(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الحيض(3) معاملة الحائض وما يحرم عليها
صباح الأحد : 4 جمادى الآخرة 1445هـ
فصلٌ في استخدام الحائض وغير ذلك
"قالت عائشة -رضي الله عنها- : "كنت أرجل شعر رسول الله ﷺ وأنا حائض ورسول الله ﷺ حينئذ مجاور في المسجد يدني إلي رأسه الشريف وأنا في حجرتي فأرجله وأغسله وأنا حائض، وكان يتكئ في حجري فيقرأ القرآن، وقال لي مرة ناوليني الخُمْرَة من المسجد فقلت : إني حائض ، فقال : إن حيضتك ليست في يدك فقمت فناولته"، وفي رواية: "كان رسول الله ﷺ يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها له حائض".
وكانت ميمونة -رضي الله عنها- تقول للمرأة التي تتنزه عن ذلك: أين الحيضة من اليد؟ وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يأمر جواريه بغسل رجليه وهن حيض، وقالت أم سلمة -رضي الله عنها- : "بينا أنا مضطجعة في الخميلة إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله ﷺ : أنفست؟ قلت نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة".
وقالت عائشة رضي الله عنها: "كنت مرة مضطجعة مع رسول الله ﷺ في ثوب واحد فحضت فوثبت وثبة شديدة، فقال لي رسول الله ﷺ: مالك لعلك نفست يعني الحيضة، قلت: نعم، قال: شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك"، قالت : "ودخل علي رسول الله ﷺ ليلا وأنا حائض، ولم يكن لنا إلا فراش واحد فمضى إلى مسجد بيته فلم ينصرف حتى غلبتني عيناي وأوجعه البرد، فقال : يا عائشة ادن مني، فقلت: إني حائض فقال : اكشفي لي عن فخذيك، فكشفت فخذي فوضع خده وصدره عليهما وحنيت عليه حتى دفئ فنام" .
قالت: وكنا إذا حاضت إحدانا نزلت عن المثال إلى الحصير فلم تقرب من رسول الله ﷺ ولم تدن منه حتى تطهر . قالت: وكنت أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناوله رسول الله ﷺ فيضع فاه على موضع فِيَّ وكان يدعوني فأكل معه وأشرب وأنا حائض، فإن أبيت أقسم علي. وقال عبدالله بن سعد: "سألت رسول الله ﷺ عن مؤاكلة الحائض فقال واكلوها"، والله أعلم".
فرع: في الأمر بقضاء الصوم دون الصلاة
كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كنا نحيض على عهد رسول الله ﷺ ثم نطهر فيأمرنا رسول الله ﷺ بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة، وقيل لأم سلمة -رضي الله عنها- إن سمرة بن جندب يأمر النساء أن يقضين صلاة المحيض، فقالت للسائلة : لا تقضين وكانت المرأة من نساء رسول الله ﷺ تقعد في النفاس أربعين ليلة لا تصلي ولا يأمرها النبي ﷺ بقضاء صلاة النفاس، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : إن الحامل لا تحيض، وتارة تقول : إذا رأت الحامل الدم فلتدع الصلاة وسيأتي في باب الحج أن الحائض لا تطوف بالبيت .
وكان ﷺ يقول : "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمد صلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله من نالوا به طهرا، وعلى صحابته من رفع الله لهم به قدرا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وجرى بمجراهم خير مجرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد: فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الأحاديث المتعلقة بمعاملة الحائض، وأن الحائض والنفساء في جميع بدنهما طاهرتين، وأنهما يخبزان ويعجنان ويمسّان المائعات وغير ذلك، ويُآكلان ويُشاربان خلاف ما كان عليه اليهود مما ابتدعوه أن لا يُآكلوا ولا يُشاربوا حائضًا ولا نفساء، ولا يدخلوا في غرفة فيها حائض ولا فيها نفساء، وجاءت الشريعة بغير ذلك،، وإنما حُرِّمَ قربهن من أزواجهن بشاهد الآية الكريمة [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] (البقرة:222).
وتذكر لنا أمهات المؤمنين حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، ومعاملته لهن في أيام حيضهن وغير ذلك، "قالت عائشة -رضي الله عنها- : "كنت أرجل شعر رسول الله ﷺ.." أي: أمشطه، فتُمشط له شعره الشريف بالمشط وهي حائضة، "أرجل شعر رسول الله ﷺ وأنا حائض؛.." بل في أيام مجاورته أي: اعتكافه. "قالت: ورسول الله ﷺ حينئذٍ مجاور في المسجد.." يعني: معتكف في المسجد في أيام اعتكافه، يُدني إليّ رأسه الشريف، أي: من طرف المسجد عند جدار المسجد من الباب الذي يخرج إلى حجراته الشريفة ﷺ، يُدني إلي رأسه "وأنا في حجرتي.." أي: في الممر ما بين الحجرة والمسجد -الروضة الشريفة-، "قالت: فأُرجله وأغسله.." أي: شعر رأسه وأنا حائض، "وكان يتكئ في حِجري،" أي: أيام حيضها، "ويقرأ القرآن ﷺ"، لما كان يلازم التلاوة وورده -عليه الصلاة والسلام- من القرآن الكريم.
ولمّا تأخر ليلةً على بعض الوفد الذين وفدوا المدينة؛ وكان يأتيهم بعد العشاء كل ليلة يُحدّثهم ويأخذ بخواطرهم، وتأخر ليلة فقال لهم معتذرا عن تأخره: إنّما تأخرت لأنه شغلني -الوفد الفلاني- عن وردي من القرآن فأحببت أن لا آتيكم حتى أقضي وردي، فقضى ورده ثم أتاهم، فكان ﷺ كثير التلاوة للقرآن. ويذكر أمهات المؤمنين أنه وإن كانت إحداهن حائض فقد يتكئ على حِجر إحداهن ويضع رأسه عليها ويقرأ القرآن ﷺ، ولا يرى في ذلك بأسًا.
"وقال لي مرة ناوليني الخُمْرَة من المسجد فقلت : إني حائض، فقال : إن حيضتك ليست في يدك فقمت فناولته"، "وقال لي مرة: ناوليني الخُمْرَة،" وهي: من خوصٍ وسعف النخل سجادة يصلي عليها ويسجد عليها، "ناوليني الخُمْرَة، من المسجد،" ويحتمل أن يكون مسجده الشريف أو المسجد مسجد بيته، فإن له في حُجره مكانًا يصلي في كل منها في محل مخصوص، ويسمونه مسجد البيت -مسجد بيته-، "فقلت: إني حائض،" لما قال: ناوليني الخمرة -وهي مخصوصة بصلاته عليها- "فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك،" أي: يدك طاهرة ليس فيها نجاسة، ولا يصيب الخُمْرَة، شيء بمس يدك لها، "فقال: إن حيضتك ليست في يدك، فقمت فناولته"، وهكذا جاء عن غيرها، "كان رسول الله ﷺ يضع رأسه في حِجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخُمْرَتِهِ إلى المسجد فتبسطها له حائض"، وهذا أشبه أن يكون بمسجد البيت.
"وكانت ميمونة -رضي الله عنها-.." أم المؤمنين "تقول للمرأة التي تتنزه عن ذلك: أين الحيضة من اليد؟ وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يأمر جواريه بغسل رجليه وهن حيض، وقالت أم سلمة -رضي الله عنها- : "بينا أنا مضطجعة في الخميلة إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله ﷺ: أنفست؟ قلت: نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة" كما جاء في رواية النسائي وغيره.
"وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كنت مرة مضطجعة مع رسول الله ﷺ في ثوب واحد فحضت فوثبت وثبةً شديدة.."، فلما أحست بخروج الدم ثَقُل عليها الأمر وهي بجانب رسول الله ﷺ "فوثبت" -قفزت-، "فقال لي رسول الله ﷺ: مالك لعلك نفست يعني الحيضة، قلت: نعم، قال: شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك، "قالت : ودخل علي رسول الله ﷺ ليلا وأنا حائض، ولم يكن لنا إلا فراش واحد.." هذا الذي في بيته الكريم عليه الصلاة والسلام، "فمضى إلى مسجد بيته.." يعني: المكان المخصص للصلاة وسط حجرته الشريفة- هذا مسجد بيته، "فلم ينصرف حتى غلبتني عيناي.." وهو قائم يصلي عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك وقت شدة البرد؛ وفي المدينة برد شديد قالت: "وأوجعه البرد.." وقد أطال القيام وقضى ورده من الصلاة، وهي نامت وقد "أوجعه البرد، فقال : يا عائشة ادن مني، فقلت: إني حائض.." قال: وإن كنت حائض! "فقال : اكشفي لي عن فخذيك، فكشفت فخذي فوضع خده وصدره عليهما وحنيت عليه حتى دفئ فنام"، وذلك الفرش واحد والغطاء كذلك قليل عنده في البيت واحد، وما عنده أغطية كثير وسط بيته الكريم ﷺ، فتدفَّى ببدنِ زوجته صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
"قالت: وكنا إذا حاضت إحدانا نزلت عن المثال للحصير.." أي: السرير الذي يكون عليه، أو الفرش الذي يكون عليه، إلى الحصير المفروش على بقية الحجرة، "فلم تقرب من رسول الله ﷺ ولم تدن منه حتى تطهر،" أي: في غالب أحوالهن. وبيّن في الشرع جواز القرب والملامسة ما لم يكن بذلك وطءٌ ولا جماع، وكذلك فيما بين السرة والركبة على ما تقدم معنا من النصوص واجتهاد الأئمة في ذلك، واختلافهم في جواز الاستمتاع بما بين السرة والركبة، وقول الجمهور: أنه يَحرم.
"قالت: وكنت أشرب من الإناء وأنا حائض، ثم أُناوله رسول الله ﷺ فيضع فاه على موضع فيَّ، وكان يدعوني فآكل معه وأشرب وأنا حائض، فإن أبيت أقسم عليّ". أبيت: استحييت، يعني: استحييت وتأخرت حياءً؛ فيكلف عليها أن تأكل معه وتشرب معه ﷺ، فما أكرم خلقه، وهو القائل: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وقال عبدالله بن سعد: "سألت رسول الله ﷺ عن مؤاكلة الحائض فقال: واكلوها" أي: كلوا معها ولا في ذلك شيء.
إذًا لا خلاف بين الفقهاء في طهارة جسد الحائض وعرقها وسؤرها؛ وجواز أكل طبخها وعجنها وما مستهم من المائعات، والأكل معها ومساكنتها، ولا كراهة في شيء من ذلك أصلًا. وذلك كان فعل اليهود وتقدم معنا أنهم اغتاظوا لمّا خالفهم بذلك، وقال: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، فلما أنكرت اليهود ذلك واغتاظوا ففرح سيدنا أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر بغيظ اليهود، وجاءوا، قالوا: "يا رسول الله إنّ اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغيّر وجه رسول الله.." لأن ذلك محرّم في الشرع كما تقدم معنا، "حتى ظنّنا أنه وجد عليهما.." أي: زعل منهم وغضب عليهما، "فلما خرجا جاءت إلى النبي ﷺ هدية لبن، فأرسل إليهما يدعوهما ليسقيهما"، فزال ما في خاطرهما من خوف أنه غضب عليهم ﷺ، فإنما بيّن لهم الحكم بغضبه لذكر شيء محرّم في الشريعة ولا يجوز، ولا يُبالغ في إغاظة اليهود أو غيرهم بما يتناقض مع أصل الشريعة والدين ما يتأتى هذا، وإنما في الحدود التي بيّنتها الشريعة وأباحتها. قال تعالى: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [الفتح:29].
وهكذا وجاء عندنا هذه الروايات في صحيح مسلم من ناوليني الخمرة من المسجد قال: إن حيضتك ليست في يدك، وكذلك ما كان يضع فاه على موضع فِيها من الإناء ويشرب، وغسلهن لرأسه ﷺ، وهذا أمر متفق عليه بين الأئمة.
ثم: ما يتعلق بقضاء الصوم فإنه واجب. وكما اتفق الفقهاء على أنه ما لا يجوز للحائض ولا النفساء أن تصلي من غير شك، وبعد ذلك أيضا ما كان من نحو صلاة، كمثل: سجود التلاوة وسجدة الشكر، وكل ما كان في معنى الصلاة فيَحرمان على الحائض، كما يُصرّح به الحنفية والشافعية والحنابلة. كذلك أجمعوا على أنه لا يلزمها قضاء شيء من الصلوات في أيام حيضها.
"ولما سألت معاذة أم المؤمنين عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها: أحرورية أنتِ؟!" -من هذه الفرقة الخوارج الذين ظهروا بالتشدّد والتنطّع في الدين- قالت: "قلت: لست بحرورية!" لكن أسأل، ماني من الخوارج ولكن أسأل، ما الحكم؟ "قالت: كان يصيبنا ذلك -أي في عهد النبي ﷺ- فنُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة"، كما جاء في الصحيحين وغيرهما.
فإذًا هم متفقون على وجوب قضاء الحائض والنفساء لصوم رمضان، نُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة، وكذلك لو كان عليها حتى كفارة كصوم شهرين ونحوها، فأيام الحيض ما تقطع التتابع؛ لأن ذلك ضرورة بالنسبة لها.
ولما سألت بعضهن أم المؤمنين أم سلمة قالت: "إن سمرة يأمر النساء يقضين صلاة المحيض، قالت للسائلة: لا تقضين، كانت المرأة من نساء رسول الله ﷺ تقعد في النّفاس أربعين ليلة لا تُصلي ولا يأمرها النبي ﷺ بقضاء صلاة النفاس".
وقالوا: أن النفاس يقطع التتابع في الصوم بخلاف الحيض، فإذا عليها صوم متتابع فلا تجعله أيام قرب ولادتها، فإن أيامه طويلة ويقطع بالنفاس، وليس بمتكرر في كل شهر بخلاف الحيض فإنه يتكرر في كل شهر.
وكذلك انقضاء العدة يكون بالحيضات وليس بالنّفاس، لأن (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ..) [البقرة:228] وليس النفاس من القروء، كذلك يحصل بالحيض الفصل بين طلاق السنة والبدعة، فالطلاق البدعي: أن يطلقها وهي حائض، وثمّ أن أقل الحيض محدود عند عامة الفقهاء إلا المالكية؛ وأما أقلّ النفاس فباتفاقهم كلهم أنه لا حد لأقله، كذلك أكثر الحيض إما عشرة عند الحنفية، أو خمسة عشر عند غيرهم، وأكثر النّفاس أربعون أو ستون إذًا على الخلاف بينهم.
ثمّ تكلّم عن الحامل هل تحيض؟ فإذا رأت امرأة وهي حامل الدم فهل هذا حيض؟
يقول الحنابلة والحنفية: هذه استحاضة؛ إذا رأت المرأة الدم الحامل حال حملها قبل ولادتها فهذا استحاضة. واستدل الحنفية بقول السيدة عائشة: "الحامل لا تحيض"؛ ولكن ذلك يعني في الغالب.
يقول الإمام الشافعي: إذا رأت الحامل الدم فهو حيض. فالأصح عند الشافعية أن الحامل يمكن أن تحيض، حيض في حق ترك الصوم والصلاة وحرمة قربانها، لا في حق أقراء العدة ما تحسب من الأقراء، "إذا أقبل قُرؤك فدعي الصلاة".
والمالكية يقولون: إذا رأت دم في الشهر الأول أو الثاني يعتبر حيض، أما إذا قد جاوز هذه الأشهر، في الشهر الثالث أو الرابع أو الخامس فاستمر يقولوا: إذا تحول أكثر حيضها إلى عشرين، ما زاد فهو استحاضة عشرين يوم، فرّقوا بين أكثر الحيض بين الحامل وغير الحامل، وجعلوا أن بالنسبة للحامل يمتد إلى عشرين يوما، إلى الشهر السابع أو الثامن أو التاسع آخر الأشهر قالوا: فإذا استمر نازلا مدّوا زمن الحيض إلى ثلاثين.
وهذا خلافهم في ما يتعلق بحيض الحامل.
كذلك الطواف من الأشياء المحرّمة على الحائض والنفساء باتفاق أنّه محرم.
ولكن لو طافت أيام حيضها هل يصح؟ فأيضًا عند جمهور العلماء باطل ولا يصح.
ثم قال الحنفية: هو مع حرمته مأثومة، ولكن يصح الطواف منها وعليها بدنة، عليها أن تذبح بدنة.
أما طواف الوداع فيسقط عنها بالاتفاق؛ إذا حاضت قبل أن تطوف طواف الوداع، وقد طافت طواف الحج وقد طافت طواف الإفاضة خلاص، فيسقط عنها طواف الوداع على من قال بسنيته وعلى من قال بوجوبه فيسقط عنها ولتسافر، كما قال ﷺ لما قالوا: "أن صفية حاضت، قال: أحابستنا هي؟ فقالوا: إنها قد طافت". أي: طواف الإفاضة، باقيلها طواف الوداع، "قال: فلا إذًا". يعني خلاص فلتنفر معنا، فلا تتأخر من أجل طواف الوداع، فتكون معذورة إذا رفقتها بيسافرون يسقط عنها طواف الوداع.
ويقول الشافعية والحنابلة: أوجبوا طواف الوداع إن طهرت قبل مفارقة بنيان مكة لزمها العودة تغتسل وتطوف، وإلا عليها دم طواف الوداع.
وكذلك من المعلوم:
تحريم قراءة القرآن عليها عند الجمهور.
وعند المالكية: تقرأ من دون أن تمس المصحف ولا تحمله؛ إلا أن تكون معلمة أو متعلمة في قول عندهم.
وقال الجمهور: لا يجوز لها وإن كانت معلمة أو متعلمة أن تمس المصحف، ولا أن تقرأ بنية القراءة وإنما تقرأ بنية التحصن. وأجاز المالكية لها القراءة من دون مس، واستدل الجمهور بقوله ﷺ: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن".
وأما التلاوة لأجل الذكر وللتحصين وللدعاء فجائز بالاتفاق عند الأئمة كلهم. كأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي وتقرأ الفاتحة بنية التحصن والتحفظ لا بقصد التلاوة فذلك جائز عندهم كلهم، والقراءة من غير نية التحصن حرام أيضا عند الحنفية والشافعية والحنابلة، في قول عند المالكية يجوز أن تقرأ من دون أن تمس المصحف إلا أن تكون معلمة أو متعلمة.
وكذلك يقول بعض منا: إنها قد يتمادى بها الحيض أو النفاس إلى أكثره، وتخاف وهي تحفظ القرآن أن تنسى؟
فيمكن أن تأخذ بقول مالك، ويمكنها أن تسمع أو تقرأ بقلبها فلم يُحرّم ذلك أحد عليها، تقرأ بقلبها من دون ما تتلفظ وتمرّ على السور بقلبها حتى لا تنساها، ولا شيء عليها بالاتفاق ما دام ما تتلفظ بلسانها، أو تسمعه من شريط ونحوه تتدبر فلا شيء عليها في ذلك، وأما قراءتها ففيها الخلاف القوي، فالجمهور قالوا بحرمته، والمالكية عندهم القول بإباحة القراءة من دون أن تمس المصحف ولا تحمله.
رزقنا الله الاستقامة واتحفنا بالكرامة، ووقانا الأسواء، وأصلح السر والنجوى، وحققنا بحقائق التقوى، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وتولانا في دنيانا ومآلنا، وختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنّا.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
09 جمادى الآخر 1445