كشف الغمة -100- باب التيمم (4) - فصل في تيمم الجريح والتيمم للبرد

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  باب التيمم (4).

 صباح الإثنين: 27 جمادى الأولى1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  ما هو تيمم الجريح؟
  •  معنى الجبيرة وحكم المسح عليها
  •  حديث الجنب الذي أفتوه بالغسل وهو مجروح فمات
  • خطر الفتوى بغير علم
  •  أحكام التيمم للجريح
  •  هل الحمى عذر للتيمم أم الغسل ينفع المحموم؟
  •  أحكام التيمم للبرد
  •  هل يعيد التيمم لكل فريضة؟

نص الدرس مكتوب:

فصل في تيمم الجريح والتيمم للبرد 

 

"كان خزيمة يقول: "سألت رسول الله ﷺ عن سخونة الماء في الشتاء وبرده في الصيف فقال: يا خزيمة إن الشمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتى تطلع من مكانها فإذا طال الليل في الشتاء كثر لبثها في الأرض فيسخن الماء لذلك، وأما إذا كان الصيف فإنها تمر مسرعة لا تلبث تحت الأرض إلا قليلًا لقصر الليل فيثبت الماء على حاله باردًا"، وكان أنس يقول: "لما رمى ابن قمئة رسول الله ﷺ وفشجه فكان رسول الله ﷺ و إذا توضأ يحل عن العصابة ويمسح عليها بالماء". 

وقال علي: لما انكسرت إحدى زندي أمرني رسول الله ﷺ أن أمسح على الجبائر، وكان ابن عمر يقول: من كان على جرحه عصاب فليتوضأ وليمسح على العصاب ويغسل ما حوله ومن لم يكن على جرحه عصاب فليغسل ما حول العليل فقط، وجرحت إبهامه مرة فألبسها مرارة وكان يتوضأ عليها، وكان ابن عباس يقول: "أصاب رجلًا جرح في رأسه على عهد رسول الله ﷺ فاحتلم فسأل من لا علم له بالسنة من إخوانه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: لا وأنت تقدر على الماء، فأمروه بالاغتسال فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: قتلوه قاتلهم الله ألم يكن شفاء العي السؤال؟ وإنما كان يكفيه أن يتيمم وأن يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده، وفي رواية: إنما كان يكفيه أن يغسل الصحيح ويترك موضع الجريح"

 

وكان ابن عباس يقول: في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مرضى) [النساء : ٤٣] إذا كانت بالرجل الجراحة أو القروح أو الجدري فأجنب وخاف ويصلي، وكان ابن عمر لا يرى التيمم للمحموم عند وجود الماء ويقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء"، وتقدم آنفًا قول ابن عمر لأبي موسى الأشعري يوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد، فقال أبو موسى هو كذلك، وتقدم في باب الغسل قوله ﷺ لوفد ثقيف حين قالوا له: إن أرضنا أرض باردة فكيف لنا بالغسل؟ فقال: أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا. 

"وكان عمرو بن العاص يقول: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29]، فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئًا"، وفي رواية: "أنه غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم يعني من غير تيمم".

وكانت الصحابة يقولون: التيمم قائم مقام الوضوء والنبي ﷺ جمع بين صلوات بتيمم، فيجب التيمم لكل فريضة لأنه لم يقع له تأخير صلاة عن وقتها وهو مستيقظ إلا في وقعة الخندق فإنه جمع فيها بين الصلوات بوضوءٍ واحد فالوقوف عندما ورد أولى. كان علي رضي الله عنه يقول: لابد من التيمم عند كل صلاة، وكذلك ابن عباس".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله الذي أكرمنا ببيان الهدى والحق على لسان عبده وحبيبه الأتقى الأصدق صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اقتدى بهم وبولائهم تحقق، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الخلق ممن خلق وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى جميع الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

 

ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل:

 ما يتعلق في تيمم الجريح والتيمم للبرد: وهو الذي في بدنه جراحة يضر بها الماء إن صبه عليها، فحينئذ يتعلق الأحكام بشأن الجراحة التي في الجسد.

وما ذكر من حديث سيدنا خزيمة ما يثبت من حيث السند ولو صح لكان أشبه بالأحاديث المتشابهات "وكان أنس يقول: لما رمى ابن قمئة" اقمأه الله "رسول الله ﷺ" يعني يوم أحد "فشجه" أي: جرحه على ﷺ جبينه الأغر "فكان رسول الله ﷺ  إذا توضأ يحل عن العصابة" التي على الجرح "ويمسح عليها بالماء".

وعلى هذا مذهب الحنابلة ومن وافقهم: في وجوب مسح محل الجراحة بالماء إذا تمكن من ذلك.

"قال علي كرم الله وجهه رضي عنه: لما انكسرت إحدى زندي أمرني ﷺ أن أمسح على الجبائر"، جمع جبيرة وهي: ما يوضع على محل الكسر من الأعواد ونحوها وتعصّب؛ لأجل ينجبر الكسر؛ فهي ساترة لما تحتها من موضع الوضوء أو موضع الغسل.

 قال: "وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: من كان على جرحه عصابٌ فليتوضأ وليمسح على العصاب ويغسل ما حوله" مما يمكن غسله "ومن لم يكن على جرحه عصاب فليغسل ما حول العليل فقط"  فيبقى بعد ذلك مسحه إن كان يطيق المسح بالماء فيمسحه بالماء، "وجرحت إبهامه مرة فألبسها مرارة وكان يتوضأ عليها".

"وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: أصاب رجلًا جرح في رأسه على عهد رسول ﷺ فاحتلم فسأل من لا علم له بالسنة من إخوانه:.." وهكذا يأتي الضرر والخطر والخطل من سؤال من ليس بأهل للفتوى وتصدر الفتوى على غير علم وتقع مشاكل كثيرة، فمنها هذا الذي حصل لما سألهم قال كيف الآن جرح في رأسي والماء يضرني وأنا أجنبت "هل تجدون لي رخصة في التيمم؟"، وقد جاءت الرخصة في الشرع ولكنهم ما يعرفون بعقولهم؛ بعقولهم يتكلمون بالدين والدين أكبر من العقل ولو كان الدين بالرأي قال سيدنا علي: لقلتُ إن مسح أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، فالعقل يوصلك إلى أن لك ربًا يشرِّع، ما يقول لك شريعتك كذا؛ ما يعرف شريعة ربك العقل! العقل يوقفك عند الشريعة؛ ورح أسأل على الشريعة، كيف قال الله ورسوله؟ وكيف استنبط العلماء؟ وبس هذا هو مهمة العقل أما هو العقل يشرع! ما هو إله حتى يشرع! هو آلة ووسيلة يدلك على إلهك وعلى دينه فهؤلاء ما يعرفون، "فقالوا: لا وأنت تقدر على الماء،" مالك عذر اغسل رأسك والجراحة اللي عليه "فأمروه بالاغتسال فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: قتلوه قاتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟ ليه ما سألوا ورجعوا إلى من يفهم الحكم عنا وما بيناه من شرع الله تعالى، "وإنما كان يكفيه أن يتيمم وأن يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده،" يعني: كان الجرح يعصبه بخرقه ويمسح عليه من فوق ويغسل باقي الجسد "إنما كان يكفيه أن يغسل الصحيح ويترك موضع الجريح".

 ثم إن من أهل العلم من قال بعد ذلك: يتيمم عن موضع الجرح وهم الجمهور.

وقال المالكية: ما يجمع بين غُسل وتيمم -بدل منه واحد- إذا عجز عن الاستعمال الماء أصلا فيتيمم ولا غُسل، وإن كان كذلك في شيء يسير من أعضاء الوضوء أو من أعضاء البدن بالنسبة للغسل فكأنه لا يقدر على شيء فيتيمم فقط من دون أن يغسل الصحيح، وإن كان الصحيح هو الأكثر فعليه أن يغسل الصحيح ولا يتيمم.

 وقال غيرهم: بل يغسل الصحيح ويتيمم عن الجريح. 

قال:"وكان ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مرضى) [النساء : ٤٣] إذا كانت بالرجل الجراحة أو القروح أو الجدري فأجنب وخاف من الماء يتيمم ويصلي، وكان ابن عمر لا يرى التيمم للمحموم عند وجود الماء، ويقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء""، يقول: كيف يضرك الماء والماء دواء لك يا أيها المحموم، وهذا نوع من الحميات وتحصل بالحجاز كثيرًا ينفع معها الماء، فاغتساله يذهب الحمى، فهذا النوع من الحمى ليس عذر للتيمم؛ لأن الماء ينفعه ما يضره.

وقال الحبيب محمد بن مشهور العيدروس -عليه رحمه الله-: كنت في الحرم في المدينة المنورة وبعدين جائتنا حُمى شديدة، وكان وقت مطر، فجئت عند واحد من الأغوات هؤلاء قلت له كننا من البرد عندي حمى، قال: عندك حمى روح أول ذا الحين خذ البركة من الماء الذي ينزل من السطح حق الحرم روح تغسل، قال: أقول لك بي حمى وتقول لي تغسل؟ قال: روح تغسل أول بعدين تعال الحين ماشي هذا، قال: خلانا روح لما رحت تغسلت وجيت راحت الحمى، غطانا وخلاص قمت ماعاد بي شيء، وهذا الذي جاءت فيه الأحاديث الحمى هذا النوع منها والتي تجيء في الحجاز غالبا تطفأ بالماء، "فأطفئوها بالماء".

 

"وقول ابن عمر لأبي موسى الأشعري يوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد،" أي: لم يرى أن التيمم من أجل البرد عذر، وفرق بعضهم بين أن يكون في الحضر والسفر، قال الحضر يقدر أن يرتب لنفسه شيء يدفئ به أعضاؤه و يدفئ به الماء، أما المسافر لا بأس يتيمم للبرد، فعلى كل حال قال الشافعية: العبرة بالضرر إن كان يضره الضرر الشديد ولا يجد ما يسخن به الماء ولا يجد ما يدفئ به أعضاؤه أو لا تنفعه تدفئة أعضاؤه، فلأجل الخوف من الضرر يجوز أن يتيمم ثم يقضيه، ثم يقضيه. 

"وقالﷺ لوفد ثقيف حين قالوا له: إن أرضنا أرض باردة فكيف لنا بالغسل؟ فقال: أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا، وكان عمرو بن العاص يقول: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، -تقدم إمامًا- فذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29]، فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئًا" ففي سكوته إقرارٌ للتيمم عند الخوف من استعمال الماء ولو ببرد، "وفي رواية: أنه غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم يعني من غير تيمم".

 

قال: "وكانت الصحابة يقولون: التيمم قائم مقام الوضوء والنبي ﷺ جمع بين صلوات بتيمم، فيجب التيمم لكل فريضة لأنه لم يقع له تأخير صلاة عن وقتها وهو مستيقظ إلا في وقعة الخندق فإنه جمع فيها بين الصلوات بوضوءٍ واحد فالوقوف عندما ورد أولى. كان علي رضي الله عنه يقول: لابد من التيمم عند كل صلاة، وكذلك ابن عباس". وعليه الجمهور، 

ولكن قال بعض الأئمة الأربعة كالحنفية: يصلي بالتيمم ما شاء من الفرائض والنوافل ولا هو ليس يجدونه فهو يجب أن يعد قبله لذلك حتى يتحكموا له في اللطف بالتيمم ما شاء من الفرائض والنوافل ولا يشترط فرض واحد، 

قال الشافعية وغيرهم ممن وافقهم: أنه لا يصلي بالتيمم إلا فرضًا واحدًا وما شاء من النوافل داخل الوقت وخارجه، معناها لو تيمم لصلاة الظهر جاز له أن يصلي راتبة الظهر القبلية وفريضة الظهر؛ ثم راتبة الظهر البعدية؛ ثم بقي إلى أن دخل وقت العصر فهل يجوز له أن يصلي سنة العصر راتبة العصر هل يصليها بالتيمم حق الظهر؟ راتبة العصر ما هي فرض هذه سنة يجوز يصليها وإن كان خارج وقت الظهر؛ لكن ما يصلي العصر فريضة العصر ما يمكن أن يصليها إلا بتيمم آخر، أما السنة نعم داخل الوقت وخارجه كما ذكر في كفاية الأخيار داخل الوقت وخارجه كما السنة داخل وقت الفريضة التي تيمم لها أو خارج وقت الفريضة التي تيمم لها ولأنه لا يصح أن يتيمم للفريضة حتى يدخل وقتها، إذا دخل وقتها بمعنى: لو تيمم لصلاة الضحى ثم بقي فدخل وقت الظهر قال سأصلي بالظهر؟ ما يصح التيمم لصلاة الظهر إلا بعد دخول وقت الظهر، وأما النافلة فلو تيمم لنافلة بعد دخول وقتها ثم أراد يصلي نافلة أخرى في غير وقت النافلة الأولى جاز له ذلك، كمثل هذه المسألة توضأ لأجل صلاة الضحى وبقي متوضئ دخل وقت الظهر قال يصلي الراتبة صلِّ، يصلي الفريضة قال لا؛ عاد أنا ما صليت فريضة؟! لكن التيمم قبل دخول وقت الفريضة لا .. ما يصح التيمم لفريضة إلا بعد دخول وقتها.

 

رزقنا الله الاستقامة واتحفنا بالكرامة، وثبتنا على الحب وجعلنا في من يحب، ودفع عنا كل سوء بعلمه في الدارين وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين.

 

 بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي 

اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

05 جمادى الآخر 1445

تاريخ النشر الميلادي

17 ديسمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام