(236)
(536)
(575)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (28) شروط صحة الصلاة - ستر العورة (4 )
صباح الإثنين 24 رجب 1445هـ
"وكان ﷺ ينهى عن اشتمال الصماء، وهو أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدوا أحد شقيه ليس عليه ثوب، وكان ﷺ ينهى عن الاحتباء بالثوب الواحد وهو جالس ليس على فرجه منه شيء، قال جابر -رضي الله عنه-: "ورأيت رسول الله ﷺ وهو محتبٍ بشملة قد وقع هدبها على قدميه"، وكان ﷺ ينهى أن يشتمل المصلي في إزاره من غير أن يخالف بطرفيه على عاتقيه ويسمى هذا اشتمال اليهود، وكان ﷺ ينهى عن السدل في الصلاة وهو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس ذلك بسدل.
وكان ﷺ ينهى عن اللثم بأن يغطي الرجل فاه في الصلاة، وكان ﷺ يأمر بستر الرأس في الصلاة بالعمامة أو القلنسوة وينهى عن كشف الرأس في الصلاة ويقول: "إذا أتيتم المساجد فأتوها معصِّبين" والعصابة هي العمامة، وكان ﷺ يحث على نظافة الثياب وطيبها ويقول: "إن الله تعالى نظيف يحب النظافة"، وكان ﷺ يقول: "من صلى في ثوب وفي ثمنه درهم حرام لم يقبلِ اللهُ عز وجل له صلاة ما دام عليه"، وكان ﷺ يصلي في الديباج والسندس، ثم نهى عنه للرجال في الصلاة وغيرها، وقال: "نهاني عنه جبريل -عليه السلام-"، وسيأتي بسط ذلك في باب اللباس إن شاء الله تعالى".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته محمد عبده وحبيبه وصفوته صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل مودته وولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله خيرة الرحمن تبارك وتعالى وأهل انتقائه من خليقته وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وختم الباب سيدنا الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بما يتعلق باشتمال الصمّاء ونحوها مما يكون من اللباس لتعلق ذلك بالصلاة وبعضه أيضًا خارج الصلاة، وفيه بيان الشرع المصون على لسان الأمين المأمون لنا جميع شؤوننا وأحوالنا وما نحتاج إليه ومن ذلك ما يتعلق بـ ألبستنا وثيابنا وكيفية وضعها على أبداننا.
وقال:"وكان ﷺ ينهى أن يشتمل المصلي في إزاره من غير أن يخالف بطرفيه على عاتقيه.."، "ينهى عن اشتمال الصماء" وهو: أن يشمل بدنه بثوب واحد.
"وكان ﷺ ينهى عن اشتمال الصماء"، وفسره بما قال الفقهاء: "وهو أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدوا أحد شقيه ليس عليه ثوب" هذا اشتمال الصماء عند الفقهاء.
"وكان ﷺ ينهى عن الاحتباء بالثوب الواحد وهو جالس ليس على فرجه منه شيء" فإن ذلك يؤدي إلى كشف العورة، ولكن يكون احتباؤه بثوب غير الثوب الذي يستر به ما بين سرته وركبته، والاحتباء ورد عنه ﷺ كثيرًا بيديه وبالثوب يحتبي أحيانًا، بل أكثر جلوسه كان الاحتباء، ولكن يكون هذا الاحتباء مع وجود الإزار والقميص وما إلى ذلك فيكون بثوب، ولا يكره ذلك إلا عند خطبة الخطيب وعند الاستعداد للدخول في الصلاة فإنه ربما دل على الكسل أو هيأ صاحبه للنوم فلهذا لا ينبغي أن يحتبي والخطيب يخطب ولا عند استعداده للقيام للصلاة.
يقول: "وكان ﷺ ينهى عن الاحتباء بالثوب الواحد وهو جالس ليس على فرجه منه شيء، قال جابر -رضي الله عنه-: "ورأيت رسول الله ﷺ وهو محتب بشملة" وهي: كساء من صوف الضأن قد وقع هدُبُها -أي: أطرافها- على قدميه صلى الله عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلم.
فإذًا: عرفنا الحبوَ وورودها عنه صلى الله عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلم، وأنها إنما تكره في وقت الخطبة.
ثم ذكر: "وكان ﷺ ينهى أن يشتمل المصلي في إزاره من غير أن يخالف بطرفيه على عاتقيه ويسمى هذا اشتمال اليهود" داخل في معاني الاشتمال ويكون مكروهًا، وفيه أيضا التشبه باليهود لأنهم يفعلون ذلك كثيرًا، كما أن أرديتهم أيضًا يجعلونها على رقابهم ويسدلون الطرفين؛ وهذا الذي كرهه بعض أهل العلم لما فيه من التشبه باليهود. ولكن إما أن يرد الطرف الثاني على الكتف الثاني؛ وإما أن يجعل الرداء على كتف واحد؛ وإما أن يجعله على رقبته ويسدل الطرفين على الكتفين فهذا الذي كان أردية اليهود كذلك.
قال "وكان ﷺ ينهى أن يشتمل المصلي في إزاره من غير أن يخالف بطرفيه على عاتقيه ويسمى هذا اشتمال اليهود، وكان ﷺ ينهى عن السدل في الصلاة وهو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس ذلك بسدل"
السدل في الصلاة وغيره:
فلهذا يقول الشافعي في ما رواه البويطي: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء؛ فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف، يقول: ﷺ لأبي بكر لما قال له: "إن إزاري يسقط من أحد شقيّ، قال: لست منهم". وجاء عنه ﷺ أنه نهى عن السدل في الصلاة "لا يقبل الله صلاة رجل مسبل إزاره".
ويروى عن الإمام مالك: الترخيص في السدل في الصلاة. وجمهور الفقهاء يقولون: أن ذلك مكروه.
يقول الإمام السيوطي: إن السدل مكروه في الصلاة وغيرها، لما جاء من صحة النهي عنه؛ إلا أن يكون للخيلاء فيحرم بسبب الخيلاء هذا باتفاق إذا كان للخيلاء فهو حرام.
وفسروا أن يسبل الثوب الموضوع على الرأس أو الكتف من غير أن يضم جانبيه باليد أو غيرها، ورأى ﷺ مصليًا قد سدل ثوبه فدنى منه وعطفه عليه ﷺ، وضع وسط الرداء على الرأس وأرسله حتى ينزل إلى الأرض، فيكره السدل أي: يلقي طرفي ردائه من الجانبين ولا يردهما على الكتفين ولا يضمهما بشيء.
قال: وإنما كره بهذه الكيفية لأنه من زِيّ اليهود والنصارى.
"وكان ﷺ ينهى عن اللثم بأن يغطي الرجل فاه في الصلاة"، فالالتثام في الصلاة مكروه.
"وكان ﷺ يأمر بستر الرأس في الصلاة بالعمامة أو القلنسوة" أو بكليهما وهو الغالب.
"وينهى عن كشف الرأس في الصلاة" ومن هنا قال عامة الفقهاء: أنه يكره أن يصلي مكشوف الرأس؛ كما يكره أن يدخل موضع الخلاء مكشوف الرأس، ويكره أن يصلي مكشوف الرأس بل يستر رأسه بقلنسوة أو بعمامة أو بكليهما.
"وينهى عن كشف الرأس في الصلاة ويقول: "إذا أتيتم المساجد فأتوها معصِّبين.." أي: لابسين "العصابة هي العمامة"، ويقول أن العمامة فارق ما بين المسلمين والمشركين، ووردت فيه أحاديث كثيرة، قال: "والعصابة هي العمامة"، ونشرت على رأسه العصائب في وصف النبي ﷺ في التوراة نشرت على رأسه العصائب؛ أي: العمائم، أي: يستعمل العمامة كثيرًا ﷺ، وإذا تصور الملائكة تصوروا بالعمائم على الرؤوس كما هم في بدر وفي حنين وفي غيرها، بل ولما رآهم أيضًا ليلة الإسراء والمعراج رآهم معممين.
"وكان ﷺ يحث على نظافة الثياب وطيبها.." فذلك من سنته وقال الإمام الشافعي: من نَظُف ثوبه زال همه، "يحث على نظافة الثياب وطيبها ويقول: "إن الله تعالى نظيف يحب النظافة"، ويروى أيضًا "أن النظافة من الإيمان".
ثم أيضًا ينهى عن النجاسة المعنوية وهي الشبهة والحرام في الثوب، يقول: "من صلى في ثوب وفي ثمنه درهم حرام لم يقبل الله -عز وجل- له صلاة ما دام عليه"، جاء في بعض الروايات "من اشترى ثوباً بعشرة دراهم؛ درهم حرام.. تسعة حلال، لم يتقبل الله له صلاةً ما دام على جسده خيط من ذلك الثوب" -والعياذ بالله تبارك وتعالى- "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا".
"وكان ﷺ يصلي في الديباج والسندس، ثم نهى عنه للرجال في الصلاة وغيرها"، وأحله للنساء من أنواع الحرير حلال للنساء في الصلاة وغيرها؛ وحرام على الرجال في الصلاة وغيرها، وقال: "نهاني عنه جبريل عليه السلام، وسيأتي بسط ذلك في باب اللباس إن شاء الله تعالى".
فهكذا نجد إرشاداته ﷺ في دقائق الأمور، ونعلم سعة شريعته واشتمالها على بيان كل ما يتعلق بحركة الإنسان في الحياة وشؤونه، في شخصه، وفي طعامه، وشرابه، ولباسه، وفي مسكنه، وفي أهله، وفي المعاملات المختلفة، دين كامل من رب عظيم محيط بكل شيء على يد رسول أعقل الناس هو، وأوعى الناس للوحي هو، وأحسن الناس للبيان هو، خاتم الأنبياء والمرسلين مُحمَّد ﷺ.
إذاً التلثم عند:
واتفقوا على كراهة التلثم في الصلاة، لأنه "نهى ﷺ عن اللثم أن يغطي الرجل فاه في الصلاة"، والمرأة مثل الرجل في هذا، لا فرق في الكراهة في التلثم بين الرجل والمرأة. ولذا يقول ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يكره التلثم تغطية الفم في الصلاة، إلا ما روي عن الحسن فإنه كره التلثم ورخَّصَ في تغطية الفم.
كذلك اتفقوا الفقهاء على استحباب ستر الرأس في الصلاة للرجل بعمامة في معنى من قلنسوة ونحوه، وصرح الشافعية والحنفية بكراهة صلاة الرجل حاسر الرأس أي: مكشوف الرأس تكاسلًا، وإنما ذكر الحنفية يقولون: إن كان ذلك للتذلل أو سقطت قلنسوته عليه في أثناء الصلاة، وإن لم تحتج إلى تكوير وعمل كثير فيردها، إذًا قالوا: أنَّ كشف الرأس في الصلاة مكروه عند الشافعية عندهم حتى الطواف في غير المحرم الطواف لغير المحرم كذلك يكره أن يطوف مكشوف الرأس، المحرم واجب عليه كشف الرأس لكن غير المحرم ينبغي أن يكون مستور الرأس كالصلاة، فيكره كشف الرأس في الصلاة وفي الطواف.
وأما أنواع الحرير، فكما جاء في الحديث أنها محرمة على الرجال وأبيحت للنساء، وتتنوع بعد ذلك مسمياتها وتتعدد أنواعها، والخلاصة أنه محرَّمٌ على الرجال في الصلاة وغيرها، مباح للنساء في الصلاة وغيرها، وقال الشافعية: في حال العذر مثل حر وبرد مضرين وحالة جرب يؤذيه يجوز له استعمال الحرير، وخالف في ذلك بعض الأئمة الأربعة وقالوا: ما له حق في استعمال الحرير أبدًا يبحث له عن حل ثاني غير استعمال الحرير.
ولهذا أيضًا ذهب الجمهور الفقهاء منهم الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة: إذا لم يجد عادم الستر إلا ثوب حرير ماذا عليه؟ قالوا: يجب عليه يلبسه.
أو ثوب نجس ما شيء إلا هو، ولا يمكنه تطهيره:
فقال الأئمة الثلاثة: يلبسه.
قال الشافعية: إذا لم يجد له إلا ثوب نجس ولا يقدر على غسله يصلي عاري ولا يلبسه، وإذا وجد حرير نعم يصلي فيه سترا للعورة لأنه طاهر يسقط به الفرض إنما يحرم في غير محل الضرورة.
نسأل الله أن يلبسنا لباس التقوى وَلَا يَنْزَعُه عَنَّا، وَخِلَعُ التَّقْوَى الْخَمْسُ التي أولها: لباس الأعضاء بامتثال الأوامر واجتناب النواهي هذا أول لباس أول خلعة من خلع التقوى، ثم الخلعة الثانية: لباس القلوب بالمقامات، من توبة ومن ورع ومن زهد ومن خوف من رجاء. الخلعة الثالثة: لباس الأرواح بالاحوال من المحبة والذوق والوجد.والخلعة الرابعة: لباس السر. ووراءها: لباس سر السر؛ فصارت خمس خلع رحمانيات محمديات أمداد في التقوى. الله يخلعها علينا كلها، ولا ينزعها عنا أبدا واجعلنا بذلك من أسعد السعداء هنا وغدا، إنه أكرم الأكرمين.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
28 رَجب 1445