(536)
(239)
(576)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 223- باب صلاة المعذور
صباح الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1446 هـ
باب صلاة المعذور
"كان رسول الله ﷺ يقول: "يصلي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدًا فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع فمستلقيًا رجلاه مما يلي القبلة، وإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه"، وسأله رجل فقال: يا رسول الله: كيف أصلي في السفينة؟ قال: صل فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق"، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يصلون قيامًا في السفينة يؤم بعضهم بعضًا، وكان أنس -رضي الله عنه- يصلي في السفينة جالسًا ما دامت تسير ويصلي قائمًا إذا حبست عن السير.
وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "دخلت على رسول الله ﷺ فوجدته يصلي قاعدًا فقلت: يا رسول الله حدثت أنك قلت: صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أجل ولكن لست كأحد منكم"، وكان ﷺ يرخص لصاحب البواسير أن يصلي جالسًا وعلى جنب، وعاد رسول الله ﷺ مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ الرجل عودًا ليصلي عليه فأخذه فرمى به ثم، قال: صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك.
وكانت أم سلمة -رضي الله عنها- تسجد على الوسادة من رمد كان بها، وكان عدي بن حاتم -رضي الله عنه- يصلي في مرضه ويسجد على جدار في المسجد ارتفاعه قدر ذراع، وقالوا لابن عباس لما نزل الماء في عينيه: صلّ مستلقيًا سبعة أيام ونحن نداويك، فقال: أرأيتم إن كان الأجل قبل ذلك، وتقدم في شروط الصلاة صلاة الفريضة على الراحلة بالإيماء في المطر والوحل".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بأحكامه وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمد الذي خصه بتعظيمه وإكرامه؛ صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، وأهل حضرة اقترابه من أحبابه وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، صفوة الرحمن -سبحانه وتعالى- والمهيئين لتلقي خطابه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد؛
فيواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر أحكام الصلاة؛ ويتكلم في هذا الباب عن صلاة المعذور وهو: الذي طرأ له عذر يتخفف عليه الأمر ويتيسر بالرخصة فيما كان واجبًا فيسقط في حقه وما إلى ذلك.
وابتدأ بحديث القدرة على القيام في الصلاة أو الجلوس؛ فذلك من جملة ما يعرض للإنسان في حياته، ومن المعلوم أن فريضة الصلاة لا تسقط على المؤمن ما دام عقله فيه بحال من الأحوال؛ بل يجب عليه أن يصلي بحسب ما يستطيع؛ وهكذا يأتينا في هذا مسألة المرض.
إذا تعذَّر على المريض القيام أو تعسَّر عليه بوجود ألم شديد، أو خوف زيادة في المرض، أو بطء أيام المرض عليه وما إلى ذلك:
يقول المالكية: إن لم يستطع أن يصلي مستلقيًا على ظهره صلى على بطنه ورأسه إلى القبلة.
وهكذا يقول الحنفية: إن تعسَّر عليه القعود أومَأ مستلقيًا على قفاه أو على أحد جنبيه؛ والأيمن أفضل من الأيسر، والاستلقاء على قفاه أولى من الجنب إن تيسر؛ سواء وهو على الترتيب عند الشافعية.
فإن لم يقدر على شيء من ذلك وجبت أيضًا عليه الصلاة قال:
فعُلِم تعظيم شأن الفريضة وعدم التساهل في تأخيرها عن وقتها؛ فإنَّ فيه جاءت الآية الكريمة: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4-5] أي: يأخرون الصلاة عن وقتها كما جاء في التفسير في السنة الشريفة.
إذًا فصلاة المريض بأي كيفية قَدَر عليها خير له من أن يؤخر الصلاة ثم يقضيها عشر مرات، فأحسن يصليها في وقتها، فينبغي تنبيه المرضى على ذلك، ومع ما جعل الله لهم من الرخصة؛ وقال ﷺ يخاطب بعض الصحابة: "صلِّ قائمًا فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا فإن لم تستطعْ فعلى جنبٍ فإن لم تستطعْ فمُستلقيًا".
قال: "كان رسول الله ﷺ يقول: "يصلي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدًا فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع فمستلقيًا رجلاه مما يلي القبلة، وإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه".
قال: "وسأله رجل فقال: يا رسول الله: كيف أصلي في السفينة؟" عند السفر.
فهذا بالنسبة للذي تقدم معنا لصلاة المريض يصلي ما أمكنه، وعلمتَ أن ما قال الشافعية أيضًا ومن وافقهم: أنه إذا عجز عن الإيماء برأسه فليومئ بعينيه، -يغمض قليلا للركوع وأشد منه للسجود- فإن عجز عن ذلك أجرى الأركان على قلبه ولا عذر له في ترك الصلاة.
ولا يجوزُ تَرْكُهَا لمَن عَقَلْ *** وبعدَ عَجْزٍ إِن يُطِقْ شيئا فَعَلْ
فعلى حسب الطاقة، وقد يكون أيضًا يصعب عليه التنقي عن بعض النجاسات؛ فهنا يحتاج إلى الأخذ بالأقوال وإن كان مرجوحة في بعض المذاهب: أن إزالة النجاسة سنة إلى غير ذلك؛ والمهم أن لا يقطع الصلة بينه وبين ربه في أيام مرضه.
ثم تكلم عن الصلاة على السفينة:
وكل موضع تَمكَّن فيه المصلي من القيام والقعود والركوع والسجود فعليه أن يصلي صلاة كاملة.
وذَكَر لنا حديث: "يا رسول الله: كيف أصلي في السفينة؟ قال: صل فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق". أخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي أيضًا في السنن الكبرى، والدارقطني في سننه يقول: "صل فيها قائمًا".
وعلى ذلك أيضًا يأتي الآن الصلاة في الطائرات؛ فإن لها شبه بالسفينة، وما دام يستطيع أن يصلي قائمًا فليُصلِّ الفرض قائمًا؛ أما النفل فبالاتفاق يجوز أن يصلي جالسًا في السفر أو في الحضر؛ يجوز أن يصلي نفلًا لكن إذا كان يستطيع القيام فله نصف أجر القائم؛ أما الفريضة فلابد فيها من القيام مهما كان قادرًا على القيام؛ فينظر أين جهة القبلة؟ فيقوم ويصلي ما بين الممر أو في شيء من أماكن الطائرة يصلي كذلك بالركوع والسجود ويتم الصلاة.
"قال: صل فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق"، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يصلون قيامًا في السفينة يؤم بعضهم بعضًا،" -أي: يقيمون الجماعة وهم وسط السفينة- "وكان أنس -رضي الله عنه- يصلي في السفينة جالسًا ما دامت تسير" -يعني: هذا محمول على إذا كان يخاف السقوط ولا يتمكن من القيام، وأما ما دام يتمكن فليَقُم وإن كانت السفينة تسير كما هو الحال في الطائرة-"ويصلي قائمًا إذا حبست عن السير" -عند وقوفها-.
"وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "دخلت على رسول الله ﷺ فوجدته يصلي قاعدًا -أي: في النافلة- فقلت: يا رسول الله حُدِّثْتُ أنك قلت: صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أجل ولكن لست كأحد منكم" ﷺ في عظيم الأجر له والمكانة، وأنه لم يتأخر عن القيام إلا لعذر ألمَّ به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأجره مضاعف على أجر من سواه -صلوات ربي وسلامه عليه-.
وأما عموم المسلمين فالقادر منهم على القيام إن صلى النافلة جالسا فله نصف أجر القائم؛ فإن صلاها مضطجعًا فله نصف أجر القاعد، فيجب عليه أن يجلس للركوع والسجود فيصليها بركوع وسجود مهما كان قادرا؛ فإذا امتد المرض به إلى أنه لا يستطيع أن يركع ويسجد صار ركوعه وسجوده بالإيماء. والسجود أخفض من الركوع يومىء برأسه فإن عجز عن تحريك رأسه فيومىء بعينيه.
قال: "وكان ﷺ يرخص لصاحب البواسير أن يصلي جالسًا وعلى جنب"، -على حسب الحاجة والضرورة- "وعاد رسول الله ﷺ مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ الرجل عودًا ليصلي عليه فأخذه فرمى به ثم، قال: صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء، -نكِّس رأسك لأجل السجود- واجعل سجودك أخفض من ركوعك".
الركوع والسجود من جملة الفرائض في الصلاة قال تعالى: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الحج: 77].
كذلك إذا عجزا عن السجود:
يومىء بالسجود ولا يرفع إلى وجهه شيء يسجد عليه كما قرأنا في حديث جابر؛ لما رأى المريض يصلي على وسادة نحاها، أخذ عود يصلي عليه فرمى به وقال: "صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء" إذا ما تستطيع الركوع.
قال عندنا الفقهاء الشافعية: إذا جعل له شيء يسجد عليه يستطيع أن ينكس، أي: يرفع أسافله على أعاليه فيجب ذلك؛ فإن لم يتمكن من أن يسجد حتى يحصل التنكيس وهو ارتفاع أسافله على أعاليه فلا يلزمه شيء، ويومىء بالسجود، وأما إن كان يستطيع لكن ما هو إلى الأرض مباشرة فوقها قليل فيجب عليه أن يأتي بشيء قليل ويسجد سجود كامل مادام يحصل التنكيس وهو: أن ترتفع أسافله على أعاليه. وهكذا إذا عجز عن وضع جبهته إلا على نحو وسادة يقول الشافعية وجب إن حصل به التنكيس وإلا فلا إذ لا فائدة فيه ﷺ.
قال: "وكانت أم سلمة -رضي الله عنها- تسجد على الوسادة من رمد كان بها، وكان عدي بن حاتم -رضي الله عنه- يصلي في مرضه ويسجد على جدار في المسجد ارتفاعه قدر ذراع، وقالوا لابن عباس لما نزل الماء في عينيه: صلّ مستلقيًا سبعة أيام ونحن نداويك، فقال: أرأيتم إن كان الأجل قبل ذلك"، -أقعد لكم سبع أيام وأنا أصلي كذا؟ لا لا خلوني أصلي صلاة كاملة، ولم يبالي بهم -عليه رضوان الله تعالى- أخذ بالحزم- "وتقدم في شروط الصلاة صلاة الفريضة على الراحلة بالإيماء في المطر والوحل". للعذر؛ وأما لغير ذلك فإنما يصلي النافلة على الراحلة دون الفريضة.
رزقنا الله تعظيم الدين والشريعة، ورفعنا مراتب قربه الرفيعة وفقهنا في الدين وعلمنا التأويل، وهدانا إلى سواء السبيل وألحقنا بعباده الصالحين وحزبه المفلحين، وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة
06 جمادى الأول 1446