كشف الغمة 211- كتاب الصلاة (101) الرخصة في ترك الجماعة

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  211- كتاب الصلاة (101) الرخصة في ترك الجماعة

صباح الثلاثاء 12ربيع الثاني 1446 هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

 فصل في الرخصة في ترك حضور الجماعة 

 

"تقدم في باب آداب المساجد قوله ﷺ: "من أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربن مسجدنا"، وقول عائشة -رضي الله عنها-: آخر طعام أكله رسول الله ﷺ كان فيه بصل، وتقدم في باب الأذان: أنه ﷺ كان يأمر المنادي بالصلاة أن يقول في الليلة الباردة والمطيرة بدل الحيعلتين: "ألا صلوا في رحالكم سفرًا وحضرًا"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يأمر بذلك المنادي في الجمعة ويقول: "إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض". 

 

وكان ﷺ يقول: "إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة"، وكان ﷺ يرخص في ترك الحضور للمريض، ولما مرض ﷺ تخلف عن الخروج ثلاثة أيام، وكان ﷺ يقول: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين، فإذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ به قبل الصلاة"، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ، وتقدم بسط ذلك في باب المواقيت والله -سبحانه وتعالى- أعلم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته؛ وبيانها على لسان خير برية عبده وصفوته، سيدنا محمد بن عبد الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ولايته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن تعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعد،،

فيذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل الأعذار عن التخلف عن الجماعة؛ وهي كذلك تكون عذراً في التخلف عن الجمعة.

هذا باب "فصل في الرخصة في ترك حضور الجماعة"، وذلك لما علمنا:

  • من مكانة الجماعة في شرع الله -تبارك وتعالى-.
  • ومضاعفة الأجر لمن يصلي في الجماعة إلى خمس وعشرين إلى سبع وعشرين إلى أضعافاً كثيرة من فضل الله -تبارك وتعالى-.
  • وعلمنا أنها شعار من شعائر الدين.
  • وقيل: إنها فرض كفاية؛ وقيل: إنها سنة؛ وقيل: إنها فرض وعلى الأعيان أي: واجب على الأعيان كما هو عند الإمام أحمد بن حنبل مع قوله بصحتها فرادى؛ ولكن يأثم إذا تمكن من الجماعة فلم يصلها. 
  • وعلمنا حرص الصحابة على الجماعة؛ حتى أن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف لا يستطيع أن يمشي بنفسه؛ فيتعاون اثنان على أن يمسكوا بيده فيقودانه حتى يقيمانه في الصف فيشهد الجماعة.

كان هذا شأنهم حتى قال ابن مسعود: "وَلقَدْ رَأَيْتُنا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْها إلّا مُنافِقٌ مَعْلُومُ النِّفاقِ".

ولكن هناك أعذار ما بين أن تسقطِ اللوم عن الخروج؛ وما بين ما يكتب معه الثواب: 

  • فما كان من الأعذار ما يمكن الحضور معه؛ ولو ببعض المشقة فهو يسقط الملام.
  • وما كان لا يتأتى الحضور أو المشقة شديدة لا تحتمل غالباً؛ والله يعلم من قلبه أنه لولا ذلك لحضر؛ فإنه أيضاً مع عذره يكتب له ثواب الجماعة.

فذكر لنا من الأحاديث ما إذا تلطخ الإنسان برائحة كريهة تنفر منها الملائكة وطباع البشر، وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم فيما يتعلق بالروائح ونحوها.

فيقول: "من أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربن مسجدنا"، فإذا لم يكن متعمداً وأكل الثوم والبصل فبقيت رائحته في فمه؛ فجأة حضرت وقت الصلاة ووقت الجماعة؛ وقال: كيف أعمل؟ يقول: مادامت هذه الرائحة تفوح من فمك فلا خروج لك إلى المسجد، واطلب الجماعة في بيتك مهما وجدت أحداً يصلي معك. فهذا عذراً من الحضور في المسجد ما لم يتعمد ذلك؛ أما إذا تعمد وأكله قريب وقت الصلاة فهذا يعلم الله تعالى نيته وقصده وليس دين الله بالحيلِ.

ومن ذلك أيضاً رائحة -السجائر- الدخان الخبيث كذلك؛ فإذا نفحَ في فمه وصار يؤذي من يصلي بجنبه فلا يقرب المسجد، ولا يدخل مع المصليين فهو برائحة كريهة تنفر منها الملائكة والطباع السليمة كلها؛ فلا يجوز له أن يؤذيَ الناس بمثل ذلك؛ على أن تناول ذلك الدخان ما بين مكروه وما بين حرام على حسب اجتهاد فقهاء الشرع المصون، فهو مزرٍ، وهو مضر، وهو أيضاً ذو رائحة كريهة ينفر منها الملائكة والآدميون ذوي الطباع السليمة.

"من أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربن مسجدنا"، وهذا فيه تعظيم المساجد وأماكن العبادة وأن تعظم، قال الله تعالى: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ) [النور:36] تعظم وتوقر وتميز على غيرها.

ومع تعظيم هذه الشريعة أيضاً ينبغي أن نختار الروائح الطيبة، فمن الزينة المستحبة للمؤمن عند الصلاة عامة وعند الجمعة خاصة استعمال الطيب والعطر والرايحة الطيبة، فذلك أيضاً من أسباب هدوء النفس والروح بل وتزكية العقل، حتى كان يقول سيدنا الشافعي: من طابت رائحته زكى عقله، ولذا وجدوا أن الذي ينشأ على شم الروائح الطيبة من مثل الورد هذا الطبيعي ونحوه يكون ذاكرته وفهمه ذكاءهُ قوي، والذي ينشأ يشم الروائح الكريهة والخبيثة يكون فيه بلادة وبلاهة غالباً ،فللرائحة الطيبة أثر في تزكية الفهم والعقل عند الإنسان، فينبغي أن يحرص على الرايحة الطيبة؛ حتى قال من قال من الفقهاء: أنه لو أنفق ربع ماله أو ثلث ماله في الطيب لم يعد مبذراً ولا مسرفاً ولا سفيهاً ولا يحجر عليه -لو كان يصرف ثلث ماله في الطيب- ومعلوم أن ذلك مع النية الصالحة؛ وهي قصد وجه الله الكريم، فيتطيب لأجل الصلاة ولأجل تعظيم حرومات المساجد وتعظيم حرومة المؤمنين ولأجل لا يؤذي الملائكة ولا يؤذي أحد من الناس، ولا يكون له قصد غير ذلك؛ فإذا خرج إلى قصد التفاخر وقصد التعالي؛ أو إلى قصد خبيث آخر فقد خرج عن السنة من أصلها إلى الأمر الذي يخشى عليه العقاب، وقد جاء في الحديث: "من تطيَّب للهِ تعالى جاء يومَ القيامةِ وريحُه أطيَبُ من المِسكِ، ومن تطيَّب لغيرِ اللهِ جاء يومَ القيامةِ أنتنَ من الجِيفةِ" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فيأتي بالروائح الكريهة في القيامة جزاء ما استعمل الروائح الطيبة للمقاصد السيئة الخبيثة فإذا تطيب لله -سبحانه وتعالى-.

 

"وقول عائشة -رضي الله عنها-: آخر طعام أكله رسول الله ﷺ كان فيه بصل"، ولكن هذا محمول على أن البصل مطبوخ طبخا جيدا فلم تبقَ له رائحة، ومن المعلوم أنه كان يتجنب أكل الطعام الذي فيه تنبع رائحته أو تنفح رائحته بثومٍ أو بصل؛ فقال لسيدنا أبي أيوب خالد الأنصاري -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الذي نزل في بيته أول أيام وصوله إلى المدينة المنورة؛ فكانوا يقدمون إليه العشاء فيتعشى، قال: ثم أتسابق أنا وأم أيوب على مواضع أصابعه ﷺ، -أي: يتباركون بذلك- قال: فقدّمنا له العشاء ليلة فلم نرَ له أثراً، ففزعنا، فجئت إليه أسأله لم يتناول من عشائنا، قال: إني وجدت فيه رائحة ثوم فكلوه أنتم؛ فإني أناجي من لا تناجون، يعني: أكلم ملائكة وأرواح، فقال سيدنا أبي أيوب فكان آخر يوم دخل فيه ثوم بيتنا، ما دخل ثوم بيتهم أصلاً. وكان سيدنا عمر يقول: "ما أَرَاهُما إلا خَبِيثَتَيْن: -يقصد من حيث الرائحة- البَصَل، والثُّوم، فمن أكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا." أي: يذهب أثر الرائحة بحسن الطبخ.

 

وقال: "وتقدم في باب الأذان: أنه ﷺ كان يأمر المنادي بالصلاة أن يقول في الليلة الباردة والمطيرة بدل الحيعلتين: "ألا صلوا في رحالكم سفرًا وحضرًا"، فإذا وُجِد شدة برد أو مطر يصعب معه الحضور إلى مكان الجماعة، فيسن للمؤذن أن يقول هذا إذا نادي -حي على الصلاة ، حي على الفلاح-: "ألا صلوا في رحالكم" إعلانًا للعذر لهم.

 

"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يأمر بذلك المنادي في الجمعة ويقول: "إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض".

فهو عذر؛ ولكن من تمكن بعد ذلك من الحضور فثوابه أكبر، وإذا اشتد الأمر بحيث لا يستطيع أصلاً فله ثوابه وهو في مكانه.

إذن فهنا أعذارٌ للتخلف عن الجماعة منها: 

  • أذى المطر الشديد الذي يشق معه الخروج للجماعة.
  • وكذلك الريح الشديدة ليلاً، إذا كانت تهب الريح بقوة في الليل وذلك لصلاة العشاء أو لصلاة الفجر فيقال: ألا صلوا في رحالكم.
  • كذلك البرد الشديد والحر الشديد؛ ولكن ضابط هذا أنه فوق ما يعتاد أهل تلك المنطقة- فوق ما يعتادونه أهل المنطقة من بردهم وحرهم- فإذا كانوا يعتادون ذلك وهم يمشون مثلاً في الثلوج، ويذهبون لأعمالهم ويقيموا وظائفهم؛ ما عاد بقى عذر للجماعة، كيف عذر الجماعة؟ ليس عذر عن الوظائف والأعمال، وللجماعة عذر! ما يتأتى إلا ما يشق عليه الخروج، فإذا صار لأهل تلك المنطقة غير معتاد، برد غير معتاد يشق عليهم حتى يتركون أعمالهم بسببه، أو حر غير معتاد كذلك؛ وأمَّا حر وبرد يعتادونه خلاص ما عاد بقي عذر، ومعتادٌ عندهم ينطلقون في أعمالهم، فكذلك ينطلقون إلى الجماعة.
  • وكذلك الوحل -الزلَق أي: الوحل الشديد- الذي يتأذى به الإنسان، ولا يأمن السقوط، فيكون عذراً في الخروج إلى الجماعة. 
  • كذلك الظلمة الشديدة، في بعض الليالي تشتد الظلمة بسحب متكاثفة وبحيث لا يرى الإنسان الطريق، ولا تتوفر لذلك إنارات ترفع هذا الأمر، فإذا لم يتيسر ذلك فتكون الظلمة الشديدة عذراً؛ وعندنا في الحديث: "أنه أمَرَ أن يقول لهم: "ألا صلوا في رحالكم" إذا كانت ليلة ذات برد ومطر، "ألا صلوا في رحالكم" كما جاء في الصحيحين وغيرهما.

وهكذا وجاء عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلتَ أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمدًأ رسول الله فلا تقل حي على الصلاة؛ قل: "صلوا في بيوتكم" فكان الناس استنكروا ذلك منه فقال: "أتعجبون من ذاك قد فعل ذاك من هو خير مني" -يقصد النبي ﷺ- "إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض" أي: الزلق، فهذه أعذار عامة.

 

وتكون هناك أعذار خاصة:

  • كمرض؛ فإذا مرض الإنسان فكان يشق معه الحضور إلى مكان الجماعة، فبوجود هذه المشقة ترتفع عنه الملامة، فيكون معذوراً عن الحضور؛ فإن كان تكلَّفَ الحضور وهو يستطيع فذلك عزمة وإلا فهو معذور؛ فإن كان لا يستطيع أصلًا فهو أيضًا مع عذره مكتوب له الثواب إذا علم الله أنه لم يؤخره إلا ذلك العذر.
  • عند وجود الخوف؛ لأنه جاء في الحديث يقول: "من سمِع النِّداءَ فلم يمنعْه من اتِّباعِه عذرٌ قالوا: وما العذرُ؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ"؛  "من سمِع النِّداءَ فلم يمنعْه من اتِّباعِه عذرٌ لم تُقبلْ منه الصَّلاةُ الَّتي صلّى؛ قالوا: وما العذرُ؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ، لم تُقبلْ منه الصَّلاةُ الَّتي صلّى" -هكذا جاء في رواية عند أبي داود وابن ماجة- وسواءً كان خوفاً على النفس أو على المال أو على الأهل، فعند وجود الخوف يعذرُ عن حضور الجماعة.
  • عند حضور الطعام؛ الذي يحتاج إليه لسبب جوعه "كان ﷺ يقول: "إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة"، ولِما جاء أيضًا: "إذا حضر العَشاءُ والعِشاءُ فابدءُوا بالعَشاءِ"؛ فإذا حضر طعامْ تشتاق له نفسه، ما هو ينتظر له عاده بيحضر قده حاضر، ما هو عاده غايب بيجلس؛ قال: لا أنا بنتظر بيجي الطعام؛ رُح صل وبعدين تعال؛ وأما قده حاضر ونفسه تشتاق إليه وتنازعه إليه بسبب جوعه فيبدأ بالعشاء كما جاء في الحديث "إِذا قُرِّبَ العَشاءُ، وحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فابْدَؤُوا به قَبْلَ أنْ تُصَلُّوا، ولا تَعْجَلُوا عن عَشائِكُمْ"؛ قالوا: والمراد بالصلاة هنا صلاة المغرب؛ لأن هذا كان وقت عشائهم كما جاء في صحيح مسلم وغيره " قَبْلَ أنْ تُصَلُّوا صَلاةَ المَغْرِبِ"، قال: "فابْدَؤُوا به قَبْلَ أنْ تُصَلُّوا صَلاةَ المَغْرِبِ" في صحيح مسلم؛إذًا فالمراد بالعشاء العشاء الأولى وهي المغرب؛ لأن هذا هو وقت عشائهم في غالب الأحيان فهُم ما بين آخر العشية وأول النهار يتعشون. وكان الناس لهم وقعتان في اليوم والليلة؛ وقعة في الصباح ووقعة في العشاء -المساء- فقط؛ ويقول: "إذا حَضَرَ العَشاءُ، وأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فابْدَؤُوا بالعَشاءِ"، "إذا وُضِعَ عَشاءُ أحَدِكُمْ وأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فابْدَؤُوا بالعَشاءِ، ولا يَعْجَلَنَّ حتّى يَفْرُغَ منه" إذا كانت نفسه تتوق للطعام هكذا يقول الحنابلة والشافعية؛ ليكون ذلك أفرغ للقلب في الصلاة للحضور مع الله والخشوع.
  • مدافعة الأخبثين؛ البول والغائط؛ إذا كان حضره الحدث فلا يدخل إلى الصلاة وهو يدافع الأخبثين؛ فلا يتم له الحضور ولا الخشوع في الصلاة؛ "وكان ﷺ يرخص في ترك الحضور للمريض، ولما مرض ﷺ تخلف عن الخروج ثلاثة أيام، وكان ﷺ يقول: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين، فإذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ به قبل الصلاة"؛ ليدخل وهو فارغ؛ قال تعالى: (فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ) [النساء:103]؛ بل ينبغي أن يفرِّغ المصلي نفسه عن كل ما يشغل باله، ليدخل إلى الصلاة وهو على طمانينة وحضور مع الله تبارك وتعالى، "لا صَلاةَ بحَضْرَةِ الطَّعامِ، ولا وهو يُدافِعُهُ الأخْبَثانِ" كما جاء في صحيح مسلم.
  • إذا لم يجد لباسًا لائق به للخروج؛ وهذا كان يحصل في الأزمنة السابقة.
  • وكذلك يقول الحنفية: أن العمى عذر يبيح التخلف عن الجماعة، وجمهور الفقهاء قالوا: لا يُعدُّ هذا عذرًا إلا أن لا يجد قائدًا، ولا يكون يهتدي للطريق بنفسه؛ كأن ما له عادة يمشي بنفسه ويستدل على الأماكن، ولا وجد قائد هذا عذر العمى؛ وأما إذا وجد قائد يقوده أو كان يعرف الاستدلال بنفسه من خلال فطرته فليس العمى بعذر عن حضور الجماعة؛ فإن الأعمى -ابن أم مكتوم- لما سأل النبي ﷺ وطلب منه أن يتأخر، وقال: إن المدينة كثيرة الآبار كثيرة الهوام وإني لا أجد قائد يقودني فهل تعذرني؟ فعَذَرَه أولًا ثم قال له: "هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟" قال: نعم؛ قال: "فأجب فإني لا أجد لك عذرًا"؛ إذن إذا استطاع أن يمشي بنفسه أو كان له قائد يقوده فليس العمى بعذر، وإن كان أعمى لا يستطيع المشي بنفسه ولا يجد قائد يقوده فهو معذور.
  • كذلك عند التأهب للسفر مع رفقة؛ وأُقيمت الجماعة ويخشى إذا حضر الجماعة تفوته القافلة ويمشون عليه؛ فيكون ذلك عذر عن حضور الجماعة.
  • كذلك ما ذكروا من غلبة النعاس والنوم؛ إذا انتظر الجماعة، كما جاء في قصة سيدنا معاذ، رجل صلى مع معاذ ثم انفرد صلى وحده بتطويل معاذ، خوف النعاس والمشقة، فلم ينكر عليه النبي ﷺ وإن كان الأفضل الصبر والتجلد.
  • وكذلك يقول الشافعية والحنابلة: أنه إذا تزوج فهو في أيام الزفاف يُعذر عن حضور الجماعة هذا، فإذا كان أهله على طهر فيصلي بهم الجماعة، وقيَّده بعضهم بالليلية فقط بالعشاء والفجر أو المغرب؛ وأما المالكية: لم يعتبروا الزفاف عذرًا من أعذار الجماعة.

 

والقصد أن ما عظَّمه الله يجب أن يُعظَّم، وأن الأعذار لذوي العذر مُسقِطة للملام، ومنها ما يُكتب معه الثواب إذا كان صادق النية في الحضور لولا عدم قدرته واستطاعته.

 

يقول: "وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ"، (فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ) [النساء:103].

 

رزقنا الله إقامتها على الوجه المرضي لديه، والمحبوب له ولرسوله ﷺ، مع اقتداء تام بخير الأنام، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

أصلح الله شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين مع استقامة، وأتحفنا بأنواع الكرامة، ودَفَع البلاء عنَّا وعن الأمة في المشارق والمغارب، وحوَّل الأحوال إلى أحسنها.

 

 

بسر الفاتحة إلى حضرة النبي

 اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة 

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

17 ربيع الثاني 1446

تاريخ النشر الميلادي

20 أكتوبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام