كشف الغمة 261- كتاب الصلاة ( 151) باب صلاة الاستسقاء

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 261- كتاب الصلاة ( 151) باب صلاة الاستسقاء

صباح الثلاثاء 14 رجب 1446

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :

  • ما هو الاستسقاء وأنواعه؟
  •  حكم صلاة الاستسقاء 
  • من أسباب عدم نزول الغيث
  •  حديث: السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئا 
  • قصة صلاة النبي الاستسقاء ونزول السيول 
  • تغير حال المسلمين مع الاستسقاء 
  • هل خطبة الاستسقاء قبل الصلاة ام بعدها؟ 
  • استقبال القبلة في دعاء الاستسقاء وقلب الرداء 
  • حكم الاستسقاء بحسب الحاجة
  •  استسقاء سيدنا عمر بالعباس
  • هيئة الخروج للاستسقاء وتكبيرات الخطبة
  •  الصوم مع الاستسقاء
  •  التوسل بغير النبي عليه الصلاة والسلام
  •  ما يقال في دعاء الاستسقاء 

نص الدرس المكتوب :

"قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، وكان ﷺ يقول: "ليست السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا"، وشكا الناس إلى رسول الله ﷺ مرة قحوط المطر فأمر بمنبر فوُضِعَ له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة -رضي الله عنها-: فخرج رسول الله ﷺ حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله تعالى وقال: "إنكم شكوتم جدب دياركم وتأخر المطر عن زمانه عنكم وقد أمركم الله أن تدعوه وقد وعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين" ثم رفع ﷺ يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حوّل إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه تفاؤلًا بتحويل القحط ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول لما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك ﷺ حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله".

  

وكان ﷺ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة وخطب مرة ثم صلى كما في الجمعة، وكانت خطبته ﷺ  في أكثر أحواله كهيئة خطبة الجمعة والعيد، وكثيرًا ما كان يدعو ويستغفر ثم ينصرف؛ وكان ﷺ يتوجه للقبلة في أثناء الخطبة رافعاً يديه ثم يقلب رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويفعل الناس كفعله، واستسقى ﷺ مرة وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه فقلبها الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن. 

 

وكان ﷺ يخرج للاستسقاء متواضعًا متبذلاً متخشعًا متضرعًا حتى يأتي المصلى فيرقى المنبر فلا يزال في التضرع والدعاء والتكبير والاستغفار حتى يصلي بالناس ركعتين كما يصلي في العيد، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: السنة في صلاة الاستسقاء مثل السنة في صلاة العيد يكبر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا ويجهر بالقراءة ثم ينصرف فيخطب ويستقبل القبلة ويحول رداءه ثم يستسقي.

 

وكان الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- يأمرون الرعية بالصيام ويقولون: إن رسول الله ﷺ قال: "إن دعوة الصائم لا ترد"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولم يكن رسول الله ﷺ يخطب خطبتكم هذه، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستسقي بالعباس بن عبد المطلب عم نبينا ﷺ فيقول: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد ﷺ فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا: فاسقنا فيسقون، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول في دعائه: اللهم إني قد عجزت عنهم وما عندك أوسع لهم، وكان -رضي الله عنه- يكثر في استسقائه من الاستغفار ومن قوله: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مدْرَارًا) [نوح: 10-11] ومن قوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)[هود:3] الآية، وكان ﷺ يقول: "الاستغفار مفتاح السماء فأكثروا منه"، وكان ﷺ يرفع يديه في الدعاء ويبالغ في الرفع من غير أن يحاذي بهما رأسه ويشير بظهر كفه إلى السماء وبطنها إلى الأرض".

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمدلله مكرمنا بنبيه المصطفى وبلاغه عن الله تعالى، ما تُنَال به السعادة في الظاهر والخفاء، اللهم صل وسلم وبارك وكرم على نبيك المجتبى المقتفى سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وصحبه الشرفاء، ومن والاهم واتبعهم واقتفى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أئمة الحنفاء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 

ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلق بصلاة الاستسقاء؛ والاستسقاء وهو: طلب السقيا، طلب إنزال الغيث من الله تعالى على العباد والبلاد، الاستسقاء يحصل بالدعاء في أي وقتٍ وهذا أيضا مجمع عليه. 

 

  • فينبغي للعباد أن يسألوا ربهم في كل حاجاتهم وفي ما نزل بهم. (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ ) [البقرة:186].

  • ثم ما يكون بعد ذلك أرفع من مجرد الدعاء للأفراد، فالدعاء خلف الصلوات أو في الصلوات أو في القنوت في الصلاة أو في خطبة الجمعة.

  • ثم أعلى من ذلك أن يؤمر الناس بالتوبة ورد المظالم وصيام ثلاثة أيام؛ ثم يخرجون إلى الصحراء ويصلون صلاة الاستسقاء، وتكون الخطبتان؛ فهذا من أعلاها.

 

قال: بسنيته الأئمة الثلاثة وصاحبا أبي حنيفة، وقال أبو حنيفة: السنة في الدعاء. 

كما جاء الأعرابي والنبي يخطب فطلب منه الدعاء فدعا؛ فالسنة في الدعاء والباقي جائز عنده، بقية الأنواع جائزة أن تكون خلف الصلوات وأن يكون خروج الناس وصلاتهم جائز ولكن السنة ثابتة عنده في الدعاء فقط، عند أبي حنيفة، وصاحباه قالوا بالسنية في الكل، إذا فهذا حكم صلاة الاستسقاء.

 

"قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين"، جمع سنة وهي: إما عدم الغيث أو نزول الغيوث بلا فائدة؛ بلا إنبات ولا تحصيل من الأشجار ولا ثمار،  فهذا سنين جمع سنة يراد بها القحط والجدب أو عدم الإنبات. 

 

قال: "وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم"، بسبب نقصهم الكيل والميزان، بسبب التطفيف في الكيل والوزن، إذا ساءت التعاملات بينهم البين، لم يتقوا الله تعالى ولم يخافوه، فصاروا يغشوا بعضهم بعضًا، ويضحك بعضهم على بعض؛ عمَّتْهُم بلايا من القحط وجور السلطان وما إلى ذلك -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، حتى يصلحوا المعاملة في ما بينهم البين على الصدق وعلى الإنصاف وعلى البر وعلى العدل، حينئذ يرفع الله عنهم الشدة من القحط ومن جور السلطان. 

قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، وكان ﷺ يقول: "ليست السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا

 

"ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، يكون سبب تأخير المطر منعهم للزكاة، فإذا أخرجوا الزكاة طيبة بها أنفسهم أغاثهم الله تعالى. قال: "ولولا البهائم لم يمطروا"، بسبب امتناع من يمتنع منهم عن إخراج الزكاة، "لولا البهائم لم يمطروا"؛ لكن رحمة الله -تعالى- بالبهائم والحيوانات ينزل الغيث. 

"وكان ﷺ يقول: "ليست السنة بأن لا تمطروا" يعني: ليس القحط والجدب مجرد عدم المطر، ولكن الأشد والأعظم "ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا"، لا إله إلا الله، قال فهذه المصيبة، أمطار في  أمطار ولا شيء فائدة، ولا نبات، ولا زرع.

 

 حد سيل في سيل في جربه وزرعه طمول

 وحد من الطش جربه جاب طحبة سبول

 

يتكلم الشيخ بـا مخرمة باللهجة الدارجة، والطمول عندهم: أشجار تبدأ برؤوسها صغيرة وتموت محلها، والسبول: الذي يمتلئ بالحب يخرج، والطحبة الكثير منه الملآن. 

فقال على الناس: 

حد سيل في سيل في جربه وزرعه طمول

ولا شيء ولا يطلع ..

وحد من الطش -قليل طش- وحد من الطش جربه جاب طحبة سبول.

جاب طعام كثير، وكان يشير أيضًا إلى أحوال الناس في بواطنهم، حد معه قلوب صافية وباطن نقي بمجرد الأثر اليسير من المجالس والتذكير والذكر ينبت خشية وإنابة وحضور، وواحد يظل يسمع المواعظ ويحضر المجالس زرعه طمول، سيل في سيل في جربه وزرعه طمول؛ صغير يموت في محله ما يطلع ولا يثمر؛ لا إله إلا الله.

حد سيل في سيل في جربه وزرعه طمول

 وحد من الطش جربه جاب طحبة سبول

 

الله يجعلنا من المنتفعين النافعين المذاكرين.

 

قال: "ليست السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا" -ولهذا يقول: لا تُآخذنا بالسنين بالجدب والقحط وعدم الإنبات-.

"وشكا الناس إلى رسول الله ﷺ مرة قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة -رضي الله عنها-: فخرج رسول الله ﷺ حين بدا حاجب الشمس -بعد الإشراق- فقعد على المنبر فكبر وحمد الله تعالى وقال: إنكم شكوتم جدب دياركم وتأخر المطر عن زمانه عنكم وقد أمركم الله أن تدعوه وقد وعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع -أي: يدعو- حتى بدا بياض إبطيه ثم حوّل إلى الناس ظهره -أي: استقبل القبلة- وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه تفاؤلاً بتحويل القحط ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول" من المكان الذي صلى فيه محله الآن يسمونه مسجد الغمامة، هذا الذي يصلي فيه الاستسقاء والعيد، قريب من المسجد حقه؛ بعدين قال ماعاد وصل المسجد إلا وقد سالت السيول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- "فلما رأى سرعتهم إلى الكن -فروا من المطر- ضحك ﷺ حتى بدت نواجذه فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ثم لم يزل كثير من المؤمنين في مختلف الأقطار والأعصار إذا قحطوا خرجوا للاستسقاء فلا يرجعون إلا والسيول تسيل؛ هذا كان حاصل بكثرة في كثير من بلاد المسلمين، أيام ما كانت القلوب صافية واللقم حلال والطعام حلال؛ وصاروا الآن يصلحون استسقاء بعد استسقاء والمطر يبطئ عليهم، والأمر لله من قبل ومن بعد، ولكن يجب على المسلمين أن يقيموا شاهد حاجتهم وفقرهم واضطرارهم لله تعالى وعبوديتهم، وهو أرحم بعباده.

 

قال: "وكان ﷺ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة -بخلاف ما أشارت إليه الرواية السابقة عند أبي داود والبيهقي أنه خطب ثم صلى- وخطب مرة ثم صلى كما في الجمعة -فيما تقدمت الإشارة فيه في الحديث الذي قبله-، وكانت خطبته ﷺ في أكثر أحواله كهيئة خطبة الجمعة والعيد -يعني: خطبتين يجلس بينهما-، وكثيراً ما كان يدعو ويستغفر ثم ينصرف؛ وكان ﷺ ويتوجه للقبلة في أثناء الخطبة -يقفي بالناس ويقابل القبلة- رافعاً يديه ثم يقلب رداءه -يحوله الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، والأسفل أعلى والأعلى أسفل- فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويفعل الناس كفعله -تفاؤلًا بتحول الحال-، واستسقى ﷺ مرة وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه فقلبها الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن". صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.

علمنا أن:

  • الأئمة يقولون في الاستسقاء: سنة مؤكدة، ويقول به أيضًا محمد بن الحسن بن الحنفية.

  • ويقول أبو حنيفة: بسنية الدعاء.

  • والمالكية يقولوا: هذا الاستسقاء تعتريه أحكام ثلاثة: 

    • إما يكون سنة مؤكدة إذا كان للمحل والجدب والحاجة إلى الشرب، فهذا يكون سنة مؤكدة لهم.

    • الثاني: أن يكون مندوب دون ذلك، وهو أن يستسقوا لغيرهم، يكون عندهم خصب واكتفاء ولكن يستسقون لغيرهم.

    • والثالث: مباح، وهو أن يكون عندهم سُقيا ولكنها ما تكفيهم للانبساط والتوسع، فيباح أن يستسقوا ويخرجوا للاستسقاء؛ فمن لم يكونوا في محِل ولا حاجة للشرب، لكن لو اقتصروا عليه كان دون السعة، فهذا قالوا حينئذٍ يباح لهم الاستسقاء، لا إله إلا الله.

قال سيدنا نوح لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10-12]، وعمله ﷺ والخلفاء الراشدون من بعده؛ اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.

وجاء أيضًا خبر عائشة هذا لما شكى الناس قحوط المطر، فخرج ﷺ حين بدأ حاجب الشمس إلى آخر ما قرأنا في الحديث عند أبي داود والبيهقي في السنن الكبرى، وفي البخاري أيضًا أنه خرج سيدنا عمر يستسقي للناس، ثم قدَّم العباس وقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"؛ وأمر العباس يقوم، فقام ورفع يديه وقال: "اللهم إنه لم تنزل عقوبة إلا بذنب، ولم ترفع إلا بتوبة، وهذه نواصينا بالذنوب وأيدينا بالتوبة إليك ". وفي رواية قال: "اللهم إنهم توسلوا بي لقرابتي من نبيك؛ اللهم فاسقنا"، فما وضع يديه إلا و قد أقبل السحاب وعمَّ بعد ذلك المطر الحرمين الشريفين وما حولها من البلاد، فكان الصحابة بعد ذلك يقولون لسيدنا العباس: "يا ساقيَ الحرمين"، أي: السبب سُقيا الحرمين، لأنه تقدمه قحط شديد وعمَّ البلدان كلها ما بين مكة والمدينة وما حولها، عمهم القحط حتى سموه عام الرمادة، ثم استسقى سيدنا عمر بسيدنا العباس بن عبد المطلب فسقاهم الله.

وفي ذلك يقول الحبيب أبوبكر بن شهاب: 

ربِّ غثنا بـهمْ فإنّــــــــــــكَ بالعبّـ *** ـاسِ غثـتَ الأنــــــامَ عــــامَ الرمادَه

 

فإنك بالعباس غثت الأنام عام الرمادة؛ لا إله إلا الله!.

 

قال: "وكان ﷺ يخرج للاستسقاء متواضعًا متبذلاً -ما هو مثل الذي يجي يلبس أحسن الثياب، ما خفّ وما كان من الدوم من الثياب- متخشعًا متضرعًا حتى يأتي المصلى فيرقى المنبر فلا يزال في التضرع والدعاء والتكبير والاستغفار حتى يصلي بالناس ركعتين كما يصلي في العيد وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: السنة في صلاة الاستسقاء مثل السنة في صلاة العيد يكبر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا ويجهر بالقراءة ثم ينصرف فيخطب ويستقبل القبلة ويحول رداءه ثم يستسقي".

فهي مثل صلاة العيد؛ في تكبيرة ركعتين، ويكبر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا، وبين كل التكبيرتين يأتي بالباقيات الصالحات، وكذلك الخطبة خطبتين كالعيد، لكن بدل التكبير تسع في الأولى -في أول الأولى- وسبعًا في أول الثانية وِلاءًا وبدل التكبير استغفار، يستغفر أستغفر الله أستغفر الله بدل التكبير؛ وأبدل التكبير باستغفار.. فيستغفر لأنه الأنسب للحال؛ فيستغفر تسع مرات في الخطبة الأولى -أول الخطبة الأولى- ويستغفر سبع مرات أول الخطبة الثانية.

