كشف الغمة- 297- كتاب الزكاة (05) بيان نصاب البقر وزكاة الذهب والفضة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 297- كتاب الزكاة (05) بيان نصاب البقر وزكاة الذهب والفضة

صباح السبت 5 ذو القعدة 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  تفصيل زكاة البقر: نصابه ومقاديره
  •  باب زكاة الذهب والفضة
  •  معادن لا تجب فيها الزكاة
  •  خطورة ترك زكاة الذهب والفضة
  •  هل على حلي المرأة زكاة؟
  •  تلزم زكاة الذهب والفضة من أول استخراجها من الأرض
  •  مقدار نصاب الذهب ونصاب الفضة
  •  حكم زكاة الذهب والفضة المغشوش
  •  الذهب والفضة ليس فيه وقص
  •  حساب ربع العُشر في الذهب والفضة
  •  تاريخ العملات الدنانير والدرهم
  •  حكم زكاة الحلي غير صالح للاستعمال والحلي المستعمل
  •  لبس النبي خاتم من فضة

نص الدرس مكتوب:

"وأما صدقة البقر فكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول: "لما بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن أمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر، وعرضوا علي أن آخذ إلى ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فلما قدمت أخبرت النبي ﷺ فأمرني أن لا آخذ فيما بین ذلك وقال: "إن الأوقاص لا فريضة فيها"، وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول: أخبرني سالم عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي قال فأخرجها أبو بكر -رضي الله عنه- من بعده فعمل بها حتى توفي، ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها قال: فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته."

 

باب زكاة الذهب والفضة

 

كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "لا زكاة في حجر ولا جوهر ولا ياقوت ولا لؤلؤ"، وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أعطوا صدقة الرقة من كل أربعين درهمًا درهمًا، وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم"، وكان ﷺ يقول: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"، وكان ﷺ يقول: "إذا كان آخر الزمان كان قوام دين الناس ودنياهم الدراهم والدنانير"، وكان ﷺ يقول: "إذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس في الذهب شيء حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".

 

وكان ﷺ يأمر النساء بإخراج زكاة حُليِّهن إذا بلغ نصابًا، وسألته أم سلمة -رضي الله عنها- عن حليها من الذهب أهو كنز؟ فقال ﷺ: "ما بلغ أن يؤدي زكاته فزكي فليس بكنز"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أمرني رسول الله ﷺ أن أخرج زكاة حُليّ وقال: " هي جنتك من النار"، وكانت -رضي الله عنها- تلي بنات أخيها محمد يتامى في حجرها ولهن الحُلى فلا تزکیه. 

 

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة، وكان يحلِّي كل بنت بأربعمائة دينار، قال -رضي الله عنه-: وكان سيف عمر -رضي الله عنه- فيه أربعمائة درهم فضة، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: إذا كان الحُلي مما يعار ويلبس فإنه يزكى مرة واحدة، وكان سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- يقول: زكاة الحُلي عاريته، وكان حماد بن زيد يقول: أول من ضرب الدنانير تبع الأكبر وأول من ضرب الدراهم تبع الأصغر، وأول من ضرب الفلوس وأدارها بين الناس نمرود بن كنعان. وقال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يتختم بخواتم الفضة ويجعل فصها مما يلي كفه ﷺ خاتم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير بريته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل عناية الحق -تبارك وتعالى- وتفضيله من بين خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين أهل محبة الله وخشيته، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- ذكرَ ما ورد في الزكاة، قال: "وأما صدقة البقر فكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول: "لما بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن أمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة"، وهذا هو المتكرر في زكاة البقر:

  • في الأربعين مسنة.

  • وفي الثلاثين تبيع.

والتبيع يجوز أن يكون ذكرًا أو أنثى، وهذه واحدة من المواطن التي يجوز إخراج الذكر فيها، إذا كان عنده ثلاثون من البقر كما مر الحكم في الإبل إذا كانت سائمة عند الجمهور، وإن لم تكن كذلك سائمة عند بعضهم فتجب فيها الزكاة.

  • وهي في الثلاثين تبيع، أي: واحد من البقر له سنة ودخل في السنة الثانية، أي: أنه يتبع أمه في المرعى.

  • وكذلك إذا وصلت أربعين ففيها مسنة، أي: واحدة من البقر أنثى أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة. 

فهذا حكم زكاة البقر إلى أن تصل إلى سبعين:

  • سبعين، فتصير فيها مسنة وتبيع، الثلاثين تبيع، والأربعين مسنة، ثم يتغير في كل عشر تزداد.

  • فإذا وصلت إلى ثمانين، فعليهم مسنتان، أي: اثنتان من البقر، كل منهما قد أكمل السنة الثانية ودخل في السنة الثالثة.

  • فإذا وصلت تسعين، فعليه ثلاثة أتْبعة، تبيع وتبيع وتبيع. 

  • فإذا وصلت مئة، فعليه مسنة وتبيعان.

  • فإذا وصلت البقر إلى مئة وعشرة، فعليه أن يخرج مسنتين وتبيع، -المسنتين للثمانين، والتبيع  للثلاثين- صار مئة وعشرة.

  • فإذا وصلت مئة وعشرين؛ فإما أن يخرج أتبعة أو مسنات-

    • كم مسنات؟ ثلاث مسنات: أربعين وأربعين وأربعين. 

    • أو يخرج أربع أتبعة: أربعة في ثلاثين بمئة وعشرين.

  • وهكذا في كل عشرين يتغير الواجب عليه.

قال: "ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر" هذا في الجزية من أهل الذمة، "يأخذ على كل حالم" -يعني: بالغ دينار- "أو عدله معافر"، ومن هنا ذكروا أنه إذا أُخذت من أهل الذمة:

  • فالجمهور وقال الشافعية: إنه لا يُنقَص دينار عن كل واحد، لتوقيت الشارع له. 

  • وقال المالكية وغيرهم: إن ذلك راجع إلى الإمام، ممكن يكون أقل من دينار أو أكثر، بحسب ما يرى وينظر "من كل حالم" -أي: بالغ- "دينارًا".

"وعرضوا علي أن آخذ إلى ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فلما قدمت أخبرت النبي ﷺ فأمرني أن لا آخذ فيما بین ذلك" يعني: من البقر بين الأربعين والخمسين، واحد عنده خمسين، مسنة على الأربعين، والعشر ظلم -ماشي، ما بين الستين والسبعين -وعنده خمسة وستين، ثمانية وستين- ما عليها شيء، فهذه هي الأوقاص "وما بين الثمانين والتسعين فلما قدمت أخبرت النبي ﷺ فأمرني أن لا آخذ فيما بین ذلك وقال: "إن الأوقاص لا فريضة فيها"، فمن عنده ثلاثين من البقر ومن عنده تسع وثلاثين؛ شيء واحد، عليهم من تبيع، تبيع، ومن عنده أربعون من البقر، ومن عنده تسع وأربعين إلى الخمسين، إلى التسع والخمسين، ما عليه إلا مسنة فقط، إلى أن تصل الستين، عليها تبيعان، وهكذا، واعف عن الأوقاص بين النُّصُبِ، 

"وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول: أخبرني سالم عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي قال فأخرجها أبو بكر -رضي الله عنه- من بعده فعمل بها حتى توفي، ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها قال: فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته".

 ثم انتقل إلى زكاة الذهب والفضة، وهي من المعادن التي جعلها الله أثماناً للأشياء، وخصَّها بخصائص، بينما توجد معادن لها غلاء ولها قدر ومنزلة بين الناس ولكن ما يتعلق بها ما يتعلق بالذهب والفضة ومنه الزكاة. قبل عمر، يقول: كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "لا زكاة في حجر ولا جوهر ولا ياقوت ولا لؤلؤ" أصناف من المعادن، وبعضها أغلى من الذهب والفضة، فالعبرة بالذهب والفضة؛ "لا زكاة في حجر" -وفي لفظ: "ليس في حجر زكاة إلا ما كان للتجارة"- "من جوهر، ولا ياقوت، ولا لؤلؤ" ولا غيره إلا الذهب والفضة؛ إلا ما كان للتجارة، فالتجارة في أي شيء، التاجر الإنسان في أي مادة من المواد، يلزمه زكاة التجارة؛ وأما بالنسبة للادخار، فإنما يكون في الذهب والفضة. 

يقول: بالنسبة للمواد الثمينة الأخرى، المقتناة من الجواهر، واللؤلؤ، والزمرد، والفيروز، ونحوها، أو ما كان مصنوع تحف ثمينة من نحاس أو حديد أو صفرة أو زجاج أو غير ذلك؛ لا تلزم فيها الزكاة إلا إن تكون للتجارة. 

فزكاة الذهب والفضة واجبة على الجملة بالإجماع.

 فمن منع زكاة الذهب والفضة تحولت عليه صفائح من نار يُكوى بها (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا)، قالوا بهذا الترتيب لأنه إذا وقف السائل المسكين على بابه أول ما يقطب وجهه؛ فتكوى جبهته، ثم يعطيه جنبه، ثم يوليه ظهره فيكوي ظهره: (فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) أيضًا فأعمال المكلفين في الدنيا كنوز إما للثواب والجنة؛ وإما للعقاب والنار، كل ما تكنزه من أعمالك؛ حسنات كنوز لنيل الثواب ودخول الجنة، والسيئات كنوز تكنزها لنفسك للعقاب ودخول النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى- (هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ).

 

لكن إذا كان الحلي من الذهب أو الفضة يُعِدُّه مالكه لاستعماله المباح؟ أي: التحلي به بأن تكون امرأة وتعدُّ هذا الحلي للاستعمال المباح؛ استعمالها في مناسبات وغيرها تتزين به:

  • فهذا الذي يقول فيه المالكية والشافعية: إنه لا زكاة عليه، وكما قالوا في البقر العوامل والإبل العوامل.

  • وقال الحنفية وهو أيضًا مقابل يقول مقابل الأظهر عند الشافعية: إنه تجب الزكاة في الحلي، وغيرها من أنواع الذهب والفضة. 

  • وهذا إذا كان مما تستعمله المرأة عادت أمثالها، أما إذا بالغت؛ فصارت تستعمل من الذهب والفضة زيادة على عادة أمثالها في مجتمعهم والمكان الذي تعيش فيه، فيلزمها الزكاة بالاتفاق.

  • فإذا لم تزد على عادة أمثالها، فهو معد للاستعمال المباح، لا تلزم فيه زكاة عند الشافعية والمالكية.

ثم إنه يتعلق بالزكاة في الذهب والفضة لمستخرجيهما؛ إذا استخرجهما من معدنهما من الأرض؟

فبمجرد ما يستخرجه، تلزمه زكاة مباشرة من دون حول؛ تلزمه الزكاة عند استخراجها ربع العشر، فهي زكاة المعدن من الذهب والفضة إذا استخرجها من الأرض، فأول ما يتحصل عليها، يجب عليه أن يزكي ويخرج زكاة معدن الذهب والفضة ربع العشر إذا كانت نصاباً.

وما هو النصاب؟ 

النصاب بالذهب عشرون مثقال، عشرون مثقال -المثقال الذي يساوي بالأواق ثلاث أواق-؛ لأن كل مثقال قفلة ونصف -عشر قفال تساوي الأوقية، والعشرون قفلة أوقيتين- باقي نصف عشر قفال فصار أوقية، فصارت أوقيتين وأوقية ثلاث أواق، ثلاث أواق من الذهب نصاب، إذا مضى عليه الحول وجب إخراج الزكاة فيه.

  • فنصاب الذهب عشرون مثقالاً لا تجب في أقل منها.

  • ولكن قال بعض الأئمة إن كان عند مالكها فضة أو عروض تجارة يكمل بها النصاب.

  • وقال الجمهور الدليل قوله ﷺ: "ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة" هذا حديث الدارقطني، وجاء أيضاً عن سيدنا ابن عمر وسيدتنا عائشة أن النبي ﷺ "كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار ومن الأربعين ديناراً ديناراً"، من الأربعين يخرج دينار لإنه ربع العشر، إذن هذا نصاب الذهب.

 

فما نصاب الفضة؟ 

نصاب الفضة -ويقال لها: وَرِق ورِقَّة- نصابها مِئتا درهم، الدرهم يساوي سبعة عشر مثقال، كل درهم يساوي قفلة ونصف عُشْر قفلة  يكون درهم، فهذه مائتين مائتين قفلة تساوي عشرين أوقية، لأن كل عشر قفال أوقية، وهذه الدرهم الواحد يساوي قفلة ونصف عُشْر، فبالقفلة طلعنا عشرين أوقية، نصف عُشْر قفلة؛ نصف عشر المائتين كم ؟ عشرين، ونصف العشرين عشر قفال، صارت أوقية فوق العشرين واحد عشرين أوقية، فواحد وعشرين أوقية من الفضة هي النصاب نصاب الفضة إحدى وعشرين أوقية.

 

يقول بعض الحنفية: المعتبر في حق أهل البلد دراهمهم بالعدد لا الوزن المهور قالوا هذا هو الوزن.

فإذا كان موجود ذهب وفضه لكنه مغشوش؟ وزنه ثقيل:

  • فالعبرة عند الشافعية والحنابلة بخالصه، كم يطلع خالصه؟ فإذا كان خالصه قدر نصاب تلزم الزكاة، وإلا فلا.

  • لكن يقول الحنفية: إذا كان الغالب على الورق المضروب الفضة فهو في حكم الفضة، ولا عبرة بالأقل، فإذا مائتين مغشوشة ولكن في كل واحد قليل من الغش فتعتبر فيها الزكاة تعتبر نصاباً، لأن الغشة الداخل عليها قليل مادام الغالب عليها هو الفضة.

  • وكذلك يقول المالكية: إذا كانت المغشوشة راجت بين الناس كرواجِ غير المغشوشة فتَعامل مثلها، أما إذا كانت غير رائجة؛ الناس يتوقفون منها ولا يعطون بها نفس الثمن ولا نفس البضاعة فالعبرة بما فيها من الذهب والفضة كما قال الشافعية والحنابلة.

 

فالشافعية والحنابلة يقولون: لا عبرة إلا بالخالص وما زاد قل أو كثُر لا يعتبر من غير الذهب والفضة، والحنفية يقولون: العبرة بالغالب إذا غلب الذهب والفضة كفا، والمالكية يقولون: العبرة بالرواج إن راجت بين الناس فحكمها حكم الغير المغشوش؛ وإن لم تكن رائجة بين الناس فالعبرة بخالص ما فيها من الذهب والفضة، هذا من شأن تقدير النصاب فقط.

 

والقدر الواجب هو ربع العشر كما هو معلوم.

  • والذهب والفضه ليس فيه وَقص كل ما زاد بحسابه. 

  • لكن قال أبو حنيفة: الزائد على النصاب عفوٌ حتى يبلغ خُمْس نصاب، فإذا بلغ الزائد في الفضة أربعين درهم يكون فيها درهم، ثم لا شيء في الزائد حتى تبلغ أربعين درهماً وهكذا، وكذا في الذهب لا شيء في الزائد على العشرين مثقال حتى يبلغ أربع مثاقيل.

  • لكن الصاحبان لأبي حنيفة محمد وأبو يوسف قالا بقول الجمهور أنه لا وقص؛ لا وقصَ في الذهب ولا في الفضة.

 

"يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "لا زكاة في حجر ولا جوهر ولا ياقوت ولا لؤلؤ"، وكان أنس بن -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أعطوا صدقة الرقة من كل أربعين درهمًا درهمًا، وليس في تسعين ومائة شيء -يعني: تسعين ومائة ما بلغت مائتين فهي لم تبلغ نصاب- فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" -وهو ربع العشر، لأن عُشر المئتين عشرين، وربع العشرين خمسة، ففي المئتين درهم خمسة دراهم- "وكان ﷺ يقول: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"، وكان ﷺ يقول: "إذا كان آخر الزمان كان قوام دين الناس ودنياهم الدراهم والدنانير"، -يا لطيف- "وكان ﷺ يقول: "إذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس في الذهب شيء حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار"، ربع العُشُر.

 

"وكان ﷺ يأمر النساء بإخراج زكاة حُليِّهن إذا بلغ نصابًا" وهذا يأتي معنى حكم الحلي للمرأة المستعمل، هذا الذي ذكرناه إذا بلغ نصابًا  "وسألته أمّ سلمة -رضي الله عنها- عن حليها من الذهب اهو كنز فقال:" ما بلغ أن يؤدى زكاته فزكي فليس بكنز" وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أمرني رسول الله ﷺ أن أخرج زكاة حُليّ وقال: "هي جُنَّتُكِ من النار" -وقايتك من النار- وقال: "وكانت -رضي الله عنها- تلي بنات أخيها محمد يتامى في حجرها ولهن الحلي فلا تزکیه" وهذا على قول الجمهور بأن الحلي إذا أعِدَّ للاستعمال فليس تلزم فيه زكاة، إذا أعِدَّ للاستعمال، هي تركتهم ليستعملنهن ويتزيننّ به.

 

يقول: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة، وكان يحلِّي كل بنت بأربعمائة دينار، قال -رضي الله عنه-: وكان سيف عمر -رضي الله عنه- فيه أربعمائة درهم فضة، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: إذا كان الحلي مما يعار ويلبس فإنه يزكى مرة واحدة"،

 

"وكان سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- يقول: زكاة الحُلي عاريته" -تعيره الغير يلبسه يتجمل به هذه زكاة معنوية- "وكان حماد بن زيد يقول: أول من ضرب الدنانير تُبَّع الأكبر وأول من ضرب الدراهم تُبَّع الأصغر" -أحد ملوك اليمن المتقدمين ومنهم تُبَّع الذي جاء إلى المدينة، واشترى البيت وكتب السلام للنبي محمد  يتوقى خروجه، ثم مرت مئة سنة ونحوها ووصل البيت إلى أبي أيوب الأنصاري، ثم لما جاء للهجرة بركة الناقة عند هذا البيت، "وأول من ضرب الفلوس وأدارها بين الناس نمرود بن كنعان. وقال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يتختم بخواتم الفضة ويجعل فصها مما يلي كفه ﷺ خاتم"، في بعض الرواية يلي باطن كفه.

 

فعلمنا حكم زكاة الذهب والفضة المُعَد للحلي، ولكن إذا كان مثلا مكسر ما يصلح للاستعمال وقالت: نيتي التحلي به، فهذا تلزم فيه الزكاة، ما يلبس! ما هو أهل للبس؛ أصلحيه اجعليه صالح للباس.

وعلمنا إذاً الخلاف في وجوب زكاة الحلي حتى وإن كان مستعملا عند بعض الصحابة وبعض الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.

وجاء في صحيح مسلم وعند النسائي والبيهقي عن سيدنا أنس: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي -بطنَ- كَفَّهُ"، أما ما استعمل استعمالا محرماً أو مكروهاً فبالاتفاق تلزم فيه الزكاة؛ كأن يستعمله الرجال، وما أُخِذ لا لقصد الاستعمال ولكن اقتنيَ وأراد صاحبه ولو كانت امرأة أن تعدُّه ذخر لحاجتها؛ ولا تريد استعماله؛ ولا تعزم على استعماله، فهذا يلزم فيه الزكاة بالاتفاق. 

 

وإنما بقي الخلاف في الحلي المستعمل استعمالاً مباحا:

يقول المالكية والحنابلة والشافعية: لا تلزم فيه الزكاة في الحلي المباح المستعمل، وهو كما سمعت مذهب بعض الصحابة.

وذهب الحنفية وهو قول عند الشافعية بل هو الجديد لكن الفتوى على القديم في هذا إلى وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل،  وهذا ورد عن سيدنا عمرو بن عمرو بن عباس وعبد الله بن عمرو أبو موسى الأشعري وغيرهم من الصحابة، واستدلوا في ذلك بما جاء في سنن أبي داود أن "النبيَّ  أتته امرأةٌ وفي يدِ ابنتِها مِسكتانِ غليظتانِ من ذهبٍ، المسكتانِ يعني السوارَينِ، قال: أتؤدِّينَ زكاةَ هذا؟ قالت: لا، قال: أيَسرُّكِ أن يُسورَكِ اللهُ بهما يومَ القيامةِ سوارين من نارٍ؟ قالَ: فخلعَتْهما فألقتْهما إلى النَّبيِّ ﷺ وقالت: هما للَّهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِه".

وهكذا أيضا ما جاء في رواية أبي داود أيضا وهي عند الحاكم تقول: "دخل علَيَّ رسولُ اللهِ وفي يدي فتخاتٌ من ورِقٍ -يعني: من فضة- فقال: ما هذا يا عائشةُ؟ فقلت: صنعتُهن أتزينُ لك يا رسولَ اللهِ قال: أتؤدِّين زكاتَهن؟ قلت: لا، أو ما شاء اللهُ قال: هو حسبُكِ من النارِ"، وهذا دليل من قال بوجوب الزكاة في الحلي المستعمل حلالا.

 

رزقنا الله زكاة النفوس، ورزقنا الله البذل من أجله عبودية له، ومحبة له، وصدقا معه، ورزقنا الاتباع لنبيه المصطفى محمد فيما نقول وننوي ونفعل ونعتقد ووقانا الأسواء، وفرج كروب الأمة ورفع البلاء عن الأمة وكشف الغمة، وعاملنا بمحظ الجود والرحمة.

 

 بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

05 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

03 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام