كشف الغمة 212- كتاب الصلاة (102) باب: الإمامة وصفة الأئمة

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  212- كتاب الصلاة (102) باب: الإمامة وصفة الأئمة

صباح الإثنين 18 ربيع الثاني 1446 هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

باب الإمامة وصفة الأئمة 

 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقول: "من أمَّ أصحابه خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وكان ﷺ يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلى بهم"، وكان ﷺ يقول: "إذا كانوا ثلاثة فأكثر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في تكرمته في بيته إلا بإذنه"، وزاد في رواية: "فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها" قال حذيفة -رضي الله عنه-: وإنما قال رسول الله ﷺ: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-؛ لأن الصحابة كانوا يسلمون كبارًا فيصلون قبل أن يقرؤوا فأمر النبي ﷺ أن يصلي بهم أكثرهم قرآنًا"، وكان حذيفة يقول: إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن فازددنا به إيمانًا، وإنكم قوم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان فلم تزدادوا إيمانًا. 

وكان ﷺ يقول: "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم"، ومن هنا كان الصحابة يرون أن الإمام الراتب أولى من الزائر، وكان ابن مسعود إذا جاء إلى مسجد فقال له الناس: "صل بنا يقول: إمامكم أولى، وكان سلمان الفارسي لا يؤم بالأكابر من الصحابة ويقول: كيف نصلي بقوم هدانا الله بهم أو ننكح نساءهم". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 

 الحمد لله مكرمنا بالشريعة والارتقاء بها إلى المراتب الرفيعة، ومبينها على لسان عبده المصطفى ذي الوجاهات الوسيعة؛ مُحمَّد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعد،

وقد ابتدأ الشيخ يذكر "باب الإمامة وصفة الأئمة" يعني: في الصلوات الخمس.

الإمامة عند أهل الفقه يطلقونها على: 

  • الإمامة في الصلوات يسمونها الإمامة الصغرى.
  • وعلى الإمامة في تولي تطبيق أحكام الشريعة والقيام بها في الناس يقولون لها الإمامة الكبرى أو الإمامة العظمى.

وللإمامة فضائل ومنزلة عند الحق -جل جلاله-؛ واختلف الأئمة هي أفضل أم الأذان؟

  • وقال بعضهم: الجمع بين الأذان والإقامة أفضل من الإمامة. 
  • أما أحدهما أذان أو إقامة؛ فالإمامة أفضل منه.

فالإمامة التي يترتب عليها القدوة من قبل المصلين لتعليم المؤمن مسألة الارتباط والاقتداء في دينه كله بنبي الهدى ﷺ الذي قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال: (فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ) [آل عمران:31].

 

فالجمهور في فضل الإمامة: أن الإمامة أفضل من الأذان والإقامة لمواظبة النبي ﷺ والخلفاء الراشدين عليها - على الإمامة.

وجاء عن سيدنا عمر: لولا الخلافة لأذَّنت.

 

وذكروا أنه بالنسبة له ﷺ إنما لم يتولى الأذان لأن أمره يصير فرض عين واجب، فإذا قال: حي على الصلاة، وجب على كل من سمعه أن يأتي كائناً ما كان من المصلين، فلم يتولى ذلك بنفسه ﷺ.

 

والقول أيضًا عند الشافعية وفي رواية عند الإمام أحمد بن حنبل وبعض المالكية: أن الأذان أفضل، قالوا: لقول ﷺ: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن". قالوا: والأمان أعلى من الضمان.

وقوله "اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".  قالوا: المغفرة أعلى من الرشاد. "اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" فقالو: بأن الأذان أفضل.

 

وقد تقدم معنا بعض أحكام الأذان وأنه ينبغي للمؤمن أن يحرص أن يشارك في الأذان ومن شرطه الذكورة.

إذًا صلاة الجماعة مع كونه شعار من شعائر دين الله -تبارك وتعالى-؛ فهي:

  • من السنن المؤكدة التي تشبه الواجب عند أكثر الفقهاء.
  • ومنهم من يقول هي فرض كفاية.
  • ومنهم من يقول واجب عين كقول الحنابلة، مع قولهم بصحة الصلاة لمن صلى منفردًا؛ إلا أنه يأثم بتركه الجماعة وإن صحت الصلاة، يأثم بتركه الجماعة وهو قادر عليها.

وقال الجمهور: أنها فرض كفاية أو أنها سنة، فهي من السنن المؤكدة التي صارت شعارًا من شعائر الإسلام.  يؤيده ما  جاء في السنة: أنه كان إذا أراد غزو قوم ينتظر بهم الفجر فإن سمع الأذان كفَّ عنهم.

فصار الأذان شعار من شعائر الدين يجب إقامته في كل قرية، وفي كل مدينة، وفي كل جماعة، حيثما حلوا وأينما حلوا من المسلمين.

 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقول: "من أمَّ أصحابه خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". كما جاء عند البيهقي في السنن الكبرى "من أذن خمس صلوات وأمَّهم إيمانا واحتسابا".

وتقدمت أيضًا الإشارة إلى الجمع بين الأذان والإقامة والإمامة وأنه كرهه بعضهم؛ وأن بعض الفقهاء لم يرى في ذلك بأسًا، وعليه كان عمل الإمام عبد الرحمن بن محمد المشهور -عليه رحمة الله- فقد مكث حوالي خمسًا وعشرين سنة في مسجد الشيخ علي يؤذن ويقيم ويؤم الناس في الصلوات الخمس -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، مائلًا إلى قول القائلين بعدم الكراهة في الجمع بين الثلاثة الأذان والإقامة والإمامة،وفي هذا الحديث ما يؤيد وهو قوله: "من أمَّ أصحابه خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" 

 

وكان ﷺ يقول: "إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلى بهم"، أي: يقل بينهم الفقهاء وأرباب الحضور مع الله -تبارك وتعالى-، حتى يجتمع العدد من الناس ما يجدون من يستعد لإمامتهم ولا من يصلي بهم؛ فالإمامة مع كونها مما لا يُتسارع إليه، فكذلك لا ينبغي أن تُتدافع. ولكن من كان مستطيعًا للقيام بالإمامة مجتمعةً فيه شروطها، فينبغي إذا طُلِبَ منه ذلك أن يتقدم، قربةً إلى الله -تبارك وتعالى.

وكان ﷺ يقول: "إذا كانوا ثلاثة فأكثر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-". 

"أقرؤهم لكتاب الله" قال الشافعية: أقرؤهم لكتاب الله هو أفقههم، لأن الأقرأ في كتاب الله كانت تطلق في زمن الصحابة والتابعين على الأفقه في الدين، ومن كان أكثر أخذًا للقرآن فهو أكثر أخذًا لأحكام الإسلام والشريعة، فلذلك أجمعوا على أن الأقرأ الأفقه هو الأولى، وإنما إذا توسع في الفقه أحدهم ولم يتوسع في القرآن وتوسع الآخر في القرآن فمن أحقهم بالإمامة؟ مال الشافعية إلى أنه الأفقه.

قال:"وأحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا" -يعني: أكبرهم سنًَّا- "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في تكرمته" -أي: المحل المُعَد للجلوس له تكرمةً من فراشٍ ونحوه-  "في بيته إلا بإذنه". قال: وزاد في رواية: "فإن كانوا في السن سواء فأحسنهمْ وجها".

 

ففي هذا ترتيب من أحق بالإمامة بعد اجتماع شروط من الإسلام من غير شك.

إمامة الكافر:

وحتى قالوا: لو -والعياذ بالله تعالى- أمَّهُم كافر كان يخفي كفره بعدين يتبين لهم أنه كان كافرًا؛ فإذا صلى خلفه الناس لا يعلمون بكفره؛ ثم تبين أنه كافر؟؟:

  • يقول الحنفية والحنابلة: ليس عليهم إعادة الصلاة لأنها كانت محكومٌ بصحتها. 
  • وقال الشافعية: إذا بان إمامه كافر معلن وجبت الإعادة؛ وكذلك إن كان مخفيًا يقول الشربيني: أنَّ الأصح عدم وجوب الإعادة إذا كان مخفياً كفره، وأما إذا كان معلن كفره ولكن وقع تقصير من المأمومين صلوا خلفه وهم يعلمون أنه يعلن الكفر
  • كذلك يقول المالكية: أنه تبطل الصلاة بالاقتداء بمن كان كافرًا سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية وطالت المدة أو قصرت.

 

إمامة الفاسق:

ثم يصرح الحنابلة وكذلك هي رواية عند المالكية في الفاسق وهو: من يعلن إصراره على الصغيرة أو ارتكابه للكبيرة؛ الفاسق.

  • قال الحنابلة: لا تجوز إمامة الفاسق وهي رواية عند المالكية، أنَّ الذي يأتي كبيرة من الكبائر أو يداوم على الصغيرة هذا فاسق، يصر على الصغيرة أو يأتي كبيرة من كبائر الذنوب فهذا فاسق.
  • قال الحنابلة: ما تصح إمامته وهذه رواية عند المالكية.
  • يقول الحنفية والشافعية: تجوز إمامة الفاسق مع الكراهة وهذا أيضًا هو المعتمد عند المالكية ويروى: "صلوا خلف كل بر وفاجر"، قال: وقد صلى جماعة من الصحابة خلف الحجاج بن يوسف وهو معروف بقتل النفوس وسفك الدماء، وأعظم به فسقا.

