(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 212- كتاب الصلاة (102) باب: الإمامة وصفة الأئمة
صباح الإثنين 18 ربيع الثاني 1446 هـ
باب الإمامة وصفة الأئمة
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقول: "من أمَّ أصحابه خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وكان ﷺ يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلى بهم"، وكان ﷺ يقول: "إذا كانوا ثلاثة فأكثر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في تكرمته في بيته إلا بإذنه"، وزاد في رواية: "فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها" قال حذيفة -رضي الله عنه-: وإنما قال رسول الله ﷺ: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-؛ لأن الصحابة كانوا يسلمون كبارًا فيصلون قبل أن يقرؤوا فأمر النبي ﷺ أن يصلي بهم أكثرهم قرآنًا"، وكان حذيفة يقول: إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن فازددنا به إيمانًا، وإنكم قوم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان فلم تزدادوا إيمانًا.
وكان ﷺ يقول: "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم"، ومن هنا كان الصحابة يرون أن الإمام الراتب أولى من الزائر، وكان ابن مسعود إذا جاء إلى مسجد فقال له الناس: "صل بنا يقول: إمامكم أولى، وكان سلمان الفارسي لا يؤم بالأكابر من الصحابة ويقول: كيف نصلي بقوم هدانا الله بهم أو ننكح نساءهم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة والارتقاء بها إلى المراتب الرفيعة، ومبينها على لسان عبده المصطفى ذي الوجاهات الوسيعة؛ مُحمَّد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،
وقد ابتدأ الشيخ يذكر "باب الإمامة وصفة الأئمة" يعني: في الصلوات الخمس.
الإمامة عند أهل الفقه يطلقونها على:
وللإمامة فضائل ومنزلة عند الحق -جل جلاله-؛ واختلف الأئمة هي أفضل أم الأذان؟
فالإمامة التي يترتب عليها القدوة من قبل المصلين لتعليم المؤمن مسألة الارتباط والاقتداء في دينه كله بنبي الهدى ﷺ الذي قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال: (فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ) [آل عمران:31].
فالجمهور في فضل الإمامة: أن الإمامة أفضل من الأذان والإقامة لمواظبة النبي ﷺ والخلفاء الراشدين عليها - على الإمامة.
وجاء عن سيدنا عمر: لولا الخلافة لأذَّنت.
وذكروا أنه بالنسبة له ﷺ إنما لم يتولى الأذان لأن أمره يصير فرض عين واجب، فإذا قال: حي على الصلاة، وجب على كل من سمعه أن يأتي كائناً ما كان من المصلين، فلم يتولى ذلك بنفسه ﷺ.
والقول أيضًا عند الشافعية وفي رواية عند الإمام أحمد بن حنبل وبعض المالكية: أن الأذان أفضل، قالوا: لقول ﷺ: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن". قالوا: والأمان أعلى من الضمان.
وقوله "اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين". قالوا: المغفرة أعلى من الرشاد. "اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" فقالو: بأن الأذان أفضل.
وقد تقدم معنا بعض أحكام الأذان وأنه ينبغي للمؤمن أن يحرص أن يشارك في الأذان ومن شرطه الذكورة.
إذًا صلاة الجماعة مع كونه شعار من شعائر دين الله -تبارك وتعالى-؛ فهي:
وقال الجمهور: أنها فرض كفاية أو أنها سنة، فهي من السنن المؤكدة التي صارت شعارًا من شعائر الإسلام. يؤيده ما جاء في السنة: أنه كان إذا أراد غزو قوم ينتظر بهم الفجر فإن سمع الأذان كفَّ عنهم.
فصار الأذان شعار من شعائر الدين يجب إقامته في كل قرية، وفي كل مدينة، وفي كل جماعة، حيثما حلوا وأينما حلوا من المسلمين.
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقول: "من أمَّ أصحابه خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". كما جاء عند البيهقي في السنن الكبرى "من أذن خمس صلوات وأمَّهم إيمانا واحتسابا".
وتقدمت أيضًا الإشارة إلى الجمع بين الأذان والإقامة والإمامة وأنه كرهه بعضهم؛ وأن بعض الفقهاء لم يرى في ذلك بأسًا، وعليه كان عمل الإمام عبد الرحمن بن محمد المشهور -عليه رحمة الله- فقد مكث حوالي خمسًا وعشرين سنة في مسجد الشيخ علي يؤذن ويقيم ويؤم الناس في الصلوات الخمس -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، مائلًا إلى قول القائلين بعدم الكراهة في الجمع بين الثلاثة الأذان والإقامة والإمامة،وفي هذا الحديث ما يؤيد وهو قوله: "من أمَّ أصحابه خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"
وكان ﷺ يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلى بهم"، أي: يقل بينهم الفقهاء وأرباب الحضور مع الله -تبارك وتعالى-، حتى يجتمع العدد من الناس ما يجدون من يستعد لإمامتهم ولا من يصلي بهم؛ فالإمامة مع كونها مما لا يُتسارع إليه، فكذلك لا ينبغي أن تُتدافع. ولكن من كان مستطيعًا للقيام بالإمامة مجتمعةً فيه شروطها، فينبغي إذا طُلِبَ منه ذلك أن يتقدم، قربةً إلى الله -تبارك وتعالى.
وكان ﷺ يقول: "إذا كانوا ثلاثة فأكثر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-".
"أقرؤهم لكتاب الله" قال الشافعية: أقرؤهم لكتاب الله هو أفقههم، لأن الأقرأ في كتاب الله كانت تطلق في زمن الصحابة والتابعين على الأفقه في الدين، ومن كان أكثر أخذًا للقرآن فهو أكثر أخذًا لأحكام الإسلام والشريعة، فلذلك أجمعوا على أن الأقرأ الأفقه هو الأولى، وإنما إذا توسع في الفقه أحدهم ولم يتوسع في القرآن وتوسع الآخر في القرآن فمن أحقهم بالإمامة؟ مال الشافعية إلى أنه الأفقه.
قال:"وأحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا" -يعني: أكبرهم سنًَّا- "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في تكرمته" -أي: المحل المُعَد للجلوس له تكرمةً من فراشٍ ونحوه- "في بيته إلا بإذنه". قال: وزاد في رواية: "فإن كانوا في السن سواء فأحسنهمْ وجها".
ففي هذا ترتيب من أحق بالإمامة بعد اجتماع شروط من الإسلام من غير شك.
إمامة الكافر:
وحتى قالوا: لو -والعياذ بالله تعالى- أمَّهُم كافر كان يخفي كفره بعدين يتبين لهم أنه كان كافرًا؛ فإذا صلى خلفه الناس لا يعلمون بكفره؛ ثم تبين أنه كافر؟؟:
إمامة الفاسق:
ثم يصرح الحنابلة وكذلك هي رواية عند المالكية في الفاسق وهو: من يعلن إصراره على الصغيرة أو ارتكابه للكبيرة؛ الفاسق.
كذلك شرط العقل متفق عليه بين الأئمة، وحتى الذي أحيانا يأتي عقله وأحيانًا يذهب فإن صلى في الوقت الذي مجتمع فيه عقله صحت الصلاة.
ثم كذلك يشترط الأئمة الثلاثة للمصلي بالجماعة من البالغين أن يكون بالغاً.
إذًا: فلا تصح عندهم -عند الحنفية- إمامة المميز للبالغ سواء كان في فرض أو في نفل.
قالوا: وإن كان الصبي أقرأ أو أفقه لأنه مختلف في صحة إمامته فالبالغ أولى من جهة الأوْلى؛ أما من جهة الصحة فتصح إمامة الصبي المميز للبالغين سواء كانت في فرض أو في نفل.
أما إذا أمَّ مميز أمثاله أطفال مميزين غير بالغين فتصح بالإتفاق عند الأئمة كلهم الأربعة؛ إذا أمَّ مثله مميزين غير بالغين فإمامته صحيحة بالاتفاق؛ لكن إذا أمَّ بالغين:
إذًا:
كما يشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكر فلا تصح إمامة المرأة لأحد من الرجال وهو متفق عليه بين الفقهاء.
وكان ﷺ أن يصففن في مسجده خلف الصبيان، فيصلي خلفه البالغون من الرجال ثم الصبيان ثم النساء. وفي الحديث: "لا تؤمنَّ امرأة رجلا".
لكن الجمهور: من الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا تصح إمامة المرأة للنساء.
ثم شرط الإمامة أيضًا أن لا يكون أمياً؛ يعني: أن لا يخل بحرف من حروف الفاتحة.
وعلى هذا اختلفوا في إمامة الأُميِّ للقارئ:
يقول: "قال حذيفة -رضي الله عنه-: وإنما قال رسول الله ﷺ: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-؛ لأن الصحابة كانوا يسلمون كبارًا فيصلون قبل أن يقرؤوا فأمر النبي ﷺ أن يصلي بهم أكثرهم قرآنًا"، وكان حذيفة يقول: إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن فازددنا به إيمانًا، وإنكم قوم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان فلم تزدادوا إيمانًا"، والعياذ بالله تعالى.
يعني: من جَمَدَ على أخذ القراءة من دون خشية وحسن تأمل للمعاني، وتدبر للقراءة والبحث عن دلالاتها؛ فإن هذا لا يزداد إيمانًا والعياذ بالله تعالى بتلاوة آيات الله؛ ولكن من اعتنى بشأن قلبه وإيمانه فإن تلاوة القرآن تزيده إيمانا قال تعالى: (وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا ﴾ [الأنفال: 2].
وكان ﷺ يقول: "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمُّهُم رجل منهم".
فالمقيمين في المكان أولى بالإمامة، إلا أن يختاروا تقديم من وفَدَ عليهم فيتقدم. وكذلك لابد أن ينوي الإمامة، أما إن كان في جمعة أو صلاة معادة أو منذورة فيجب عليه أن ينوي الإمامة، وأما إن في غير ذلك فيستحب له أن ينوي الإمامة؛ فإن لم ينوي الإمامة صحت صلاة المأمومين وصارت جماعة لهم وليست بجماعة له، وكأنه صلى منفردًا لأنه لم ينوي الإمامة بهم.
إذًا: فنية الإمامة شرط لنيل ثواب الجماعة وتصح الصلاة من دون أن ينوي الإمام الإمامة، ومن نوى الإئتمام به صحت صلاته وحصل ثواب الجماعة هذا المأموم، أما الإمام ما يحصل إلا إن نوى،
لكن في الجمعة يجب عليه أن ينوي الإمامة لأن الجمعة لا تصح إلا جماعة فيجب عليه.
قال الشافعية: كذلك المعادة لأنه ما يندب له إعادة الصلاة إلا جماعة فلا يصح يعيد الصلاة وهو إمام من دون أن ينوي الإمامة.
وكذلك يقولون في من نذر أن يصلي جماعة فواجب عليه أن ينوي الإمامة إذا تقدم من أجل يكون محصل للثواب الجماعة.
وكذلك المتقدمة في المطر عند الشافعية إذا تقدم العصر مع الظهر أو المغرب مع العشاء فلأجل عذر المطر، فيجب أن ينوي الإمامة لأنه ما تصح التقديم إلا لمصلي جماعة؛ يصلون جماعة في مكان يجمعهم إذا رجعوا إلى أماكنهم يصعب عليهم العودة إليهم مع المطر فيجمعون بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء.
يقول: "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم"، أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، وهذا أيضًا إذا كان غير الإمام الأكبر فإذا كان إمام أعظم فحيثما نزل ينبغي أن يتقدم هو يصلي بهم فهو أحق، كما هو المعروف من سيرته ﷺ وسيرة الخلفاء الراشدين.
ولو أحرم منفردًا ثم جاء آخر فصلى معه فنوى إمامته؟:
إذا:
المالكية والشافعية قالوا: لا يلزم نية الإمامة إلا في الجمعة، كذلك
قال الشافعية: في المعادة والمنذورة والمتقدمة في المطر.
"قال: ومن هنا كان الصحابة يرون أن الإمام الراتب أولى من الزائر، وكان ابن مسعود إذا جاء إلى مسجد فقال له الناس: "صل بنا يقول: إمامكم أولى، وكان سلمان الفارسي لا يؤم بالأكابر من الصحابة ويقول: كيف نصلي بقوم هدانا الله بهم أو ننكح نساءهم"
يعني: إذا ماتوا، ومن المهم أن لا يتقدم على من يكرهون إمامته، " لا ترفع لهم صلاة … -من- أمِّ قوما وهم له كارهون"، "لا ترفع الصلاة فوق رأسه شبرًا"، يعني: لا تقبل منه الصلاة إذا كان.. لأنه في الغالب ما يكرهون إمامته إلا وهو مؤذي لهم ومتعب وصاحب مشاكل مع الناس؛ فما بغوا -أرادوا- إمامته، فلهذا صارت مكروه له أن يؤمهم ومهدد بعدم القبول عند الله إذا أم قومًا وهم له كارهون.
في الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان "، هؤلاء ما ترفع صلاتهم؛ يعني: ما تقبل منهم الصلاة الأخوة المتصارمين، والمرأة التي تغضب زوجها فيبيت وهو ساخط عليها، والذي يؤم قوم وهم له كارهون.
رزقنا الله القبول في صلواتنا وإقامتها على الوجه الأحب إليه والأرضى له، وجعلنا من خواص الذين هم في صلاتهم خاشعون، ورقانا مراتب الإقتداء بالأمين المأمون في الظهور والبطون، وبارك لنا ولكم في جميع ما أعطانا وأنعم به علينا بركة تامة.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
18 ربيع الثاني 1446