(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (6) مواقيت الصلاة( 5 )
صباح الأحد 18 جمادى الآخرة 1445هـ
"فرعٌ، وكان رسول الله ﷺ يقول: "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والآخر عفو الله"، وكان ﷺ يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاتته، ولَما فاتته من وقتها أعظم من أهله وماله"، وكان ﷺ يصلي الصبح في أكثر أوقاته بغلَسٍ حتى لا يعرف المصلي وجه جليسه وكانت النساء يشهدن صلاتها رسول الله ﷺ متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس، وقائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع.
وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: صلى النبي الصبح مرة قبل وقتها بغلس، وقال: قد حوّل الله تعالى لنا الوقت، وكان النبي ﷺ إذا جمع بين صلاتين وحضر العَشاء بينهما تعشى ثم صلى الثانية ولما بعث رسول الله ﷺ معاذاً إلى اليمن قال له: "يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلِّس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملَّهم وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا".
وكان عمر -رضي الله عنه- يتفقد من غاب عن حضور الجماعة فسأل يوماً عن أبي خيثمة فقالت امرأته: إنه تعب الليلة من طول القيام فكسل أن يخرج فصلى الصبح ثم رقد، فقال عمر: والله لو شهدها لكان أحب إلي من قيام ليلته .
فرع: وكان رسول الله ﷺ يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها إلا في مصلحة، قالت عائشة -رضي الله عنها-: وما نام رسول الله ﷺ قبلها قط، وكان ﷺ يقول: "لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر"، وكان ﷺ يقول: "من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة تلك الليلة حتى يصبح"، وكان ﷺ كثيراً ما يسمر عند أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الليلة كاملة في الأمر من أمور المسلمين، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مرشدنا بلسان حبيبه إلى محبوباته، وصلّى الله وسلّم على عبده وصفوته سيدنا محمد خير برياته، اللهم صلّ وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحاباته، وعلى أهل ولائه ومحبته ومتابعته وموداته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل معرفة الله وطاعاته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله- الأخبار والآثار المتعلقة بأوقات الصلوات، قال: وكان رسول الله ﷺ يقول: "الوقت الأول من الصلاة.." أي: أول وقت كل صلاة "رضوان الله.."، أي: يكسب المصلي فيه والمبادر للصلاة في ذلك الوقت يكسب رضوان الله؛ وينال رضوان الله؛ ويحلّ عليه رضوان الله -تبارك وتعالى-، ولا شيء أكبر من رضوان الله الأكبر.
ولما ذكر الله الجنات خير مستقر، قال: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ..) قال: (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) [التوبة:72]؛ فالصلاة في أول الوقت أكسب لرضوان الرب -جل جلاله وتعالى في علاه- وأرضى له، "والآخر.." أي: الوقت الآخر، وهو آخر وقت كل صلاة من الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر "عفو الله" ينال صاحبها العفو والمسامحة، وكم من فرق بينه مجرد العفو وبين الرضوان؟ وأهل الرضوان على درجات عند الرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه- بعضهم أكبر من بعض؛ (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) [الإسراء:21]، فنسأل الله رضوانه الأكبر، وأن يزداد عنّا رضا، فهو ﷺ يحثنا على أن نبادر بالصلوات الخمس في أوائل أوقاتها؛ وذلك من أفضل القربات للرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه-.
ثم يقول: وقال ﷺ: "إن المصلي ليصلي الصلاة ما فاتته.." -يعني ما خرج وقتها عليه- ولا يعدّ أنه أضاعها، ولكن "ولَما فاتته من وقتها.." يعني: من أول وقتها أجره "أعظم من أهله وماله" خير له من جميع أهله وماله ما يُحصّله من الثواب ومن الأجر، ومن النور ومن النعيم، ومن الدرجات في الصلاة أول الوقت، قال: "ما فاتته" يعني: لم يضيّعها ولم يؤخرها عن وقتها، ولكنّ الذي فات عليه من فضل أول وقتها خير وأعظم من أهله وماله.
"وكان ﷺ يصلي الصبح في أكثر أوقاته بغلَسٍ.."، أي: بظلام في أول وقت طلوع الفجر، وهذا الأكثر من فعله ﷺ، وعلى استحبابه جماهير الفقهاء والأئمة الثلاثة من الأربعة، وعلمنا أن استحباب الحنفية للإسفار بالفجر.
يقول: "حتى لا يعرف المصلّي وجه جليسه.." من الغلس والظلام، "وكانت النساء يشهدن صلاتها.." أي: الفجر "مع رسول الله ﷺ متلفعات،".. أي: مشتملات منطويات "بمروطهن.." لأجل الستر، "ثم ينفلتن إلى بيوتهن حين يقضي الصلاة.." أي: ينتهي منها، "لا يعرفهن أحد من الغلس.." ما تتبين الصور والوجوه بعد، "وقائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع"، يعني: يتوقع المتوقع أن الفجر لم يطلع، والآخر يعلم أنه قد طلع، ولا شك أنه يصلّي ﷺ إلا بعد طلوع الفجر.
"وكان أنس -رضي الله تعالى عنه- يقول: صلّى النبي ﷺ الصبح مرة قبل وقتها.." أي: الوقت الذي اعتاده في أيامٍ قبلها، وهو الإسفار، فهذا معنى قبل وقتها. "وقال: قد حوّل الله تعالى لنا الوقت" أي: ندبنا إلى أن نُبكّر ونبادر بهذه الصلاة في أول وقتها.
وجاء أيضا عنه ﷺ فيما يَروي ابن مسعود يقول: خرجنا بعض التابعين يقول: "خرجْنا مع عبدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه إلى مكةَ ، ثم قدمنا جمعًا.." يعني: مزدلفة "فصلى الصلاتينِ: كُلُّ صلاةٍ وحدها بأذانٍ وإقامةٍ، والعشاءُ بينهما . ثم صلى الفجرَ حين طلعَ الفجرُ - قائلٌ يقولُ طلعَ الفجرُ ، وقائلٌ يقولُ لم يطلعِ الفجرُ - ثم قالَ : إن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتِهما في هذا المكانِ.." يعني: مزدلفة، "المغربَ والعشاءَ ، فلا يَقدَمُ الناسُ جمعًا حتى يعتموا.." يعني: لا يَصلون إلى مزدلفة إلا بعد العشاء فهم يؤخرون صلاة المغرب إلى العشاء، "وصلاةُ الفجرِ هذه الساعةُ". صلّاها أول الوقت، "ثم وقفَ حتى أسفرَ ثم قالَ -سيدنا ابن مسعود-: لو أن أميرَ المؤمنين أفاضَ الآن -يعني: قبل طلوع الشمس- أصابَ السنةَ فما أدري : أقولُه كان أسرعَ أم دفعُ عثمانَ رضي الله عنه ، فلم يزلْ يلبِّي حتى رمى جمرةَ العقبةِ يومَ النحرِ" يتأسَّى برسول الله ﷺ سيدنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
يقول: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: صلّى النبي ﷺ الصبح مرة قبل وقتها بغلس.." -يعني قبل الوقت المعتاد- "وقال: قد حوّل الله تعالى لنا الوقت، وكان النبي ﷺ إذا جمع بين صلاتين وحضر العَشاء بينهما تعشَّى ثم صلى الثانية ولما بعث رسول الله ﷺ معاذاً إلى اليمن.." وقد بعثه في آخر عمره ﷺ، ولمّا بعثه في آخر عمره مشى معه يشيِّعُهُ ﷺ في الطريق، وقال: "لعلك لا تلقاني بعد هذا يا معاذ فلا تنسى أن تزورنا"، فتوفي النبي ﷺ وسيدنا معاذ باليمن، وكان قد جاء في حياته ﷺ، وتولّى نواحي من أرض اليمن في الجند والزبيد وتعز وما حواليها من تلك الأماكن. وكان سيدنا أبو موسى وُلّي على زبيد وما حواليها من تهامة، وقال لهما عند إرسالهما: "يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا"، ثم قدم إلى المدينة المنورة وزار قبر النبي ﷺ سيدنا معاذ بن جبل -عليه رحمة الله-، ثم ذهب إلى الشام في الجهاد في سبيل الله حتى دفن بالشام، وبجانبه أيضاً أو قريب من قبره قبر ولده عبد الرحمن بن معاذ بن جبل؛ في الأغوار من منطقة الأردن قريبة على بيت المقدس.
"يا معاذ.." -يقول له- "إذا كان في الشتاء فغلِّس بالفجر وأطل القراءة قدرَ ما يطيق الناس ولا تملَّهم.."؛ فتجعل القراءة مبالغة في طولها حتى يملّ الناس، لا توقعهم في الملل، "لا تملَّهم" أي: لا توقعهم في الملل، فإن الليل طويل، ويكونوا قد أخذوا نصيبهم من المنام، "فغلِّس" بكّر بالصلاة أول وقتها، "وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا" تأنّى بهم لقصر الليل، رواه في شرح السنّة الحسين بن مسعود البغوي، وجاء أيضا في المصنف بقي بن مخلد، وأبو نعيم في الحلية وصية النبي لسيدنا معاذ لمّا أرسله اليمن فيما يتعلّق بصلاة الفجر والتغليس بها في الشتاء والإسفار بها في الصيف.
"وكان عمر -رضي الله عنه- يتفقد من غاب عن حضور الجماعة فسأل يوماً عن أبي خيثمة فقالت امرأته: إنه تعب الليلة من طول القيام.." -طال قيامه في الليل- "فكسل أن يخرج.." ، أي: فصلّى جماعة في بيته، "فصلى الصبح ثم رقد، فقال عمر: والله لو شهدها.." -أي صلاة الفجر في جماعة- مع جماعة المسلمين، "لكان أحب إلي من قيام ليلته"، بمعنى: لا ينبغي أن يكون القيام بالليل مانعًا من حضور جماعة الفجر، فإن الفجر فريضة والقيام سنة، وأن جماعة الفجر مشهودة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78]، فلا ينبغي أن يكون قيامه سبب لحرمانه من فضيلة جماعة الفجر. وقال سيدنا عمر: حضوره للجماعة في الفجر أفضل من قيامه ليلته، ثم انقطاعه عن الجماعة في صلاة الفجر، تعظيمًا لجماعة الفجر، وواظب عليها -يعني الصلوات الخمس في الجماعة دائما- وحافظ عليها في الجماعة دائمًا، وواظب عليها في العشاء وفي الفجر؛ فإن أثقل صلاة المنافقين صلاة العشاء في جماعة وصلاة الفجر في جماعة.
وجاء عن سيدنا عمر أنه قال: لأَن أدرك صلاة الفجر في الجماعة أحب إلي من أن أقوم الليل ويفوتني صلاة الفجر في الجماعة، قال عن خيثمة: والله لو شهدها لكان أحبّ إليّ من قيام ليلته، جاء الأمر بتعظيم جماعة الفجر.
والجمع في عرفة وفي مزدلفة:
فيجمعون بين الظهر والعصر تقديمًا في عرفة، وبين المغرب والعشاء تأخيرًا في مزدلفة.
فإذا أراد الجمع بين ظهر وعصر أو مغرب وعشاء:
إذا أراد الجمع تقديما وهو مسافر أو مريض:
ثم ذكر لنا الشأن المتعلق بصلاة العشاء؛ وكان رسول الله ﷺ يكره النوم قبل العشاء ويقول: "من نام قبل العشاء الآخرة فلا أنام الله عيناه" ويَكره "والحديث.." أي: الكلام "بعدها إلا في مصلحة" من إيناس ضيف؛ أو إيناس أهلٍ؛ أو مذاكرة علم؛ أو مباحثة في أمور مصالح المسلمين.
وقال سيدنا عمر: جئت رسول الله ﷺ ليلة بعد العشاء، فلم أجده في بيوته، فذهبت إلى أبي بكر الصديق فوجدت رسول الله عنده، فقلت: استأذن لي فأذن لي، فدخلت فوجدتهما يتشاوران في شؤون الأمة، هذا حديث بعد العشاء؛ لكنه في مصالح الأمة وترتيب شؤونها، ونشر الخير بينها، وما يتعلق بمنافعها وفوائدها وهكذا استثنوا؛ وما عدا ذلك يصلّحون لهم سمرات، لا ذكر ولا تلاوة ولا مصالح المسلمين وقمرات ولهو، فالسمرة قمرة.
ولا تَسمُر فتُقمَر عن الطاعاتِ والدِّين
تبعَّد جَمْ جِدًّا مِن السُّفَها الشياطين
تَجنَّّب لا تُجالِس سِوَى الضّعفا المسَاكين
وتُبْ بَعدَ الطَّهارَة ونِم صَافِي الطَّوِيّة
لأن هذا خاتمة أعمال اليوم العشاء، فأحسنها وأحسن ختم أعمالك، فإن الصحيفة تطوى. وهكذا يكون التقاء ملائكة الليل وملائكة النّهار في صلاتين في صلاة العصر وصلاة الفجر، ففي صلاة الفجر يشهدها ملائكة الليل؛ ثم يصعدون ويبقى ملائكة النهار إلى العصر فيشهدها ملائكة النهار ثم يصعدون؛ وتبقى ملائكة العصر إلى المغرب.
، وكان ﷺ كثيراً ما يسمر عند أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الليلة كاملة في الأمر من أمور المسلمين، والله أعلم".
"قالت عائشة -رضي الله عنها-: وما نام رسول الله ﷺ قبلها قط"، فيُكره النوم قبل صلاة العشاء خشية أن تفوت؛ "وكان ﷺ يقول: "لا سمر بعد العشاء إلا لمصل.." -يعني: يصلح مسامرة مع الرب- "إلّا لمصلٍّ أو مسافر" يطلب طي الطريق بالليل، فيتحدث يتكلم مع رفيقه مع صاحبه.
"وكان ﷺ يقول: "من قرض بيت شعر بعد العشاء.." والمراد به: الشعر الذي يحمل الغفلة؛ لا ذكر لله تعالى فيه؛ ولا تذكير بالدار الآخر؛ فإنّه من الفضول الذي يضيّع عمر الإنسان فإذا كان بعد العشاء كان أشد، يقول: "من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة تلك الليلة حتى يصبح"" لمن ساق وراء نفسه لم تقبل له صلاة من تلك الليلة حتى يصبح إذا قرض بيتا من الشعر في اللهو في الغفلة، أما ما تعلّق بذكر الله أو ذكر أوصاف رسول الله ﷺ أو ذكر الدار الآخرة فهذا الشعر من الكلام الحسن؛ لأن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح.
"وكان ﷺ كثيراً ما يسمر عند أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الليلة كاملة في الأمر من أمور المسلمين، والله أعلم". يقول سيدنا عمر: فجلست معهم فالنبي وأبو بكر يتشاوران في شؤون المسلمين حتى كان آخر الليل، قال: فقمنا نقلب رسول الله ﷺ إلى بيته -يعني نودّعه ونوصله إلى بيته- قال: فجاء عند باب المسجد، فسمع ابن مسعود يقرأ وكانت تعجبه قراءته -يعني في قيامه في الليل يتلو- فوقف على الباب يستمع قراءة ابن مسعود، وأطال حتى انتهى ابن مسعود من قراءته وأخذ يدعو، فقال ﷺ: ادعُ قد استجيب لك، ادعُ قد استجيب لك، ادعُ قد استجيب لك، ثم دخل منزله وانصرفنا، وجئت صلاة الفجر أبشِّر ابن مسعود فوجدت أبا بكر قد سبقني وبشّره، فوالله ما سابقت أبا بكر إلى خير إلا سبقني إليه -رضي الله تعالى عنهم-.
وهكذا تقول السيدة عائشة فيما جاء في الصحيحين: "ما رأيت رسول الله ﷺ نائمًا قبل العشاء ولا لاغيًا أو لاعبًا بعدها، إما ذاكرًا فيغنم وإما نائمًا فيسلم" ﷺ. ثم لعبوا ببرامج المسلمين وقالوا لهم السهرات، الليلة برنامج السهرة كذا وكذا وكذا وكذا، إن أردت مسموع، وإن أردت منظور، وإن أردت….! وبرامج ملآنة بالغفلة؛ بل وفيها من وراء الغفلة محرمات وآفات، وظلمات -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وصاروا يأخذون من وقتهم هذا المحدد من قبل صاحب النبوة، يُصرف فيما حذَّر منه ونهى عنه؛ فلا جماعة يحضرونها في الفجر أو يحضرونها كُسالى، ولا قيام في الليل؛ لأنهم سلّموا برامجهم لهمج الناس وسقطة الناس ومشوا معهم، وسيّد الناس قال لهم صلّحوا البرنامج كذا وناموا في وقت كذا وقوموا في وقت كذا واعملوا كذا، قالت: "ما رأيت رسول الله ﷺ نائمًا قبل العشاء ولا لاعبًا بعدها، إما ذاكرًا فيغنم وإما نائمًا فيسلم"، فاستثنوا ما كان يتعلق بمصالح المسلمين، أو كان علما أو كان ذكرا خالصا، أو كان إيناس ضيف أو إيناس أهل، وما عدا ذلك فلا حاجة له، وإن النّوم في أول الليل له مردود على الجسد في صحته وقوته ونشاطه، لا يغني عنه نوم في وقت آخر، فيكون النوم في هذا الوقت أنسب للجسد ووضعه وأصحّ له وأقوى وأعون على الانطلاق في النهار، كما أنّه يعين كذلك الجسد بما يتعلّق بالنوم وصحة الجسد أن تكون له قيلولة بالنهار، ونوم في أول الليل، يقول سيدنا عمر: كان ﷺ يسمر عند أبي بكر ليلة كذلك في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه.
فصلّى الله على مرشدنا إلى نهج الطريقة، ومن عرفنا به الاستمساك بالعروة الوثيقة، خير الخليقة سيدنا محمّد، سقانا الله رحيقه وتولّانا به في كل الشؤون، وأصلح لنا به الظهور والبطون، وأثبتنا في جاهه بديوان من يهدون بالحق وبه يعدلون، وفرّج كرب أمته في الظهور والبطون، ودفع الآفات والأسواء عنهم، وعجل بالفرج ودفع الضيق والحرج والهموم والغموم والبلاء عن أهل السودان، وعن أهل غزة وعن أهل الضفة الغربية، وعن بقية أكناف بيت المقدس، وعن المسلمين في المشارق والمغارب، ودفع جميع المصائب ورفعنا عالي المراتب، ووفّر حظنا من المواهب، في خير ولطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
19 جمادى الآخر 1445