 

قال: "وكان الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- يأمرون الرعية بالصيام ويقولون: إن رسول الله ﷺ قال: "إن دعوة الصائم لا ترد". فيخرجون في اليوم الرابع صائمين مستكنين خاضعين، ومعهم أطفالهم استرحامًا لله، ومعهم بهائمهم حتى يضج الجميع إلى الله تعالى ويرحمهم.

 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولم يكن رسول الله ﷺ يخطب خطبتكم هذه، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستسقي بالعباس بن عبد المطلب عم نبينا ﷺ فيقول: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد ﷺ فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا: فاسقنا فيسقون"، وقالوا: هذا دليل التوسل بغيره -عليه الصلاة والسلام- من الصالحين والأولياء، وبالخصوص قرابته -عليه الصلاة والسلام-. 

 

"وكان عمر -رضي الله عنه- يقول في دعائه: "اللهم إني قد عجزت عنهم وما عندك أوسع لهم".

وصحَّ أيضًا في حديث أن سيدنا بلال بن الحارث المُزني جاء في وقت قحط شديد في خلافة سيدنا عمر إلى المدينة المنورة وصلى في المسجد ودخل إلى قبر النبي ﷺ وكبَّ عليه يُقبِّله ويقول: "يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا"؛ فلما نام رأى النبي ﷺ قال: "ائتِ عمر وقل له يستسقون، وأخبره أنهم يُسقون، وقل له الكَيس الكَيس"؛ فجاء سيدنا بلال عند سيدنا عمر وأخبره بالرؤيا، بكى سيدنا عمر وقال: "اللهم لا آلو جهدًا ما استطعت"، ودعا الناس للاستسقاء فاستسقوا وسُقوا، وما أحد من الصحابة أنكر على سيدنا بلال بن الحارث تجيء إلى عند القبر وتقول استسقي وتُقبِّل القبر، لا سيدنا عمر ولا غيره من الصحابة ما أحد أنكر عليه هذا، بل امتثل الأمر سيدنا عمر فيما جاء من رؤياه النبي ﷺ، ودعا الناس فصلى بهم الاستسقاء وسُقوا بفضل الله تعالى وبركة رسوله ﷺ.

 

"وكان -رضي الله عنه- يكثر في استسقائه من الاستغفار ومن قوله: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مدْرَارًا) [نوح: 10-11] ومن قوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود : 3] الآية -فكان يكرر هذا في الاستسقاء سيدنا عمر- وكان ﷺ يقول: "الاستغفار مفتاح السماء فأكثروا منه، وكان يرفع يديه في الدعاء ويبالغ في الرفع من غير أن يحاذي بهما رأسه -الكفين لما تحت الرأس إذا رفع- ويشير بظهر كفه إلى السماء وبطنها إلى الأرض". عند طلب رفع شدة أو دفع بلية، وإذا طلب نزول خير أو تحصيل فضل يجعل الباطن إلى السماء.

 

رزقنا الله الإنابة والخشية والاستقامة، وسقى جدب قلوبنا وجدب أراضينا، وسقى المسلمين مع اللطف والعافية للجميع والبركة والتوفيق، وأصلح الشؤون ودفع الشرور ووقانا كل محذور، وكان لنا ما هو أهله في جميع الأمور، وأصلح لنا شؤوننا ما أصلح به شؤون الصالحين، وعجَّل بتفريج كروب المسلمين، ورفع البلاء عنا والمؤمنين أجمعين، وأعظم البركة لنا في هذا الشهر الكريم لياليه وأيامه وفي شعبان، وبلغنا رمضان وأعنّا على صيامه وقيامه، وبارك لنا والأمة في زيارة النبي هود، ويجعلها في هذا العام من أبرك الزيارات علينا وعلى الأمة، وأن يكشف الغمة ويعاملنا بحدود الرحمة، ويختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.

 

بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة.

تاريخ النشر الهجري

19 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

18 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام