(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 210- كتاب الصلاة (100) مواصلة أحكام المسبوق وحكم إعادة الصلاة
صباح الأحد 10 ربيع الثاني 1446 هـ
"قال العلماء: فمن ثم كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- يكره أن يستفتح الرجل الصلاة لنفسه ثم يدخل مع الإمام، وكان بعضهم يرخص فيه لما تقدم في صلاته ﷺ ركعة من الصبح في بيته ثم خرج فأتم بأبي بكر والله أعلم.
وقال ابن أبي ليلى -رضي الله عنه-: كان الناس لا يأتمون بإمام وإذا كان لهم وتر وله شفع يقومون وهو جالس ويجلسون وهو قائم حتى صلى ابن مسعود وراء النبي قائمًا فقال النبي: "إن ابن مسعود سنّ لكم سنة فاستنوا بها"، وكان ﷺ يقول: "إذا قضى الإمام الصلاة وتشهد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته وصلاة من خلفه ممن أتم الصلاة"، وتقدم الحديث في باب شروط الصلاة.
وكان ﷺ لا يأمر المسبوق أن يقضي إلا ما فاته من غير زيادة، ولما تخلف رسول الله ﷺ في غزوة تبوك جاء فوجد الناس يصلون خلف عبد الرحمن بن عوف فأتم به رسول الله ﷺ، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله ﷺ يتم صلاته فصلى الركعة التي سبق بها ولم يزد عليها، ثم أقبل على الناس وقال: "قد أحسنتم وأصبتم"، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها، وفي الحديث دليل على جواز صلاة الرجل خلف من لم يقدمه.
وكان أبو سعيد وابن الزبير وابن عمر -رضي الله عنهم- يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة فعليه سجدتا السهو، وكان ﷺ كثيراً ما يأمر من صلى في بيته ثم أتى المسجد فوجد الجماعة تقام فيه أن يعيدها معهم، ويقول: "واجعلها نافلة".
وكان ابن عمر إذا جاء المسجد وقد صلى الناس بدأ بالمكتوبة ولم يصل قبلها شيئًا؛ وجاء -رضي الله عنه- يومًا المسجد فصلى الناس ولم يصل معهم فقال له رجل: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"، وفي رواية أن رسول الله ﷺ قال: "إذا صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام فصل معه غير صلاة الصبح وصلاة المغرب فإنهما لا يصليان مرتين"، والله أعلم."
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله، وأهل بيته الذين مُنحوا به طهرًا، وعلى أصحابه الذين رفع الله لهم به قدرًا، وعلى آلهم وعلى تابعيهم بإحسان سرا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الرّاقين في الخير أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين طرًّا، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،
ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله، ذكر الأحاديث المتعلقة بالجماعة، وشأن المسبوق، ويذكر لنا أيضًا ما جاء أنه يُتَمُّ المسبوق ما فاته من الصلاة خلف الإمام، ثم إن هذا الإتمام هل يُعد إتماما لما بقي عليه أو قضاء لما فاته؟
هو محل اجتهاد الأئمة -عليهم رضوان الله-:
ولابد من نية المؤتم الاقتداء بالإمام لأجل شرط صحة الاقتداء، لأن المتابعة في العمل يفتقر إلى نية، ولهذا قال أهل الفقه: لو ربط تحركه في الصلاة وانتقاله في أركانها بأحد غير إمام بطلت صلاته، لا يقيدها بأحد ولا يقدمها ولا يؤخرها إلا لمتابعة إمامه.
ولهذا أيضًا ذكر فقهاء الشافعية عندنا أنه لو جاء يصلّي جماعة، فظنّ أن الإمام فلان بن فلان، فنوى الائتمام وصلّى، ثم تبيّن له إمام ثاني ما هو الذي ظنه الإمام ونوى الاقتداء به قالوا: يجب عليه أن يعيد صلاته؛ لأنه اقتدى بواحد ما هو مصلّي غير موجود، وتابع واحد ثاني الموجود؛ فصارت صلاته غير صلاته، بخلاف من لم يعرف من الإمام فنوى الاقتداء بالإمام الموجود يكون من كان، هذا صلاته صحيحة، لكن ذاك قال: فلان بن فلان ونوى الائتمام به، فتبين أنه ليس هو، فما صحت القدوة من هذا لأنه نوى الاقتداء بواحد ثاني غير الإمام الذي يصلي بهم، فإنما تكون القدوة بمن هو إمام في الصلاة "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وتكون النية مقارنة للتحريمة، أو متقدمة عليها، ولا يفصل بينها وبين التحريمة فاصل.
أما في خلال الصلاة إذا أراد أن يقتدي وهو في أثناء الصلاة، كان يصلي وحده ثم أراد أن يقتدي بأحد ويصلي معهم جماعة بعدما قد أحرم منفردًا؟
إذًا فوَقت نية الائتمام عند التحريم، أما أثناء الصلاة فتصح عند الشافعية ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وأما عند الحنفية والمالكية ما تصح، لا يصح ينوي الاقتداء وهو في أثناء الصلاة، إذا أحرم منفردا فليتم صلاته منفردا، فهذه الأحكام تتعلق بصلاة الجماعة، وأيضًا شأن المسبوق.
وبعد ذلك صلاة النفل خلف من يصلي الفرض هذا جائز، ولكن صلاة الفرض خلف من يصلي النافلة فيه خلاف بين أهل العلم، هل يصح أو لا يصح؟
ولكن الأئمة الثلاثة قالوا: لا، إما فرض خلف فرض لنفس اليوم الفرض هذا، وأداء خلف أداء، أو قضاء خلف قضاء، هكذا.
أما المتنفل خلف المفترض فأجازه الجمهور والجميع.
يقول: "قال العلماء: فمن ثم كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- يكره أن يستفتح الرجل الصلاة لنفسه ثم يدخل مع الإمام"، -هذا الذي قلنا عليه الإمام أبو حنيفة والإمام مالك، أما الإمام الشافعي مع رواية عند الإمام أحمد أنه يجوز أن يلتحق في أثناء الصلاة بإمام-، قال: "وكان بعضهم يرخص فيه لما تقدم في صلاته ﷺ ركعة من الصبح في بيته ثم خرج فأتم بأبي بكر والله أعلم"،
وكذلك استدل الشافعي أن بعض الصحابة كان يصلي خلف الرسول ﷺ معه في المسجد ثم يأتي مسجد قومه فيصلي بهم، قال: والصلاة الثانية إنما تكون نافلة له، وكذلك ما تقدّم معنا من الحديث أنه إذا جاء أحد وقد صلّى الناس يقول: "أيّكم يتصدق على هذا؟" يصلي معه؟ فالثاني صلاته ليست بفرض، لأنه قد صلى، فمن هنا توسّع الشافعية، وقالوا: يصح الفرض خلف النفل، والنفل خلف الفرض، والأداء خلف القضاء، والقضاء خلف الأداء كله جائز.
"وقال ابن أبي ليلى -رضي الله عنه-: كان الناس لا يأتمون بإمام وإذا كان لهم وتر وله شفع يقومون وهو جالس ويجلسون وهو قائم حتى صلى ابن مسعود وراء النبي قائمًا فقال النبي: "إن ابن مسعود سنّ لكم سنة فاستنوا بها"، وكان ﷺ يقول: "إذا قضى الإمام الصلاة وتشهد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته"
"وكان ﷺ لا يأمر المسبوق أن يقضي إلا ما فاته من غير زيادة، ولما تخلف رسول الله ﷺ في غزوة تبوك" وذلك أنه ذهب لقضاء الحاجة فأبعد، وحضر الوقت فخاف الصحابة أن الرسول ﷺ نازله شيء من الأمور الخاصة، وأن الوقت يفوت عليهم فأقاموا الصلاة، وصلّى بهم عبد الرحمن بن عوف، فوصل ﷺ وقد صلّوا ركعة، فذهب الذي ما يريد أن يخبر عبد الرحمن بن عوف يشير إليه، فمنعه ﷺ وصلّى ركعة خلف عبد الرحمن بن عوف، ثم لما سلّم قام فأتم صلاته ﷺ، وصلّى الركعة الثانية.
قال: "ولم يزد عليها، ثم أقبل على الناس وقال: "قد أحسنتم وأصبتم"، أي: لمّا انتبهتم من الصلاة ووقتها وخفتم أن تفوتكم، فبادرتم، فذلك صواب منكم؛ لم ينكر عليهم ﷺ.
وهذا الحديث أثبت فيه صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف، حتى قال بعض أهل الحديث: إنها منقبة لم تحصل لأحد من الصحابة غير عبد الرحمن بن عوف، أنه صلى خلفه ﷺ، ولكن تقدم معكم رواية إلا أنها دونها في الصحة، أنه صلى خلف أبي بكر شيئًا من الركعات.
قال: "وكان أبو سعيد وابن الزبير وابن عمر -رضي الله عنهم- يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة فعليه سجدتا السهو"، قال: وكان أبو سعيد ابن الزبير وابن عمر- رضي الله عنهم- يقولون: "من أدرك الفرد من الصلاة فعليه سجدتا السهو" يعني: أدرك ركعة واحدة، والجمهور أنه ليس عليه شيء.
"وكان ﷺ كثيراً ما يأمر من صلى في بيته ثم أتى المسجد فوجد الجماعة تقام فيه أن يعيدها معهم، ويقول: "واجعلها نافلة""، وقد جاء فيه روايات.
"وكان ابن عمر إذا جاء المسجد وقد صلى الناس بدأ بالمكتوبة ولم يصل قبلها شيئًا"؛أي: الراتبة وسنة تحية المسجد وما إلى ذلك، أي: تغانمًا للوقت، فيبدأ بالمكتوبة.
"وجاء -رضي الله عنه- يومًا المسجد فصلى الناس ولم يصل معهم فقال له رجل: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"، فهذا أيضًا محل خلاف ففي الرواية الأخرى التي ذكرها النبي ﷺ قال: "إذا صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام فصل معه غير صلاة الصبح وصلاة المغرب فإنهما لا يصليان مرتين"، والله أعلم".
وقد تقدم معنا أيضًا بيان ما ذهب إليه الأئمة باجتهادهم في إعادة الصلاة:
وتقدّم معنا قول بعض الأئمة الأربعة أن صلاة المغرب هي وتر النهار؛ ومعنى وتر النهار: الوتر الذي يلزم عند خروج النهار، وقبل خروج الليل يكون سنية الوتر لليل.
فهذا معنى وتر النهار، وليس معناه أنه بعد غروب الشمس نهار، فذلك ليل بيقين، ولكنه أول ما يواجه الإنسان عند غروب الشمس وعند ذهاب النهار صلاة الثلاث الركعات وهي وتر.
وقد ذكرنا ما أورد أيضا الإمام ابن حجر في شرحه على الأربعين النووية في الفتح المبين حديث: من يعيد الصلاة جماعة أنه فيمن يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله من يعيد الصلاة في جماعة.
رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بالكرامة، وجعلنا من مقيمي الصلاة، والظافرين والفائزين بخشوعها وخضوعها وحقيقتها حتى تسري سراية الصلاة في كل ذرة من نياتنا ومقاصدنا وأقوالنا وأفعالنا، ويجعلنا من الذين هم على صلاتهم دائمون، في لطف وعافية ويقين وتمكين مكين.
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
10 ربيع الثاني 1446