شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (55) باب صفة الصلاة -9- فصول القراءة في الصلوات الخمس 

صباح الإثنين 26 ذو القعدة 1445هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

•  قراءة السورة في الصلوات الخمس
•  تطويل قراءة النبي ﷺ في الظهر
•  ما هي سور القرآن طوال وأوساط وقصار المفصل؟
•  كان ﷺ لا يهجر شيء من القرآن
•  ماذا كان يقرأ ﷺ في الصلوات الخمس؟
•  ماذا حدث عندما قرأ معاذ سورة البقرة في الصلاة؟
•  مراعاة الوقت والأحوال لتخفيف الصلاة
•  طول صلاة الفجر
•  تخفيف الصلاة لبكاء طفل
•  حكم إطالة صلاة الفجر إلى وقت الإشراق
•  الزيادة في الصلاة برضا المأمومين

نص الدرس مكتوب:

فصل في القراءة في الظهر

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقرأ في الركعتين صلاة الظهر بعد الفاتحة في كل ركعة قدر ثلاثين آية قدر سورة تبارك الذي بيده الملك، وكانت قراءته في الركعتين الأخيرتين نحو خمس عشرة آية، وكان كثيرًا ما يقرأ في كل ركعة بنحو (وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) [الليل: ١]، وكثيرًا ما كان يقرأ في الأولتين منها بسبح والغاشية، وكثيرًا ما كان يقرأ فيهما بالسماء ذات البروج والسماء والطارق، وكانت قراءته بعد على التخفيف.

وسئل ابن عمر -رضي الله عنهما-: كيف كنتم تعرفون قراءة رسول الله ﷺ في السرية؟ فقالوا: كنا نعرفها باضطراب لحيته، والله تعالى أعلم.

 

فصل في القراءة في العصر 

كان رسول الله ﷺ يقرأ في الأولتين من العصر قدر خمس عشرة آية وفي الأخيرتين نصفها، وكان كثيرًا ما يقرأ بالسماء والطارق ونحوها.

 

فصل في القراءة في المغرب

كان رسول الله ﷺ يقرأ في صلاة المغرب تارة بالطور وتارة بالمرسلات وتارة بالأعراف يفرقها في الركعتين، وتارة يقرأ فيها بحم الدخان، وتارة يقرأ فيها بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران : ۸] الآية، وتارة يقرأ فيها (قُلْ يَأَيُّهَا الكَفِرُونَ) [الكافرون: ١] وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللهُ أحد) [الإخلاص: ١]، وكان ﷺ إذا طوّل في المغرب يؤخر العشاء إلى ثلث الليل وفي بعض الأحيان إلى نصفه، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعتني أم الفضل ابنة الحارث -رضي الله عنها- وأنا أقرأ (وَالْمُرْسَلَتِ عرفا) [المرسلات: ١] فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله  يقرأ بها في المغرب، والله أعلم.  

 

فصل في القراءة في العشاء 

كان رسول الله ﷺ يقرأ كثيرًا في العشاء بالتين والزيتون ونحوها في كل ركعة من الأولتين وكثيرًا ما كان يقرأ فيها بأوساط المفصل، ولما أطال فيها معاذ القراءة قال له النبي ﷺ: "أفتان أنت. هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى"، والله أعلم.

 

فصل في القراءة في الصبح 

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يطيل في القراءة ما شاء ويقتصر إذا شاء بحسب الحاضرين وكان لا يطيل في صلاة ما يطيل في الصبح، قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: وصلى بنا رسول الله ﷺ مرة الصبح فقرأ بأقصر سورة في القرآن فلما فرغ أقبل علينا بوجهه فقال: "إنما عجلت لتفرغ أم الصبي إلى صبيها"، وكان ﷺ كثيرًا ما يقرأ فيها بنحو ق والقرآن المجيد، وتبارك الملك ونحوهما في الأولى، وفي الثانية نحوهما، وكثيرًا ما كان ﷺ يقرأ فيها بالروم يفرقها في الركعتين، وتارة بالتكوير والزلزلة وتارة يقل يا أيها الكافرون والإخلاص، وتارة بالمعوذتين و لكن في السفر.

وصلى مرة بسورة المؤمنين فبلغ ذکر موسی وهارون فأخذته السُعلة فركع، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين، وكان عمر -رضي الله عنه- يقرأ فيها بسورة آل عمران والحج وسورة يوسف قراءة بطيئة مرتلة، وطول -رضي الله عنه- يومًا في القراءة فما انصرف حتى كادت الشمس تطلع فقيل له؛ فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، ووقع مثل ذلك لأبي بكر -رضي الله عنه- أيضًا وقال مثل ما قال عمر -رضي الله عنه-، وكان عثمان -رضي الله عنه- يقرأ فيها بسورة يوسف، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقرأ في الصبح في السفر بالفاتحة وسورة من أوائل المفصل. وكان الأحنف بن قيس -رضي الله عنه- يصلي بالكهف وسورة يوسف، والله أعلم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

الحمد لله مكرمنا بالصلاة أعلى أركان الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن مُحمَّدًا رسول الله، وجعل القدوة لنا فيها حبيبه ومصطفاه، سيدنا مُحمَّدًا، اللهم صل وسلم وبارك وكرم على سيدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه، وعلى آبائه وإخوانه من رسل الله وأنبيائه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين من كل منيب أواه، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

و في هذه الفصول يبين الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- قراءة السورة في الصلوات الخمس وما كان هديه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وما ينبغي أن يُراعى فيها على وجه العموم ثم ما يكون من الخصوص عند سفر، أو عند وجود بكاء الصبي، أو عند وجود حاجة.

فذكر القراءة في صلاة الظهر وأورد لنا حديث "ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقرأ في الركعتين -الأولتين- صلاة الظهر بعد الفاتحة في كل ركعة قدر ثلاثين آية قدر سورة تبارك الذي بيده الملك". وجاء أيضًا في السيرة: أنه يحرم بالظهر ثم يخرج أحدهم إلى البقيع فيتوضأ فيأتي فيدرك معه الركوع الأول؛ -يدركه في الركوع الأول في  الركعة الأولى ﷺ- ومن هنا ألحقها أكثر الأئمة بالصبح في تطويل القراءة، وقال بعضهم: دون الصبح،

قالوا: يقرأ أطول طوال المفصل في الصبح وأقصر طوال المفصل في الظهر، 

وفي الظهر من الصلوات التي يغلب فيها الإطالة، وقد قرأ بعدد من الصلوات من السور فيها ﷺ من طوال المفصل ومن أوساط المفصل.

آخر القرآن الذي كثر فيه الفصل بالسور يقال له المفصل، وهو من سورة الحجرات، وقيل من سورة قاف إلى آخر القرآن. 

• يقول الحنفية: طوال المفصل من الحجرات إلى البروج عندهم، وإلى عمَّ يتساءلون عند الشافعية. 
• وآخر طوال المفصل أيضًا عند الحنابلة سورة عمَّ سورة النبأ.
• وهو كذلك عند المالكية أن طوال المفصل من الحجرات إلى النازعات، وأوساطه من عبس إلى الضحى، وقصاره من الضحى إلى سورة الناس، فآخر المفصل سورة الناس بالاتفاق.
• وهكذا يقول الشافعية إنها طوال المفصل من الحجرات إلى عمَّ، وأوساطه من عمَّ إلى والضحى. 

يقول الحنفية في الأوساط أنها من البروج إلى (لم يكن..) -سورة البينة- هذه أوساطه، والقصار من الزلزلة إلى آخر القرآن، فهذه أقوالهم في المفصل. بعد ذلك من أين يبتدأ؟ 

• علمت أن أكثرهم أخذوه من سورة الحجرات ومن سورة قاف، أول المفصل عندهم من سورة الحجرات. 
• والصحيح عند مذهب الحنابلة يقولون: أول المفصل من سورة قاف، وهناك أقوال في بداية المفصل، فهذا القول المشهور بين الأئمة الأربعة. 
• وقول أنه يبدأ سورة المفصل من الجاثية، 
• وقول أنه يبدأ من سورة مُحمَّد، سورة القتال.
• وفي قول أنها تبدأ من الصافات، وفي قول أنها تبدأ من سورة الصف.
• وفي قول أنها من تبارك.
• وفي قول أنها من سورة الفتح.
• وفي قول أنها من سورة الرحمن.
• وفي قول أنها من (هل أتى على الإنسان حين من الدهر).
•  وفي قول أنها من (سبح اسم ربك الأعلى). 
• وآخر الأقوال أن المفصل كله من الضحى. 

وإذاً الصحيح عند أهل الأثر أنها من سورة الحجرات أو من سورة قاف يبدأ المسمى بالمفصل، وهي السور التي كثر الفصل فيها بين السورة والسورة فسميت مفصل. 

وجاء أيضًا عنه ﷺ: أنه كان لا يهجر شيئًا من القرآن، ومن هنا استحب بعض أهل الخير من أهل العلم أن يوزع القرآن على الصلوات فيقرؤه من أوله إلى آخره، إلا أن الغالب الذي ورد عنه القراءة من المفصل ﷺ.

وفي صلاة الظهر يقول: "وكانت قراءته في الركعتين الأخيرتين نحو خمس عشرة آية، وكان كثيرًا ما يقرأ في كل ركعة بنحو (وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) [الليل: ١]، وكثيرًا ما كان يقرأ في الأولتين منها بسبح والغاشية، -أي في صلاة الظهر، وقرأ فيها بالطوال من الأوساط- وكثيرًا ما كان يقرأ فيهما بالسماء ذات البروج والسماء والطارق، -وقد ورد أيضًا هذا في العصر- وكانت قراءته بعد على التخفيف"، يعني: في الركعة الثالثة والرابعة يكون أخف، فإما لا يقرأ شي أو يقرأ آية أو آيتين بغير الفاتحة. 

"وسئل ابن عمر -رضي الله عنهما-: كيف كنتم تعرفون قراءة رسول الله ﷺ في السرية؟ فقالوا: كنا نعرفها باضطراب لحيته، والله تعالى أعلم". وجاء أيضًا "أنه كان يسمعنا السورة أحيانا". 

إذًا فصلاة الظهر من التي ينبغي أن يقرأ فيها من طوال المفصل عند جمهور أهل العلم. جاء في صحيح مسلم: "أن النبي ﷺ كان يقرأ في صلاة الظهر بالركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية". سمعت الرواية أنه: "قد يقرأ في الثانية بمقدار خمس عشرة آية" الله لا إله إلا الله.

ويقول المالكية والشافعية: أن القراءة في الظهر طويلة ولكن دون الفجر فلا فرق عند الحنفية بين الظهر والفجر في استحباب طول القراءة، وكذلك الحنابلة أنه يقرأ في الظهر من أوساط المفصل مثل العصر عندهم. 

وقال الأئمة الثلاثة: إنه يقرأ بالطوال.

وبعد ذلك ذكر لنا القراءة في صلاة العصر. يقول: "كان رسول الله ﷺ يقرأ في الأولتين من العصر قدر خمس عشرة آية وفي الأخيرتين نصفها، وكان كثيرًا ما يقرأ بالسماء والطارق ونحوها". (والسماء ذات البروج) وهي مما يقرأ في العصر كثيرًا، (السماء ذات البروج) ( والسماء والطارق). وهكذا تعددت الروايات.

 ثم ذكر لنا صلاة المغرب. "كان رسول الله ﷺ يقرأ في صلاة المغرب تارة بالطور وتارة بالمرسلات وتارة بالأعراف يفرقها في الركعتين، وتارة يقرأ فيها بحم الدخان، -ولكن الغالب أقل من ذلك- وتارة يقرأ فيها بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران : ۸] الآية، وتارة يقرأ فيها (قُلْ يَأَيُّهَا الكَفِرُونَ) [الكافرون: ١] وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللهُ أحد) [الإخلاص: ١]، 

 وهذا مما أثر عنه في ليلة الجمعة، وكان في مغرب ليلة الجمعة يعني مساء الخميس يقرأ الكافرون والإخلاص. 

"وكان ﷺ إذا طوّل في المغرب يؤخر العشاء إلى ثلث الليل وفي بعض الأحيان إلى نصفه، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعتني أم الفضل ابنة الحارث -رضي الله عنها- وأنا أقرأ (وَالْمُرْسَلَتِ عرفا) [المرسلات: ١] فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله  يقرأ بها في المغرب"، وذلك ليلة مرضه الأخير، صلى بالناس المغرب ثم عجز عن الخروج لصلاة العشاء، جعل كلما غسل وجهه للوضوء أغمي عليه أولاً وثانياً وثالثاً، فأمرهم أن يأمروا أبا بكر أن يصلي بالناس.

وذكر بعد ذلك في صلاة العشاء : ففي هذا أيضًا أنه قرأ والطور وهي مما كان يقرؤه وأحيانا الأعراف، والمرسلات آخر صلاة صلى بها بالناس قبل مرض موته قرأ في المغرب سورة المرسلات ﷺ، ولكن غالب قراءته ﷺ في المغرب من قصار المفصل. 

ثم ذكر القراءة في العشاء 

في المغرب الأئمة يتفقون على أن الأولى فيها من قصار المفصل، والأمر واسع "كان رسول الله ﷺ يقرأ كثيرًا في العشاء بالتين والزيتون ونحوها" وهذا ورد عنه لما كان مسافر قرأ في العشاء بالتين والزيتون وبالقدر في الركعة الثانية: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)

 قال: "ونحوها في كل ركعة من الأولتين وكثيرًا ما كان يقرأ فيها بأوساط المفصل" في صلاة العشاء.

"ولما أطال فيها معاذ القراءة قال له النبي ﷺ: "أفتّان أنت. هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى".وذلك أنه قرأ في صلاة العشاء سورة البقرة، وحضر بعض الذين كانوا في عملهم منهك متعب، فلما رأى يطول فارق الجماعة وأكمل الصلاة وحده، ثم ذهب إلى بيته لما في بدنه من الثقل من عمله في طول اليوم، ولما بلغوا سيدنا معاذ تكلم عليه؛ فبلغ الخبر النبي ﷺ وقال له بعض الصحابة: "إنا نكاد نترك صلاة الجماعة لما يطول بنا معاذ"، فما تغيظ عليه ﷺ إلا في هذا الموقف وقال: "أفتّان أنت يا معاذ؟ اقرأ "بسبح اسم والشمس وضحاها والليل إذا يغشى"هذا التخفيف أوساط  المفصل في صلاة العشاء، وأرشده إلى هذه الأوساط يقرأ بها، فقال: "إن منكم منفرين، إذا صلى أحدكم وحده فليطول ما شاء. وإذا صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة".

 ولكن مرجع التخفيف إلى فعله ﷺ فهو الحجة والمرجع ما هو بأفكار الناس ولا بأهويتهم فمرجع التخفيف إلى فعله عليه الصلاة والسلام، وماذا كان يفعل؟ ويبدو أيضا من خلال ما ورد عنه أنه يراعي الوقت والأحوال للصحابة ووقت المرض ووقت الصحة ووقت وجود بكاء الصبيان وغير ذلك، فيراعي كما يراعي في إقامة صلاة العشاء، إن اجتمعوا مبكرين خرج لهم مبكرا، وإن تراخوا تراخى  ﷺ فيراعي الأحوال.

يقول في القراءة في الصبح 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يطيل في القراءة ما شاء ويقتصر إذا شاء بحسب الحاضرين وكان لا يطيل في صلاة ما يطيل في الصبح، قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: وصلى بنا رسول الله ﷺ مرة الصبح فقرأ بأقصر سورة في القرآن فلما فرغ أقبل علينا بوجهه فقال: "إنما عجلت لتفرغ أم الصبي إلى صبيها"". وذلك أنه سمع بكاء بعض الصبيان وهو يصلي فخفَّفَ الصلاة؛ وقال: "إني أدخل الصلاة أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأخففها لما أعلم من وجد أمه" ﷺ فكان يراعي أحوال المأمومين وأحوال الناس من خلفه ﷺ.

