تفسير سورة الفجر - 3- من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ)

تفسير جزء عمَّ - 57 - متابعة تفسير سورة الفجر
للاستماع إلى الدرس

يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1436هـ.

نص الدرس مكتوب:

 (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16))

الحمد لله موالي خيراته، ومُجزل عطياته، ومضاعف رحماته، الحي القيوم الذي أحاط علماً بما في أراضيه وسماواته، وأحاط بجميع برياته، وبكل فرد منهم من جميع جهاته، إحاطة جلَّت على أن تكيّف، أو عن أن تُحد بوصف يوصَف، أوبتعبير يعبّر عنه بكلام يؤلَّف، إحاطة القوي القادر القاهر، إحاطة العزيز الملك الفاطر، إحاطة الذي ليس له لا من شبيه ولا شريك ولا مماثل ولا مناظر، إحاطة الحق الحي القيوم وليس في العالم الخلقي ما يشبهه في شأن من الشؤون، في ظهورٍ ولا في بطون، من قريب ولا من بعيد.

 ولهذا المعنى الواسع المديد، نادى في حقيقة التوحيد، نادى سيدنا الصديق أبوبكر الصديق وقال -وهو بذلك حري وخليق-:

 لايعرف ﷲَ إلا ﷲ فاتّئدوا *** ‏والدين دينان إيمانٌ وإشراكُ

‏وللعـقـول  حــدودٌ  لا  تجـاوزها *** ‏والعجزُ  عن  دَرَكِ الإدراك إدراكُ

هوالإله المحيط بكل شيء -جل جلاله-، يسّر لنا من الأشياء تيسيرات كثيرات كبيرة، وجعلنا في أمة مباركة تميزت من بين الأمم، بوجاهات نبيها الكبيرة لدى الحق -سبحانه الله وتعالى-، وأمدنا وإياكم بنصيب من الأسماع والأبصار، وأقدرنا على التذكّر والاستبصار، وعلى الادكار والاعتبار. 

ثم جمعنا في هذا الزمن من جملة  الأعصار، وجعلنا مدْركين لهذا الشهر المخصوص من بين الأشهر بواسع من العطاء بغير مقدار، وضياء وأنوار من الكريم الغفار، أشرف بها ليله والنهار، وكان شهر ما أبركه، ينجو به من ينجو من الهلكة، ويدرك به من يدرك مراتب القرب والعز عند من ملكه جل جلاله.

فيا ليت أن هذه الأيام بأيدينا أن تبقى وتمتد، ولكنها لا تدوم لأحد، والليل يسري والنهار يمضي، ونحن فيهما أيضًا نمضى، وما من  ليل إلا ويقتطع من أعمارنا مسافة، ولا من نهار يمر إلا وقُطعت من أعمارنا قِطع ومسافات، حتى تأتي ساعة اللقاء بالمحيط بنا عندما يكشف الغطاء، وعندما يُزيح الستارة، وعندما يُبين لصدورنا وعقولنا ومشاهد بصائرنا ما لم يكن بائن لها من قبل، 

  • ويقال لمن يقال له: (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق:22].  
  • ويقال لآخرين: أُكرموا، فلما حصل لهم الانكشاف لم يجدوا إلا الفضل والألطاف والجود والإسعاف والإنعام والإتحاف،                                    
    • ونداء أحدهم: (نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْأخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىٓ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت:27]، 
    • ونداء أحدهم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)).

نحن بين يدي هذا الملك المحيط بكل شيء،  القادر على كل شيء، وقد جعلنا من بني آدم وفينا من الجان وفينا من الملائكة، وجعلنا معشر المكلفين من الإنس والجن، من أمة خير الأنبياء، وسيد الأصفياء، محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتقى الأتقياء.. وأزكى الأزكياء.. وأنقى الأنقياء؛ سيد أهل الأرض وسيد أهل السماء، حبيب الله المنتقي، والشفيع المبتغى، خير الورى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ثم أكرمنا بغُرر من المِنن في بكور أيام الشهر الأغر الأكرم، نتدبر كلامه، نتأمل معاني خطابه، ووحيه وتعليمه، وما أنزل على قلب لم يخلق قلب مثله، وعلى كل قلب في الأرض والسماء ميزة وفضل؛ قلب محمد ﷺ؛ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء:195]، وهو لو أُنزل على الجبل لتصدع وخشع: (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)  [الحشر:21].

  • فما حمله قلب الأطهر، قلب الأنور، قلب الأغر، قلب الأزهر، قلب خير البشر، قلب صفوة مضر، قلب محمد أبو الزهراء البتول؛ حمل هذا الحمل الثقيل، قال ربي: (إنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل:5]. 
  • ونحن تلقيناه بتسهيل من الله، وتيسّر بهذا القلب وهذا اللسان: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) [مريم:97]، 
  • حتى قال أهل العرفان والذوق: إنما ما انطوى من سرٍّ في القرآن لا يمكن لإنسان أن ينطق به لو لم ينطق به لسان محمد ﷺ فيسره الله بلسانه وإلا ما استطعنا أن ننطق بكلمة منه لما تحمله من أسرار ومعاني، ولكن الله خفف علينا ذلك ويسّره بلسان محمد عليه الصلاة والسلام، فهو أوعى الخلق لكلام الحق.

وقد كانت في عمق الصواب وعينه، الصدِّيقة عائشة بنت الصدِّيق، عندما سئلت عن خُلق النبي فما عرفت تجيب إلا بهذا الجواب الأسدّ: خلقه القرآن؛ " كان خلقه القرآن" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فنتأمل المعاني؛ ليكون للصادق منّا بها تشييد مباني، تشييد:

  • مباني في معرفته، في إيمانه، في يقينه في وجهته، في نيته، 
  • مباني في مسلكه في خلقه، 
  • مباني في قربه من ربه،  مباني في وعيه عن إلهه، 
  • مباني في البرزخ،  مباني في القيامة،  مباني في دار الكرامة.

 اللهم اجعلنا من أهل الوعي للقرآن، قال تعالى(لنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) [الحاقة:12].

ولقد تأملنا في سورة الفجر، ما نرجو أنه بحسن الإقبال منّا والأصغاء والإنصات، ينشق في القلوب نور الفجر، ونور فجر المعرفة إذا انشق في قلب؛ دخل صاحب ذلك القلب جنة المعرفة بالله، فوجد فيها من اللذائذ والحلاوة والجمال والأذواق الرفيعة، ما لا يكيّف ولا ويوصف.

  • قال أهلها: إن كان أهل الجنة في الجنة على مثل ما نحن فيه بالليل؛ إنهم لفي عيش طيب.
  • وقال أهلها: إن لله جنة من دخلها في الأرض لم يعد يشتاق إلى الجنة في الآخرة.

وهل يراد من جنّة الأخرة إلا قربه ومعرفته ورضاه؟ والنظر إلى وجهه الكريم -تعالى في علاه-؟! هذا المقصد الأكبر؛ قال الله تبارك وتعالى: (وعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّٰتِ عَدْنٍۢ) لكن قال: (وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ) [التوبة:72]، من الجنة وما فيها (رِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ). 

يالله رضى يالله رضى *** والعفو عما قد مضى

فلنحسن التأمل؛ عسى يحصل لأحدنا التأهل، فيتم له التوصل، فيكمل عليه التفضل، فيُجمّل مع من يجمله، ويكمل مع من يكمله، ويواصل مع من يواصله، ويدرك وهو في الدنيا من نعيم الروح مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) [الإسراء:21].

فهل طافت أرواحكم حول مقصد هذه المجالس والمجامع؟ وهل وصلت معاني حقيقة هذا الخبر من المسامع إلى الأفئدة على ما نجتمع؟ لمن نتجالس؟ لمن؟ لماذا؟ وكيف؟ ولمن؟ 

  • أيها الجالس عرّفك الله قدر المجالس، فإن من المجالس مافيه مآنس، وعطايا نفائس، تكون مرتقى، وتُخلع فيها خلع التقى، ويُتصل فيها بالمنتقى، وفي ذلك معاني أوسع وأبقى، وأرفع وأرقى، يُسقى بكوؤسها من يُسقى، ممن أذن له الحق.

الله من تلك الكؤوس يسقينا، وإلى تلك المراقي الشريفة يرقيّنا، ولا يدعنا لأدناسنا ولا لأرجاسنا ولا لسياتنا ولا لإنحراف الوجهات منّا، ولا للقواطع التي تقطعنا، يارب يا قوي اقطع عنّا جميع العلائق والقواطع، أرفعنا في مقام قربك الرافع، مع كل ذي قلب منير خاشع، مع كل ذي قلب منير لامع، من كل أواب تقي خاشع، ولا تجعلنا مما يشير الناس بالأصابع، وهو من السر المصون خالي، يا كريم يا والي، يا علي يا كبير يا متعالي.

عُهد منك الجود، وخصوصًا في مثل هذا الشهر يا ودود، وبأيدي الفقر نستمطرك سحائب الكرم والجود، وبرِّك المعهود، فجد ياجواد بما أنت أهله، بالنبي صاحب المقام المحمود، صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، إلهي إنما جلسنا امتثالاً لأمرك ملبِّية قلوبنا نداءك، عندما ناديتنا في الوجهة إليك على لسان نبيّك ﷺ راجين أن نستظل بظل لوائه؛ فأظلنا بظل لوائه حتى نُحشر تحت ظل ذلك اللواء يوم اللقاء، وتحت ذاك اللواء جميع الأنبياء وجميع الاتقياء، وجميع الأولياء، وجميع السعداء.

 كل سعيد تحت لواء محمد الحميد، في يوم الوعد والوعيد، فيجتمع جميع أهل السعادة، من روؤسهم الأنبياء، إلى الصدّيقين والصالحين تحت راية سيّد المرسلين، القائل: "ولواء الحمد بيدي يوم القيامة" إلا أنهم على مراتب هناك يرجع أكثرها إلى مراتب هنا، فهنا يستظل بظل لواءِ من يستظل على رتبة وعلى درجة وعلى مكانة تختلف من واحد لآخر، في المجلس الواحد يختلف رتبة الاستظلال بظل اللواء، واللواء منصوب، تحس به القلوب، ومن توفر نور قلبه خرق نور بصيرته نور بصره.

تختلف مراتب الناس في الاستظلال بظل هذا اللواء، وما كلهم سواء، لاهناك ولا هنا، وهل ما هناك إلا من ما هنا، فنتائج ماهنا يكون هناك، نحن اليوم وإياكم هنا، وغدا سنكون هناك، فعسى في مرافقة الحبيب، عسى في صحبة السيد المجيب النجيب الطبيب، عسى في مكان شريف تحت لواءه الأشرف، اللهم آمين.

 لاتخلّف منا أحدا، فإلى أين يتخلّف؟ ومع من يخلّف ؟ وأين يُذهب به؟ يرافق من؟ يجالس من؟ إن تخلّف عن هذا الركب فيرد موارد من؟ وينزل منازل من؟ ويكون مع من؟ 

بحق حبيبك بما بينك وبينه اجعلنا جميعا ومن يسمعنا وأهلينا في ركبه، في حزبه، في حبه، في قربه، في ظل لوائهِ، تتشرف العيون برؤية وجهه الأغر الأزهر، وهو نعيم كبير، وعطاء وفير؛ أن يكحل الله عينك برؤية وجهه السراج المنير. 

ليته خصني برؤية وجهٍ *** زال عن كل من رآه الشقاء  

فيطيب لنا أن نتأمل من كلام ربنا ومعاني قسمه على حقائق تجري للناس في هذه الحياة، ويلاقون نتائجها في يوم الموافاة:

  • هو المتحدث المنزل للقرآن،
  • هو المالك للحياة وما بعدها: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم:40]،
  • (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [المائدة:120]، 
  • و(تبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك:1]،
  • (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:1-2].

يقول لنا جل جلاله: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5))؛ نعم ياربنا. (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)) تلك طائفة جاءوا قبلنا، اغتروا بقوتهم؛ فجعلتهم لنا عبرة.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8))، فما بال من أعطي شيئا من القوة المادية في أزمنتكم؛ يختال ويغترُّ ويتكبرُ! 

ومع عاد ثمود، (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)) جاءوا من بعد عاد، ونقبوا الصخور في الجبال، وجعلوا لهم بيوتاً ومساكن وسط الجبال، يقطّعون ما شاءوا من الجبال، يرفعون السَّمك ويخفضونه ويمدون الطريق ويطولونه أو يعرّضونه وسط الجبال

(وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ..(10)) الذي ملك مصر في أيام سيدنا موسى ابن عمران، على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى السلام الأتمان الأكملان. (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ):

  • المعنى الأول: الجند  الكثير الاقوياء، معه جنود سُخِّروا له فاستسخر بهم؛ (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف:54] فكان له جند كثير، سُمّوا بالأوتاد؛ يوطدون ملكه وينفذون أمره، يسجدون له ويعبدونه من دون الله.
  •  (ذِي الْأَوْتَادِ) يأخذ الأخشاب من خشب أو من حديد، فيجعلها على الأيدي والأرجل؛ يعذب بها،
  •  (ذِي الْأَوْتَادِ) ومنها الأوتاد التي عذب بها الماشطة، والتي عذب بها زوجته آسية بنت مزاحم.
  •  (الْأَوْتَادِ) مباني ايضاً كانت تشيد له و ترفع بالأوتاد يلعب له تحتها.

 كل هذا معاني الأوتاد. 

(فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)) والأوتاد التي عذّب فيها الماشطة التي كانت تمشّط بناته، وكانت امرأة مؤمنة، وزوجها كان خازن عند فرعون يشتغل ولكن كان مؤمنا يكتم إيمانه، كانوا مؤمنين بالله.  الهَوَس والكلام الفارغ! فرعون: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) [النازعات:24]، (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف:51]، ما يدخل عقولهم؛ آمنوا بربهم.

في ليلة الإسراء والمعراج شم النبي رائحة طيبة، فسأل جبريل  قال: هذه رائحة من؟ قال: ماشطة بنت فرعون، لِم؟ لأنها صدقت وثبتت فكافأها الله مكافأة كريمة. 

  • كانت تمشط ابنة فرعون، سقط المشط، فقالت: بسم الله، تعس من كفر بالله، 
  • قالت : ألكِ إله غير أبي؟ قالت: إلهي وإلهك وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لاشريك له! هوالله.
  • قامت ابنته تبكي ودخلت على أبيها، قال: مالكِ؟ قالت إن الماشطة تقول: إن إلهك وإلهنا؛ إله الأرض والسماوات إله واحد لا شريك له! 
  • فاستدعاها وقال: ابنتي تقول كذا وكذا، قالت الماشطة: صدقتْ! قال: فاكفري بإلهك وأقرّي بأني إلهك! 
  • قالت: لا، الله ربي وربك ورب السموات والأرض وخالق كل شئ، أرجعي -ومد لها الأوتاد-. 

وجاء في روايات أنه قال: أرجعي وإلا عذبتك قالت: عذب ما تعذب، -عندها ابنتان- جاء بابنتها الكبرى، قال: اذبحوها فوق فمها، وذبحوا ابنتها على فمها، وقال لها:  تكفرين بإلهك وتؤمنين بي؟ قالت: لا، قال: هاتوا الصغرى وكانت ترضع -أيام رضاعتها- قال: ضعوها على فمها واذبحوها، -أرادوا أن يذبحوها وجزعت من وجدها وشفقتها على الطفلة- فإذا بالطفلة تقول: اثبتي أماه! - هذه الرضيعة- اثبتي أماه، إنك على الحق! إن الله بنى لك بيتاً في الجنة! اصبري إنما تفضين إلى رحمة الله؛ فكانت هذه أحد من ذكرهم ﷺ أنهم نطقوا في المهد:

  1. وسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام
  2. وكذلك شاهد سيدنا يوسف -طفل صغير- قال الله تعالى: (وشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) [يوسف:26-27].
  3. والثالث: صاحب سيدنا جريج -طفل- قال له: من أبوك؟ قال: أبي الراعي. تكلموا في المهد 
  4. وهذه، ابنة ماشطة فرعون، فذُبحت ابنتها الصغيرة على فمها، فما لبثتت أن ماتت هي؛ فأدخلت الجنة.

وفي رواية: أنه أمر بزيت أن يحمى ويُوضع واحدة بعد الثاني، وتقاسعت عند وضع الصغير، -وأنها  طلبت منه- قالت: أن تجمع عظامنا -إذا متنا؛ تدفنا في مكان واحد- ، قال: هذا لك، لما لكِ من حق -تخدمين عندنا-.

كان هذا الطغيان، وهذه صورة من صور متكررة على ظهر الأرض يطغى فيها الإنسان على الإنسان ويتجاوز حدوده، لكن في الحقيقة يطغى الطاغي على نفسه، تعود عوائد ذلك كلها عليه، لكن هكذا طبيعة الإنسان؛ يا ويل من لم يتزكى، يا ويل من لم يتنور، ياويل من لم يتربى، يا ويل من لم يتطهر.

كان ما كان مع ماشطة ابنته، فثار الإيمان في قلب زوجته، أخذت تقول: يقتلهم هكذا بهذه الصورة؟! فأخذت تفكر، تراجع نفسها، ماذا تقول لفرعون، وماذا تصنع معه؟ فبينما هي كذلك، دخل عليها فرعون، فأخذ يخاطبها، قالت: أنت أخبث من في الارض وأشر من في الأرض؛ تقتل هذه المسكينه وبناتها وتعمل كذا!؟ قال: لعله أصابك الجنون الذي أصابها، قالت: لا والله ما أصابني جنون لكن ربي وربك الله، قال: أنت تقولين هكذا مثلها؟ ضربها وركلها، ودعا أبويها -جاءوا- 

وصل الأبوان، وقال انظروا هذه أصابها الجنون الذي أصاب الماشطة!، قالوا: يا بنية مالكِ؟!، ألستِ أنتِ سيدة العماليق؟! وهذا زوجك سيد العماليق! قالت :كذبتم وكذب، قولوا له ان كان صادق؛ يلبسني تاج الشمس أمامه والقمر خلفه!! - ماعرفوا ما يقولون- قال: اخرجوا عني، جاء بالاوتاد، وجعل يدها في وتد والثانية في وتد ورجلاها في وتد ووضع عليها الرحى حتى ماتت، وفتح الله لها بابا إلى الجنة فكانت تشاهدها وهي تعذب، وتردد: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم:11]، فضرب الله بها مثلا للمؤمنين -عليها رضوان الله- فكوفئت وجوزيت بالجزاء الوافر من الله، حتى جعلها الله في الجنة زوجة لسيد رسله وخاتم أنبيائه ﷺ، هذه الصادقة المخلصة.

وحزقيل زوج الماشطة، لما عُمِل ما عمل بزوجته؛ هرب، أرسل في طلبه فرعون ولم يجدوه،  ثم أُخبر عنه أنه في وادي بعيد من الأودية -أنه يوجد هناك-؛ فأرسل إثنين في طلبه، فذهبوا، أقبلوا على الوادي، دخلوا إلى المكان الذي هو فيه فإذا به قائمًا يصلي وخلفه ثلاث صفوف من الوحوش والسباع تصلي في صلاته، وهو الإمام لهم، هابهم الموقف؛ ورجعوا، فأحس بهم -أنه واقف رجلان ومضوا-، فقال: اللهم إني اكتم إيماني مئة سنة، -أنا مؤمن بك، خوفا من هذه الفتنة وهذا الشرير- اللهم أيّما رجلٌ من الأثنين كتما عليّ فأهده للحق وأسعده في الدنيا والآخرة، وأيما واحدُ منهم أظهر عليّ فعذّبه في الدنيا والآخرة وهذا معنى دعائه، وصلوا،

  •  فأما أحدهم آمن، قال: هذا الدين الصح -حتى الوحوش تصلي وراءه-، لا فرعون رب! ولا أحد مخلوق مثلنا رب، الله هو الرب -كتم إيمانه- 
  • أما الثاني قال: يا فرعون -جاء على ملأ من الناس- وجدنا حزقيل في الصحراء في المحل الفلاني في الوادي، يصلّي وخلفه وحُوش يصلّون، قال: من كان معك؟ قال: فلان، قال: ادعوه، -دعوه، جاء- قال: حق ما يقول هذا؟ قال: لا، أنا ما رأيت شي منها!  قال: صح، هذا يروج كلام -يصلح دعاية لذاك!، -تفضل أنت- كافأه وجزاه. 

أعطى هذا المؤمن -تعال أنت- أخذ هذا وقتله؛ فتحققت دعوة ذاك المؤمن العابد.

(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)) ولاعاد شيء من المباني التي بناها، ولا من الخيم التي رفعها، والتي يعلبون تحتها، ولا الأوتاد التي يعُذب بها الناس؛ ذهبت، -وذهب هو نفسه- ولكن إلى أين ذهب؟ فمسكين كم تتألم روحه وجسده، من سيضحك عليه ومن سيتعبر به؛ موجود، لا اله الا الله.

هكذا يقص الله علينا القصص الحق، يقول: (ٱلَّذِينَ) من الذين؟ عاد ،ثمود، وفرعون. (ٱلَّذِينَ) كلهم هؤلاء: (ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ (11)) أي هم الذين طغوا في البلاد، أو منصوب على تقدير أَذُم، تقدير الذم - نذم الذين طغوا في البلاد- هذه أصناف من البشر الذين مروا على ظهر الأرض، طغوا، وكم من طغوا قبلهم وبعدهم؟! (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) [الفرقان:39].

 ويقول سبحانه وتعالي: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) [إبراهيم:9]؛ هذا صنف منهم والطغاة كلهم الذين في زماننا لا يتجاوزون بعض هذه الأنواع، كل منهم  جزء مما كان عليه من قبلهم. الذين في وقتنا هذا كلهم موجودين على ظهر الأرض، الطغاة: هم من نفس الأصناف هذه. 

يقول سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12))، الذنوب والمعاصي والمخالفات، هذا الفساد،

  • (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ) تجاوزوا حدودهم، نسوا أنهم مخلوقين، أنهم بشر، أن لهم باري فطر، أن لهم مرجع ومصير يسيرون إليه، تجاوزوا حدودهم.
  • ( طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)) -الأرض- (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12))، مخالفة الحق ورسله، هذا هو الفساد على ظهر الأرض مخالفة الله ورسوله.

فما يمكن أن يصح ويصلح تفسير الفساد، ما هو؟ مثل أن نقول: هو الخروج  عن أمر الخالق الذي خلق. فليفسر من يفسر الفساد بما شاء: 

  • فكل ما كان فسادًا صحيحًا يحكم العقل والفطرة السليمة بفساده، سيجده منهي عنه في منهج الرب: ظلم، سرقة، قتل بغير حق، إحتقار للإنسان،  أي نوع من أنواع الفساد: انتهاك حرمات، اغتصاب؛ هذا كل ماهو حقيقة فساد، يحكمه أنه فساد؛ الفطرة السليمة والعقل السليم، سيجده في شريعة الله محرم -هو الفساد- سيجده مخالفًا لمنهج الله، 
  • وكل ما كان صالحًا نافعا خالصا للبشرية بعيداً عن الإضرار بعقولهم وبصحة أجسادهم وبعلائقهم بينهم البين من كل وجه؛ فسيجد هذا الذي يحكم العقل والفطرة السليمة بأنه صلاح، سيجده مأمور به في شريعة الله، ويبقى ما لُعب فيه على فكره وعقله من قبل الهوى والنفس والشيطان هو محل الطغيان والفساد (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

 (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)) كان العرب أكثر ما يكون التعذيب عندهم وأشق يكون بالسوط! فاستعمل السوط لكل نوع من أنواع العذاب، يسموه: سوط الرب؛ (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ)  يعني أنواع من العذاب، ماذا؟ صب عليه:

  • سوط الريح المدمرة -هذا سوط- 
  • سوط الصيحة القاتلة،
  • سوط الغرق وسط البحر،

 هذا كله سياط العذاب، يعني أنواع العذاب، (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)) اللهم أجرنا  من عذابك في الدنيا والآخرة.

 (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)) يعني هذا لهؤلاء وحدهم فقط؟ الخلق كلهم خلقه وعبيده، وأي أحد منهم يخالف وقد بلغه الرسالة ووصل إليه خبر السماء والنبوة، وتسنى له أن يعرف الحق فأصر وخالف. 

  • (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد)، أصل المرصاد: الممر، الطريق الذي يمر فيه الناس -يقول ربك- أين ستذهب؟ حيث ما كنت محيط بك قادر عليك مطّلع على ضميرك، يراك ويسمعك -الله هو-: 
  • (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يرصد ويرقب حركاتك وسكناتك وخطراتك ونياتك وإراداتك؛ الله! باطنك وظاهرك أعلم بك من نفسك،
  • (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، (أمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم) [لزخرف:80]، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16]،

 (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )، فالعاقل من راقب هذه الرقابة الكبرى، أهم من  يراقب أي شي.

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)):

  • يسمع ويرى ويحيط ويطّلع ويدبر ويحصي،
  • ومع ذلك جعل الملائكة تكتب
  • وجعل الأعضاء تسجل
  • وجعل مسجّل خاص في عنق الإنسان، (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء:13]، 

مسجل موجود معك صغير داخل، وسط عنقك، شريحة لكن ربانية، الشريحة هذه مسجل فيها كل ما تقوله وتفعله وتنوي وتدخل وتخرج، وتطلع وتنزل، و تقوم وتقعد. وثم يُفتح هكذا شريط كامل يمتد، (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا) [الإسراء:13]، يفك شريطك الذي في الشريحة؛ 

  • (ووَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا) [الكهف:49]،
  •  (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران:30]، 
  • قال تعالى: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ) [الإسراء:13].

الناس في القيامة كلهم -ماعاد في أميّة-، مُحيت الأمية من عند ربك كل واحد  يقرأ، الذي لا يعرف يقرأ؛ يقرأ، أي أحد يقرأ صغير و كبير، كلهم ذكر انثى، عربي عجمي يقرأ (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) ماذا تنكر من هذا؟ (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) [المجادلة:6].

 (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)) لا إله إلا هو، من يفلت منه؟ من يخرج عن قبضته؟ من ؟ من؟ من؟ من؟ فرد، جماعة، هيئة، حكومة، صغار، كبار، من يخرج عن قبضته؟ من يخرج عن إحاطته؟ كلهم مقهورين وفيهم المغترين كثير- تحت القهر، والمرجع إليه، بل (ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِين * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ۖ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ * وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ) [فصلت:22-25] زينوا لهم الباطل والشر -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فيا فوز من لبى نداء الله وأقبل على مولاه، وصحح مساره في هذه الحياة، ليلقى الهناء والمصافاة، والخير الذي لا يحيط به الا الله (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]. 

هكذا (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ (15))، ثم ذكر الحق وهمًا يطرأ على خيال الناس: 

  • واحد حصّل مال كثير: هذا ممتاز وشاطر! هذا مُكرّم!
  •  وهذا واحد فقير وتعبان، ماعنده: هذا مهان!. 

قال الله: هذه الفكرة خاطئة، هذه النظرة باطلة، لا أُكرم أحد بالأموال والأرزاق، ولا أهين أحد بالفقر، هذا ليس ميزان إهانة ولا كرامة (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ) -اختبره- (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ضيق عليه رزقه  (فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا ..(17))؛ لا هذا اكرام ولا هذه إهانة، صحح فكرك، صحح معتقدك!!

  • قوّم ميزانك بميزان الله، هذا الفكر عند من لا يؤمن باليوم الآخر، الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، يقولون: صاحب الأموال محظوظ وتمام وسعيد ومرزوق، والذي ماعنده مال أو شي ناقص عليه: هذا مسكين، وساقط، هذا من لا يؤمن باليوم.
  • الآخرعندهم هذا الميزان، هذا ميزان باطل غير صحيح، فاسد، ليس بحق، ماعندهم إلا هذه الحياة (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ) [النجم:29]، ولهذا يحبونها ويخافون من الموت كثير، إلا أن تشتد عليهم متاعب الحياة فيتمنى بعضهم الموت من التعب إلى ما هو أشد تعباً، لا إله إلا الله.  

فيا فوز المؤمن، وياويل الكافر (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة:7-6].

الحمدلله على نعمة الإيمان، الله يقويها لنا، ثبتنا على الحق فيما نقول، ثبتنا على الحق فيما نفعل، ثبتنا على فيما نعتقد، إن لك جند تختارهم من جندك في الزمن فاجعلنا من جنودك، اجعلنا من أهل الوفاء بعهودك، اجعلنا من أهل الصدق معك، اجعلنا من أهل النصرة  لحبيبك محمد، على الوجه الأحب إليك والارضى لك وله، برحمتك يا أرحم الرحمين، ثبتنا على ذلك واسلك بنا أشرف المسالك.

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي مخمد

اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

دخلنا العشر الأواخر ما عاد بقي منها إلا الخمس الأواخر، كانت عشر الأن باقي خمس من العشر، معنا نصف؛ خذوا أماكنكم تحت ظل اللواء بصدقكم مع الله خلال هذه الأيام؛ ما تتخلون عن الصفات التي يكرهها، وماتجانبونه من الأفعال التي لايحبها وتصدق عزائمكم في ذلك، استعدوا لأجل مكان تحت اللواء، إن شاء الله يجمعنا هناك بفضله، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، عما ظلمت نفسي فأغفر لي.

تاريخ النشر الهجري

27 رَمضان 1436

تاريخ النشر الميلادي

13 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام