كشف الغمة- 307- كتاب الزكاة (15) فصل في حكم أخذ القيمة
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 307- كتاب الزكاة (15) فصل في حكم أخذ القيمة
صباح السبت 19 ذو القعدة 1446هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:
- هل يجوز إخراج زكاة من متاع التجارة بدل النقد؟
- حكم إخراج فضة أو نقود عن زكاة الذهب
- أحكام إخراج القيمة في زكاة الحيوانات
- الحكمة من إعطاء قيمة الزكاة بدل عينها
- رعاية سيدنا معاذ لحاجة الفقراء
- حديث أبي جندب في إعطاء الزكاة
- دعاء عند الزكاة: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما
- ما هلك مال إلا بمنع الزكاة
- حكم إخراج زكاة الفطر قيمة
- يسن للساعي إذا قبض الزكاة أن يدعو للمزكي
- إجابة الدعاء عند تطبيق أمور الشريعة
نص الدرس مكتوب:
فصل في حكم أخذ القيمة
"كان رسول الله ﷺ يأمرُ بأخذ صدقة الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر كما مرَّ بیانه، وقال شيخنا -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا أنه أمر بأخذ القيمة في شيء منها إنما كان يأمرهم بمراعاة النصوص لا غير، وكان معاذ -رضي الله عنه- يقول لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس مكان الشعير والذرة فإنه أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله ﷺ ومساكين المدينة، وقال أنس -رضي الله عنه-: صالح النبي ﷺ أهل سبأ على سبعين حُلّة من قطن كل سنة ولم يؤدوها، فلما مات أبو بكر -رضي الله عنه- انتقض ذلك وصارت على مقتضى الصدقة.
قال سمرة بن جندب -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرج الصدقة من الذي يُعَدْ للبيع"، وكان ﷺ يأمر المزكي إذا أعطى زكاة ماله أن يقول: "اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً"، وكان ﷺ إذا أتاه قوم بصدقة قال: "اللهم صل عليهم"، والله أعلم."
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمدلله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده المصطفى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى ذروته وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
يذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل ما يتعلق بأخذ القيمة من الزكاة بدلا عن عين المُزَكَّى من طعام أو من أعراض الأمتعة في التجارة أو من حيوانات، فهل يجوز إخراج القيمة بدلا عنها؟
وذُكِرَ أنه "كان رسول الله ﷺ يأمرُ بأخذ صدقة الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر كما مرَّ بیانه". وفيه أيضاً أن من لم يجد من المستوى الذي وجب عليه في الإبل أن يسلم أكبر منها، ويسلم له عشرين أو شاتين، وكذلك أن ينزل عن ذلك ويسلم فوقها، يعطي المُزكي الذي يأخذ الصدقة عشرين درهماً أو شاتين وهكذا كما هو مبين، والأصل هو هذا في إخراج الزكاة أن الزكاة في عروض التجارة تُخرَج من قيمتها، -تخرج قيمتها في عروض التجارة- ما يخرِج الزكاة من البضاعة التي يتجر فيها، ولكن يخرج من قيمتها، ويرى قيمة ما عنده من مال التجارة، وما له من دين، فيجمع ذلك، ثم يخرج ربع العُشر نقداً، وهذا الذي عليه الجمهور.
فهل يجوز أن يخرج شيئاً من عروض التجارة بدلاً عن النقد؟
-
عند الحنفية: أجازوا ذلك.
-
لكن غيرهم منع ذلك وقالوا: لا يجوز أن يخرج من زكاة التجارة إلا نقداً من القيمة.
وقال الحنفية: يجوز أن يخرج من عرض التجارة، من الأعراض التي معه والمتاع الذي معه.
-
كذلك يقول الحنفية والمالكية: أنه يجوز إخراج الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب، لأن المقصود من هذين الجنسين الثَّمنية والتوصل بها إلى المقاصد، وهذا موجود في الجنسين معاً في الذهب وفي الفضة.
-
وكذلك يقول المالكية: أنه جواز إخراج الفلوس عن كل من الذهب والفضة.
-
ولكن قال الشافعية: لا يجوز، بل لا يخرج عن زكاة الذهب إلا ذهب، ولا يخرج عن زكاة الفضة إلا فضة، فلكل واحدة حكمها.
أما ما تعلق بزكاة المواشي والزروع وإخراج كذلك زكاة الذهب والفضة عن غيرهما أو العكس:
-
فيقول الشافعية: لا يجوز إخراج القيم في الزكاة، وهو قول عند المالكية، ووجه عند الحنابلة كذلك.
وفي الحديث: "في أربعين شاة شاة، وفي مائتي درهم خمسة دراهم". وكذلك تقدم معنا كتاب أبي بكر في الصدقة التي فرضها رسول ﷺ، وفيها بيان ما يؤدى، إلا أنه في الأربع والعشرين من الإبل يخرج من الغنم، وما عدا ذلك فمن نفس الإبل يخرج إذا بلغت خمسة وعشرين كما تقدم معنا وما هو مبين.
وكذلك جاء عن سيدنا معاذ أنه لما بعثه النبي ﷺ إلى اليمن قال له: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر"، كما جاء في رواية أبي داود -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
فيتنوع إذًا الواجب للفقير، لأن الفقير حاجاته متنوعة، ولكن قال من أجاز إخراج القيمة أن القيمة تأتي له بما شاء من أنواع حاجاته، فيقول الحنفية وهو أيضًا المشهور عند المالكية والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه يجوز إخراج القيمة، فإخراج القيمة عندهم جائز. وكما قال به الأوزاعي والثوري وقال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: 103] فالمراد بالمأخوذ صدقة وكل جنس يأخذه فهو صدقة.
وجاء أيضاً قول لسيدنا معاذ لأهل اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس -يعني: مخيطة أو غير مخيطة- في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي ﷺ بالمدينة" لأنهم محتاجون لهذا؛ وفيه رعاية سيدنا معاذ لحاجة الفقراء، وكان يأتي بهذه إلى رسول الله ﷺ هذه الثياب ولا ينكرُ عليه.
وقال سيدنا عطاء: كان سيدنا عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم؛ فهذا الخلاف قائم في جواز إخراج القيمة.
قال: "ولم يبلغنا أنه أمر بأخذ القيمة في شيء منها إنما كان يأمرهم بمراعاة النصوص لا غير، وكان معاذ -رضي الله عنه- يقول لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس مكان الشعير والذرة فإنه أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله ﷺ ومساكين المدينة، وقال أنس -رضي الله عنه-: صالح النبي ﷺ أهل سبأ على سبعين حُلّة من قطن كل سنة ولم يؤدوها، فلما مات أبو بكر -رضي الله عنه- انتقض ذلك وصارت على مقتضى الصدقة.
وهكذا جاء عن "قال سمرة بن جندب -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرج الصدقة من الذي يُعَدْ للبيع"، يعني: يعد للتجارة؛ فقوله "من الذي يُعَدْ للبيع" يعني: من البضاعة نفسها وهذا أيضًا عند أبي داود والطبراني وفي لفظ "كان يأمرنا أن نخرج الصدقه من الذي يعد للبيع"، وفي سنده ضعف.
وكان ﷺ يأمر المزكي إذا أعطى زكاة ماله أن يقول: "اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً"، فإن المؤمنين يعدون ما يخرج من أجل الله في سبيل الله تعالى فائدة وبركة وخير عائد عليهم في دنياهم وآخرتهم، وأهل النفاق والكفر يعدون ذلك مغرم عليهم (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[التوبة:98-99]، يعدها فائدة ومكسب وقربة من الله ودعوات من النبي ﷺ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[التوبة:103] جل جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا علمنا ما جاء من الخلاف في هذا الحال: ويقول بعض أهل العلم أنه لا تجزئ القيمة إلا عند الحاجة، يقول: مثل من يبيع عنبهُ ورطبه قبل اليبس فيخرج القيمة، هذا قد تقدم أيضًا معنا أن فيه خرْص؛ يخرص ويخرج مقدار الزكاة الذي عليه.
وكذلك يقول المالكية مع أن المشهور عندهم جواز إخراج القيمة: فإذا أكره على دفع القيمة فدفعها أجزأت قولًا واحدًا بلا خلاف.
وهكذا تقدم معنا أيضًا في زكاة الإبل، "من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة، تؤخذ منه الحقة ويجعل معه شاتين أن استيسرتا أو عشرين درهماً" كما تقدم أيضًا معنا بعض التفصيل في ذلك.
فإن الله تعالى فرض على الأغنياء قوت الفقراء وسماه زكاة، فهو نماء وتطهير لأربابها، "وما هلك مال في برٍ أو بحرٍ إلا بمنع الزكاة".
كذلك زكاة الفطر تقدم معنا أنه ﷺ فرضها صاعاً من برٌ أو تمرٌ أو شيءٌ على حسب قوت البلد، وهكذا يقول المالكية والشافعية والحنفية: لابد من إخراجها طعاماً كما جاء في النص.
وقال الحنفية: يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر، ليتيسر للفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد، ومع ذلك أيضًا قالوا أنه في حالة شدة وقلة الحبوب في الأسواق فدفع العين من الطعام في زكاة الفطر أولى من القيمة، ولكن في حالة اليسر ووجود الحبوب بكثرة، فإن الفقراء قد يحتاجون شي غير الحبوب؛ فيجوز إخراج القيمة هذا مذهب الحنفية.
"وكان ﷺ إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صل عليهم" امتثالاً لأمر الله له بأن يصلي عليهم (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ)[التوبة: 103]. فقال ابن أبي أَوْفى إنّا جئنا بالزكاة إلى رسول ﷺ فأخذ وقال: "اللهم صلي على آل أبي أَوْفى"، (إِنَّ صَلَاتَكَ) -وفي قراءة- (إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) "سبب لنزول السكينة على قلوبهم وزيادة إيمانهم.
كذلك عروض التجارة في زكاة التجارة.فالعَرْض: بسكون الراء ما سوى النقدين؛ كل مال سوى النقدين وقال له عَرْض، والعَرَض: شامل لكل أنواع المال قل أو كثر من النقدين ومن غيرها، في الحديث يقول "ليس الغنى عن كثرة العَرَض" أي: المال، وأما تخصيص ما عدا النقدين من المال فيقال له عَرْض بإسكان الراء، فجميع متاع الدنيا عَرَض؛ وما سوى النقدين يقال له عَرْض، فعروض التجارة كل ما أعِدَّ للتجارة كائنة ما كانت؛ سواء حيوانات أو ثياب أو حجارة أو أي شيء أعد للتجارة يباع ويشترى لأجل الربح تلزم فيه الزكاة، فتلزم الزكاة بإخراج القيمة .
وكما جاء في الحديث دعاؤه ﷺ لمن سلم الزكاة؛ قالوا كذلك الساعي إذا قبض الصدقة فيستحب له ويسن أن يدعُو للمزكي، وإن كان لا يجب لكنه كان واجب على النبي ﷺ، ويقول الساعي الذي يرسله الحاكم لأخذ الصدقة من الناس، لمن سلم الصدقة مثل أن يقول:
-
آجرك الله فيما أعطيت.
-
بارك لك فيما أبقيت وجعله الله طهورا وهكذا،
-
وكذلك أن يقول: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرما كما ذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، وفي وجه أيضا عند الشافعية: أنه يلزم قابض الصدقة أن يدعو لدافعها؛ عملًا بظاهر الآية ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ﴾ [التوبة: 103].
أما وجوبه عليه ﷺ فَمُجْمَع، وأما على السعاة فالجمهور: أنه مستحب، يستحب له أن يدعو لهم.
وهكذا عند القيام بتطبيق أمور الشريعة؛ الدعاء يكون لذلك من مواطن الإجابة؛ فعند إخراج الزكاة؛ وعند الصوم والفطر منه، وعند الانتهاء من الصلوات وما إليها؛ كل الأعمال التي تقرب إلى الله يكون عند القيام بها موطن إجابة ينبغي أن يدعو الله المؤمن فيه ويرجو من الله تعالى الإجابة فهو أحرى أن يجيبه في هذه المواطن.
رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بالكرامة، وزكانا وزكى نفوسنا وجعلنا ممن وُقِيَ شحَّ نفسه، وهيأه في الحق -تبارك وتعالى- لحظيرة قدسه، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن كل شيء أحاط به علمه.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
20 ذو القِعدة 1446