 

كذلك شرط العقل متفق عليه بين الأئمة، وحتى الذي أحيانا يأتي عقله وأحيانًا يذهب فإن صلى في الوقت الذي مجتمع فيه عقله صحت الصلاة.

 

ثم كذلك يشترط الأئمة الثلاثة للمصلي بالجماعة من البالغين أن يكون بالغاً.

  • فيقول الحنفية والمالكية والحنابلة: لابد أن يكون بالغ؛ فما تصح عندهم إمامة الصبي للبالغين، ويذكرون حديث بسند ضعيف جدًا "لا تقدموا صبيانكم"، وقالوا: أن الصبي أيضًا ليس من أهل الضمانة والإمام ضامن. فقالوا: لا يجوز أن يتقدم في الفرض صبيٌ يؤُمُّ البالغين؛ أما في غير الفرض مثل صلاة كسوف أو تراويح، فقالوا: تصح إمامة المميز للبالغ، قال بعض الحنفية: لا تصح.

إذًا: فلا تصح عندهم -عند الحنفية- إمامة المميز للبالغ سواء كان في فرض أو في نفل.

  • أما المالكية والحنابلة قالوا: إن كان في نفل تصح، وإن كان في فرض فلا.
  • قال الشافعية: تصح إمامة الصبي المميز للبالغين مطلقًا سواءً في فرض أو في نفل، لما جاء من حديث عمرو بن سلمة: أنه كان يؤمُّ قومه على عهد رسول ﷺ وهو ابن ستة أو سبع سنين؛ إلا أن البالغ أولى من الصبي؛ الصحيح.

 

قالوا: وإن كان الصبي أقرأ أو أفقه لأنه مختلف في صحة إمامته فالبالغ أولى من جهة الأوْلى؛ أما من جهة الصحة فتصح إمامة الصبي المميز للبالغين سواء كانت في فرض أو في نفل.

أما إذا أمَّ مميز أمثاله أطفال مميزين غير بالغين فتصح بالإتفاق عند الأئمة كلهم الأربعة؛ إذا أمَّ مثله مميزين غير بالغين فإمامته صحيحة بالاتفاق؛ لكن إذا أمَّ بالغين:

  • قال الأئمة الثلاثة: في الفرض لا.
  • وقال في النفل: يجوز إمامة الصبي للبالغ المالكية والحنابلة.
  • ومعتمد الحنفية: لا ما يصح أن يكون الإمام صبيًا ولو كان في نفل أو في فرض سواء.

إذًا

  • المختار عند الحنفية عدم جواز إمامة الصبي للبالغين مطلقا، وأجازها المالكية والحنابلة في النفل.
  • ومنعها الأئمة الثلاثة في الفروض، في الفرائض لا يؤم الصبي الغير البالغ لا يؤم بالغين.
  • وقال الشافعية: يجوز أن يؤم الصبي البالغين في فرض أو نفل؛ لحديث عمرو بن سلمة في صحيح البخاري أنه ﷺ "أنه كان يؤم قومه على عهد سيدنا رسول الله  وهو ابن ست أو سبع سنين" لكونه كان أقرأ.

 

كما يشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكر فلا تصح إمامة المرأة لأحد من الرجال وهو متفق عليه بين الفقهاء.

وكان ﷺ أن يصففن في مسجده خلف الصبيان، فيصلي خلفه البالغون من الرجال ثم الصبيان ثم النساء. وفي الحديث: "لا تؤمنَّ امرأة رجلا". 

  • فإذا صلت بنساء مثلها؛ فكذلك عند جمهور الفقهاء صحيحة من الحنفية والشافعية والحنابلة، وجاء حديث أم ورقة أن النبي  أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها في رواية أبي داود والإمام أحمد بن حنبل بسند حسن أنه  "أذن لأم ورقة أن تؤم نساء دارها" نساء أهل دارها. 
  • ولكن مع القول بالجواز يقول الحنفية: مكروه إمامتها للنساء؛ فيبحثن عن الصلاة خلف الرجال.
  • أما المالكية: فقالوا لا تجوز إمامة المرأة في صلاة؛ ولو للنساء لا في فرض ولا في نقل، فعند المالكية لا تؤم المرأة ولو لنساء فإذا لم يجدن رجل يقتدن به صلت كل واحدة وحدها.

لكن الجمهور: من الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا تصح إمامة المرأة للنساء. 

  • إلا أن الحنفية قالوا: بكراهة ذلك مع صحة الصلاة.
  • أما الشافعية والحنابلة: قالوا بدون كراهة تؤم النساء بدون كراهة.

 

ثم شرط الإمامة أيضًا أن لا يكون أمياً؛ يعني: أن لا يخل بحرف من حروف الفاتحة.

وعلى هذا اختلفوا في إمامة الأُميِّ للقارئ:

  • أما إمامة الأمي لمثله أو إمامته للأخرس صحيحة باتفاق.
  • وأما إمامته لمن يحسن الفاتحة وهو لا يحسن الفاتحة فلا تصح؛ إن كان يخل بحرف من حروفها أو يلحن لحناً لا يغير المعنى إن غير المعنى ما تصح إمامته.
  • كذلك كرهوا إمامة الفأفأة الذي يكرر الفاء عند التلاوة، والتمتام الذي يكرر التاء، وكذلك اللحن الغير المغير للمعنى عدوه في الكراهة، أيضًا الجمهور قالوا عنه: كراهة.
  • فيقول الشافعية والحنابلة: أنه يكره إمامته إذا كان يلحن لحن مُغَيِّر للمعنى؛ أو تأتأ؛ أو تمتام.
  • ويقول الحنفية: أن الفافأة والتمتمة تمنع الإمامة ما يصح أن يكون إمام.
  • واختلف في ذلك أهل مذهب الإمام مالك -عليه رضوان الله- من بين مجيز ومانع سواء.

 

يقول: "قال حذيفة -رضي الله عنه-: وإنما قال رسول الله ﷺ: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله -عز وجل-؛ لأن الصحابة كانوا يسلمون كبارًا فيصلون قبل أن يقرؤوا فأمر النبي ﷺ أن يصلي بهم أكثرهم قرآنًا"، وكان حذيفة يقول: إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن فازددنا به إيمانًا، وإنكم قوم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان فلم تزدادوا إيمانًا"، والعياذ بالله تعالى. 

يعني: من جَمَدَ على أخذ القراءة من دون خشية وحسن تأمل للمعاني، وتدبر للقراءة والبحث عن دلالاتها؛ فإن هذا لا يزداد إيمانًا والعياذ بالله تعالى بتلاوة آيات الله؛ ولكن من اعتنى بشأن قلبه وإيمانه فإن تلاوة القرآن تزيده إيمانا قال تعالى: (وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا ﴾ [الأنفال: 2].

 

وكان ﷺ يقول: "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمُّهُم رجل منهم".

فالمقيمين في المكان أولى بالإمامة، إلا أن يختاروا تقديم من وفَدَ عليهم فيتقدم. وكذلك لابد أن ينوي الإمامة، أما إن كان في جمعة أو صلاة معادة أو منذورة فيجب عليه أن ينوي الإمامة، وأما إن في غير ذلك فيستحب له أن ينوي الإمامة؛ فإن لم ينوي الإمامة صحت صلاة المأمومين وصارت جماعة لهم وليست بجماعة له، وكأنه صلى منفردًا لأنه لم ينوي الإمامة بهم.

إذًا: فنية الإمامة شرط لنيل ثواب الجماعة وتصح الصلاة من دون أن ينوي الإمام الإمامة، ومن نوى الإئتمام به صحت صلاته وحصل ثواب الجماعة هذا المأموم، أما الإمام ما يحصل إلا إن نوى، 

لكن في الجمعة يجب عليه أن ينوي الإمامة لأن الجمعة لا تصح إلا جماعة فيجب عليه.

قال الشافعية: كذلك المعادة لأنه ما يندب له إعادة الصلاة إلا جماعة فلا يصح يعيد الصلاة وهو إمام من دون أن ينوي الإمامة.

وكذلك يقولون في من نذر أن يصلي جماعة فواجب عليه أن ينوي الإمامة إذا تقدم من أجل يكون محصل للثواب الجماعة. 

وكذلك المتقدمة في المطر عند الشافعية إذا تقدم العصر مع الظهر أو المغرب مع العشاء فلأجل عذر المطر، فيجب أن ينوي الإمامة لأنه ما تصح التقديم إلا لمصلي جماعة؛ يصلون جماعة في مكان يجمعهم إذا رجعوا إلى أماكنهم يصعب عليهم العودة إليهم مع المطر فيجمعون بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء.

