(228)
(536)
(574)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الكهف:
إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا (10) فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا (11) ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا (12) نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى (13) وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓ إِلَٰهٗاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا (14) هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۭ بَيِّنٖۖ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا (15) وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا (16) ۞وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا (18) وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا (19) إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ يَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ يُعِيدُوكُمۡ فِي مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا (20) وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا (21)
مساء الإثنين 5 ذي القعدة 1445 هـ
الحمدلله،، مكرمنا بالقرآن العظيم، تنزيله على لسان قلب عبده الرؤوف الرحيم، سيدنا محمد الذي يسَّرهُ لنا بلسانه، وأكرمنا بتبيانه، وجُعلنا به خير أمة، فنسأل الرحمن أن يصلي ويسلم ويبارك عليه في كل لمحةً ونفس وعنَّا وعلى آله وأهل بيته الأطهار، وعلى أصحابه الأخيار، وعلى مَن والاهم في الحق تبارك وتعالى وفي سبيلهم سار، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين معادن الأسرار والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه -أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين-.
أما بعد،،،
فيا أهل الاجتماع في هذه الجلسة المباركة -جلسة الإثنين- للتأمل في كلام ربَِ الكونين، المبلَّغ على لسان سيد الكونين، إننا في نعمة التأمل والتدبر لكلام ربنا -جلَّ جلاله- وما أوحاه إلى عبده المصطفى محمد، قرأنا الآيات الأولى مِن سورة الكهف ومررنا على قوله -جلَّ جلاله- وتعالى في علاه (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10))
ونتوجه إليه أجمعين بالمجمع ومَن فيه، ومَن يسمع ومَن يتابع ومَن يوالي، ونقول: ربنا آتنا مِن لدنك رحمة وهيئ لنا مِن أمرنا رشدا، ربنا آتنا مِن لدنك رحمة وهيئ لنا مِن أمرنا رشدا، ربنا آتنا مِن لدنك رحمة وهيئ لنا مِن أمرنا رشدا.
ولا يقْصُر جود الله -تبارك وتعالى- أن يؤتينا مِن عجائب لطفه وتأييده وتحويل الأحوال إلى ما هو أحسن كمثل ما آتى أهل الكهف وزيادة مِن فضله، فذلك فضل الله يمنُّ به على مَن يشاء، وأمة محمدٍ موضع المَنِّ الواسع والفضل المُتتابع والغيث الهامع، والجود المتوالي مِن حضرة مولى الموالي؛ (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).
فكان هذا التوجه والدعاء وهو زادُ المؤمنين في قيامهم بالأمر في هذه الحياة في السر والجهر؛ لأسرار الخلافة عن الرحمن، ولتحقيق العبودية للملِك المنَّان ولأداء الأمانة وإنفاذِ وإنجازِ، والوفاء بالعهد الذي عاهدنا عليه -جلَّ جلاله-، فعُدّتُنا ما يأتينا مِن لدنه مِن الرحمة فيهيئ لنا مِن أمرنا رشدا؛ لنقول ما هو الأصوَب، والأتم والأقوَم، والأفضل والأحب، ولنفعل كذلك، ولننوي ولنعتقد ولنأتي ولندع في كل شأن مِن الشؤون ما هو الأحب إليه، وما هو الأرضى له، وما هو الأجمل، وما هو الأكمل، وما هو الأحظى لنا عنده، وما هو الأرضى لحبيبه محمد ﷺ، وما هو الأنفع لعباده.
( ..وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) تكفُّ به عنا شرّ أهل الظلم والزيغ والفساد والضلال، وتجعلنا وأهل الوجهة إليك والصدق معك، وأهل العلم والعمل والدعوة إليك في حصونك الحصينة وحروزك المتينة، وفي القيام في محاريب شكرك.
(..رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10))، فإنَّ أرباب قصور النظر على ظهر الأرض يرون أنهم الفعَّالون، وأنهم مقدِّمون أو مؤخِّرون، وأنهم معطون أو مانعون، وأنهم رافعون أو خافضون، ونحن نُنزِّه ربنا أن يكون لأحدٍ منهم شرك في ذلك، وإنما ابتلاهم واختبرهم -سبحانه وتعالى- بما آتاهم مِن اختيار وإرادة وقُوى، ليعرف مَن يمشي على التقوى ومَن يغوي مع مَن غوى، فيا فوز المقبلين على الله، والباذلين وسعهم وطاقاتهم في مرضاته، ويا خيبة الذين لَوَوا عن الاستقامة على منهاجه وظنوا أنهم الذين يخططون ويقدمون ويؤخرون؛ يسمون أنفسهم صنَّاع القرار، ونحن وهم ومَن في الأرض ومَن في السماء تحت حكم جبار، عظيم قهار مقتدر عزيز غفار، يكوِّر النهار في الليل ويكور الليل في النهار، فأي قوة منهم تتحكم في تكوير النهار في الليل؟ أو تكوير الليل في النهار؟ ذلكم هو الواحد القهار!
(..رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10))، وإن كانت الرحمات مِن الله والنص بهذا الدعاء (مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً) إشارة إلى نوعية هذه الرحمة والرُتبة فيها أن تكون لدُنيَّة (..آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10))، وهكذا؛
تكون الرحمة لدُنيَّة
وتكون الرحمة عندية
كما ذكر ذلك في سورة الكهف، فهؤلاء أهل الكهف يقولون: (..رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً)، أي رحمة ربانية خالصةً صافيةً مباشرةً ليس بيننا وبينها حاجز ولا حاجب، ولا شيء يقصر عن إدراك الأمر العظيم فيها والشأن الكبير لها.
وكذلك يقول في سورة الكهف عن سيدنا موسى لمَّا ذهب هو وفتاهُ (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا..) [الكهف:65]، تلكمُ الرحمة العِندية التي آتاها الله الخضر، لمَّا آتاه رحمة مِن عنده، كان الخضر كله عنده، وكان علمه مِن عنده، (..وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) [الكهف:65]، فعنده العلم اللدني والرحمة العندية.
فأنعِم بما آتاهم الله وتفضَّل عليهم، وإننا نسأل المتفضِّل أن يتفضَّل على جميع أهل الجلسة، ومَن يستمع، ومَن يوالي، ومَن يحب، ويؤتينا رحمة مِن عنده، ويؤتينا رحمة مِن لدُنه، ويعلّمنا مِن لدُنه علما ننتفع به في الحياة، وننتفع به عند الوفاة، وننتفع به في البرازخ، وننتفع به يوم الموافاة، ونجني ثماره، ونستفيد منه، ونتلقى حلاوته في دار الكرامة والرضوان ومجاورة سيد الأكوان، تُعقد به مجالس لإخوان على سرر متقابلين، يتذاكرون في أسرار هذا العلم ويذوقون معانيه ويرتقون في مراقيه فيكون مِن أعلى نعيم الجنان، ومِن أعظم ما يواصل به الرحمن محبوبيه في الجنان العلية، ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء.
هذا العلم الذي نطلبه هو متصل بما فُرض علينا مِن علوم الشريعة:
مِن علوم لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله
ومِن علوم الإسلام والإيمان والإحسان
ومِن علوم الكتاب والسنة
ومِن علوم الفقه في الأحكام
ومِن علوم تصحيح الفقه في الإعتقاد والإيمان
ومِن علوم الإحسان وما تُفضي إليه مِن المعرفة الخاصة
هذا العلم الذي نتحدث عنه، هذا العلم الذي يعظُم نفعه عند الوفاة وبعد الوفاة، فما الذي تضاهيه مِن العلوم الأخرى؟! إن فاضت منه فائضة على شيء مِن العلوم الأخرى فاستُخدمت على الوجه المرضي للرَّب حصل منه بعض الفائدة، ولكن الأصل لهذا العلم، وهذا العلم الذي يبقى وإن مات الإنسان -أي انتقل مِن عالم الدنيا- هذا العلم يفيده، وهذا العلم يُرقِّيه، وهذا العلم يفتح له أبواب تنعيم، وأبواب قربٍ خاصٍ مِن حضرة الرحمن -جلَّ جلاله- الله يوفر حظنا مِن هذا العلم، ولا يحرم منه أحد مِن أهلينا، ولا مِن أولادنا، ولا مِن قرابتنا، ولا مِن طلابنا، ولا مِن أصحابنا، ولا مِن أحبابنا.
فحضوركم في مثل هذه المجالس بصفاءٍ في القلوب ووجهة صادقة الى الرَّب -جلَّ جلاله- يُهيئكم لِأخذ النصيب مِن هذا العلم، فسماع السامع لها في أي بقعة مِن بقاع الأرض بالصفاء والوجهة الصادقة والهمة وحسن التأمل والنظر، يفتح له باب تحصيلٍ لنصيبٍ مِن هذا العلم الذي هو في الحقيقة علم الرحمن يمُنُّ به على مَن يشاء؛ علَّمه الأنبياء، وعلَّمه الملائكة؛ اختص به مِن أتباعه مَن شاء -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، لا يمكن أن يُدْرك في شيء مِن الجامعات على ظهر الأرض في بلاد الإسلام، ولا في غيرها؛ ولكنه يُستودع القلوب مِن حضرة علام الغيوب لمن تنقى عن العيوب، مشى في أشرف الدروب واتصل بالحبيب المحبوب ﷺ (..رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10))
وذكر الحق لنا معالم جوده على هؤلاء المتوجهين إليه، ليقول لنا: مَن توجه إليَّ بالصدق عاملته بشريف المعاملة، فهل لكم أن تصْدقوا معي؟ تحضَوا مِن نوالي بما لا يخطر على بال؟ (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11)) أجرينا لهم سنين وسط هذا الكهف، (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ)، فلا يسمعون شيئا مِن رعدٍ، ولا مِن صواعق، ولا مِن غيرها، ولا مِن أصوات، ولا مِن أي شيء يحوم حولهم، (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11))، هذا ملمح مِن غرائب ما حصل للقوم، وسيُبيِّن فيما بعد.
(ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ.. (12))، أقمناهم مِن نومهم ومِن سباتهم، فسبحان الذي خلق النوم واليقظة كما خلق الحياة والموت، خلق الموت والحياة، وخلق النوم واليقظة -خالق واحد -سبحانه وتعالى- قال صاحب الرسالة: "والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون" والشأن أعظم مِن أن يكون بقاء، أومُدة على ظهر الأرض ثم فناء، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا.
هذه ميزتنا معاشر المؤمنين، فلا يغوينا عنها تسويلات اللعين، ولا ما يجريه على ألسن أتباعه مِن زخرف القول الغرور، (..فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) [فاطر:5]، إنَّ وعد الله حق، إنَّ وعد الله حق، وإنها جنة أبدا، أو نار أبدا، قال: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ..(12)) الفريقين (..أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا(12)) مَن اختلفوا فيهم.
قال تعالى -في العناية بهؤلاء القوم- : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم..(13))، الرحمن يذكر الضمير -ضمير العظمة- الذي يعود إليه تعالى، ثم يذكر ضمير الخطاب لأحب الأحباب يقول: (عَلَيْكَ) ثم يذكر ضمير الغائب العائد للقوم هؤلاء، فيقول: (نَبَأَهُم): ابتدأ بالألوهية مع النبوة مع الولاية، الحضرات الثلاث (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ..(13))، وبُشرى لهم، الحق يقول: (نحنُ) والحبيب يخاطب بـ (عَلَيْكَ) وهم يلصقون لصقا، فيتصلون وصلا بحضرة الألوهية وحضرة خاتم النبوة، فيقول: (..نَبَأَهُم..)، فما أعجبها مِن حضرة، وما أعجبه مِن تجلِّي.
(نحن) ربنا قال: (نَحْنُ)، ما أعظم هذا (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ..(13)) يا صفوتنا ويا خيرتنا مِن بريتنا (نَبَأَهُم)، وهم مذكورون في الحضرة، الحق يذْكرهم، ويذْكرهم أمام مَن؟! فكان يقول عن فضل مَن يذْكره في ملأ: "مَن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خيرًا منه" جزاء لهذا الذاكر لله في الملأ الجماعة هؤلاء، الله يذكرهم عند مَن؟! عند سيد الملأ، وخير الملأ، وأفضل الملأ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم..(13))، ماذا حَووا هؤلاء بصدقهم مع الله؟ وخروجهم مِن ذاك الوضع أو حُسن قيامهم بحق الله في ذلك الوضع الذي فيه ظلم وإجحاف وفيه تحديات و صدقوا وصبروا ولا صلَّحوا مشاكل ولا آفات، ولكن صِدق وثبات وإيثار، إيثار للرحمن على ما سواه (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ..(13))، إذ قاموا قَوْمة صدق، قوْمة العبودية لعظمة الربوبية (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ..(13))، أي إيمانًا قويًا ثابتَا راسخَا عميقًا (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) ربَّ ماذا الذي يقص النبأ؟! يعني يشير إلى حبيبه، إلى أسرار عنايته بهؤلاء القوم، وقال: (..آمَنُوا بِرَبِّهِمْ..(13))، الذي تولى تربيتهم والتدبير لهم والترتيب لشؤونهم (..آمَنُوا بِرَبِّهِمْ..(13))، هذا الذي يقص عليك نبأهم (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) جماعة كانوا شبابا في سن الشباب (..آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) إيمانًا عميقًا قويًا ثابتًا راسخًا، فراعاهم الحق وجمَّل أحوالهم ودبَّر لهم بالتدابير الحسنة (..آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13))
(وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)) هداية إلى إدراك الحقيقة، لذلك لم يُزَعزِعهم وَضْع المَلِك الظالم الجَبار، الذي يَتَهَدَدَهُم إن لم يرجعوا إلى تأليهه وعبادة غير الله تعالى أن يقتلهم أو أن يعمل بهم ما يعمل مِن حَبسٍ ومِن تَعذيبٍ إلى غير ذلك؛ ولكنهم ازدادوا هدى، فما تزعزعوا لشيءٍ مِن هذه التَهديدات، ولا تَضَعضَعوا أمام هذه الأوضاع الخطيرات، وتنكُّر المجتمع لهم، لم يبقَ فيهم مِن المؤمنين إلاَّ قليل.
وهؤلاء الفتية السبعة عليهم رضوان الله -تبارك وتعالى- تَمَيزوا مِن بين المجتمع بثباتهم على الإيمان، قال ربي: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ …(14)) فما زَعزَع قلوبهم شيء مِن مظاهر تلك العنجهية والطغيان (وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ…(14) ) قومة صدق، وقالوا للملك، لما انتهى إليه خبرهم، وذلك أنهم لا يعبدون الملك، ولا غير الله -تبارك وتعالى-، ويَختَلون بعبادة الله -تبارك وتعالى- فنُمي خَبَرُهم إلى المَلِك فدعاهم فقالوا:(رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ…(14))، مَن ربكم أنتم؟ واتركوا مبادئكم ودينكم وخذوا ما عندنا قالوا: (رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ…(14)) خالق ومُكَوِّن وصانع السماوات والأرض هو ربنا، (رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓإِلَٰهٗا …(14)) -الله أكبر- أي نحن ثابتون على مودته ومحبته -جلّ جلاله وتعالى في علاه- مُعَظِمين له -سبحانه وتعالى-.
(... لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلَٰهٗا لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا …(14)) هذا أمر جَور وعدل وخروج عن الحق وعن الأمر الواضح البَيّن الجَلي، مَن خَلَقَنا غيره؟ مَن كَوَّنَنا غيره؟ من كَوَّن السماوات من فوقنا غيره؟ مَن له الحق أن يأتِ ويقول أنا إلٰهكم؟ مَن له الحق أن يأتِ ويقول اتركوا منهج إلٰهكم؟ (لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا …(14)) هذا هو الجَور، هذا هو العدل، هذا هو الزيغ، هذا هو الانحراف، هذا هو الضلال.
(لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا …(14)) أمر شاط:
خارج عن الحق
خارج عن المنطق
خارج عن العقل
(لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا …(14)) هؤلاء قومنا الذين يعبدونك أيها المَلِك ويسمعون كلامك، ونقول إنهم (ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ …(15) ) أي من دون ربنا هذا آلهة (لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۭ بَيِّنٖ…(15)) هاتوا لنا دليل، هاتوا برهان وحُجة (لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِ بَيِّنٖ…(15)) أنهم آلهة مع الله أو أنهم خَلَقوا أو أنهم يَرزُقون أو أن بِأيديهم شيء، ما لكم؟! تَنصُبون أصناما بأيديكم وتعبدونها من دون هذا الإلٰه الذي خلق! لا تُقَدِمكُم ولا تؤخركم ولا تَنفَعكُم ولا تضركم؟!
(هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۭ بَيِّنٖۖ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا (15) ) أي جُرمٍ عندَ هذا الإنسان يَصِل إليه؟! أكبر من أن يتنكر لخالقه وإلٰهه؟! أي جُرمٍ في حياة الإنسان أكبر من هذا؟! ( ...فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا (15) ) ونَسبَ له شريكا وولداً -لا إله إلا هو وحده لا شريك له- (...لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ * وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ) [الإخلاص:3-4].
قالوا(وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ …(16)) لبعضهم البعض، فإن السلطان بعد أن دعاهم ورأى ثباتهم قذف الله في قلوبهم منه هيبة وقال دعوهم مدة يرجعون إلى دينه وإلا نرى رأينا فيهم، فكان لهم في تلك المدة تلاقي مع بعضهم وتهيئة خروج (وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ…(16)) إذ اعتزلتم قومكم في كفرهم، في شركهم، في مخالفتهم لأمر الحق -تبارك وتعالى-(وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ…(16)) ربكم؛ الذي به تثقون وعليه تتوكلون وعليه تعتمدون وله ترجون ومنه تخافون.
(فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ…(16)) اخرجوا من بينهم، فإن هذا شأن أعداء العبودية عند الاختبار والامتحان، لهذا يقال للذين بقوا في بلدان أضاعوا فيها الدين أو قصَّروا لهيمنة شيءٍ من قوى الضلال أو الكفر( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ…) [ النساء:97] ألم يدع الله لكم بُقع أخرى في الأرض تقيمون فيها الدين مطمئنين آمنين؟ لماذا الرضوخ في هذا المكان من أجل شيءٍ من أغراض نفوسكم ورضيتم بأن يُسلب منكم دينكم؟! هذا ظلم منكم لأنفسكم.
(وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ…(16)) يوالي ويتابع عليكم تَفَضُّل من جوده(... وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا …(16)) يجعل لكم رفق تقضون به باقي أعماركم على حال جميل بينكم وبينه وتلقونه وهو راضٍ عنكم، يجعل لكم الطريق ما يشاء من أي نوع من أنواع اللطف والنصرة والتأييد، وأنتم ثابتون حتى تلقونه وهو راضٍ عنكم- الله أكبر-.
قال الله؛ ومن كان هذا حاله معي فسأُسَخِّر له الكائنات بِحُسنِ تدبيري (وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ …(17)) تحترمهم (وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ…) [يس:38] بقدرة الله مُسَخَّرة لهم؛ لهؤلاء، عدد من عبادي جاءوا مؤمنين بي، انتبهي! لا تؤذيهم بأشعتك فيحترقون بك أو تُشْحب جلودهم وألوانهم، فإذا أشرقتي في الصباح، تزَاوري؛ تباعدي وميلي عن كهفهم ذات اليمين، وإذا جاء وقت المساء فانقطعي عنهم واتركيهم إلى ذات الشمال.
(وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ …(17)) وفي قراءةٍ تَزاورُ (عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ …(17)) تقطعهم أو تبعد عنهم (ذَاتَ ٱلشِّمَالِ …(17)) -الله أكبر- (وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُ …(17)) في سعة منه وفي مكان يتفيؤونه (وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ …(17)) نومة طويلة عريضة، ولا أكل ولا شرب ولا استيقاظ من النوم، والشمس تخدمهم والهواء يخدمهم وحالهم ما تغير -ثلاثمائة وتسعة سنين- يموت الإنسان من الجوع، وأنه يموت من العطش، يمتنع عليه النوم يقوم وما يقدر ينام، تحرقهم الشمس؟! تتغير أبدانهم؟! لا! تَطول شُعورُهم ثلاثمائة سنة بدون حلاقة، ولكن بقوا على هَيئَتهم التي ناموا عليها، يقومون كما يموتُ الإنسان ويُبعَث على ما مات عليه؛ آيات كبيرة تُثبِت للناس عَظَمة الموت والبَعث، بل وفي تلك الفَترة أو تلك المُدة، ماتَ المَلِك هذا الطاغِية والقوم ورَجَع الناس إلى الدين والإسلام وجاء الجيل الثاني والجيل الثالث، بَعدَهُم طائِفَة بَعد طائِفة وَرَجَعوا إلى دين الله -تبارك وتعالى- وإقامتهِ، وآمنوا بالله تعالى، وقال للجماعة الآن قوموا -بسم الله-.
خِلال هذه الفَترة كُلَّها، تَغَيَّرَت الأوضاع والأحوال ومات من كان في زَمنهم ومن جاء بعدهم من الجيل الثاني وكلهم قد ماتوا، والآن في جيل رابع وجيل خامس وهم قاموا من الزمان المُتَقَدِم -سبحان الله- (وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ (17)).
يقول الله في مُعتَرك شُؤون هذه الحياة وأوضاعها وتقلُّباتها وتَحدياتها وتهديداتها ورغباتها ورَهَباتِها (مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِ (17)) ما يَضُره شِدة ولا رَخاء ولا الغِنى ولا فقر ولا صِحة ولا مَرَض، في كُل الأحوال و مُختَلف الأوضاع:
يَثبُت
يستقيم
يستقر
يطمئن
-الله أكبر- (مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِ) ، -اللهم اهدنا فيمن هديت-، إذ أَمَرَنا الله باللهج في كل ركعة نُصلِّيها (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ) [الفاتحة:6]
بعدهُ قال لنا؛ ارتَبِطوا بأهل هذا الصراط إذا طلبتم مني الهداية، فإن هذا أقرب لكم أن تَثبُتوا، أن أُثَبِتَكُم، كيف؟! (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ…) [الفاتحة:7] يعني الولاء الصادِق والبراء من الأصناف الأخرى، سَتَجِدون في العالم من يُضِل ومن يُخَذِل ومن ويخدع ومن يُخادِع ومن يَكذب (غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ) ، (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ) [الفاتحة:7]
يقول -سبحانه وتعالى-:(وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) ) -والعياذ بالله- اللهم احفظ قلوبنا واحفظ عَلينا هِدايَتك لنا- يا حي ياقيوم -.
(وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) ) مُناصِراً ولا قائِماً مَعه (مُّرۡشِدٗا (17) ) يُرشِدهُ إلى ما هو الصواب وما هو الحق وما هو الهُدى، قد كان يقول سيدنا جعفر الصادق: ضَلَّ من ليس له شَيخٌ يُرشِده.
(فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) ) بَل تَجِد من يُضِلهُ فوق الضلال، (وإنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ) [الزخرف:37] ، وبعد ذلك؛ (حتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ) [الزخرف:38] اتْباع يتبعون على الباطل وعلى الضلال -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ وأهل الصدق مع الله -تبارك وتعالى- يَقتَدون بمحمد بن عبد الله ويجعلون لطاعة الله والاقتداء بحبيبه محمد، إرشادات مَوروثة من الجَناب النبوي لمن اختارهم الله في أزمنتهم وأوقاتهم يَهدونهم بِسَبيل الله ويَهتَدون بِهَديهم.
(وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) ) ويَستَأنِس بَعضُهم بأن الإرشاد في السير إلى الله يَكون على طريق الأولياء، وإن كان معنى الآية الأول الأظهر؛ أن الولي يعني: الناصِر والمُؤَيِّد والحافِظ ولكن أيضاً؛ أي من لم يُسَخِّر الله له ولياً يَتولى إرشادَهُ فالضلال منه قريب، أو واقعٌ عليه.
(وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) ) ما أحد مُرشِد نِهائِياً وإلا مرشد ليس بولي، فتولاه الله مُرشِد مشكلة، هو مُرشِد ولكن هو نفسه ضال، وهو نفسه ساقط ، أي مرشد هذا ؟! إلى أين سيأخذك؟! -لا إله إلا الله-.
قال (وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ) [سبأ:33]
(وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُم بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ…) [سبأ:31-33] خططكم وجلساتكم والبرامج (إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ) [سبأ:33]
ولكن الولي المُرشِد؛
تجدهم في ظل عرش الرحمن
وتجدهم (إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ) [الحجر:47]
(...فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17) )
يقول الله: (وَتَحۡسَبُهُمۡ) أيها السامع لهذه الأخبار التي نَقُصُّها على نَبِينا محمد (وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ…(18)) نيام، كأنهم مُستَيقِظين، ما أحد يَخطُر مِمَن يَمُر حوالي ذلك الغار ولا يأتي على طول مُدة، أنهم نيامٌ قط (وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ…(18))
بعد ذلك، سِرايَةُ العناية قال: (وَنُقَلِّبُهُمۡ)، حتى ما قال: يَتَقَلبون، النائم قد يَتَقَلب أحيانا، قال الله: أنا أتولَّى تَقليبُهُم (وَنُقَلِّبُهُمۡ) -الله أكبر- (ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ … (18)) حتى لا يَتَآكَلوا ولا يَتَأثَر الجسد على الأرض مُدّة طَويلة، يرتاح ويرجع إلى كذا، يأخذ نصيبه ويرجع إلى كذا.
وطوال ثلاثمئة وستين سنة (وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ… (18)) ترى الأم لما تَعتَني بولدها في المَهد، رب العِزة يتولى الجماعة هؤلاء فيقول: (وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ … (18)).
اسمع عظمة العناية والجود من حضرة الربوبية، قال (وَكَلۡبُهُم) نَوَّمتْ كلبهم كما نَوّمتهم، وأبقيته كما أبقيتهم -وثلاثمائة وتسع سنين- والكلب لا تَغَيَّر ولا تَأَثر ولا شَيء نَقَص فيه.
(وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ…(18) ) أي بالفِناء، فِناء الغار ما كان معهم وسط الغار، أدب واحترام، جلس خارج الغار، جلس كأنه حارس وهم محروسون من فوق ونام كما ناموا.
والكلب أيضاً ما أكل طول هذه الفترة ما أَكَل ولا شَرِب- لا اله الا الله-، قال:(وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ … (18)) قَرُبتَ منهم، جئتَ تراهم، (لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا …(18)) يأتيك رُعب، وقشعريرة وهيبة منهم؛ وهو العادة في الحِس والترتيب الكوني أن النائم عليه الخوف من اليقظان أخطر؟ وإلا اليقظان هو الذي يَخاف من النائم؟ العادة في الترتيب الخوف على النائم، هذا مسكين، أن يأتِ أحد يعمل فيه الذي يريد، ويلعب به لأنه نائم لكن هذا بالعَكس؛ الخوف والفَزَع على اليَقظان، والنائم مرتاح في مكانه .
(لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا (18)) انظر كيف نصَرهم بالرعب؟! ما أحد يَحوم حول الغار إلا يمتلئ خَشية ويفرّ، ويمتلئ رُعب منهم (وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا) -لا إلٰه الا الله-.
يقول الله: (وَكَذَٰلِكَ) كما رَعَيناهم وأخرجناهم من بين القوم، وهُيأت لهم في الغار هذه الرعاية، وأقَمتُهم هذه السنين كلها(بَعَثۡنَٰهُمۡ) أي أرجعناهم مرة أخرى وأيقظناهم من نومهم لهذه الآيات الكبرى.
المؤمنون في ذلك الوقت في قَريَتِهِم -مدينتهم- التي كانوا فيها، كان بينهم دائر خوض ومباحثات عن رجوع الأجساد بعد الموت، وهل ترجع روح وحدها؟ أو تَرجِع الروح والجَسَد؟ وكان مَلِكهُم هذا الصالح مما وُرِث عن الأنبياء من قبل، أن تَعود الأرواح والأجساد، وغَلَب في الكلام، كلام كثير من الناس مثل الفلاسفة الذين يَقولون الروح وحدها، وأَلَحَّ المَلِك على رَبه: يارَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ آية، يدركون بها الحق هذا؛ رعيتي وشعبي وأهل بلدي، ويكون بها الحق وابعث لنا آية، بينما هو في تَضَرُّعاتِه في تلك الأيام، جاء بعث الجماعة هؤلاء، ورأوهم وأيقنوا أنهم من قَبل آبائهم ومن قبل أجدادهم ومن قبل آباء اجدادهم، من قرن ماضي، من قبل ثلاث قرون وأجسادهم كما هم، وعَلِموا أنه يُميت كما أنامهم ويُحيي كما أيقَظَهُم، وأنه تَعودُ الأجسادُ والأرواح كُلها بِقدرة الله- تبارك وتعالى-(كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُ) [الأنبياء:104].
يقول:(وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ…(19)) هُم بَينَهُم البَين اصحاب الكهف.
(قَالَ قَآئِلٌ مِّنۡهُمۡ…(19)) واحد منهم (... كَمۡ لَبِثۡتُمۡ …(19)) عندنا كم نيام هنا؟ أوانا الليل إلى الكهف وقلنا نتخذ فيه مقيل حتى يجعل الله لنا فرج من الوَضع، والآن شعروا بأنفسهم أنه نوم قليلٌ زائد قالوا له: (... كَمۡ لَبِثۡتُمۡ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا …(19)) يوم كامل ونحن نائمين، بعد ذلك رأى الشمس لم تغرب، فقال بعض يوم، ما حسب أنه يوم نام ويوم قام، ومع أنه مرت السنين عليه (قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ …(19)) بقيت أرواحهم تشعر بأن المسألة ليست عادية، لو هكذا (... قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ…(19) ) انتهى.
هذا الذي آمنتم به وتوكلتم عليه هو أعلم بكم، كم جلستم؛ يوم، يومين، ثلاثة، أقل، أكثر، انتهى الأمر، ولكن ما يتوقعون أن هذه السنين كلها (لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ …(19)) (... قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ…(19) ) ولكن الآن جوع، لكنه ليس جوع ثلاثمائة سنة وتسع سنين هذا؟! (فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ …(19)) العملة النقدية، الورق من الفضة وعليها اسم الملك ذاك الذي كان في وقتهم لأنه هو الذي ضرب العملة هذه، قال(فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِ …(19) ) وبِوَرِقِكُم في القراءة الأخرى، هذه إلى المدينة، أُدخل مُتَخَفِّي، (فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا …(19)) إحضر لنا طعام زكي، يعني: حلال، (أَزۡكَىٰ) حلال، لا تأتي من عند أحد يبيع خمر أو آثار ظُلم عليه، إبحث لنا الذي هو حلال، احضر لنا من هنا.
(فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ…(19)) همهم بالحلال وورعهم في هذا الحال (فَلۡيَنظُرۡ) أطهر وأطيب طعاما (فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ…(19)) (وَلۡيَتَلَطَّفۡ) لاأحد يشعر، سيأتون لنا ويفتعلون لنا مشاكل، ويرجعوننا لدينهم أو سيقتلوننا.
(وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا (19) إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ…(20)) يَطلِعوا عليكم ويَعرفوا أنكم هنا يرجموكم بالحجارة حتى قد يرجموكم بالكلام يسبونكم يشتمونكم يؤذونكم بألسنتهم أو يرجعونكم في ملَّتهم (وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا (20)) لو كفرتم ورجعتم وقد تعاهدوا، قال (إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلَٰهٗا لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا (14) ) وهكذا.
قال وكذلك (وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ(21)) القوم هؤلاء الذين كانوا، ايضاً آمنوا بنا ويتراجعون في مسألة البعث والإيقاظ (وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ (21)) ليروا أمامهم آية من الآيات ويوقنوا أننا نحيي من نشاء ونميت من نشاء ومتى شئنا ولا يصعب علينا إحياء؛ لا جسد ولا روح ولا غير ذلك من خَلقِنا- لا إله إلا هو-.
(أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ (21)) هم يزداد إيمانهم، والجماعة هؤلاء المُتنازِعين على البعث والإيجاد إن وعد الله حق، كما أخبرهم الرسل وأن الساعة لا ريب ولا شك فيها(إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ…(21)) بعد أن عثروا عليهم ووجدوهم، خرج معهم المَلِك إلى بعض تفصيل يأتي.
لما خرج هذا ومعه الدراهم، ينظر الى المدينة، هي نفس المدينة! ولكن المباني تبدّلت، ووجوه الناس لا أحد منهم يعرفه في المدينة -صغار كبار- لا أحد! أين أقاربه ؟ أين أعمامه؟! أين جيرانه؟ ولا رأى أحد منهم! بقي في حيرة! دخل وكلما جاء عند واحد صاحب طعام، ويكلمه ويقول أريد منك أن تعطينا بعض طعام، والذي رأى فيه الخير والحلو وسمع منه كلام طيب، جاء إلى عنده وهو صاحب طعام، قال له: بكم؟ قال له: بكذا كذا، قرَّب له الطعام، خرَّج له العملة ! من أين لك هذه العملة! قال: عُملة المدينة هذه، مدينة ماذا؟! مَلِك قديم لهم، أنت من أين جئت؟ من أين جئت أنا؟!! امس كنت في هذه القرية هذه وخرجت ورجعت ، قال: هذه عملة لِمَلك له ثلاثمائة سنة أو أكثر من ثلاثمائة سنة، قد راح، راح ؟! ماذا تقول، قال: من أين جئت بهذه العملة؟ قال: هذه لي، قال له: وجدت كنز!! قال: ما عندي كنز، قال: قل لي من أين جئت بهذه العملة؟ تعال سآخذك إلى عند الملك، قال :لا، لا، قال: تعال، واذا هذا ملك ثاني ودخل عنده، قال: مالك؟ قال: نحن خرجنا أمس، قال هذه عُملة قديمة، وما عاد منها شيء موجود الآن، وضُرِبَت في عهد الملك الذي قبل الذي قبل الذي قبلي، جاء بعده مُلك ثاني وثالث، قال إذا كان هكذا فنحن كنا في عهد في القرية الفلانية، قال: نعم فلان، نسمع به في التاريخ موجود؛ هذا خرجنا من بطشه وانتقامه، وأنا معي ستة نفر جالسين هنا في الكهف، قال -الله اكبر- هذه الآية جاء الله بها إلينا ؛ اسمعوا ياقوم اخرجوا بنا، نخرج إليهم وهذه آية الله أمامكم، لا تتجادلوا بعد هذا اليوم، فإن هؤلاء من قبل ثلاثمائة سنة، أنامهم الله، وهو اليوم يُحييهم ويردهم إلينا مرة أخرى، فسبحان القادر القوي.
ونادى في القرية وخرجوا وقاموا -بسم الله- جيش وَصلوا إلى عند الكهف ولا يحسون بحركة! ما الذي حَصَل! وصاحبنا أبطأ، وعسى ما مسكه الملك، وقال لهم اصبروا، وتقدم قبلهم وقال سأُكلِّمهم قبل أن تأتوا، سيفزعون منكم لانهم يظنون أن العهد القديم قائم، دخل قال: ياجماعة الناس قد تبدلوا وقد تغيروا ونحن في عهد ثاني الآن، ماذا تقول؟! قال استنكروا الآية التي قلت لكم، ولكن وجدتُ الملك مسلم،ها!!
دخلوا عليهم، ماهو إلا أن عانقهم هذا الملك وجلسوا فماتوا كلهم أمامه -السبعة كلهم والكلب معهم- ماتوا، وقاموا(إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ…(21)) ماذا نعمل لهم؟ قال نأخذهم إلى القرية، قال: لا، نتركهم هنا، قال بعض الذين هم من ذراري آبائهم السابقين قالوا نحن أحق بهم، وبعضهم قال هم مؤمنين، قالوا أبدا هم مسلمون ومؤمنون مثلنا ونحن أولى بهم، قالوا هذا نحن سنتولاهم وسنبني عليهم مبنى، نضع آلهتنا فيه، قالوا أبدا هؤلاء مسلمون ولا نبني عليهم إلا مسجد نعبد الله وحده فيه، بجوارهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا (21) ) كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى.
هكذا فعل الله بهذه الفتية في ذاك الزمان، وكل الصادقين مع الله في أي زمان كانوا، فعنايته ورعايته قائمة عليهم ومحيطة بهم، وأنتم من أمة محمد، فتعلموا الصدق؛ صغيركم وكبيركم، ذكركم وأُنثاكم، تعلموا الصدق مع الله والولاء لله وإرادتكم إقامة أمره ودينه كما بلَّغكم النبي محمد بن عبد الله ﷺ ولا يقطعكم عن ذلك شأن من هذه الشؤون ولا من هذه الظروف ولا من هذه الأوضاع ولا من هذه الدول، وكونوا مع الله -تبارك وتعالى- ويهدي لنوره من الرعايا، من الولاة، من الدول، من الشعوب من يشاء (مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا(17)).
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، ربنا آتنا رحمة من عندك وعلمنا من لدنك علما، ربنا آتنا رحمة من لدنك وهيئ لنا من أمرنا رشدا، ربنا آتنا رحمة من عندك وعلمنا من لدنك علما، ربنا آتنا رحمة من لدنك وهيئ لنا من أمرنا رشدا، ربنا آتنا رحمة من عندك وعلمنا من لدنك علما.
وأصلح أمة حبيبك محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يا من أويتَ أولئك الذين أووا إلى الكهف ورَعَيتَهم بعين عنايتك نسألك أن تصلِّ على نبيك سيدنا محمد ﷺ.
وقد أوينا إلى كهف التذلل لك والخضوع لك والإنابة لك والثقة بك والاقتداء بنبيك ﷺ وموالاة من صدقَ معك، ومن أقبل عليك من المؤمنين في شرق الأرض وغربها ومن جمعتنا بهم من الوجهة لك ممن يريدون وجهك، اللهم فآتنا رحمة من لدنك وهيئ لنا من أمرنا رشدا، عسى ربنا أن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، ربنا آتنا رحمة من عندك وعلِّمنا من لدنك علما وارزقنا فهماً.
فرج كروب أمة حبيبك محمد في المشارق والمغارب، انظر إلى الحاضرين وإلى السامعين وإلى أهل الجلسة وإلى السامعين وإلى الموالين في الله تبارك وتعالى
نظرة تزيل العنا *** عنا وتدني المنى
منّا وكل الهنا *** نعطاه في كل حين
بوجاهة حبيبك الامين.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
07 ذو القِعدة 1445