(228)
(536)
(574)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الإسراء:
ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
مساء الإثنين: 10 ربيع أول 1445هـ
الحمدُلله مُكرمنا بالوحْي والتّنزيل، وبَلَاغِهِ وبَيانِه على لسان عَبْدِهِ خير هادٍ ومُعلِّمٍ ودليلٍ، سيّدنا محمّدٍ صلّى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه خير جيل، وعلى من اتّبعهم بإحسانٍ في سواء السّبيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل التكريمِ والتّبجيلِ والتّفضيلِ، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقرّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الرّاحمين.
أمّا بعد،،
فإنَّنا في نِعمة تأمُّلنا لكلامِ ربِّنا وتدبُّرِنا لتنزيله وتعليمه وإرشاده على لسان رسوله، وصلنا في سورة الإسراء إلى قوله تبارك وتعالى: (ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ …(39)) أي العِلمَ النَّافعَ والحُكْمَ المُفيد والحُجَّةُ الواضحة والمَسْلكَ القوِيم. (وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ …(39))، فإنّ أَشْأَمَ ما يكونُ وأَسْوَأَ ما يكونُ على الإنسانِ الجهلُ، وإنَّ أعظمَ الجهلِ الشركُ بالله تبارك وتعالى، وأعظمُ منه إنكار وجوده جلّ جلاله، وذلك غايةُ الجهل؛ فحذَّر منه تبارك وتعالى.
قال: (وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ …(39))، باعتقادِكَ ووَهْمِكَ وظنِّك وخيالِكَ الباطل؛ فإنّ كلّ مَنْ تجرّأَ على خالقه الذّي خلقه، وادَّعى معه إلهًا آخرَ، يحرِّم عليه الجبّارُ جنَّته ويُحِلُّهُ بئسَ المصيرِ في حرِّ نارِ السَّعير. (وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (39))، وقد سبق بعضُ البيانِ عن ذلك الحال؛ وشأن المَلُومِ الذي يتجاوز شأنَ من كان مذمومًا؛ فإنَّهُ مع الذَّمِّ ملومٌ. كشأن المدْحُورِ المطْرود، فإنه يتجاوز شأن المخذول. (فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (39))، وهذا مصيرُ كلُّ مَنْ جعل مع الله إلهًا آخر -لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ-.
ولكِنْ إمَّا أنْ يَقْصدَ بعبادته الخَلْقَ والمنْزِلةَ لديْهم، أو يُقدِّمُ أمْرَ أحدٍ من الخَلْقِ ونظامه على أمر الله ونظامه، ويُسارعُ إليه مع تماطُله وتأخره في القيام بأمر الله جلّ جلاله؛ كلُّ ذلك من الشرك الخفيِّ، "وهو في الأمّة أخفى من دبيبِ النَّمْل"، كما جاء في الخبر.
ثم إنَّ هؤلاء المشركين مِنْ يهودٍ ومِنْ عَبَدَةِ أصنامٍ ادَّعَوْا أنَّ ملائكةَ الله المخلوقين من النّورِ وليسوا بذكورٍ ولا إناثٍ؛ فإنَّ الله جعل هذه الزَّوجِيَّة في مَنْ عَداهم من الكائنات، ولم يجعل في النّور ذكراً ولا أنثى، النّور المجرَّد الخالِص، فهم أجسام نورانيّة خلقها الله من نور لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون وليسوا بذكور ولا إناث. قال جماعةٌ من هؤلاء اليهود والمشركين: "إنَّ هؤلاء الملائكة بنات الله"، وهم في نفس الوقت يكرهون نسبة البنات إليهم! ومنهم من يَئِد البنات ويقتلهم ويفرحون بالبنين.
ويذكر الحقّ -تبارك وتعالى- سفاهة عقولهم، يقول: (أفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا …(40))، الأمرَ الذّي ما ترْتَضُونه، وأنتم خَلْقُهُ، وأنتم عَبِيده ! تنسبُونه إليه؟ (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40))، وهكذا شأن المتجرِّئين على الألوهية والربوبية من أصناف الجُهَّال والضُّلَّال، يقولون على الله قَوْلًا عَظِيمًا:
(إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا)؛ عظيمٌ في الإفكِ، عظيمٌ في الشناعةِ، عظيمٌ في الفسادِ، عظيمٌ في الكذبِ. (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)).
قال ربُّنا -جلّ جلاله-: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا …(40))، أي بيَّنَّا ونوَّعْنَا في هذا القرآن أصنافًا من التَّبْيِينِ والتَّوْضِيحِ والهدايةِ (ليذَّكَّرُوا)؛ كما هي في قراءة عامّة القُرََّاءِ وقرأ بعض القُرَّاء الَّسْبع: (ليَذْْكُرُوا)؛ وذلك أن حَقَائِق ما ذُكِّرْنَا به: من الإيمانِ، والتَّوْحيدِ، وصدْقِ المُرْسَلينَ ثابتٌ في أَرْواحِنا الَّتي خلقها الله تبارك وتعالى؛ وقد أُخِذَ علينا العَهْدُ في عالم الذَّرِّ، في عالم الأرواح (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)، يقول لنا الله، وقلنا: (بَلَىٰ) [الأعراف: 172]. فإذا نزلتِ الآياتُ وبلّغَ الرُّسُل، تذكَّرت الأرْوَاح هذا العهدَ القديم وهذا الميثاق بَيْننا وبين العليِّ العظيم -جلّ جلاله-. ولذلك جاءت قراءة (لِيَذْكُرُوا) ما بيْنهم وبيْن الله من عهدٍ؛ فإنَّ فطرة الله التي فطر الناس عليها: إيمان وتوحيد وتعظيم للإله -جلّ جلاله-.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ …(40))؛
فهُم لا يَزْدَادُونَ (إِلَّا نُفُورًا (41))؛ كُلّما سمعوا التَّبْيِينَ والتَّصْرِيفَ في الآياتِ والتَنويعَ في الدَّلَالَات على الحقيقةِ. (وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)) نفرةً وابتعادًا -والعياذُ بالله تعالى-.
وهكذا كلَُّ من لم يَصْدُقْ في طلب الحقِّ، وخَضَعَ لِشهْوَةٍ أو لِهَوى؛ فما ينتفعْ بكلام أهل الحقِّ ووَعْظهم وإرْشادهِم، بل ولا تنفعُهُ الأحاديثُ ولا الآيات المُنْزَلَةُ، بل يزدادُ إصرارًا وعناداً؛ (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) [فُصِّلَتْ: 44]؛ (وإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة: 124-125] -والعياذ بالله-. اللهمّ اجعلنا مِمَّنْ يَتَذكّر ويخشع وينتفع بالذِّكْرى والتَّبْيِينِ يا أرحم الرّاحمين. (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41))، انفعنا وارفعنا بالقرآن يا ربّنا.
قال: (قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ …(42))، كَمَا تقُولُونَ في دَعْوَاكُمْ البَاطِلَة، (إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42))؛ إذًا لَغيَّرُوا نظامَ هذا المَلِكِ الّذِي دَبَّرَ السَّماوات والأرض وأهْلَكَ الأممَ أمَّة بعد أمَّةٍ؛ وما أحد منهم وصل إلى هذا ولا قدَرَ على هذا! فكيف تَدَّعونَ أنَّ معه إله آخر؟
فَمَنْ الّذي خلق هذه السماوات والأرض؟ كان شيء من آلهتكم التي تدْعون (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ) [الأحقاف:4]؟ فإذا لم يَخْلقُوا شيئًا من السماوات والأرض كيف يكونوا آلهة؟ من أي باب يدخلون للألوهية؟ من أي طريق؟ وبأي معنى؟ ما هذا السفه؟! ما هذا الضلال؟ ما هذه الغباوة؟ ما هذا البعد عن العقل والمنطق؟ (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ) [النحل:17]؟ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) [النجم:35]؟ (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [الطور:35-39]. كما قال: (...وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا …(40))، (أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)[القلم:47]؟ (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الطور:42-43]؟
كلُّ عاقلٍ يَرى الوُجود والكَون، يُوقِن أنَّ له خالق، وهو ويَعلم أنَّ كلَّ مَصنُوعٍ يُصنَع بِقُدرةٍ، وأنَّ الخالق الذي خَلق هو الإله الذي ليسَ لوجوده ابتداء، ولا لِبدَايته افتتاح، فهو الأوَّل والآخِر والظَّاهرُ والبَاطِن. إذا علمتَ ذلك؛ فإنَّه أيضًا تعرف بعقلك؛ أنه إذا وُجدَ اثنانِ فأكثر على تَدبيرٍ في رِئاسَة وغيرها؛ لا بُدَّ أنْ يختلفوا، وهذا يُريد كذا وهذا يُريد كذا، فمنِ الذي تَنفذ إرادتُه مِنهم؟ ومن لم تنفذ إرادته؛ لم يَصحّ أن يكونَ إله!! فوجودُ إله آخرَ مستحيلٌ عقلاً بكُلّ المَعاني. وما يمكن أن يكون للوُجُودِ إلا مُوجِدٌ واحد، وإله واحدٍ جلّ جلاله، (وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة:73]، (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ)[البقرة: 163].
(قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42))، ولَتحكَّموا في أمرِ الشَّمسِ، وأمرِ القمرِ، ولَتغيَّر النِّظام، ولَتغيَّر التَّدبير؛ ولكنْ والله؛
وهو مُسيّر كما أراد وكما قال - جلّ جلاله وتعالى في علاه-: ( إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ) -تقدَّس وتنزَّه وترفَّع وعَظُمَ- (عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)).
وإذا كان مَن عَرف عَظمتَه وآمَن بِه، مِنَ الملائكة والنَّبيين والعِباد المؤمنين الصّالحين، يذكرونه بالتّعظيم والإجلال والإكبار، يوقنون مع ذلك أنّهم دُون عَظمته، فأنَّى تصلُ ألفاظهم المخلوقة الحادثة إلى حقيقة ذاتِ الأوَّل الّذي بيده ملكوت كلّ شيء، الغير محصور الألفاظ الحادثة المحصورة، كيف تصفُ ما لا حَصر له ولا بداية ولا آخرية؟ مع ذلك يعترفون، ولكن؛ هذه غاية ما عندهم في القُدرة على تعظيمه وتسبيحه وتحميده، فقبله منهم وأثابهم عليه الثوابَ الجزيل. وهذا حالهم،
كما قال أعرَفهم وأعلمهم بالله سيدهم النّبي محمد ﷺ: "سبحانك لا أُحْصِي ثَناءً عليك أنت كما أَثْنَيْتَ على نفسك"، فإذا كان سيِّدُ المرسلين ما يحصي ثناء على الله، من الذي يحصي ثناء على الله؟!
ولكن كما قال لنا في حديث ،كلما أصبح في صباح كل يوم، قل: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بعثني سالمًا سويًا وأذِن لي بذِكْرِهِ"، أذِنَ لي، "وأذِن لي بذِكْرِهِ"؛ لأنّه مهما ذكرته بتعظيم وإجلال فأنا وتعظيمي وألفاظي حادثة محصورة، وهو فوق ذلك، لكن هذا غاية ما عندي ما استطيع لو أعَبّر إلا بهذا، فقبله منّي - جلّ جلاله وتعالى في علاه-، فكيف بكلام الجاحدين المارقين والفاسقين؟! هذا التسبيح والتحميد قاصر بالنسبة لعظمة الله.. فكيف بكلام هؤلاء؟ لا إله إلا الله.
يقولُ تعالى: (تَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ..(43))، ارتفاعاً وعظمة مَعنوية فوق كل تَصوّر، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ..(44))، تُسبّح له السماوات السبع، والأرض، ومن فيهن -الله أكبر!- (وَإِن مِّن شَيْءٍ)، أي وما من شيء إلا يُسبّح بحمده؛
ومع ذلك فكلٌّ مِن الكائنات بحسبِ تركيبها وتكوينها؛ تُدرك أنّ لها خالقا عظيما تُسبح بحمده -جلّ جلاله-.
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ …(44))؛ وهي -أي الكائنات- تحمدُه مع التّنزيه والتّقديس، وبحمد الرحمن الذي أرسَل مُحمدا بالحقّ والصّدق. الكائناتُ قائمة بتسبيح وتقديس هذا الإله الذي يدعوكم محمد إلى تسبيحه وإلى تنزيهه وتقديسه وتكبيره -جل جلاله-، (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ …(44)) مع الحمد؛
اللهم لك الحمدُ شكرا، ولك المنّ فضلا، فأتمم علينا النّعمة. الله يستحق الحمد والثّناء على كلّ حال، وفي كل شأن، ومِن كلّ شيء، وهو فوق ما نتصور في عَظمته، وفي إنْعامه، وفي إحسانه، وفي فضله، وفي أسمائه، وفي صفاته، فوق ما يتصور أهل السماء والأرض، له الحمد على كل حال. حتى كان يقول سيدنا أبو بكر الصديق: لا يعرف الله إلا الله، أي معرفة إحاطة؛ ما يحيط بأسْمائِه ولا صفاته فضلا عن ذاته؛ غيره -جل جلاله وتعالى في علاه-.
(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ …(44))، ما تُحيطونَ به وتدركونه إدراكًا كاملا،
(إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا …(44))، ومع ذلك قال: (غَفُورًا(44))،؛ لأنه قد يَحلُم الحَليم ولا يَغفِر، ولا يُعاجلك بالعقوبة، ويدَّخِرُها لك. وبعد ذلك يُدبّر لك أمرًا، يجهز لك العقوبة تماما. لكن الله قال: حليم أيضا غفور؛ ليرغّب كل الذين ابتعدوا، وكل الذين أذنبوا؛ أن يتوبوا إليه، فإنه يُمكن أن يغفرَ لهم. (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-؛ يُرغّب عِباده في أن يتوبوا إليه؛ يتجاوز عنهم، و يتخلَّصوا مِن مَصائب ذنوبهم وسيّئاتهم؛ (…إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)).
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ …(44))، و روى أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية، يقول: كان سيّدنا علي زين العابدين في الصباح مع بعض أصحابه، وإذا بأطيار يُغرِّدن، قال: أتدرون ما تقول هذه الطيور؟ قالوا: لا، قال: إنّها تُسبح بحمدِ ربِّها، وتسأل قوت يومها، أما أنّي لا أقول أنّي أنا أعلم الغيب ولكن؛ حدّثني أبي عن علي أمير المومنين -رضوان الله عليه- أنّه سمع رسول الله ﷺ يقول: "تصبح الطير كل يوم تُسَبِّحُ بحمد رَبَّها، وتَسْألُهُ قُوتَ يَوْمِها"، و يُسخِّر الله لها قوت اليوم.
أين الفرع في التجارة العالمية من أجل الطيور؟ لايوجد! من أجل النمل والذر؟ لايوجد! من أجل رزق الحيوانات في البحر، حيوانات في البر؟ لا يوجد عندهم ترتيب؟ لكن؛ تغدو خِماصًا وتروحُ بطانا. حتى يقول باللّهجة العامِّية الدارجة، بعض المُذكرين بحقيقة عظمة الحقّ، يقول:
أمَا تَرى الطّير دِي تَسرَحْ على رِياقَهَا *** لا مَالْ مَعْها وَلا هِي تَدخُل أسْواقَهَا
تَسرَحْ جُويعَه وتضوي على حِلاقَها *** إلا عَلى الله خَالقْها وَرَزّاقْهَــــــــا
يقول النبي: "لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله ؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ : تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، وهي وأولادها في أوكارِها، وكلٌّ يأتيه رزقه! سبحان الرزاق.
(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44))؛
قال الله تعالى لنبيّه : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45))، ولقد كانَ يقرأُ ﷺ القرآن ويَجتَهد في إِبْلاغِه للخلق،
(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45))،
(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45))، فمنه حِجاب قُلوبِهم بِعَدَم فَهْمِهم ووعيهم.
كما كان جماعة منهم في اللّيل، وكان النبيِّ صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في بيته فيأتون في الظلام يتَسمّعون لقراءتهِ؛ لعُذوبةِ القرآن وعظَمتِه، وطيبةِ الكلام وعُلوِّه. هم مُشركون يُناوِئُونَ ويُكذِّبون صاحبَ النبوّة لأنفس و أهواء وأغراض. فكلٌّ يقعدُ قريب من البيت وما يَدرى بالثاني في الظّلام، إذا قاموا، بعد ذلك وتلاقوا في الطريق، فلان إنت! ماذا جاء بك هنا؟ يقول: كنت تسمع قراءة محمد، لا تَرجِع له، لاتفعلوا هكذا فيَراكُم سُفهاء القوم فيَدخُلَهم رِيبة منكم فلا تأتون ولا تَسمعون -يتعاهدون ألّا يأتوا-، يذهبون.. و في الليلة الثانية تتذكر أرْوَاحُهم الكلامَ الطيّب ذاك، بالصوتُ الطيّب ويخرجون، كل واحد يظنّ نفسه هو وحدَهُ ويخَرج، وبعد ذلك يتجمّعون كلهم، وعندما ينصرفون يتلاقون مرة أخرى؛ أنت رجعت ثاني مرّة ؟!! ويقولون وأنت رجَعت، ومرة أخرى يتعاهدون.
ومرَّت ليالي هكذا حتّى ذهب واحد منهم إلى عند رسولِ الله. الأول يقول: ماذا ترى فيما يقول ؟ يقول: والله فهِمت بعضُه وعرفت معناهُ، ولم أدرِ ببعضِ معناه بعض، ولكنّه كلامٌ عظيم. حتى جاء إلى عند أبي جهل قال: ما تقول فيما سمِعت من محمد؟ قال: ماذا أقول! كنّا نحن وهم؛ أطعموا وأطعمنا، وسقَوا وسقينا، بذلوا وبذلنا حتى كُنّا كفَرَسيّ رِهان، مُستوِين. قالوا: منّا نبيّ يُوحى إليه! فمن أين لنا بهذا؟ قال: لا نُصدّقه أبدًا. راح وتركَهُ، عَلِم أنّه يُكذّبه حَسَدًا من عِندِه وغَيظ، ويعرف أنّهُ رسولُ -صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلّم، وأنّ ما يقولُهُ هو الحقّ، وهذه -والعياذ بالله- أكنّة في قلوبهم؛ (وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا …(46)) ثِقلًا، ما يُحسِنون التأمُّل لمَعانيه أبداً، ولا تَصيرُ إلى قلوبهم.
ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46))؛
لكن الاستماع مع المُكابَرة، مع المُعانَدة، مع عدم التّعظيم؛ يَحولُ بين صاحبه وبين إدراكِ الحقيقة.
وهكذا قال تعالى: (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ..(47))، الحال الذي يستَمِعون به إذا جاءُوا وأنت تقرأ عليهم القرآن، وتُسمِعَهم القرآن: (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ ..(47))، في كثيرٍ من الأحوال لمّا تُبلِّغهم وتقرأ عليهم القرآن يناجي بعضهم بعضا، يتكلّمون مع بعضهم البعض، يعني لا يريدون أن يسمعوا، بل تَواصَوا بذلك؛ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت:26]، إذا كان هو باطل فما يضُرّ، اتركنا نستمع إليه وسنعرف أنّه باطِل لكنْ لماذا لا نستمع إليه؟ الدليل أنّه حق، وأنّ من استمعَ إليه أدرَكَ الحق. لا تسمعوا (وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت:26]، يقول هؤلاء طريقة استماعهم بهذه الصّورة؛ (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ ..(47))، في نجواهم لبعضهم البعض، (إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47))، هذا انسان مسحور، مَأخوذ عن عقله، ما له اختيار في أمره، وخرجَ عن طوره، يقولون هكذا. والنّاس يستمعون، وهم يقولون ذلك الكلام يتلفّظون به، ويعلمون أنّ ما يقولونه باطل، وأنّه أعقلَ منهم وأنّه أحكم منهم، ويعرفون ذلك ولكن يقولونها هكذا.
(وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47))، فمصيبة الحرمان من فائدة ما يُسمع من الحقِّ والهُدى والخَير؛ أن يُستَمَع على غير وَجْهه. ولذا رأينا الصحابة كيف يَستمَعون إلى النبيّ ﷺ وهو يُحدّثهم -فضلًا عن أن يقرأ عليهم القرآن- "كأنَّ على رُؤُوسِهمُ الطَّيرَ"، ويُصْغُون إليهِ بكُليّاتهم، فبذلك انتفعوا. وكذلك:
وهذه شواهدُه، كلامُ الربِّ يتلُوه أصدقُ الخَلقِ وأحبُّهم إلى الإله، وهذا ينتفع به وهؤلاءِ يزيدهم نفورا -والعياذ بالله تعالى-.
(نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ ..(47))، يعني مُتكلّمون بعض بينهم البين ما يُصْغون، (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ..(48))، عرفُوك، وعرفُوا أمانتك، وعرفوا صِدقَك، وعرفُوا عقلك ورجاحته، وعرفوا أدبك، وعرفوا كريمَ وصْفِك، ثم مع ذلك ينتحِلُونَ لك أوصاف، يأتون بها من هنا ومن هنا وهم يَعرِفون أنها ليست فيك. (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا ..(48))، عن أن يَنطِقُوا بالحقيقة حتى التي هُم يعرِفونها؛ (فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48))، ما يَهتدُون إلى سبيلِ الحق؛ بسبب أهْوائِهم تلك وشهواتِهم ونفوسِهم؛ (فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا).
وذكر لنا مِن أقاويلِهم ما ردَّ عليهم. وليسَ معَ الكفّار في كلِّ زمان إلى يومِنا هذا إلّا ترديد نفس الكلمات أو ما يُمَاثِلُها أو ما يُشابِهُها، (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة:118]، فنحن بحمدِ الله عندنا نورٌ من الله وكتابٌ مُبين، وعِندنا هِداية هدانا بها ربُّ العالمين، وميزان نَزِنُ به الأشياء.
فثبِّتنا اللهم على الحقّ فيما نقول، وثبّتنا على الحق فيما نفعل، وثبّتنا على الحق فيما نعتقد، وأصلِح أحوال أُمّةَ نبيِّك أجمعين في المَشارِق والمَغارِب، وادفع البَلايا عنهم يا أرحم الراحمين، وخُصَّهم في شهرِ ذكرى ميلادِه بيَقْظةٍ في قلوبهم ينتبِهون بها، ويَعُون أسرارَ وَحْيك وبلاغ خاتَم رُسُلِك. فتنكشِف وتبعِد وتنفرد وتتولّى عنهم ظُلماتِ الأَهْواء وتلْبيس إبليس وخداعِه وخداعِ جُنده من شياطينِ الإنسِ والجِن؛ فيعودوا إلى رُشدهم ويُعيدوا قِيادةَ عبدِك محمدٍ لهُم في جميع أُمورِهم، فيهتدون بهَديك و يَظْفَرون بقُربِك ونصرك.
اللهم انظر إلى المؤمنين:
نظرة تُزيل العَنَا عنَّا وتُدني المُنى *** منَّا وكلَّ الهنا نُعطاه في كلِّ حين
يا أرحم الرحمين
بارك لنا في أيامنا وليالينا وأصلح ظاهرنا وخوافينا وبلِّغنا فوقَ أمانينا من خيرات الدنيا والآخرة يا ربّ الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ .
الفاتحة
11 ربيع الأول 1445