كتاب كشف الغمة -61- مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة: باب فضل الوضوء وبيان صفته

 صباح الأربعاء: 14 صفر 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  ما هو الاستنثار؟ 
  • غسل الوجه
  • المواطن التي يغفل عنها الماء في الوجه
  • غسل اليدين إلى المرفقين
  • وجوب وصول الماء إلى الأظافر وتحتها
  • يسن التخليل بين الأصابع
  • مسح الرأس
  • هل يمسح الرأس مرة أم ثلاثا؟

نص الدرس مكتوب:

وكان تارةً يتوضأ ﷺ فيفرغ من الإناء على يمينه فيغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما الإناء، ثم يتمضمض ويستنثر ثلاثاً بكف واحد، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يده اليمنى ثلاثاً، ثم يغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم يدخل يده في الإناء فيمسح برأسه مرة واحدة مقدمه ومؤخره، ثم يغسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله اليسرى ثلاثاً، وهذه رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيها اقتصر على مسحة واحدة للرأس وترك مسح الأذنين.

وقال علقمة: بلغنا أن علياً رضي الله عنه في هذه الواقعة مسح رأسه ثلاثاً ثم قال: ولا خلاف؛ لأنه ﷺ وضع يده على نافوخه أولاً، ثم مد يده إلى مؤخر رأسه، ثم إلى مقدم رأسه ولم يفصل يده من رأسه ولا أخذ الماء ثلاث مرات، فمن نظر إلى هذه الكيفية قال إنه مسح مرة واحدة ومن نظر إلى تحريك يده قال: إنه ثلاثاً، والله أعلم.

وتارة كان ﷺ يصفي الإناء على يديه فيغسلهما، ثم يدخل يده اليمنى فيفرغ بها على الأخرى، ثم يغسل كفيه، ثم يتمضمض ويستنثر، ثم يدخل يديه في الإناء جميعاً فيأخذ بهما حفنة من ماء فيضرب بها على وجهه، ثم ألقمَ إبهاميهِ ما أقبلَ من أذنيهِ ثمَّ الثَّانيةَ ثمَّ الثَّالثةَ مثلَ ذلِك ثمَّ يأخذَ بِكفِّهِ اليُمنَى قبضةً من ماءٍ فصبَّها علَى ناصيتِه فيتركها تسيل علَى وجهِه ثمَّ غسلَ ذراعيهِ إلى المرفقينِ ثلاثًا ثلاثًا، ثم يمسح رأسه وظهور أذنيه، ثم يُدخل يديه جميعاً ويأخذ حفنة من ماء فيضرب بها على رجله التي فيها النعل فيغسلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، ثم يقوم ﷺ فيأخذ الإناء الذي فيه فضلُ وضوئه فيشرب منه قائماً، وهذه رواية سيدنا علي رضي الله عنه أيضا.

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون. 

 

   الحمد لله مُكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان عبده المصطفى محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه؛ ومن سار على دربه في بواطن الأمور وإعلانها؛ وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم؛ والتابعين والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين؛ وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

ويواصل الشيخ الشعراني عليه رحمة الله ذكر الأحاديث المتعلقة بالوضوء وقال: "وكان ﷺ تارةً يتوضأ  فيُفرغ من الإناء على يمينه فيغسل يديه ثلاثًا -أي: الكفين- قبل أن يُدخلهم الإناء ثم يتمضمض ويستنثر" وتقدم معنا المضمضة والاستنشاق والاستنثار كذلك؛ فإن الاستنثار متعلق بالمضمضة والاستنشاق: وهو إخراج الماء من الأنف. وقيل: ومن الفم الاستنثار.

  • وقال المالكية: إنما يحصل الاستنثار إذا أخرجه بالنفَس؛ أما إذا خرج من نفسه وسال فلا يقال استنثار؛ أخرجه بالنفَس، وكماله عندهم أيضًا: يضع من يده اليسرى السبابة والإبهام على الأنف ويستخرج ما فيه من وسخ. 
  • ويقول بعض الشافعية: يستعين بإخراج الوسخ بأصبعه الخنصر.

 فالقصد: أن ينظف الأنف مما يجري فيه استعدادًا للدخول للصلاة بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار؛ فهو: سُنَّةٌ من السنن مضمضة واستنشاق واستنثار.

    بعد ذلك ذكر غسل الوجه وهو من الأمر المُجمع عليه لقوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة:6]، يغسل وجهه ثلاثًا؛ والثلاث سنة؛ والواجبة واحدة؛ فيجب غسل الوجه بكامله بجميع حدوده من منابت شعر الرأس إلى منتهى اللحيين طولًا وعُرضًا من الأذن إلى الأذن؛ فيجب الغسل لا المسح، معنى الغسل: سيلان الماء؛ أن يسيل الماء على العضو؛ فلابد من جريان الماء على العضو.

  • واشترط المالكية والمُزَنِيْ: الدلك فوق ذلك؛ هو لا يكفي مجرد جريانه بنفسه؛ ولكن مع الدلك وإمرار يديه عليه، فإذًا غسل الوجه لابد فيه من إسالة الماء مع التقاطر.
  • يقول الحنفية: ولو قطرة أو قطرتين؛ فإذا أخذ ثلجًا وأداره في وجهه لم يكفِ ذلك؛ إلا أن يكون سائلًا يسيل متذاوب، أما اذا هو قوي ما يسيل منه الماء فلا يصح؛ فلا يصح به الغسل وإنما هذا مسح. 
  • ويقول الشافعية: إذا حصل الغسل بأي وسيلةً كانت وهو مستحضر النية فقد حصل المقصود ورُفع الحدث بذلك، حتى أنه لو إنغمس أو سقط في نهر ونوى ارتفع عنه الحدث بالنية.
  •  قال غيرهم: لا بد أن يقصد، وهو لا يكفي أن يتعرض لمطر وإلا يرتمي في نهر ونحو ذلك؛ فينبغي الاحتياط.

فهذا غَسل الوجه وفيه:

  • سنة إطالة الغرة
  •  وفيه سنة تعاهد المواطن التي يغفل عنها الماء في الوجه وهي: طرف العينين سواءً من جهة الأنف أو من جهة  اللحَاظَيْن أواللحَاظَيْن؛ وخصوصًا إذا قام من النوم وقد يجتمع فيهما الرَمَص؛ فينبغي أن يزيله لأجل وصول الماء إلى ما تحته فإن فيه الحدث؛ فلا بد أن يرفعه ويزيله، والأفضل فيه: أن يُزيل ذلك بإصبعيه السبابتين طرفهما؛ والطرفين الآخرين للحَاظَيْن
  • ومنه ما تحت الأنف من المواطن التي يغفل عنها الماء، 
  • وإذا كانت اللحية كثيفة أو العارضان كثيفان فيُسن أن يخللهما بعد الغَسل؛ فيكون تخليل اللحية والعارضين الكثيفين. 

 

ثم ذكر غَسل اليدين إلى المرفقين وهي أيضًا ركن من أركان الوضوء؛ كما هو مُجمَعٌ على ذلك، قال تعالى: (..وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ..) [المائدة:6]، فيجب غسل اليدين إلى المرفقين، قال الجمهور: أنّ (إِلَى) في القرآن بمعنى: مع، فالمرفق يجب غَسله؛ فهو داخل فيما يجب غَسله، وفي الحديث: "أنه غَسل يديه إلى المرفقين حتى أشرع في العضُد" وفيه أن بداية العضد ما وراء المرفق واجب من باب: ما لا يتم الواجب إلا به، وأما إطالته إلى نصف العضد أو إلى الكتف فهو: التحجيل، إطالة التحجيل فهو السنة، فلا بد من غَسل اليدين مع المرفقين؛ فغَسل المرفقين مع غَسل اليدين؛ فإن الغاية بإلى إذا كانت من الجنس تدخل فيه؛ وما يقول القائل: بعته من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة. فتكون الشجرة التي قال إلى هذه داخلة في البيع فكذلك يقول: إلى المرفقين، وهكذا عليه الأئمة الأربعة.

  •  لقولٍ عند المالكية: أن المرفقين يدخلان لا لأجل وجوب غسلهما بل إحتياطًا؛ لأجل الإحتياط، وزُفَر من الحنفية.
  • وكذلك قول آخر عند المالكية وعند أحمد: أن المرفق لا يدخل في الغسل؛ يعني: لا يجب غسله مع اليد المرفق كله؛ لأنه: التي انتهت إليه الغاية؛ كقوله: (..ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ..) [البقرة:187]

وعرفت ما عليه الجمهور؛ وبل ما عليه المعتمد في المذاهب الأربعة: أن المرفقان كالكعبين يدخلان في وجوب الغسل.

   يقول: "ثم يغسل يده اليمنى ثلاثًا"؛ والتثليث فيها سنة ويُسن: أن يبدأ بالغَسل من الأصابع ويمشي بالماء إلى  المرفق وإلى إطالة التحجيل؛ كما يجب أن يتأكد أنه ليس تحت الأظافر مادة تمنع وصول الماء كما ينبغي بل يجب على المرأة أن لا يكون حال الوضوء على أظافرها مانع يمنع وصول الماء؛ كبعض ما يستعملونه من هذه الأدوات التي لها جِرْم؛ هذه المواد لها جِرْم يجعلونها على الأظافر ونحوها؛ فتمنع وصول الماء إلى البشرة فلا يصح الوضوء حتى تزيل ذلك؛ ويصل الماء إلى الظفر وإلى جميع البشرة من الأصابع إلى المرفق. والمرفق: مجموع عظمي العضد وإبرة الذراع، مجتمع العظام الثلاثة يسمى مرفق، يرتفق به الرجل في جلوسه، فيُسمى: مرفق.

ويسن التخليل إذا غَسل يديه؛ يخلل: بالتشبيك يضع أصابع يده اليسرى بين أصابع اليمنى ويضع أصابع اليمنى بين أصابع اليسرى؛ ليتأكد من وصول الماء ما بين الأصابع. 

   ثم يأتي بعد ذلك مسح الرأس  يُدخل يده في الإناء فيمسح برأسه مرة واحدة؛ أيضًا مسح الرأس ركن من أركان الوضوء؛ لمجيئه في الآية والسنة فمُجمع عليه، إمرار اليد المبتلة بالماء على الرأس إما شعرًا وإما بشرًا؛ وشرط الشعر: أن يكون في حدود الرأس؛ أما لو غسل أطرافًا من الشعر لو مُدت لخرجت عن حد الرأس فلا يكفي ذلك.

  • بل يمسح شيئًا من بشرة الرأس أو شعرًا في حد الرأس؛ لو مُط ومُد لم يخرج عن حدود الرأس؛ وفي هذا الرأس القدر عند الشافعية أقل شيء ولو بعض شعره في حدود الرأس. 
  • قال المالكية: يجب مسح الرأس كله.
  • قال الحنفية: ربع الرأس فأكثر.

 كما أن التثليث أيضًا في مسح الرأس اختلفوا فيه:

  • وأخذ الأئمة الثلاثة: بروايات مسح الرأس مرة واحدة.
  • وأخذ الشافعي: بروايات فيها مسح الرأس ثلاثًا.
  • وروايات عامة فيها أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا ولم يُستثنى الرأس، فأخذوا بذلك.

وجاءت فيه عدد من الروايات، والمشهور في الصحيحين ذكر مسح الرأس مرة واحدة؛ ولكن جاء في عدد من الأحاديث منها عن سيدنا علي وغيره أنه مسح برأسه ثلاثًا، وأوردها الإمام البيهقي في كتابه السنن الكبرى؛ منها روايته "أن سيدنا علي بن أبي طالب دعا بماء فتوضأ وذكر صفة الوضوء؛ قال: ومسح برأسه ثلاثًا؛ وغسل قدميه ثلاثًا ثلاثًا؛ ثم قال: هكذا رأيت رسوله ﷺ فعل، وهكذا جاء في عدد من الروايات أن مسح الرأس ثلاثًا، وبها أخذ الإمام الشافعي عليه رحمة الله تبارك وتعالى؛ و رجله اليمنى ثلاثًا ورجله اليسرى ثلاثًا؛ كذلك غَسل الرجلين إلى الكعبين؛ وفي الكعبين أيضًا ما جاء في المرفقين. 

 

والله أعلم كتب الله لنا الاستقامة؛ واتحفنا بالكرامة؛ وجعلنا ممن ترعاهم عين عنايته في جميع الشؤون في الظهور والبطون؛ ودفع عنا الآفات وتولانا في الظواهر والخفيات، ويختم لنا بأكمل حسن الخاتمات في خير ولطف وعافية. 

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

14 صفَر 1445

تاريخ النشر الميلادي

30 أغسطس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام