تفسير سورة الشورى -17- من قوله تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) } - 50

للاستماع إلى الدرس

الدرس السابع عشر من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الشورى، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1446هـ ، تفسير قوله تعالى:

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) 
 

الجمعة 28 رمضان 1446هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرمنا بوحيه وتنزيله، وبيانه على لسان عبده وحبيبه ورسوله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه، ومن والاه وسار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله، مَحلُّ عناية الله -تبارك وتعالى- ورعايته الفائزين بأسنى قربه ورضاه وحُبّه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعد،،، 

فإننا في فضلِ ومِنّة تأملنا لكلام إلهنا وسيدنا ومولانا وخالقنا -جل جلاله-، انتهينا في سورة الشورى إلى قوله جل جلاله: (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49))، وهذا من تعرُّفات الإله -سبحانه وتعالى- إلى كل مُصغٍ ومستمع من المؤمنين، يَتعرّف إليهم بعلُوّه وعظمته وألوهيته وربوبيته ومُلْكه السماوات والأرض. 

وهو الأمر الجلِيّ لكل ذي إنصاف وعقل، وفي أغوار إدراكه بعد ذلك ذوقاً وكشفاً شؤونٌ عظمى: 

  • رقى في أعلى ذُراها الأنبياء والمرسلون، ولا يزالون يزدادون من غير انقطاع وإلى الأبد. 

  • قال الله لأعلمهم به وأعرفهم بعظمته، وهو حبيبه محمد (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114] ﷺ. 

  • ومن ورائهم الصِّدِّيقون والمقربون من العباد الصالحين غير الأنبياء. 

  • والملائكة المقربون، فلهم في هذا مَدَارك ومعانٍ. 

والحق تعرف على المؤمنين بفضله بواسطة أنبيائه ورسله، ومنه مثل هذه الآيات: (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فهل تشاهدون مُلكاً حقيقياً ثابتاً بكل المعاني لغيره على ظهر الأرض؟ 

وكلّ مُدّعي للمُلْك مع كونهم يمرضون ويحزنون والأعراض البشرية محيطة بهم، وفوقها جري كثيرٍ من الشؤون على غير مُرادهم، وتَعرّضهم لكثير من الأذيَّة والمُضايقات، هذا حال الملوك في الدنيا من دون استثناء، من دون استثناء! لا أحد مستثنى من هذا منهم! ولكن الذي كوَّن الأرض مِنهم؟ ولا واحد منهم شارك في ذرّة منها؛ وبعد تكوين الأرض، المُتصرّف فيهم وفيما تحت أيديهم وفي اختياراتهم وفيما لا اختيار لهم فيه، مَن هو؟ المُلك واضح: 

  • (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران:26].

  • (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ ).

الملك الحقيقي، قولوا لي تشاهدونه لمن؟ تنظرون بعقولكم ووعيكم؛" لمن؟ وهؤلاء على ظهر الأرض في مُغالبتهم لبعضهم البعض، ومُطاردتهم لبعضهم البعض، وتَربُّص بعضهم ببعض، وذا لا يتجاوز الحد، وذا يتجاوز الحد، وذا يُحاوَل الأمر ولا يرجع إليه، وذا يضِلّ من أجل غرض يضرب ويدقدق ولا يتوصّل لغرضه، المُلك لمن؟ ما بأيديهم مُلك! المُلك للحق، المُلك للحي القيوم الذي لا ينام؛ أما التكوين والإبداع، والله ما أحدٌ منهم شارك في ذرة، لا ظاهر ولا باطن، هو الذي خلقها. (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ) [الاحقاف:4].

(لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وذَكر مظهر تصرّفه كما يشاء: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ) [آل عمران:26]، يُعطي ويَمنع، ويَرفع ويَخفِض، ويُقرّب ويُبعد، ويُشقي ويُسعد، ويَرفع ويَخفض. 

سبحانه وتعالى يقول: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)، الله أكبر! يَتأمل الإمام الشافعي ويقول مُخاطبا لربه:

مَا شِئْتَ كَانَ، وإنْ لم أشَأْ *** وَمَا شِئْتُ إن لَمْ تَشأْ لَمْ يكنْ

فالمشيئة في حقيقتها له (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) [الانسان:30].

خَلقْتَ  العِبَادَ عَلَى  مَا  أَرَدْتَ *** فَفِي العِلْمِ يَجري الفَتَى وَالْمُسِنْ

عَلَى ذَا مَنَنْتَ، وَهَذا خَذلْتَ *** وهذا  أعنتَ،  وذا  لم  تُعِـنْ

فالأمر أمرك، والحكم حكمك، والملك ملكك، والمرجع إليك؛ وماذا مع المُعاند والجاحد والملحد إلا…. لوك -تحدثوا عنه- بألسنتهم، وَقبضتهم بيده، والمرجع إليه وانتهى كل شيء؟ لا إله إلا الله.

قال: (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) -من مظاهر الخلق- (يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) -أي: يقارنهم ويجمعهم- (ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا (50))، سبحانه! فكان هذا بترتيبه، ولا يكون إلا ما أراد؛ ثم ما جعل للناس فيه وسيلة أو حيلة أو تَوَصُّل، وما لم يجعل لهم فيه تَوَصُّل، الكل تحت أمره: 

  • ولو استعملوا الوسائل فيما لم يُرد ما أفادتهم شيئاً. 

  • ولو لم يستعملوا وسيلة فيما أراد أقامه كما أراد، جل جلاله.

(يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا): 

  • من الأولاد دون أبناء، دون ذكور، كلهم إناثاً. 

  • ويضربون المَثَل: بالنبي شعيب والنبي لوط، عندهم بنات ما عندهم أبناء. 

(يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49))

  • من دون إناث، من دون بنات، كلهم ذكور، (وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ)

  • يضربون المثل: بسيدنا إبراهيم -عليه السلام- ما عنده بنت، عنده إسماعيل وإسحاق، فقط أبناء. 

(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا)، عدد من الأنبياء ومنهم النبي ﷺ له الأولاد -عليه الصلاة والسلام- سبعة: ثلاثة من الذكور وأربع من الإناث، وهكذا يفعل ما يشاء جل جلاله.

كما أنه في تكوين بني آدم: 

  • خلق عامّتهم من ذَكر وأنثى. 

  • وخلق واحد من أنثى بدون ذَكر هو سيدنا عيسى. 

  • وخلق واحد من ذَكر بدون أنثى وهي سيدتنا حواء. 

    • أمنا حواء، خلقها من آدم، يعني: فرَّعها من ذَكر بدون أنثى. 

    • وفرَّع عيسى من أنثى من دون ذَكر.

    • وعامة الخلق من ذَكر وأنثى. 

  • وواحد خلقه بلا ذَكر ولا أنثى؛ آدم، لا من أنثى ولا من ذَكر؛ مِن أين جاء؟ ما له أنثى ولا ذَكر؟ 

 

الله! لهذا يقول: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [آل عمران:59]؛ والمعنى: لا تَغترُّوا بما أُقيمُ من ترتيب مسبّبات وأسباب، فإن الأمر في الأصل لي -سبحانه-.

يقول: (يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا)، بعضهم يذكُرون سيدنا يحيى، ولكن سيدنا يحيى لم يتزوج أصلاً، (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا) [آل عمران:39]، (وَحَصُورًا) يعني: غير متزوج، ما تزوّج سيدنا يحيى بن زكريا؛ ولكن كثير يتزوجون وربما أكثر من واحدة، ولكن ما عنده حتى لا ابن ولا بنت، سبحان الله! 

(وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا..(50))، مُنْقطعاً؛ لا ذَكر يأتي منه ولا أنثى، واعتَبِرْ هذا في أنواع الأصناف التي يَهَبُها للخلق: 

  • هذا يهب لهم من أنواع الخير ظاهر وباطن. 

  • وأحد باطن دون ظاهر. 

  • وأحد ظاهر دون باطن. 

  • وأحد ما في عنده لا ظاهر ولا باطن.

لا إله إلا الله! هو المتصرّف، هو المدبّر، هو المقدّم المؤخِّر، هو المُعطي المانع، هو الضّارّ النّافع، هو الخافض الرّافع، الله! جل جلاله.

(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا)

  • هنا في البداية قال: (يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49))؛ حتى كان بعضهم يقول: من يُمْنِ المرأة أن تُبَكِّر بأنثى، لأنها مذكورة قبل الإناث (يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ)؛ فَقَدّم الإناث. 

  • بعد ذلك لما قال: ( يُزَوِّجُهُمْ) -قَدّم الذكور- (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا)

  • لمّا ذكر أنه (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)، وغالب ما يشاؤه بنو آدم بحكم طباعهم الذكور، فذكر الإناث أولاً ليعلموا أن مشيئته هي الحاكمة لمشيئتهم، (يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49))

 ولمّا قدّم ذِكر الإناث، جعلهن بصيغة التنكير، وعوّض الذكور بالتعريف: 

  • وما قال: يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ ذكوراً، بل (الذُّكُورَ (49)) بالتعريف. 

  • (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ)، يجمع لهم بين الاثنين: (ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا)، سواء يولد ذكر ثم أنثى، أو أنثى ثم ذكر، أو يولد توأم ذكر وأنثى، يفعل ما يشاء.

ولما كبِرَ سيدنا زكريا -عليه السلام- دعا ربه: 

  • (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38]. 

  • وقال: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ)، يأتيك ولد. 

  • وهو وامرأته كبروا في السن ولا أولاد عندهما، لا ذكور ولا إناث، (اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)، لم يُسَمِّ أحدٌ يحيى من قبله. 

  • (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) [مريم:5-9]، لا يوجد فرق عندي، أخلق من ذا أو من ذا أو من دون شيء أخلق كل سواء. 

  • (كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) -يسير- (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)، لا يوجد فرق عندي يعطي الولد لشاب ولا شيبة؛ صغير أو كبير؛ الأمر أمري وإرادة إرادتي، (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).

وسيدتنا مريم كذلك: 

  • (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) [ال عمران:47].

  • (قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ ). 

  • قَالَ: الله قال سيخلق يعني سيخلق كما يشاء، (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) [مريم:20-21].

(إِنَّهُ عَلِيمٌ) -أحاط علمه بكل شيء- (قَدِيرٌ (50))، قادر على كل شيء، استحضار العلم والقدرة لله أساسٌ في انكشاف عظمة الألوهية لقلب المؤمن؛ لذا قال في الآية الأخرى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12]. 

فوجب على المؤمن:

  • أن يُوسِّع فكره في عظمة قدرة الله.

  • وفي إحاطة علمه بكل شيء. 

  • فإنّ هذا أغلى العِلْم وأعلاه، وأعظم لذّة في الآخرة، بل وفي الدنيا. 

(إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)) -جل جلاله وتعالى في علاه- فها هو يتعرّف إلينا باستئثاره الخلق والإيجاد وتَصرّفه في الوجود؛ لندخل ميادين المعرفة؛ والمعرفة العامة التي لا يحكم بالإيمان إلا بها، ولكن المعرفة الخاصة، قال الإمام الحداد: "وأول قَدَمٍ يضعها السائر إلى الله في طريق المعرفة الخاصة استواء السريرة والعلانية"، أن تستوي سريرته وعلانيّته.. 

  • كما أن أول خطوة في الطريق العامة، في طريق المعرفة العامة: التوبة. 

  • لكن المعرفة الخاصة بعد التوبة وبعد أن تستوي سريرته وعلانيته؛ فهذه أول خطوة يضعها في طريق المعرفة الخاصة. 

الله أكبر! ولا شيء ألذّ من معرفة الله، ولا يتلذَّد أهل الجنة بالجنة بما فيها من أنواع النعيم؛ إلا على قدر معرفتهم بالله؛ فمن كان أعرف بالله فهو أعظم لذّة بما في الجنة، وهكذا. 

فأنت تعرف في عالم الحِسّ وعالم الدنيا وعالم الناس: 

  • أنّ من يعرف وصفاً من أوصاف الكمال في رجل، يلتذّ بذكره ويلتذّ بالجلوس معه. 

  • خلاف من لا يعرف فيه شيئاً من أوصاف الكمال، يقول: من هو هذا؟ ولا يحرص على لقائه. 

  • لكن الذي يعرف فيه وصفين، لذّته بمقابلته ومكالمته أكثر من الذي يعرف وصفاً. 

  • والذي يعرف أربعة أوصاف من أوصاف الكمال في هذا الإنسان، تعظيمه وحرصه على لقائه ولذّته بلقائه أكثر من هذا. 

ومن يعرف عشر خصال، عشرين خصلة... فمن عرف طرفاً وذرةً من كمال الله الحي القيوم؛ كيف لا يلتذّ بذكره؟ كيف لا يلتذّ بلقائه؟ -جل جلاله-. 

وكلما قويت المعرفة عظُمت اللّذّة: 

  • بذكر الله. 

  • وبلقاء الله، الله أكبر!

(لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50))، وكلٌّ مِمن يَهب من الذكور أو الإناث، إما بهذه الصورة هو الذي يختارها، بهذا العمر هو الذي يختاره، بهذا الرزق هو الذي يختاره، والترتيب من عنده جل جلاله؛ فكلها دلالات واضحات، إنها نِعَم الله. 

(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44]، تنصرفون عن حسن التأمّل والنّظر وصِحّة الفِكر، وإلّا تشاهدون الكائنات كلّها تُسبّح بحمد الله وتَدلّكم على الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.

يقول: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ)، أي: 

  • مُكافحةً؛ بحيث ينظر إليه ويسمع كلامه، وهذا في حكم الدنيا ما يجري. 

  • أما عالم البرزخ والآخرة فله أحكام؛ منها ما جاء وصحّ في الحديث عن مُخاطبة الله لشهداء أُحُد، وقال ﷺ لسيدنا جابر بن عبد الله: "مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا".

لكن في الدنيا ما يكلّم الله أحداً من البشر إلا بأحد الوسائل الثلاث:

  1. (وَحْيًا): وهو ما يَقذفه في القلب من المعاني، إعلامٌ في خفاء؛ هذا يحصل لكثير من عباد الله تبارك وتعالى. 

  • قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ)، في البحر، (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:7]، 

ما هذا الوحي؟ هذا إعلامٌ في خفاء، أَوْقع في باطنها، وهذا الوحي يَمتد حتى إلى الحيوانات:

  • قال الله عن الأرض: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) [الزلزلة:4-5]. 

  • وقال: (وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) [فصلت:12].

  • وقال: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا) [النحل:68-69]، يريد يُخرج منك شيئا نافعا وخيرا، وهذا ما يحصل إلا من المُتذلّلين لعظمته.  

المتجبّرون والمتكبّرون ما يجيء الخير منهم، الذي عنده تَجبّر وتَكبّر ممكن يلسع، ممكن يؤذي، ما يجيء منه عسل، يجيء منه لسع؛ وهكذا المتكبرون من بني آدم ما يجيء الخير على أيديهم؛ لكن المتذلّلون: (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ) [النحل:69]، منافع كثيرة؛ وكلما تَذلّل المؤمن لربه أجرى على يده الخير والمنافع، الله أكبر! 

وما أعجب ما يخرج من بطون المقرّبين والعارفين ممّا يَشفي به الله أمراض القلوب والأرواح، وما يَكشف به الحجب! (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ)، لا اله الا الله!

قال: (إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ):

  1. (أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ): يَسمع كلام الله تعالى من دون أن يراه: 

  • كما قال في سيدنا موسى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) [النساء:164]. 

  • ولما (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي) [الأعراف:143]، هذا من وراء حجاب.

  1. (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا): ملَكاً من عنده، والملَك يُبلِّغ هذا البشر، فيقول لك الله كذا ويقول لك كذا، والملائكة كذلك يكلّمهم من وراء حجاب؛ فيأتون إلى المرسلين؛ فهذا الوحي.

والوحي المخصوص بالأنبياء؛ وحي بالنبوة والرسالة والشريعة ورسالة من الله -تبارك وتعالى- وأحكام، هذا خاص بالأنبياء: 

  • وأكثره بواسطة الملائكة. 

  • وقد يأتي من وراء حجاب. 

  • وقد يكون بالنَّفْث في الرّوح:

    • إنّ روح القُدُس نَفَثَ في روعه ﷺ: "أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ". 

    • وإنّ روح القُدُس نَفَثَ في روعه: "وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به". 

وقد اجتمعت هذه لرسول الله محمد ﷺ أنواع الوحي، لهذا أتبَعها بقوله: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، بأنواع الوحي كلها أُوحي إليه ﷺ، وخُصّ بالمَزيّة في ليلة الإسراء والمعراج أن كلَّمه الله كِفَاحا، وهذا لم يحصل لغيره لا لملَك ولا لنبي في عالم الدنيا.

(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا)، قالوا: وكذلك من ما يدخل في المعنى: 

  • أن الله -تبارك وتعالى- أيضًا يوحي إلى الملائكة. 

  • ويُكلّمهم من وراء حجاب. 

  • فيُرسلهم إلى الأنبياء. 

  • ويُرسل الأنبياء إلينا. 

فنسمع كلام الله مثل هذا الذي نقرأ؛ فقد كلّمنا الله، لكن بواسطة محمد ﷺأَرسَله إلينا يَتلو علينا كلام الله: 

  • (لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) [الرعد:30]. 

  • (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) [مريم:97].

  • (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [الدخان:58]. 

  • (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ) [الإسراء:106] ﷺ. 

فهذا ما معنا كلام الله، قلت: يُكلّمكم الله بواسطة رسوله؟! ايه يُكلّمنا، قدّامك كلامه، قل لي كذا، وقال كذا، وقال كذا، وقال كذا. من أين يجلب كلامه؟ أرسل الله إليه رسوله اسمه محمد بن عبد الله، فبلّغني كلام ربي، الله أكبر! الحمد لله على ذلك.

(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ)، رفيع القدر، جل جلاله، متعالي سبحانه وتعالى عن أن يُحيط بوصفه أحد. 

  • (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) [الأنعام:103]. 

  • فهو يرى كل شيء ولا يراه أحد، يا من يَرى ولا يُرى. 

وخبَأ سبحانه وتعالى النظر إلى وجهه الكريم في دار الكرامة..

وَأَكْبَرُ مِنْ هَذَا رِضَا الرَّبِّ عَنْهُمُ *** وَرُؤْيَتُهُمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجِـبِ

الله أكبر! أكبر أنواع نعيم الجنة رضاه عنهم سبحانه وتعالى: 

  • رضاه عنهم. 

  • وإذنه لهم في النظر.

ومن المعلوم والمُتيقَّن أن ما ورد في السنة من النظر إلى وجهه الكريم ليس المراد به شيئاً يشبه نظر الأبصار إلى الكائنات أبداً من قريب أو بعيد، فذلك مستحيل، مستحيل، مستحيل؛ ولكن تمكين وتجلّي وانكشاف ورفع حُجُب عُبِّر عنها بالرؤية وبالنَّظر كما عبّر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

فهذا الذي عَبَّر عنه، وبقي أهل السنة مع ما عَبّر الرب سبحانه وتعالى، يتحدّثون بذلك مع يَقِينهم استحالة الرؤية التي تَتعلّق بالجهة وبالصورة وبالهَيئة، كرؤية الأبصار للكائنات هذا أمر بعيد من غير شك، ولكن هذه الرؤية من غير كيفٍ وانحصار.

يقول الإمام الحداد: 

عَلَى السَّعْىِ لِلْجَنَّاتِ -يَبكي في بُكائه سيدنا الحداد- دَارِ النَّعِيمِ -يعني: أني قصّرت في هذا الكلام-

عَلَى السَّعْىِ لِلْجَنَّاتِ دَارِ النَّعِيمِ وَالـ  *** ـكَرَامَةِ  وَالزُّلْفَى  وَنَيلِ  الْمآرِبِ

مِنَ الْعِـزِّ  وَالْمـلُكِ  المُخَلَّـدِ  وَالبَقَــا *** وَمَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ مِنْ كلِّ طَالِبِ

وَأَكْبَرُ مِنْ هَذَا رِضَا الرَّبِ عَنْهُمُ *** وَرُؤْيَتُهْم إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجِبِ

فهذا أكبر وأعظم وأَجَلّ. الله! الله! الله!

وكما يقول في بيان هذه الحقائق:

نَعَمْ عَالَمُ الْأَرْوَاحِ خَيْرٌ مِنَ الجِسْمِ  *** وَأَعْلَى وَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي عِلْمِ

عالم الأرواح أعلى وأعظم من عالم الجسم..

نَعَمْ عَالَمُ الْأَرْوَاحِ خَيْرٌ مِنَ الجِسْمِ  *** وَأَعْلَى وَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي عِلْمِ

فيخاطب الواحدَ منَّا يقول:

فَمَا لَكَ قَدْ أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ جَاهِدًا  *** بِخِدْمَةِ هَذَا الجِسْمِ وَالهَيْكَلِ الرَّسْمِ

ظَلَمْتَ وَمَا  إِلَّا لِنَفْسِكَ  يَا فَتَى  *** ظَلَمْتَ وَظُلْمُ النَّفْسِ مِنْ أَقْبَحِ الظُّلْم

تَنَبَّه  هَدَاكَ  اللهُ  مِنْ نَوْمِ غَـفْـلَةٍ *** وَلَهْوٍ وَلَا تَعْمَلْ عَلَى الشَّكِّ وَالوَهْمِ

وَسِرْ فِي طَرِيقِ اللهِ؛ ما طريق الله؟ استجيبوا لربكم، هذا النداء الذي نداه به إليك من رسوله أوامر ونواهي، امشي بالأوامر وتَجنّب النواهي.

وَسِرْ  فِي  طَرِيقِ  اللهِ  بِالجِدِّ  وَاسْتَقِـمْ *** وَلَازِمْ وَخُذْ بِالْعَزْمِ يَا صَاحِبَ العَزْمِ

وَبَادِرْ نُزُولَ المَوْتِ وَالقَبْرِ وَالبِلَى *** وَبَعْثًا إِلَى الدَّيَّانِ لِلفَصْلِ وَالحُكْمِ

وَمِنْ بَعْدِهِ إِمَّا مَصِيرُ إِلَى لَظَى  *** أَوِ الجَنَّةِ العَلْيَا وَوُجْدٍ بِلَا عُدْمِ

 أَوِ الجَنَّةِ العَلْيَا وَوُجْدٍ بِلَا عُدْمِ: هذا وصف الجنَّة، 

حَيَاةٌ بِلَا مَوْتٍ نَعِيمٌ بِلَا شَقَا وَمُلْكُ *** بِلا عَزْلٍ شَبَابٌ بِلَا هُرْمِ

لا أحد يُخرجك، لا أحد يقول: تهجير، لا أحد يقول إنقلاب، لا أحد يقول ابعد! لا أحد يقول ارحل! ..

وَرُؤْيَةُ  رَبِّ  العَالَمِينَ  تَقَدَّسَتْ *** أَسَامِيهِ وَالْأَوْصَافُ يَا لَكَ مِنْ قِسْمِ!

وَفَوْزٌ عَظِيمٌ لَا يُسَامَى وَحُظْوَةٌ *** وَغُنْمٌ  كَبِيرٌ  حَبَّذَا  لَكَ مِنْ  غُنْمِ

من يصل إلى هذا؟

لِمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لِمَنْ خَالَفَ الهَوْى *** لِمَنْ  آثَرَ الأُخْرَى  لِمَنْ  قَامَ بِالعِلْمِ

لِمَنْ  لَزِمَ  الطَّاعَاتِ  وَالبِرِّ  وَالتَّقَى *** وَأَخْلَصَ لِلمَوْلَى مَعَ الصِّدْقِ وَالحَزْمِ

وَصَلَّى إِلَهِي مَعْ سَلَامٍ مُضَاعَفٍ *** عَلَى أَحْمَدَ الهَادِي الأَنَامِ إِلَى السَّلْمِ

يا رب صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه، ولحضرة اقترابه من أحبابه، الله أكبر!

وجاء في الأخبار: 

  • أن أقل أهل الجنة من يُعطى كرامة النظر إلى وجهه الكريم في كل جمعة، مقدار كل جمعة. 

  • حتى الملائكة يسمون يوم الجمعة في الجنة "يوم المزيد". 

  • وأعلاهم من يُعطى هذه المِنّة صباحاً وعشياً، أي: بمقدار ذلك؛ فَيَبْقُون هم في الجنة، لا ليل ولا نهار فيها، ونور دائمٌ مستمرٌ. 

مع ذلك عندهم: 

  • علامات أنّ هذا يساوي فيما أَلَّفَكم الله من أوقات الدنيا: يوم كذا، وهذا يوم كذا، وهذه ليلة كذا، وهذه ساعة كذا. 

  • فعندهم مقياس لهذه الساعات، وإلا فالوقت واحد في الجنة. 

  • فيكون مقدار مرور الأسبوع، مقدار مرور الشهر، مقدار مرور العام عليهم، وهكذا، وحتى الأيام. 

الله أكبر! وَلَهُم في يوم الجمعة مزيد، يوم الجمعة، الله! الله!

وفَّر الله حظنا من يوم الجمعة، هذا آخر جمعة في رمضان، الجمعة التي بعدها إلى خارج رمضان، بارك الله لنا ولكم فيها وللأمة أجمعين، وفيها ساعة الإجابة. وفيها ما يقال: أن مجالس الناس في ساحة النظر لوجهه جل جلاله على قدر تبكيرهم إلى الجمعة، لأنهم بَكّروا لامتثال أمره في الدنيا، فيتقدمون في أماكن قربه سبحانه وتعالى والنظر إليه، الله أكبر!

والجمع يضم الأنبياء والمرسلين والمقربين والصديقين والصالحين كلهم، ويُروى: 

  • أن الله يأمر نبيه داود أن يتلوَ من كلامه على الخلق، فإنه من أحسن الناس صوتاً بعد نبينا ﷺ. 

  • فيقرأ نبي الله داود من سورة مريم، القرآن، ما يقرأ من الزبور، أقول: يقرأ من القرآن، يقرأ من سورة مريم، فَيَنَالهم من اللّذّة والطرب. 

  • ويأمر الله حبيبه محمداً فيقرأ على الجمع من سورة طه. 

ويكشف الحجاب عن أسماعهم فيسمعون من ربهم سورة الرحم.

وَغُنْمٌ كَبِيرٌ حَبَّذَا لَكَ مِنْ غُنْمِ

لِمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لِمَنْ خَالَفَ الهَوْى 

أكرمنا الله وإياكم بالنصيب الوافي، وتَوَلّانا في الظاهر والخَافي، وشفانا من جميع العِلَلِ الظاهرة والباطنة فهو خير شافي، وعافانا نعم المُعافي، وتَوَلّانا بما هو أهله، وأَصْلَح لنا ولكم والأمة والشأن كله. 

بِسِرِّ الفاتحة 

وَإلَى حضرة النبي محمد 

اللهم  صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه

الفاتحة

لما سُئل بعض العلماء قالوا له: في الدنيا أيُّ الأوقات أقرب شبهاً بالجنة؟، قال: لمّا تكون في الجو المعتدل قريب طلوع الشمس، انظر، هذا أقرب شيء من أحوال أوقات الدنيا يشبه الجنة، وهناك أكبر وأَجَلّ وأعلى، الله يدخلنا جنته بفضله. 

فَاللَّهُ يَرْحَمْ جَمْعَنَا بِفَضْلِه *** وَلَا يُعَامِلْنَا بِقِسْطِ عَدْلِه 

بِبَرْكَةِ  الهَادِي  خِتَامِ رُسُلِـه *** أحمد إمَامِ المُتَّقِينُ الأَبْرَارُ

تاريخ النشر الهجري

01 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

29 مارس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام