(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 209- كتاب الصلاة (99) فصل: في أحكام المسبوق
صباح الأربعاء 6 ربيع الثاني 1446 هـ
فصل في أحكام المسبوق
"كان رسول الله ﷺ إذا صلى بالناس ودخل شخص بعد ما صلى الناس يقول: "من يتصدق على هذا فيصلي معه فيقوم الناس يصلون معه جماعة ثانية" وكان ﷺ يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، وكان ﷺ يقول: من فاته قراءة الفاتحة مع الإمام فقد فاته خير كثير"، وسأل رجل ابن عمر -رضي الله عنهما- فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة في المسجد مع الإمام أفأصلي معه؟ قال: نعم، فقال الرجل فأيتهما أجعل صلاتي؟ فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: أو ذلك إليك إنما ذلك إلى الله -عز وجل- يجعل أيتهما شاء، وسيأتي آخر الفصل قوله ﷺ: "واجعلها نافلة".
وكان زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يقول: رآني رسول الله ﷺ لم أصل مع الجماعة فقال: "ما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ فقلت: يا رسول الله إني كنت صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال رسول الله ﷺ: "إذا دخلت فوجدت الناس في صلاة فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكون تلك نافلة وهذه مكتوبة".
وكان ﷺ يأمر المسبوق أن يدخل مع الإمام على أي حال كان، ولا يعتد بركعة لم يدرك ركوعها ويقول: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا ومن أدرك الركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة كلها"، وفي رواية: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام"، وكان ﷺ يقول: "من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدرك الإمام جالسًا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة وفضلها"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا أدركت الإمام راكعًا فركعت قبل أن يرفع فقد أدركت، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك، وإذا انتهيت إلى القوم وهم ركوع فكبرت تكبيرة فقد أدركت الركعة ولو لم تقرأ شيئًا. وكان عبد الله بن مسعود يقول: إذا أدركت الإمام والناس جلوس في آخر الصلاة فكبر قائمًا في ثم اجلس، وكبر حين تجلس فتلك تكبيرتان الأولى وأنت قائم لاستفتاح الصلاة والأخرى حين تجلس كأنها للسجدة، ثم لا يتكلم فقد وجبت عليه الصلاة واستفتح فيها، ولكن لا يعتد بجلوسه معهم ليقل كما يقولون وهو جالس معهم".
وكان عمرو بن الشريد -رضي الله عنه- يقول: كان الناس على عهد رسول الله ﷺ إذا جاء الرجل وقد فاته من الصلاة شيء أشار إلى الناس: كم صليتم فيقولون بالإشارة واحدة أو اثنتين فيصلي معهم، ثم يدخل في الصلاة يعني الجماعة حتى جاء معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فأشاروا إليه فدخل مع الإمام ولم ينتظر ما قالوا فذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال النبي ﷺ: "سن لكم معاذ".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بالشريعة العظيمة، وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمد الهادي إلى المسالك القويمة؛ صلى الله وسلم مبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه الذين ارتقوا به الدرجات الفخيمة، وعلى من والاهم في الله واتبعهم بإحسان؛ فكان على مسلكهم سلوكه وتقويمه وتعلمه وتعليمه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين من الله بأعلى المنح الجسيمة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ما جاء في أحكام المسبوق وهو: الذي سبق إلى إقام الصلاة والدخول فيها فجاء متأخرا.
ويقول الشافعية في اصطلاحهم عن المسبوق والموافق:
وهذا الاصطلاح عندهم فيما يتعلق بركن القيام وقراءة الفاتحة فيه.
والمسبوق يطلق على: كل من سُبِقَ بالصلاة كلها أو ببعضها، فيقال له مسبوق.
والمدرك هو: الذي أدرك الصلاة من أولها، وقد حثنا ﷺ أن لا تفوتنا مع الإمام تكبيرة الإحرام في جماعة الصلوات الخمس، وأخبرنا أن من واظب على ذلك أربعين يوماً كتب الله له براءةً من النار وبراءةً من النفاق، فينبغي أن يحرص المؤمن أن يكون سابقاً لا مسبوقا.
(وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ * أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ) [الواقعه:10-11].
وذكر أيضاً بالمسبوق من فاتته الصلاة كلها:
أما من صلى جماعة فهل يصلي بعد ذلك في جماعة أخرى؟
قال الشافعية والحنابلة: نعم؛ يصلي مرة أخرى جماعة إذا أدرك جماعة أخرى، وأورد الإمام ابن حجر في الفتح المبين شرحه للأربعين النووية حديث من أعاد الصلاة في جماعة كان ممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وهو معيد الصلاة في جماعة.
أما من أدى الصلاة من الصلوات المفروضة منفرداً ثم وجد جماعة يستحب له أن يدخل مع الجماعة لتحصيل الفرط -بمعنى: السبق والتقدم في الفضل- وجاء في ذلك أحاديث منها هذا قوله "من يتصدق على هذا..؟" أي: يتسبب في إدخال الثواب عليه، فسمّى التِّسبب في إدخال الثواب صدقه.
قال: "فيقوم الناس يصلون معه جماعة ثانية"، وفي هذا أيضاً بيان جواز استحداث الجماعة الثانية في المسجد الذي صلى فيه الإمام الراتب، وقد تقدم معنا ذكر الخلاف في ذلك.
وكان ﷺ يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، أي: يحسب أنه اشتغل بالعبادة في جميع الليل إذا حضر مع الإمام الصلاة؛ أي: قام معه؛ يعني: في رمضان، فإذا صلى مع الإمام العشاء والتراويح والوترة كتب له كأنما صلى الليلة كلها.
يقول: وكان ﷺ يقول: من فاته قراءة الفاتحة مع الإمام فقد فاته خير كثير" بل يحصل فوات الخير الكثير بفوات التكبيرة الأولى مع الإمام، وأما بفوات الفاتحة فقد ضيع خيراً أكثر وأكبر بأن لم يدرك إلا آخر قيام الإمام أو أدركه في الركوع، "من فاته قراءة الفاتحة مع الإمام فقد فاته خير كثير"، وكان مما حسد عليه اليهود المسلمين تأمينهم خلف الإمام في الصلاة أي: علموا أن في ذلك من المنزلة عند الله والثواب الكبير أمر كبير وليس ذلك عندهم؛ فكان من حسدهم على المسلمين.
وفي إعادة الصلاة جاءت في عدد من الأحاديث منها:
كان ﷺ "في مسجدِ الخَيفِ -أيام منى- فلمَّا قضى صلاتَه وانحرف فإذا هوَ برجلينِ في آخرِ القومِ لم يصلِّيا معَه، قالَ: عليَّ بِهما فجيءَ بِهما ترعَدُ فرائصُهما، قالَ: ما منعَكما أن تصلِّيا معنا؟ فقالا؛ يا رسولَ اللَّهِ إنَّا كنَّا قد صلَّينا في رحالِنا، قالَ: فلا تفعَلا إذا صلَّيتُما في رحالِكما ثمَّ أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معَهم فإنَّها لَكما نافلةٌ"، أي: زيادة ثواب وأجر.
وكذلك جاء عن أبي ذر فيما رواه الإمام مسلم ان النبي ﷺ أخبره ببعض ما يدركه بعده من الأمراء بعد ذهاب الخلافة الراشدة؛ وأنهم يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، أي: ما يصلون في الوقت الذي كان يصلي فيه ﷺ والخلفاء الراشدون، يقول لأبي ذر: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟" أو قال:"يميتون الصلاة عن وقتها؟" قال: قلت: فما تأمرني؟ -ايش أعمل- قال: "صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصَلِّ، فإنها لك نافلة"، أي: احرص على أدائها أنت في وقتها الذي ورثته عني ووقت الفضيلة؛ ثم إذا جاءوا يصلون وأنت في المسجد فلا تنعزل عنهم؛ يعني: لا تصلح سبب مشكلة صلِّي معهم فإنها لك نافلة.
ثم إن للأئمة نظر فيما يعاد من الصلوات الخمس:
فيقول الحنفية والمالكية والحنابلة: إن المغرب ما تعاد، لأن صلاة المغرب هي وتر النهار -ثلاث- فإذا أعيدت صارت ست، ذهبت الوتريه ورجعت شفع ليست بوتر، فيقولون التنفل بالثلاث بعد المغرب مكروه عندهم، فإذا أعادها يقولون شفعها) كيف شفعها؟ يعني: يعيدها أربعا أو يقتصر على اثنتين -منشان- من أجل أن يبقى خمس أو سبع وتصير نافلة، أما إذا أتم مع الإمام ثلاث قالوا إن كان سهوًا لا يسلم معه وأتى برابعة وجوبا وسجد للسهو.
كذلك زاد الحنفية وقالوا: والعصر والفجر؛ لا تعادان لأنه عندهما بعد أداء الفرض في الفجر والعصر تحرم أي صلاة ولا قضاء ولا إعادة، فهذا عند الحنفية، أنه ما تعاد كالمغرب أيضًا صلاة الفجر وصلاة العصر فبقيت الإعادة عندهم في الظهر وفي العشاء.
وقال الإمام الشافعي: لا فرق بين الصلوات الخمس؛ فكل منها يمكن أن يعاد.
قال الحنابلة والمالكية: لا تعاد المغرب.
قال المالكية: لو أوتر أيضًا بعد العشاء فلا يعيد العشاء؛ لماذا؟ لأنه إذا أعاد العشاء فخالف قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا"، فإن أوتر مرة أخرى بعد العشاء فقد خالف قول النبي ﷺ: "لا وِتْرَانِ في ليلة"، فلهذا إذا كان قد صلى بعد العشاء الوتر فلا يعيد الصلاة -صلاة العشاء بعد ذلك عندهم- لئلا يخالف قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا"، وقوله: "لا وِتْرَانِ في ليلة".
ثم أن الصلاة المعادة تكون هي النافلة، وقيل بالعكس أن الثانية تكون هي الفرض والأولى تصير نافلة، وقيل بالتفويض:
فيقول المالكية: يفوض في الثانية أمره لله تعالى في قبول أي من الصلاتين لفرضه.
وهكذا كان يقول الشافعي في القديم، ثم اعتمد أن الفريضة هي الأولى، يترتب على هذا لو أنه بعد ذلك تبين له أن الصلاة الأولى كان فيها مبطل فوجب عليه أن يعيد الصلاة ولا يكفي إعادته تلك وهو يظن أنها معادة، بخلاف لو قلنا أن فريضته الثانية؛ وكذلك أيضًا على القول المعتمد عند الشافعية أنه لو تبين بطلان صلاته الثانية لا يلزمه شيء لأن فرضه الأولى.
وكذلك يقول المالكية: يفوض أمره لله تعالى.
أما الحنفية والحنابلة: أيضا جزموا بأنه إنما المعادة هي النافلة والأولى هي الفرض كما يقول الشافعية؛ ويقول الحنفية والحنابلة بقول الشافعية.
ويقول المالكية: الفرض مفوض إلى الله إن أراد يقبل منه الأولى وإذا أراد يقبل منه الثانية.
وفي الحديث أيضا ﷺ يقول ليزيد بن عامر بن الأسود "إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس قد صلّوا، فصَلِّ معهم، وإن كنت قد صلّيت، تكون لك نافلة، وهذه مكتوبة”، هذا جاء في رواية أبي داود؛ وبهذا جاء الاختلاف بين الروايتين.
الروايات الأصح المشهورة أنه قوله لك "فإنها" يعني الثانية لك نافلة، وهذه رواية نقل عن النووي أنه ضعفها يقول تكون لك نافلةً أي: الأولى وهذه مكتوبة.
فمن صلى المكتوبة في جماعة ثم وجد جماعة أخرى:
فيقول الشافعية والحنابلة: يستحب له أن يعيد الصلاة مرة أخرى في الجماعة الثانية، كما سمعنا في الحديث "إذا صلَّيتُما في رحالِكما ثمَّ أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معَهم فإنَّها لَكما نافلةٌ"، "جاء عن سيدنا أنس قال ﷺ: "صلى بنا أبو موسى الأشعري الغداة في المربد، فانتهينا إلى مسجد الجامع، فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة" أي: أعادوها الصلاة أول مرة جماعة وثاني مرة جماعة. كذلك عن سيدنا حذيفة أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب كان قد صلاهنّ جماعة في جماعة ثم وجد جماعة فأعاد.
إلا إنهم استثنوا:
قالوا: يجوز لمن صلى جماعة في غير هذه المساجد أن يعيد فيها الجماعة؛ لفضل هذه المساجد على غيرها من البقاع.
وكان ﷺ يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة"، وكان ﷺ يقول: "من فاته قراءة الفاتحة مع الإمام فقد فاته خير كثير"، وسأل رجل ابن عمر -رضي الله عنهما- فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة في المسجد مع الإمام أفأصلي معه؟ قال: نعم، فقال الرجل فأيتهما أجعل صلاتي؟ فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: أو ذلك إليك.." -وهذا يوافق مذهب المالكية- "إنما ذلك إلى الله -عز وجل- يجعل أيتهما شاء".
فالمعنى: أن الله -تعالى- يختار لعبده، فما كان منهما أحسن أداء، وأكثر أتقانًا، وأعظم ثوابًا؛ جعلها فرضه بفضله سبحانه وتعالى.
"وكان زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يقول: رآني رسول الله ﷺ لم أصل مع الجماعة فقال: "ما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ -جلست وحدك- فقلت: يا رسول الله إني كنت صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، -ظنيت أنه قد فاتتني الصلاة معكم، فصليت في البيت وجئت وجدتكم صليتم فجلست- فقال رسول الله ﷺ: "إذا دخلت فوجدت الناس في صلاة فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكون تلك نافلة وهذه مكتوبة".
"وكان ﷺ يأمر المسبوق أن يدخل مع الإمام على أي حال كان فإن أدركه في الركوع واطمأن به حسب الركعة وإن أدركه بعد الركوع أو ادركه في الركوع ولم يطمئن معه لم يحسبها ركعة، لكنه يدركه".
ويقول: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا -يعني: ما تعدونها ركعة- "ومن أدرك الركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة كلها" أي: تعد له ثواب جماعة على الإجمال.
"وفي رواية: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام" يعني: إن وجده في الركوع يركع، إن وجده في الإعتدال يعتدل معه، إن وجده في السجود يسجد معه، إن وجده في الجلوس بين السجدتين يجلس معه، إن وجده في التشهد يجلس معه؛
حيث ما أدركه يصلي؛ يعني: لا ينتظر كما بعض الناس.. إذا وجد الإمام قد ارتفع من الركوع وهو جاء مسبوق يبقى منتظر إلى أن يقوم الإمام؛ بل الأفضل أن يتدارك معه، فربما قالوا: "فربما لم يرفع رأسه من السجود إلا وقد غفر له"، ربما لا يفوت على نفسه الرحمة النازلة عليهم في سجودهم، وإن كانت لا تحسب له الركعة.
ما تُحسب له الركعة؛ إلا إن أدرك الركوع مع الإمام؛ ولكن الأحاديث دلت على أنه: يباشر بإدراك ما أمكنه إدراكه "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود" يعني: حال كوننا ساجدين "فاسجدوا معنا" لا تفوتوا السجدة معنا تبقوا منتظرين لما يرتفع الإمام.
على أن المسبوق إذا أدرك الإمام في الإعتدال أو السجود الأول وما بعده، استحب له: أن يحرم خلفه بالصلاة، ولا يعد ذلك ركعة في حقه "لا تعدها شيء"؛ يعني: من عدد الركعات؛ ليست من الركعات إلا أن تدركه ركعة تطمئن معه، أو قبل الركوع.
"ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" أي: يحصّل فضيلة الجماعة بإدراكه الركعة مع الإمام؛ بل أصل فضيلة الجماعة.
عند الشافعية وكذلك الحنابلة يقولون: من أدرك مع الإمام جزء من صلاته ولو كان قبل السلام فقد أدرك عموم الجماعة.
ايوه، الله الله الله الله الله
يقول أبو هريرة أن النبي ﷺ: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا ومن أدرك الركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة كلها"، كما في رواية أبي داود ورواه الترمذي عن سيدنا معاذ قال ﷺ: "إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام". وهكذا يقول بعضهم: "لعله ألا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له".
فمن أدرك الإمام في الركوع واطمئن معه في الركعة فقد أدرك الركعة باتفاق الفقهاء، قال ﷺ فيما جاء في البخاري ومسلم وغيرهما: "من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة".
يقول الحنفية والمالكية والحنابلة: إذا أدرك المسبوق إمامه وهو في جزء من الركوع ولو دون الطمأنينة.
يقول الشافعية:
لكن؛ يجب عليه أن ينتبه من أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم -منتصبًا-، ولا يبدأ الهوي في الركوع إلا بعد إتمام تكبيرة الإحرام؛ وإلا يتعرض لبطلان صلاته.
وأن يحرم مستعجل فيبدأ التكبير منتصب يكمله وهو هاوي إلى الركوع، فلا تحسب له الصلاة كلها -ما هذه الركعة- الصلاة كلها ما تحسب له-؛ لأنها باطلة لأنه لم يكبر وهو قائم، فلابد أن يكمل تكبيرة الإحرام وهو قائم -منتصب-، ثم يبدأ الهوي للركوع بعد أن يكمّل تكبيرة الإحرام وهو قائم، فإذا أتى ببعضها وهو هاوي لم تصح الصلاة من أصلها.
إذًا:
عند الحنفية والشافعية والحنابلة: تُدّرك فضيلة الجماعة؛ بإدراك جزء من صلاة الإمام، ولو في الجلسة الأخيرة -في التشهد قبل السلام- إذا كبّر قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك ثواب الجماعة.
وفي قول خليل والدردير وابن الحاج من المالكية، وهو قول ضعيف عند الشافعية: لا تدرك فضيلة الجماعة إلا بإدراك ركعة كاملة؛ فإن كان أقل من ركعة فلا تدرك ثواب الجماعة.
والأئمة الثلاثة قالوا: يدرك ثواب الجماعة ولو أدرك لحظة؛ بأن كبَّر قبل أن يسلم الإمام:
فإذا كبّر قبل أن يسلم الإمام؛ وبدأ يهوي إلى الجلوس وسلّم الإمام، فهذا لا يجلس -خلاص- إنما يجلس لمتابعة الإمام؛ فإذا سلّم الإمام يتابع من؟ ارجع محلك.. قُم وكمّل الركعة.
فإذا تعمَّد الجلوس وقد سلم الإمام: بطلت صلاته، تجلس لماذا؟ الإمام سلّم وتجلس لماذا؟ تتابع من؟ ما هو وقت جلوس هذا!! هذا وقت قيام، ووقت فاتحة، ووقت دعاء إفتتاح وفاتحة، كيف تجلس!! إذا سلّم الإمام ما تجلس.
فإذا كبّر والإمام قال: السلام عليكم، محلك؛ أو ابتدأ يهوي وسلّم.. ارجع لا تجلس، تجلس ماذا تصلح؟ إنما تجلس لأجل متابعة الإمام؛ وإذا قد سلم تتابع هواك.. تتابع من؟ الإمام سلم خرج من الصلاة فلا عاد تجلس؛ لأن هذا غير محل جلوس؛ فإن جلست متعمد بطلت صلاتك.
ممكن واحد يكبر ويجلس.. كيف يكبر ويجلس!! يكبر يقرأ دعاء الإفتتاح ويقرأ الفاتحة، إنما المأموم يجلس من شأن الإمام، وإذا سلم الإمام ما تجلس من شان من؟ يبقى مكانه، ويكمل دعاء الإفتتاح والفاتحة. سواء. لا إله إلا الله.
وكان ﷺ يقول: "من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدرك الإمام جالسًا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة وفضلها"، "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا أدركت الإمام راكعًا فركعت قبل أن يرفع فقد أدركت" أي: الركعة " وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك" أي: هذه الركعة "وإذا انتهيت إلى القوم وهم ركوع فكبرت تكبيرة فقد أدركت الركعة ولو لم تقرأ شيئًا" سواء، يسقط عنه الفاتحة لمتابعة الإمام في الركوع.
"وكان عبد الله بن مسعود يقول: إذا أدركت الإمام والناس جلوس في آخر الصلاة فكبر قائمًا في ثم اجلس، وكبر حين تجلس فتلك تكبيرتان الأولى وأنت قائم لاستفتاح الصلاة والأخرى حين تجلس كأنها للسجدة، ثم لا يتكلم فقد وجبت عليه الصلاة واستفتح فيها، ولكن لا يعتد بجلوسه معهم ليقل كما يقولون وهو جالس معهم" أي : لمحض المتابعة، وفي هذا خلاف أيضا؛ هل يكبر للهوي وللرفع بعد ذلك أو لا؟ لأنه لمحض المتابعة.
"وكان عمرو بن الشريد -رضي الله عنه- يقول: كان الناس على عهد رسول الله ﷺ إذا جاء الرجل وقد فاته من الصلاة شيء أشار إلى الناس: كم صليتم فيقولون بالإشارة واحدة أو اثنتين فيصلي معهم، ثم يدخل في الصلاة يعني الجماعة" ثم إذا سلم يجيب الباقي عليه.
"حتى جاء معاذ بن جبل.. " ودخل ".. فأشاروا إليه فدخل مع الإمام ولم ينتظر ما قالوا فذكروا ذلك للنبي ﷺ.." قالوا: معاذ بس كبر ودخل وما استفسر كم صليتم؟ "..فقال النبي ﷺ: سنَّ لكم معاذ" هذه السُّنة، ما أحد يسال، ادخلوا شوف كم صليت معه، وهات بالباقي، ماعاد تحتاج تكلم أحد، "سنَّ لكم معاذ" رضي الله عن معاذ بن جبل. كان يقول: "أعلمكم بالحلال والحرام معاذ" نعم.
رزقنا الله الإستقامة والتحقق بحقائق الصلاة وركوعها وسجودها وخشوعها وخضوعها والجماعة فيها، وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في كل فريضة، وأن يبارك لنا في إسلامنا وإيماننا وإحساننا، ويرزقنا المعرفة الخاصة، والمحبة الخالصة، ويرزقنا حسن الاقتداء والاهتداء بنبينا محمد ﷺ في خير ولطف وجود وعطف وصلاح للأحوال لنا والمسلمين ويرفع السوء عنا وعنهم أجمعين.
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
07 ربيع الثاني 1446