 

يقول: "من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم"، أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، وهذا أيضًا إذا كان غير الإمام الأكبر فإذا كان إمام أعظم فحيثما نزل ينبغي أن يتقدم هو يصلي بهم فهو أحق، كما هو المعروف من سيرته وسيرة الخلفاء الراشدين.

  • ويقول المالكية والشافعية: لا تشترط نية الإمامة إلا في الجمعة.
  • وكذلك قال الشافعية: المعادة والمنذورة والمتقدمة في المطر يجب فيها نية الإمامة. 
  • قال الحنابلة: يشترط في الإمام نية الإمامة -سمعت-، فمن شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام أنه إمام، والمأموم أنه مأموم.

ولو أحرم منفردًا ثم جاء آخر فصلى معه فنوى إمامته؟:

  • قال الحنابلة: صح في النفل، لما جاء من حديث ابن عباس بت عند خالتي ميمونة فقام  يصلي من الليل قام إلى القربة وتوضأ وقام وصلى، فقمت لما رأيت صنع ذلك وتوضأت من القربة ثم قمت إلى شقه الأيسر فأخذ بيدي من وراء ظهري يعدلني كذلك إلى الشقِ الأيمن كما جاء في صحيح البخاري. ففيه الإئتمام به أثناء الصلاة قد أحرم وحده  يصلي في قيام الليل التطوع، فلما جاء ابن عباس صلى معه وتركه يصلي معه، فلم ينوى الإمامة من البداية، وعلى كل أيضًا ما يحصل ثواب الجماعة إلا إن نوى الإمامة وإلا يحصل ثواب الجماعة المأمومين وهو ما يحصل ثواب الجماعة لأنه لم ينوى الإمامة.
  • يقول أيضًا الحنابلة: في الفرض إن كان ينتظر أحد كإمام مسجد يحرم وحده وينتظر من يدخل، قال: ويجوز ذلك.
  • وابن قدامة من الحنابلة كالجمهور: قال تصح الإمامة مهما صلى وإن صلى وإن أحرم منفردا، فلا فرق عنده بين الفرض والنفل، إذا جاء من يصلي خلفه والإمامة به وهو في أثناء الصلاة.
  • يقول الحنفية: نية الرجل الإمامة شرط لصحة اقتداء النساء إن كن وحدهن في أي صلاة ذات ركوع وسجود، هذا قول الحنفية؛ حتى قالوا: إن إذا لم ينوي الإمامة المرأة ونوت هي الأقتداء به لم تضره فالصلاة تصح ولكن عندهم صلاتها غير صحيحة إلا أن ينوي الإمام الإمامة.

 

إذا: 

المالكية والشافعية قالوا: لا يلزم نية الإمامة إلا في الجمعة، كذلك

قال الشافعية: في المعادة والمنذورة والمتقدمة في المطر.

"قال: ومن هنا كان الصحابة يرون أن الإمام الراتب أولى من الزائر، وكان ابن مسعود إذا جاء إلى مسجد فقال له الناس: "صل بنا يقول: إمامكم أولى، وكان سلمان الفارسي لا يؤم بالأكابر من الصحابة ويقول: كيف نصلي بقوم هدانا الله بهم أو ننكح نساءهم"

يعني: إذا ماتوا،  ومن المهم أن لا يتقدم على من يكرهون إمامته، " لا ترفع لهم صلاة … -من- أمِّ قوما وهم له كارهون"، "لا ترفع الصلاة فوق رأسه شبرًا"، يعني: لا تقبل منه الصلاة إذا كان.. لأنه في الغالب ما يكرهون إمامته إلا وهو مؤذي لهم ومتعب وصاحب مشاكل مع الناس؛ فما بغوا -أرادوا- إمامته، فلهذا صارت مكروه له أن يؤمهم ومهدد بعدم القبول عند الله إذا أم قومًا وهم له كارهون.

 في الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان "، هؤلاء ما ترفع صلاتهم؛ يعني: ما تقبل منهم الصلاة الأخوة المتصارمين، والمرأة التي تغضب زوجها فيبيت وهو ساخط عليها، والذي يؤم قوم وهم له كارهون.

رزقنا الله القبول في صلواتنا وإقامتها على الوجه الأحب إليه  والأرضى  له، وجعلنا من خواص الذين هم في صلاتهم خاشعون، ورقانا مراتب الإقتداء بالأمين المأمون في الظهور والبطون، وبارك لنا ولكم في جميع ما أعطانا وأنعم به علينا بركة تامة.

 

 

 بسر الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

18 ربيع الثاني 1446

تاريخ النشر الميلادي

21 أكتوبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام