌّ حسب ما راقب النبي ﷺ وتكلم، ولكن تدل مجموع الروايات على أنه لم يثبت على وتيرة واحدة، ولكن كان يتحرى ما هو الأفضل له في خلال الأيام والليالي، فيصوم هذا ويصوم هذا  ليكون قدوة للجميع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

  • وكذا جاء في رواية عند الإمام أحمد في المسند أنه "كان يصوم الإثنين والجمعة والخميس"، يعني: الإثنين والخميس والجمعة، فيجيء هذا نوع رابع. 
  • وكذلك جاء أيضًا عند أبي داود والنسائي والترمذي أنه: "كان يصوم من غُرَّة كل شهر ثلاثة أيام". والغُرَّة أول الشهر، كان يوالي بينها في أول الشهر. 
  • وكذلك نوع سادس روي عنه أنه: كان يصوم أيام البيض، يقول: "لا يدع صيام أيام البيض في حضر ولا سفر". كما تقدم معنا هنا. 
  • وكذلك عند الترمذي والنسائي: عن أبي ذر أنه أمره بصيام أيام البيض ثلاثة عشرة وأربعة عشرة وخمسة عشرة. وجاء أيضاً في السنن الأربعة، بل في أبي داود والنسائي وابن ماجة عن النبي ﷺ نحو هذا، وهكذا، 
  • جاء أيضاً الصيام من آخر الشهر.

 

  • وجاء عن عمران بن حصين رضوان الله عنه -ونسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة- أنه سأله أو سأل رجلاً وعمران بن حصين عنده يسمع، قال يا أبا فلان: أما صمتَ سرَرَ هذا الشهر؟ -سرة يعني: وسط الشهر- قال: أظنه قال: لا يا رسول الله، قال: فإذا أفطرتَ فصم يومين". يعني: إذا أفطرت من شهر رمضان كان الكلام في رمضان وهو يقول له يسأله عن شعبان صمتَ شيئاً فيه؟ جاء كما صُرِّح في الرواية: من سَرَر شعبان صمتَ شيئاً؟ قال: ما صمت. قال: خلاص الآن إذا أفطرت من رمضان صم يومين. يعني: مقابل تركك الصيام في شهر شعبان. ما شاء الله. 

سَرَرُ الشهر وسِرر؛ يكون جمع سُرَّه يعني وسط الشهر وقد يراد آخر الشهر؛ لأستسرار القمر فيها، يعني: هذا عليه يقوم الأيام السود الثمان والعشرين والتسع والعشرين والثلاثين، ولكن المشهور أن السَرَر وسط الشهر كالسُرَّة وسط الإنسان.

 

رزقنا الله الاستقامة واتباع المظلَّل بالغمامة، والاقتداء به في كل الشؤون الخاصة والعامة، وربطنا بربطٍ لا ينحل في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ودار الكرامة، وأنعم علينا بقربه وشربه ونسير في دربه وأدخلنا في حزبه، ويجعلنا من خواص أهل نصرته وقربه ومودته وحبه في لطف وعافية.

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

09 صفَر 1447

تاريخ النشر الميلادي

03 أغسطس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام