كتاب كشف الغمة -63- مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته

 صباح الأحد: 18 صفر 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  حكم المسح على العمامة في الوضوء
  •  شروط المسح على العمامة
  •  حكم المسح على الخفين وشروطه
  •  مدة المسح على الخفين ومتى يحتاج إلى المسح
  •  طريقة المسح على الخفين
  •  التثليث في أعضاء الوضوء ورواية مرتين
  •  مسح الرأس يغفر به في كل شعرة ذنبا
  •  مسح الماقين عند غسل الوجه
  •  كيف مسح ﷺ رأسه في الوضوء؟
  •  هل يصح غسل الرأس بدل المسح
  •  هل تغسل العينين من الداخل؟

نص الدرس مكتوب:

"وكان أوس بن أبي أوس رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله ﷺ توضأ ومسح بالماء على قدميه وكان فيهما خفان. قال العلماء رضي الله عنهم وكان هذا في أول الإسلام. وكان أنس رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة . وكان ابن عباس يقول : "رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ مرة مرة ورأيته يتوضأ مرتين مرتين ويقول : هو نور على نور، ورأيته يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: هكذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم وتعدى". 

 

وكان ثوبان يقول : "بعث رسول الله ﷺ سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله ﷺ أمرهم أن يمسحوا على العصايب والتساخين"، والعصايب هي العمايم، والتساخين هما الخفان، وكان ﷺ يمسح رأسه بغرفة من ماء حتى يقطر الماء أو يكاد يقطر وتارة كان يمسحه بما بقي من وضوئه على ذراعيه .  

 

وكان ﷺ يقول : "إذا مسح العبد رأسه بالماء في الوضوء غفر الله له بكل شعرة ذنباً، فقيل : يا رسول الله أفرأيت إن كانت الذنوب أقل من ذلك ، قال : إذن يبدلها كلها حسنات وما من قطرة تقطر من رؤوسكم ولحاكم إلا ولها ذنب يغفر"، وكان ﷺ لا يحرك الشعر عن هيئته، وكان يمسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى يخرج يديه من تحت أذنيه وكان يمسح الماقين". 

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته سيّدنا محمّد صلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الله في خليقته، وعلى آله وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- "عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ ومسح بالماء على قدميه وكان فيهم خفان، قال العلماء -رضي الله عنهم- وكان هذا في أول الإسلام، وكان أنس -رضي الله تعالى عنه- يقول: رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ عليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة" ﷺ، ففي الحديث المسح على العمامة عند مسح الرأس، وفيه أيضا المسح على الخفين عند غسل الرجلين.

 فالمسح على العمامة أورد لنا هذا الحديث الذي هو أيضا عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي ورواه الحاكم في المستدرك عن سيدنا أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ يتوضأ عليه عمامة قِطْرية أو قَطَرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة".

فجاء في مسألة المسح على العمامة في الوضوء:

 يقول الحنفيةلا مسح على العمامة، فإن الله يقول {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (سورة المائدة:6)، والعمامة كالكمين في اليدين لا بد من نزعها من أجل مسح الرأس.

ويقول المالكيةإذا خيف بنزعها ضرر ولم يقدر على مسح ما هي ملفوفة عليه؛ كالقلنسوة وإلا فلا يجوز المسح على العمامة، نعم إذا أمكنه مسح بعض الرأس أتى به وكمّل على العمامة وجوبا عندهم على المعتمد عندهم؛ لأنه يجب عندهم استيعاب الرأس بالمسح، فإذا مسح بعض الرأس جاز أن يكون التكميل بمسحه على العمامة.

يقول الشافعية: المسح على العمامة من دون مساس شيء من شعر الرأس أو بشره فلا يصح؛ ولكن إذا مسح شيئا من الرأس أقل الواجب فيجوز أن يُكمل المسح على العمامة ليحوز فضيلة مسح جميع الرأس الذي يكون له فيه بكل شعرة حسنة، واشترطوا لذلك: 

  • أن يكون العمامة نظيفة يعني ليس عليها نجاسة ولو معفو عنها من نحو دم براغيث ونحوه.
  • ويكمل من دون أن يرفع يده عن الرأس فإذا رفع يده عن الرأس فيصير أثر البلل الباقي على يديه مستعمل؛ فما يكمل به المسح على العمامة، وإنما يأخذ ماء آخر أو يستمر في مسح بعض الرأس ويواصل المسح على العمامة. 
  • وشرَّطوا أيضا أن لا يكون عاصي بلبس العمامة لذاته مثل: المحرم ما يصح، وواجب عليه يكشف رأسه محرم بحج أو عمرة؛ قام يتعمم وقال بمسح على العمامة، فلا بد من البدء بمسح شيئا من الرأس شعرا أو بشرا ثم يكمل المسح على العمامة.

ورأى الحنابلة: جواز المسح على العمامة، وقالوا: يجزئ مسح أكثر العمامة لأنه أحد الممسوحين على البدل، واشترطوا: 

  • أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه.
  • وأن تكون على صفات عمائم المسلمين عندهم، بأن يكون تحت الحنك منها شيء لأن هذا عمائم العربية أكثر سترا.
  • وأن لا تكون العمامة محرمة كعمامة حرير أو مغصوبة أو نحو ذلك.
  • وكذلك أن يكون لابس العمامة رجل، فما يصح للمرأة أن تتعمم ثم تريد المسح على العمامة؛ لأن العمامة لا تسن لها ويحرم عليها التشبه بالرجال، ولكن قد يكون على المرأة ساتر غير العمامة مما هو خاص بالنساء؛ ولكن رأوا أن هذا إنما ورد في العمامة فقط بالنسبة للرجال هذا ما يتعلق بالعمامة في مسح الرأس.

 

 أما ما يتعلق بالخفين فكذلك ثبتت مشروعية المسح على الخفين في أحاديث كثيرة، حتى قال سيدنا علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه ورضي عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله ﷺ يمسح على ظاهر خفيه". رواه أبو داود بسند صحيح، ورواه سيدنا جرير بن عبدالله البجلي أيضا، وهو ممّن أسلم متأخرًا؛ يقول: "أنه رأى رسول الله ﷺ توضأ ومسح على خفيه، هو سيدنا جرير قيل له: رأيت ذلك؟ قال: نعم رأيت رسول الله ﷺ توضأ ومسح على خفيه"، وكان إسلامه في أواخر السنوات له ﷺ، وكان بعد نزول آية المائدة (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [سورة المائدة:6].

يقول الحنابلة: أفضل المسح على الخفين أخذا بالرخصة، ثم أنّ الحق تعالى شرع ذلك تخفيفا بشروط: 

  • إذا كانت الخفان قويتين؛ يستطيع المشي عليهما والتردد في حاجاته.
  • ثم يكونا مانعين لنفوذ الماء؛ ما ينفذ منهما الماء كالجلد.
  • ثم يكون ساترين لمحل الفرض من أطراف الأصابع إلى الكعبين.
  • ثم يلبسهم على طهر يعني: يلبس الخفين على طهر كامل، وقد غسل قدميه ورجليه، ثم يلبسهما، في المرة ثانية يمسح عليهما، والمقيم يومٌ وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليها كما جاء في ترخيصه ﷺ أنه كان يأمرهم بنزع الخف للمقيم بعد يوم وليلة، وأن لا ننزعها إذا كنا مسافرين ثلاثة أيام بلياليها، يبدأ المسح من أول حدث يحدث به بعد لبس الخفين على طهارة كاملة، فيبدأ الوقت إما أربع عشرين ساعة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، وهكذا يكفي مسح أدنى شيء من أعلى الخف، ويُحتاج إليه في وقت البرد والأماكن الشديدة البرد، فيكون في ذلك تيسير بدل غسل الرجلين المسح على الخفين، بهذه الشروط التي أشرنا إليها، ويسن أن يكون المسح بأصابعه، فيضع أصابع يمناه على رؤوس أصابع الرجل يعني: فوق الخف، وأصابع يسراه على عقب الرجل من تحت الخف، ثم يمضي باليمنى إلى أعلى ويمشي باليسرى من الكعب إلى الأصابع من أسفل الرجل، ويفعل ذلك مرة واحدة، فلا تثليث في المسح على الخفين.

 

ثم ذكر لنا حديث ابن عباس في وضوء النبي مرتين؛ لبيان الجواز، فالواجب واحدة والسنة نزيد ثانية وثالثة، فيأتي سنية التثليث في الوضوء، فهو سنة عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وكذلك الرواية عن المالكية تكرار غسل الوجه واليدين والرجلين ثلاث مرات مستوعبات، ويعبّر أكثر المالكية بالاستحباب أنه يستحب، ولا يُسنّ التثليث في مسح الرأس عند أكثر الأئمة.

فالصحيح من مذهب الحنابلة كما هو عند الحنفية فيكون مسح الرأس مرة واحدة، وهناك قولان للمالكية وذهب الشافعية والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد أن التثليث يسن في مسح الرأس، وعمّم الشافعية التثليث في أعمال الوضوء كلها؛ ومنها السواك، ومنها التسمية؛ ومنها المسح على الجبيرة؛ ومنها المسح على العمامة؛ كل أفعال الوضوء استحبوا فيها التثليث.

 وجاء في البخاري أنه ﷺ توضأ مرة مرة؛ وجاء أيضًا بأنه توضأ ثلاثا ثلاثا، ثم أن الزيادة على الثلاث مرات مكروهة عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل يرون أن زيادة على الثلاث مكروهة.

 

 ذكرنا مذهب مالك والشافعي وأحمد أن الزيادة على الثلاث مكروهة، والحنفية يقولون: إذا لم يعتقد أن السنّة أكثر من ثلاث، ثم زاد شيء فلا بأس على الاحتياط، لكن مع اعتقاد سنية الثلاث فقط؛ وأنه لا تزيد على ذلك، قال الأئمة الآخرون: بل مكروه أن يزيد على الثلاث.

 ثم ذكر لنا حديث سيدنا ثوبان: "بعث رسول الله ﷺ سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله ﷺ أمرهم أن يمسحوا على العصايب والتساخين"، والعصايب هي العمايم، والتساخين هما الخفان، وكان ﷺ يمسح رأسه بغرفة من ماء حتى يقطر الماء أو يكاد يقطر وتارة كان يمسحه بما بقي من وضوئه على ذراعيه". جاء في رواية الإمام أحمد وعند أبي داود والبيهقي: "أن رسول الله ﷺ مسح رأسه بغرفة من ماءٍ حتى يقطر الماء من رأسه أو كاد يقطر، وأنه أراهم وضوء رسولﷺ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه ثم مر بهما حتى بلغ القفا ثم ردّهما حتى بلغ المكان الذي بدأ منه، وكان الصحابيًّ يريهم وضوء رسولﷺ". 

 كما جاء أيضًا عند الإمام أحمد - رحمه الله في مسنده- " تقول الرُّبيع بنت معوّذ: كان ﷺ يأتينا فيُكثر فأتانا فوضعنا له الميضأة فتوضأ ﷺ غسل كفيه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة مرة، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ومسح رأسه بما بقي من الوضوء في يديه مرتين بدأ بمأخره ثم رده إلى ناصيته أو ردَّ يده إلى ناصيته وغسل رجليه ثلاثًا ومسح أذنيه مقدمهما ومُأخرهما.

 

ويقول: وكان ﷺ يقول : "إذا مسح العبد رأسه بالماء في الوضوء غفر الله له بكل شعرة ذنباً، فقيل : يا رسول الله أفرأيت إن كانت الذنوب أقل من ذلك ، قال : إذن يبدلها كلها حسنات وما من قطرة تقطر من رؤوسكم ولحاكم إلا ولها ذنب يغفر"، "وكان ﷺ لا يحرك الشعر عن هيئته، -إذا مسح رأسه في الوضوء- وكان يمسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى يخرج يديه من تحت أذنيه وكان يمسح الماقين." وإنما هذا تفقد عند غسل الوجه والماق: طرف العين مما يلي الأنف هذا الماق، "ويمسح الماقين" يعني: يتفقد المواطن التي يغفل عنها الماء ومنها الماقان؛ فعند غسل الوجه يمسح الماقين؛ لتنحِيَت ما كان من رمص، وليتأكد من وصول الماء إلى الطرف الذي  الذي يجب غسله عند غسل الوجه. 

وجاء أيضًا عن الرُّبيع بنت مُعوذ أن "الرسول ﷺ توضأ عندها  فمسح برأسه فمسح الراسه كله من فوق الشعر كل ناحية لمنصبِّ الشعر لا يحرك الشعر عن هيأته". وجاء أيضًا عند الطبراني يقول الصحابي: "رأيتُ رسول الله ﷺ يمسح رأسه مرةً واحدةً حتى بلغ القذال وهو أول القفا، قال مسدد: مسح رأسه من مقدمه إلى مُؤخره حتى أخرج  يديه من تحت أذنيه"، أي: فإذا غسل الرأس بدل المسح قال الأئمة: يجوز لأن الغسل مسح وزيادة وقال الحنابلة: شرط بأن يمر المتوضي يده على الرأس، وفي روايه عن الإمام أحمد: وإن لم يمر يده غسله يكفي، لكن يقول الحنفية والمالكية: في نظر عندهم؛ بأن يكره غسل الرأس بدل من مسحه؛ لأن المأمور هو المسح، وفي بعض الأقوال عند الأئمة: أنه لا يجزيء غسل الرأس عن المسح وعليه الهادوية؛ لأن الأمر جاء بالمسح لا بالغسل فلا يجزئ الغسل عن المسح فلا بد من مسح

وجاءنا تفقد العينين، ومن المعلوم أنه يتفقد طرفيهما وأنه لا يجب على المتوضئ أن يغسل باطن عينيه معلوم، في رواية عن الإمام  أحمد والمعتمد كغيره من الأئمة أنه لا يجب غسل باطن العينين، وإنما جاء ذلك عن ابن عمر وأنه لم يزل يغسل عينيه مع كل وضوء ومع كل غسل حتى عمي، إلا إذا أصابت النجاسة العين فمن المعلوم أنه يجب عليه غسل العينين لإزالة النجاسة.

 

رزقنا الله الاستقامة والعمل بالشرع المطهر ومتابعة النبي الأطهر فيما بطن وفيما ظهر، ورزقنا الاقتداء به والاهتداء بهديه، وتقبل منا طُهورنا وصلواتنا وما وفقنا، ويوفر لهم من الطاعات والخيرات ويضاعفها إلى ما لا نهاية ودفع عنا الأسواء والسيئات وبدَّل سيئاتنا إلى حسنات تامات موصلات وربطنا بخير البريات والمرادات في عافيات وخيرات تامات. 

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

18 صفَر 1445

تاريخ النشر الميلادي

03 سبتمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام