كشف الغمة 345- كتاب الصيام (23) فرع في صوم رجب وشعبان والأشهر الحرم
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 345- كتاب الصيام (23) فرع في صوم رجب وشعبان والأشهر الحرم
صباح الأربعاء 5 صفر الخير 1447هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:
- أيام ينهى عنها الصوم
- فضل صوم رجب والأشهر الحرم
- خصوصية شهر شعبان بالصوم
- كيف صام النبي في شعبان؟
- رفع الأعمال في شعبان
- من يحرم المغفرة في النصف من شعبان؟
- فضل صوم الأشهر الحرم
نص الدرس المكتوب:
فرع: في صوم رجب
"كان رسول الله ﷺ ينهى عن صيام رجب كله، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول كان رسول الله ﷺ يصوم رجب ويشرفه. وكان أبو قلابة -رضي الله عنه- كثيراً ما يقول: إن في الجنة قصراً لصوّام رجب".
فرع: في صوم شعبان
"كان رسول الله ﷺ يكثر الصوم فيه ويقول: "إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال لرب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان أحب الصيام إلى رسول الله ﷺ في شعبان وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم"، وكان ﷺ يقول: " إن الله -عز وجل- يطلع على جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم أو سبيل أو عاق لوالديه أو مدمن خمراً أو قاتل نفساً"، وفي رواية: إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر الله للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم"، وكان ﷺ يقول: "إذا كانت ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا من مستغفر فاغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
فرع: في صوم الأشهر الحرم ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب مطلقاً
"كان رسول الله ﷺ يقول: "صوموا الأشهر الحرم واكلفوا من العمل ما تطيقونه فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وقال عبدلله بن مسعود -رضي الله عنه-: رأى رسول الله ﷺ مرة رجلاً ناحل الجسم فقال له: "ما لي أرى جسمك ناحلاً قال: يا رسول الله ما أكلت نهاراً منذ سنة، قال: من أمرك أن تعذب نفسك؟ قال: يا رسول الله إني أقوى قال: صم شهر الصبر يعني: رمضان ويوماً بعده، قال إني أقوى قال: صم شهر الصبر ويومين بعده قال: إني أقوى قال: صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم"".
اللهم صل أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلُونَ
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه وعلى أتباعه وأهل ولائه ومحبته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما ورد فيما يتعلق بصوم رجب وشعبان والأشهر الحرم. ويقول: "كان رسول الله ﷺ ينهى عن صيام رجب كله"، كي لا يُشبّه برمضان، ولكن ليس الأمر في النهي على إطلاقه، وهو من الأشهر الحرم التي سمعنا الكلام عنها في الفرع الذي قرأناه آخر شيء: "صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم".
فيقتضي بصوم رجب كله وكان كثير من العُبّاد يصومون شهر رجب وقد يصلونه بشعبان ورمضان، فالأمر فيه سعة، وإنما الذي ينهى عنه:
- صوم يوم العيدين.
- وعند الجمهور صوم أيام التشريق وتقدم معنا الكلام فيها.
- وكذلك عند الشافعية أيضاً صوم النصف الأخير من شهر شعبان إذا لم يصله بما قبله ولم يكن عادة له؛ أو عن نذر أو قضاء، وما عدا ذلك فالصيام فيه مفتوح لمن أراد أن يصوم.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ يصوم رجب ويشرفه" -نعم-، فيما جاء بسند صحيح أنه سُئل ابن عمر: كان ﷺ يصوم رجب؟ قال: نعم، "ويشرفه" يعني: يعظمه ويمجده ويميزه على غيره من الشهور.
- وهو الشهر الذي حُملت فيه أمه آمنة بنت وهب.
- وهو الشهر الذي حمل الله فيه نوح ومن معه في السفينة.
- وهو الشهر الذي أُسري فيه برسول الله ﷺ على أشهر الأقوال شهر رجب.
"وكان أبو قلابة -رضي الله عنه- كثيراً ما يقول: إن في الجنة قصراً لصوّام رجب"، ومن هنا جاء استحباب الصوم في شهر رجب والأشهر الحرم.
- وهكذا يخص الحنابلة من الأشهر الحرم الشهر المحرم لما ورد في النص فيه.
- وقال الأئمة الثلاثة: من المستحب صوم الأشهر الحرم الأربعة كلها، وأفضل الصيام بعد رمضان من الأشهر المحرم ثم رجب ثم باقيها.
- وفضل بعضهم شعبان لكثرة صومه فيه صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله، ولكن جاء في النص أنه أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.
- يقول الحنفية: من المستحب أن يصوم الخميس والجمعة والسبت من كل شهرٍ من الأشهر الحرم، يشيرون في ذلك إلى ما رُوي أن من صام يوم خميس وجمعة وسبت من شهر حرام عُدلت له بعبادة سبعمائة سنة، كما أورده الإمام الغزالي في الإحياء.
وهكذا سمعنا قول الحنفية إنما الاستحباب من الأشهر الحرم في شهر محرم.
ثم ذكر لنا الصوم في شهر شعبان، وقال: "كان رسول الله ﷺ يكثر الصوم فيه"، حتى كان يصوم أكثره غالباً. ويقول: "إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان". بمعنى: أنه يتنبه الكثير من الصحب في تلك الأيام لفضل رجب، ورمضان فضله مشهور، فيحصل غفلة عن العمل في شهر شعبان، فكان يكثر فيه الصيام. وقال: "وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين" أي: رفعًا خاصًا سنويًا غير ما يرفع في كل يوم وليلة؛ وفي كل أسبوع، ما يرفع في شعبان من عرض أعمالنا على الإله الرحمن جل جلاله، "فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"، أخرجه النسائي.
"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان أحب الصيام إلى رسول الله ﷺ في شعبان"، وهكذا يرى كذلك الأئمة الثلاثة خصوصية شهر شعبان في الصوم، وأنه يستحب كما تستحب الأشهر الحرم: الحنفية والمالكية والشافعية.
- تقول السيدة عائشة: "ما رأيت رسول الله ﷺ مكثرًا صيامًا منه في شعبان"، رواه البخاري ومسلم.
- وكذلك قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبان، بل كان يصله برمضان"، أخرجه النسائي بسند حسن.
وبذلك أيضًا جاء في صحيح مسلم: "كانَ ﷺ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا"، فأراد بقوله: "يَصُومُه كُلَّهُ" أنه يصوم أكثره، ولذلك قال: "كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا"، وأما استيعاب الشهر كاملًا بالنسبة لعمله ﷺ ما ورد في غير رمضان، تخفيفًا على أمته، والذين سردوا الصوم كثير: قليل منهم في حياته وكثير بعد وفاته من أصحابه -رضي الله عنهم-، وحتى تقول السيدة عائشة فيما جاء في الصحيحين: "وما رأَيتُ رسولَ اللهِ ﷺ استكمَلَ صيامَ شهرٍ قطُّ إلَّا رَمَضانَ".
- وصاحب الإرشاد من الحنابلة قال: باستحباب الصوم في شعبان كبقية الأئمة.
- وعامة الحنابلة قالوا: ما يتميز شعبان بشيء في الصوم، وإنما كان صومه فعلاً منه ﷺ ما لم يتيسر له من صوم أشهر ماضية في السنة؛ تداركه في شعبان قبل مجيء رمضان.
ثم إن شعبان تميز:
- بليلة النصف فيه.
- وبعرض الأعمال فيه.
- وأنه تنسخ فيه الآجال إلى العام المقبل.
فرب شخص يبني أو يتزوج وقد كتب اسمه فيمن يموت في ذلك العام، "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان أحب الصيام إلى رسول الله ﷺ في شعبان"، وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم"، أي: يُلقى إلى الملائكة وإلى سيدنا عزرائيل ومن معه أسماء من أراد أن يتوفوا من الإنس والجن والحيوانات في هذا العام من شعبان إلى شعبان.
"وكان ﷺ يقول: " إن الله -عز وجل- يطلع على جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم أو سبيل -يعني: قاطع سبيل- أو عاق لوالديه أو مدمن خمراً أو قاتل نفساً". فهؤلاء يُحرمون من المغفرة ليلة النصف من شعبان.
ومن هنا قال جمهور الفقهاء: يندب إحياء ليلة النصف من شعبان. لما جاء أيضًا في الحديث: "إذا كانت ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فاغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر"، رواه ابن ماجه والبيهقي.
وكذلك جاء في رواية: "إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان على السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب" - وقبيلة كلب كانت مشهورة بكثرة الأغنام، قال: أكثر من عدد شعر غنمهم مغفرة في ليلة النصف من شعبان.
وجاء أيضًا: "إن الله عز وجل يطلع على جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ "، في رواية ابن ماجه وغيره، فهي ليلة شريفة استحب الجمهور إحياءها، وأصناف نحو خمسة عشر هم المحرومون من المغفرة تلك الليلة منهم: المسبل إزاره، ومنهم المنان بالصدقة، ومنهم المشاحن، ومنهم المقاطع لرحمه، ومنهم العاق لوالديه وغيرهم، فهؤلاء يُحرمون ولا مغفرة لهم ليلة النصف من شعبان، ويغفر الله لمن على ظهر الأرض ممن لا يشرك به شيئًا، ويُدَعُّ هؤلاء -والعياذ بالله جلّ جلاله-، "وفي رواية: إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر الله للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم"، لا سبيل لهم في المغفرة بسبب ما في قلوبهم من الحقد، كما جاء في رواية البيهقي في الشعب.
وكان ﷺ يقول: "إذا كانت ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فاغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر" ماشاءالله.
فضل صوم الأشهر الحرم
ثم ذكر لنا صيام الأشهر الحرم؛ ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب، كان رسول الله ﷺ يقول: "صوموا الأشهر الحرم واكلفوا من العمل ما تطيقونه فإن الله لا يمل حتى تملوا"، أي لا تُعرضوا أنفسكم للملل؛ فإن الله لا يقطع ثوابه على من عمل حتى يكون القطع من جهتكم، والمعنى: إذا أخذتم كثيرًا وفوق طاقتكم رجعتم عن العمل بعد ذلك، "فإن الله لا يمل حتى تملوا"، فلا تعرضوا أنفسكم للملل بعمل ما لا تطيقون الدوام عليه.
"وقال عبدلله بن مسعود -رضي الله عنه-: رأى رسول الله ﷺ مرة رجلاً ناحل الجسم -أي:أنكره فقد كان جسمه على غير هذا النحول- فقال له: "ما لي أرى جسمك ناحلاً؟ قال: يا رسول الله ما أكلت نهاراً منذ سنة، قال: لي سنة وأنا أصوم - يعني يصوم كل يوم إلا أيام العيد كما هو معلوم- قال: من أمرك أن تعذب نفسك؟ قال: يا رسول الله إني أقوى قال: صم شهر الصبر يعني: رمضان ويوماً بعده، قال: إني أقوى، قال: صم شهر الصبر ويومين بعده قال: إني أقوى، قال: صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم"،يقول أخرجه ابن ماجة في الصيام، ففيه أمره بصيام الأشهر الحرم، وقد سمعت أنه يستحب عند الحنفية والمالكية والشافعية صيام الأشهر الحرم، وأن الحنابلة خصصوا من بين الأشهر الحرم شهر الله المحرم، وأن في مذهب الحنفية يستحب أن يصوم الخميس والجمعة والسبت من كل شهرٍ حرام.
جعلنا الله من المقبلين عليه والمقبولين لديه، والموفقين لمرضاته، الداخلين في أهل محبته وموداته، وأعاذنا من الآفات والأسواء، وأصلح لنا وللأمة السر والنجوى، وحققنا بالفضل وحقائق التقوى، وألحقنا بالمتقين في عافية وتمكين، وأصلح شؤوننا وشؤون المسلمين والناس أجمعين، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضِ عنا في لطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
09 صفَر 1447