(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (3) مواقيت الصلاة
صباح الإثنين 12 جمادى الآخرة 1445هـ
باب المواقيت
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "إن أخوف ما أخاف على أمتي تأخيرهم الصلاة عن وقتها وتعجيلهم الصلاة عن وقتها"، وكان ﷺ يقول: "أمني جبريل عليه الصلاة والسلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر أربعاً حين زالت الشمس، والعصر أربعاً حين صار ظل كل شيء مثله، والمغرب حين توارت الشمس، والعشاء أربعاً حين غاب الشفق الأحمر، والفجر حين برق الفجر أو قال: سطع، فلما كان من الغد صلی بي الظهر أربعاً حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى بي العصر أربعاً حين صار ظل كل شيء مثليه، وصلى بي المغرب وقتاً واحداً لم يزلَّ عنه، وصلی العشاء أربعاً حين ذهب نصف الليل أو قال ثلث الليل، وصلى بي الصبح حين أسفر جداً، ثم قال: "ما بين هذين وقت وهو وقت الأنبياء قبلك".
قال أنس -رضي الله عنه-: "وإنما بدأ جبريل بالظهر؛ لأن رسول الله ﷺ لما جاء بالصلوات الخمس إلى قومه خلى عنهم حتى زالت الشمس عن بطن السماء، ثم نزل جبريل -عليه السلام- فنادى رسول الله ﷺ في قومه الصلاة جامعة، ففزع القوم فاجتمعوا فصلى بهم رسول الله ﷺ الخمس صلوات لا يقرأ فيهن علانية يقتدي الناس بنبي الله ﷺ ويقتدي نبي الله بجبريل"، وكذلك فعل في اليوم الثاني، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ بعد ذلك يصلي الظهر إذا دحضت الشمس، وإذا كان الوقت حاراً يبرد به ويقول: "شدة الحر من فيح جهنم"، وإذا كان الوقت بارداً عجَّلَ به .
وكان خباب -رضي الله عنه- يقول: "شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء فلم يشكنا وقال: إذا زالت الشمس فصلوا"، فكان أحدنا يبرد الحصا في كفه ليسجد عليه، وكان ﷺ يقول: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"، وكان ﷺ يأمر أصحابه بالإبراد بالظهر وهم نازلون في الأسفار وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل وكل بالشمس تسعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالصلاة وميقاتها وبيان أحكامها على لسان عبده وحبيبه محمد ﷺ وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في سبيله، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وابتدأ الشيخ -عليه رحمة الله- يذكر ما يتعلق بالمواقيت للصلوات من الأحاديث، وقد قال تعالى:﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
وزع الفرائض الخمس في أوقات من خلال الليل والنهار بالأربع والعشرين ساعة؛ لتكون أحكم وأقوم لصلتهم بإلههم -جلّ جلاله- وتفقدهم لأحوالهم:
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "إن أخوف ما أخاف على أمتي تأخيرهم الصلاة عن وقتها وتعجيلهم الصلاة عن وقتها"، وذكر بالتعليق أنه أخرجه البيهقي من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فكان تأخير الصلوات الخمس عن أوقاتها أو تقديمها عليهم من كبائر الذنوب والعياذ بالله -تبارك وتعالى-.
وجاء في الحديث أيضا تفسير قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4-5] قال: يؤخرونها عن وقتها؛ فلهم الويل وفسر سهوهم عنها بتأخيرها عن وقتها.
إذًا: فيجب أن يحرص كل مؤمن على أداء كل صلاة في وقتها، وتختلف الأوقات ما بين:
يقول "إن أخوف ما أخاف على أمتي تأخيرهم الصلاة عن وقتها وتعجيلهم الصلاة عن وقتها"، فإن للحق حكمة في التوقيت، وجعل كل صلاة لها وقت منوط بعلامات تتعلق بالشمس والأشفاق وضوء الفجر وما تعلق بذلك.
وكان ﷺ يقول: "أمني جبريل عليه الصلاة والسلام" يعني: صلى بي إماما "عند البيت مرتين فصلى بي الظهر أربعاً حين زالت الشمس" وهذا أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وكما جاء أيضًا في رواية عندكم "يصلي الظهر إذا دحضت الشمس" ومعنى دحضت: زالت.
فعند دحض الشمس أي: زوال الشمس؛ وزوالها تحولها من جهة الشرق إلى جهة الغروب، فإنها تطلع من المشرق ثم لا تزال ترتفع في كبد السماء حتى تتوسط فذلك وقت الاستواء؛ ثم تميل إلى جهة الغروب فهذا هو وقت دخول الظهر؛ فيبدأ الظل يتحول من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي وإذا بدأ هناك الظل فقد دخل وقت الظهر إلا ظل الاستواء مختلف باختلاف البلدان والأزمان إلى أن يصير ظل شيء مثله فيخرج بذلك وقت الظهر ويدخل وقت العصر.
وعند الحنفية: إنما يدخل وقت العصر إذا صار الظل الشيء مثليه أي مثله مرتين.
وعند غيرهم أن يصير ظل الشيء مثله فإذا كان عندنا عصا ذراع فإذا تحول الظل للشمس من جهة المغرب إلى جهة المشرق فوصل من عند طرف العصا ذراعٌ على قدر طولها فهذا وقت خروج الظهر ودخول وقت العصر.
وهكذا يأتينا أحكام الأوقات في الصلاة وأفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها كما جاء في الحديث.
واختلفوا بعد ذلك اجتهادًا فيما ورد فيما يتعلق بالإبراد بالظهر؛ أو تأخير العصر عند الحنفية إلى أن يصير ظل الشيء مثليه؛ أو تأخير العشاء إلى نحو ثلث الليل.
وأما تقديمها أو تأخيرها بغير عذر فذلك من الكبائر كما أسلفنا.
كذلك يكون العذر:
إما بنسيان:
كذلك النوم:
من يتخذ النوم عادة كمثل من ينام كل يوم وقت صلاة الفجر ويتخذه عادة فلا يكون هذا عذراً، إنما العذر لما يطرأ على الإنسان في بعض الأحيان بعض الأوقات وأما كل يوم؛ كل يوم؛ كل يوم هذا متساهل مهمل متعدٍ للحد فينبغي أن يهتم بتوقيت الحق تعالى للصلوات ويؤديها في أوقاتها ولا يسهو عنها بتأخيرها عن وقتها.
ولما قالوا للنبي ﷺ وهو يمشي في الليل راجعًا من بعض الغزوات قالوا له: "لو عرست بنا" يعني: بهم نوم والجيش تعبان "لو عرست بنا" يعني: نزلت بنا في مكان من الأرض نرتاح
فقال ﷺ: "أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال سيدنا بلال: أنا أوقظكم للصلاة يارسول الله"، وأبقى مستيقظ حتى يطلع الفجر وأوقظكم ما أنام، "فمال بهم ناحية" فناموا وقام بلال يدور في الجهة يستقبل جهة المشرق حتى يلاحظ طلوع الفجر، فجلس وأسند ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام؛ وطلع الفجر وهم نيام وطلعت الشمس، واستيقظ رجل واستيقظ سيدنا عمر ورأى الشمس طالعة فكبَّر ففتح ﷺ عينيه وقال:" يا بلال أين ما قلت؟ "، قال: "ما ألقيت علي نوم مثلها قط يارسول الله"، فقال: "إن الله قبض أرواحكم حين شاء ورد عليكم حين شاء يا بلال قم فأذن في الناس"، جاء في رواية أنه مشى بهم إلى موضع آخر وأمر بلال أن يؤذن وأمر أن يتوضئوا وأمر بلال أن يؤذن وصلى بهم كما كان يصليها في وقتها وكانت تعليم الحكم لمن غلبه النوم وكانوا يناموا من قبل دخول الوقت.
كما أنه يكره النوم مطلقاً قبل صلاة العشاء في الخبر: "من نام قبل العشاء الآخرة فلا أنام الله عينه "، وكان ﷺ بالنسبة لصلاة العشاء يكره النوم قبلها والحديث بعدها.
قالوا: فيكره انطلاق الإنسان في الحديث والكلام في غير علم وغير ذكر وغير إرشاد ونصح؛ وغير مؤانسة ضيف وغير إدخال سرور على أهل ونحو ذلك؛ ما عدا ذلك فيكره الكلام ما هو وقت كلام؛ اذهب وَنَمْ وقُمْ مبكرًا -بدري-؛ نم واستيقظ في آخر الليل؛ نَمْ في أول الليل فهو أصح لجسدك؛ واستيقظ مبكرًا فهو أصح لدينك ولحالك مع ربك جل جلاله وتعالى في علاه.
وكما أنه لا يليق ولا ينبغي النوم بعد صلاة العصر قبل الغروب لغير حاجة ملحة، ولا غير ضرورة فهذا مما يجتنب فيه يجتنب فيه النوم.
و كما يكره النوم أيضًا ولو بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فهي من الأوقات التي لا يصلح فيها أو لا يُقَرُ فيها النوم. وقال ﷺ: "إنها الساعة التي تقسم فيها الملائكة أرزاق العباد" وقال للسيدة فاطمة: "قومي اشهدي الملائكة تقسم أرزاق العباد".
وأن الذي يذكر الله بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس أسرع في تحصيل الرزق من الذي يجوب الآفاق؛ أي: يسافر فيه لطلب الرزق.
وإذا دخل الوقت لأي صلاة فيُكره النوم قبل أن يصلي تلك الصلاة التي دخل وقتها إلا أن يعتاد القيام ويثق من نفسه بذلك أو يجعل ويوكل من يوقظه لذلك.
فلا تصح الصلاة قبل دخول وقتها، وبعد خروج الوقت تصير قضاء.
وإذا صلى بعض الصلاة في الوقت وبعضها خارج الوقت: فتأخيرها إلى أن يقع بعضها خارج الوقت حرام، ولكن الصلاة صحيحة وإنما اختلفوا هل لتسمى أداء أو قضاء؟
فعند الشافعية: إذا أدرك ركعة قبل أن يخرج الوقت فتسمى أداء، وإن لم يدرك ركعة وإن أدرك أقل من الركعة فتسمى قضاء. ولما جاء في الحديث "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" فهذا يعتبر إدراك وأداء ولكن التأخير حتى يبقى من الوقت أقل مما يسعها إثمٌ في حد ذاته وحرام.
يقول: "حين زالت الشمس،" أي: صلى به صلاة الظهر "والعصر حين صار الظل كل شيء مثله" وهو وقت دخول وقت العصر عند الأئمة الثلاثة، قال أبو حنيفة: حتى يصير ظل الشيء مثليه. "والمغرب حين توارت الشمس" غابت، "والعشاء أربعًا حين غاب الشفق الأحمر،" فإنه إذا غربت الشمس يبقى فوقها من أثر الأشعة أشفاق، واحد أحمر واحد أصفر وواحد أبيض، فإذا غاب الأحمر فقد خرج وقت المغرب، وأحب بعضهم تأخير إلى أن يغيب أيضًا الأصفر والأبيض وهما يتواليان بعد ذلك، ففي مثل هذه الجهات يكون في غالب السنة غروب الشفق الأحمر والأصفر والأبيض بعد أذان المغرب وبعد غروب الشمس في نحو الساعة، ويختلف باختلاف البلدان والأوقات كذلك.
واستحب للاحتياط جماعة من كبار علماء البلد المتأخرين أن يجعلوا بين غروب الشمس وبين أذان العشاء ساعة وعشر دقائق، ويوشك أن يكون هذا هو الوقت الذي يكون بين طلوع الفجر وطلوع الشمس؛ لأن الأشفاق هذه هي تتقدم الشمس قبل طلوعها، وتتخلف عنها عند غروبها، فإذا اقترب طلوع الشمس بدأ الفجر والفجر: هذا الضوء الأبيض المستطيل هذا هو الشفق الأبيض: الضوء المستطيل، هذا الذي يقوى بما بعده من الأصفر وما بعده من الحمرة وما بعدها إلى طلوع الشمس، فاستغراق هذا الوقت في زواله بعد الغروب، كبدايته إلى وقت الطلوع، من بدايته إلى وقت طلوع الشمس، يستغرق هذا الوقت مثله بعد غروب الشمس إلى أن تغيب الأشفاق تستغرق هذا الوقت فما بين ساعة وعشر دقائق وما يقرب منها تكون قد غربت الأشفاق بالنسبة للغروب، وقبل طلوع الشمس بساعة وعشر دقائق وما فوقها تكون قد بدأ الشفق الأبيض الذي هو الفجر؛ ضوء الفجر.
قال: "والفجر حين برق الفجر أو قال: سطع" في أول وقته "فلما كان من الغد" اليوم الثاني "صلى بي الظهر أربعًا حين صار ظل كل شيء مثله،" يعني آخر الوقت أمس أول الوقت "وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، وصلى بي المغرب وقتًا واحدًا" نفس الوقت أول ما غربت الشمس "لم يزل عنه، وصلى بي العشاء أربعًا حين ذهب نصف الليل" فالماضية كان صلى به عندما غرب الشفق الأحمر وفي الليلة الثانية أخره "حين ذهب نصف الليل أو قال ثلثيه وصلى بي الصبح حين أسفر جدًا" وهذا الإسفار: أي قارب طلوع على الشمس والإسفار: أن تميز الوجوه وتعرف بعضهم من بعض، "ثم قال: ما بين هذين وقت وهو وقت الأنبياء قبلك".
فجاء فصلى أول الوقت في اليوم الأول وآخر الوقت في اليوم الثاني ليبين أوقات الصلوات (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبًا مَّوۡقُوتًا) [النساء:103]
قال أنس -رضي الله عنه-: "وإنما بدأ جبريل بالظهر؛ لأن رسول الله ﷺ لما جاء بالصلوات الخمس إلى قومه خلى عنهم حتى زالت الشمس عن بطن السماء، ثم نزل جبريل -عليه السلام- فنادى رسول الله ﷺ في قومه الصلاة جامعة، ففزع القوم فاجتمعوا فصلى بهم رسول الله ﷺ الخمس صلوات لا يقرأ فيهن علانية يقتدي الناس بنبي الله ﷺ ويقتدي نبي الله بجبريل"، وكذلك فعل في اليوم الثاني، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ بعد ذلك يصلي الظهر إذا دحضت الشمس، وإذا كان الوقت حاراً يبرد به ويقول: "شدة الحر من فيح جهنم"، وإذا كان الوقت بارداً عجَّلَ به .
قال أنس -رضي الله عنه-: "وإنما بدأ جبريل بالظهر؛ لأن رسول الله ﷺ لما جاء بالصلوات الخمس إلى قومه خلى عنهم حتى زالت الشمس عن بطن السماء، ثم نزل جبريل عليه السلام فنادى رسول الله ﷺ في قومه الصلاة جامعة، ففزع القوم فاجتمعوا فصلى بهم رسول الله ﷺ الخمس صلوات لا يقرأ فيهن علانية يقتدي الناس بنبي الله ويقتدي نبي الله بجبريل"،-عليه السلام- يراه صلى وهم لا يرون جبريل وكذلك فعل في اليوم الثاني، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله ﷺ بعد ذلك يصلي الظهر إذا دحضت الشمس، وإذا كان الوقت حاراً يبرد به ويقول: "شدة الحر من فيح جهنم"، وإذا كان الوقت بارداً عجل به" بصلاة الظهر فيسن الإبراد بها قال الشافعية: لمن يصلي جماعة في موطن بعيد لا يجدون كنًا ولا ظلًا فحينئذ يبردون بصلاة الظهر حتى يصير للحيطان فَيْ وظل يمشون فيه.
"وكان خباب -رضي الله عنه- يقول: "شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء.." أي في جباهنا إذا سجدنا يعني يصلون الظهر في أيام الصيف فتكون الأرض تحتهم حارة بالشمس، وما فيها من رمل أو حجر حار يصعب تمكن جباههم عليه "فلم يشكنا" أي: لم يعذرنا أن نترك السجود ولا أن نسجد على شيء من يتحرك بحركتنا "وقال: إذا زالت الشمس فصلوا"، لا تغيروا وقت الصلاة "فكان أحدنا يبرد الحصا في كفه ليسجد عليه،" حتى يتمكن من السجود وإطالة السجود على ذلك الحجر والحجر قد اشتدت حرارته بسبب أشعة الشمس.
"وكان ﷺ يقول : قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"، والقيلولة: النوم قبل الزوال أو بعده استعدادًا للسهر في الخير أوالقيام في الليل. فهذه القيلولة يستعين بها العُبَّاد على قيام الليل، قالوا: والقيلولة في النهار لمن لا قيام له في الليل كالسحور لمن لا يصوم، يتسحر ويصبح مفطر، وهذا ينام القيلولة ولا يقوم بالليل؛ إنما القيلولة من أجل النشاط في الليل ومن أجل قيام الليل وعمارة وقت في الليل، والشياطين لا تقيل لأنه لا همّ لهم بقيام الليل ولا بالوقوف بين يدي الله ويلعبون في نهارهم.
"وكان ﷺ يأمر أصحابه بالإبراد بالظهر وهم نازلون في الأسفار" إذا نزلوا في مكان وهم في السفر وجاء وقت الزوال يتأنى بهم حتى يخف الحرارة؛ ويكون الظل موفر فيصلي بهم ﷺ صلاة الظهر.
وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل وكل بالشمس تسعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته".
يقول الهيثمي: إن في سند هذا الحديث رجل ضعيف جدا؛ وإنما الإشارة إلى ما رتَّبَ الحق -تبارك وتعالى- من قوة الحرارة ودرجتها وكذلك مسافة البعد عن الأرض ما بين الشمس وما بين الأرض مرتب بتقدير عزيز عليم (وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِی لِمُسۡتَقَرٍّ لَّهَاۚ ذَ ٰلِكَ تَقۡدِیرُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ) [يس: 38] جل جلاله وتعالى في علاه.
رزقنا الله الإنابة والخشية والاستقامة، واتحفنا بالمنن والمواهب والكرامة، وتولانا بما هو أهله في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وربطنا بحبيبه المظلل بالغمامة سيد المرسلين وخاتم النبيين ربطًا لا انحلال له أبدا يقوى في كل لحظة سرمدا، فثبتنا على منهجه منهج الهدى وتولانا به فيما خفي فيما بدى، وكفانا شرور النفس والهوى والعدا وكان لنا بما هو أهله، وأصلح لنا وللأمة الشأن كله ولطف المسلمين لطف كامل عظيم وخصوصًا أهل السودان وأهل غزة وأهل ضفة الغربية وأكناف بيت المقدس والمسلمين في يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا؛ الطف بهم يا ربنا لطفًا كاملًا ظاهرًا وخفيا شاملًا لائقًا بجودك ظاهرًا وباطنا.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
13 جمادى الآخر 1445