"وكان ﷺ كثيرًا ما يقرأ فيها -يعني في صلاة الصبح- بنحو ق والقرآن المجيد، وتبارك الملك ونحوهما في الأولى، وفي الثانية نحوهما، وكثيرًا ما كان ﷺ يقرأ فيها بالروم يفرقها في الركعتين -يقرأ أكثرها في الركعة الأولى وباقيها في الركعة الثانية- وتارة بالتكوير والزلزلة وتارة يقل يا أيها الكافرون والإخلاص، وتارة بالمعوذتين و لكن في السفر" يعني قراءته للكافرون والإخلاص في الصبح والمعوذتين في سفره، كان في أثناء سيره في السفر صلى بهم فقرأ الكافرون والإخلاص أو قرأ بعض المرات (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) في صلاة الصبح، وذلك في أثناء سيرهم في الطريق تخفيفا على المسافرين، فهذا هذه القراءة في السفر.

"وصلى مرة بسورة المؤمنين فبلغ ذکر موسی وهارون فأخذته السُعلة فركع ﷺ، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقرأ فيها بسورة البقرة يعني في صلاة الفجر في الركعتين، -يقسمها بين الركعتين- وكان عمر -رضي الله عنه- يقرأ فيها بسورة آل عمران والحج وسورة يوسف -في صلاة الصبح- قراءة بطيئة مرتلة، وطول -رضي الله عنه- يومًا في القراءة فما انصرف حتى كادت الشمس تطلع فقيل له فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين"، ويروى ذلك عن سيدنا أبي بكر الصديق أنه صلى بهم يومًا الصبح فقرأ سورة البقرة وقسمها فقيل له: لو كادت الشمس أن تشرق، قال: لو أشرقت لم تجدنا غافلين، نحن بالصلاة ولا نحن نيام دعها تشرق الشمس يعني ما دام دخلنا والوقت متسع ما يضر امتداد الصلاة حتى ولو خرج الوقت، ما دام دخل في الصلاة والوقت متسع فيمكن أن يطول ومن خرج الوقت، إيش قد حصل؟ قال: خلها تطلع لم تجدنا غافلين، نحن نيام ولا ايش؟ نحن في صلاة، خلها تشرق ولا ما تشرق.

"ووقع مثل ذلك لأبي بكر -رضي الله عنه- أيضًا وقال مثل ما قال عمر -رضي الله عنه-، وكان عثمان -رضي الله عنه- يقرأ فيها بسورة يوسف"، كثيرًا ما يقرأ في صلاة الصبح بسورة يوسف حتى قالوا أن عثمان حبسته قريش ويوسف حُبِس، فكان بينه وبينه يوسف، فكثيرا ما يقرأ سورة يوسف في صلاة الصبح سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه

"وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقرأ في الصبح في السفر بالفاتحة وسورة من أوائل المفصل"، وهذا نص عليه الشافعية أن السنة في صبح المسافر الكافرون والإخلاص. 

"وكان الأحنف بن قيس -رضي الله عنه- يصلي بالكهف وسورة يوسف"، أي صلاة الصبح فهكذا الأمر على ما هو الغالب، وبعد ذلك فلكل حالة ولكل أقوام ما يكون أنسب لهم وأجمع لقلوبهم فالقصد جتماع القلوب على الوجهة إلى الله وتدبر لخطابه سبحانه ووحيه وتنزيله -جل جلاله وتعالى في علاه-.

وكذلك فرق الفقهاء بين من يصلي بجماعة محصورين راضين بالتطويل، وبين من يصلي بجماعة غير محصورين، ومكان متروك أي واحد يجي يصلي فيه، فينبغي أن يراعي ذلك وقالوا: يأتي بالثلاث التسبيحات في الركوع وفي السجود، وما زاد فيكون بعلم وبرضى المأمومين، وإذا صلى وحده فليطول ما شاء سواء في القيام أو في الركوع أو في السجود وأركان الصلاة كلها. 

رزقنا الله إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضاه، وجعلنا لديه من خواص المقيمين لها، وجعل سر إقامتها في أهلينا وأولادنا وذرياتنا ما تناسلوا في خير ولطف وعافية، ورزقنا تعظيمها والانتفاع بها، ورزقنا الخشوع فيها، وجعلنا من خواص المقيمين لها على الوجه الأحب والأرضا له في خير ولطف وعافية. 

بسرِّ الفاتحة

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،

الفاتحة