تفسير سورة الشورى -15- من قوله تعالى: { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } إلى الآية 45

للاستماع إلى الدرس

الدرس الخامس عشر من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الشورى، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1446هـ ، تفسير قوله تعالى:

وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ (43) وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ (44) وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ (45)

الأربعاء 26 رمضان 1446هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

الحمدُ لله مُكرمنا بوحيه، وبيانه على لسان حبيبه ونبيه سيدنا مُحمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته؛ إنَّه أرحم الراحمين.

أما بعد،،،

فإنَّنا في نعمة التأمُّل لكلام ربنا -جل جلاله وتعالى في علاه-  وتوجيهه وتعليمه وإرشاده، انتهينا إلى الآية الثالثة والأربعين من سورة الشورى، ومررنا على قوله جل جلاله: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43))؛ داعيًا المؤمنين به إلى: 

  • أن يتحلّوا بأكرم الأوصافِ وحميدِ الشمائل. 

  • وأن يتعاملوا بالعفو والمسامحة والصَفحِ عمن أساء إليهم. 

  • ويقتدون بنبيهم ﷺ. 

ليكون ذلك أجلَبَ لعفو الله عنهم ومسامحتهِ إِياهم وصفحِهِ عنهم -جل جلاله-. 

وإنَّ من (عَزْمِ الْأُمُورِ) أي: من العزائم التي أحبَها الله من عباده والتي يُوفِّقُ لها الخاصة مِنْ خَلْقه؛ الصبرُ والمغفرة؛ وذلك بالمسامحة والتجاوز عمَّنْ أَساء. 

(إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43))، ثم قال -جل جلاله- في بيان حكمته في تقليب قلوبِ المُكلفينَ على ظهر الأرض: 

  • (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ)، أي: يخذُلهُ إلى الشر أو المعصية أو الكُفرِ.

  • (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ)

    • لا يقدر أنْ يُخَلِّصه من هذا الإضلال أحد ولا أنْ يهديه. 

    • ولا أنْ يتولاه؛  فيُخْرِجهُ من خذلانه وشقائه.

 (فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ): من بعد أن يُضِلَّ فما له في ذلك الوقت والحال الذي أضله الله -تعالى- فيه ولم يمده بتوفيقه؛ ما له من موفق غير الله، (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88]، اللهم اهدنا فيمَن هديت.

(وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ)، وبذلك تعلم أن المُصرِّيين على الضلال هم في أحوال نقصٍ ومَهانةٍ وسقوط، تخلّى عنهم الخلاق الجبار -جل جلاله-، ولم يُمدَّهم بالهداية؛ فما لهم من ولي، ما لهم من مُنقذ، ما لهم من ناصر..

  • فمن سبقت منهم عليه سابقة الشقاوة:

    • استمر على عناده.

    • وأصر على معصيته وكُفرِه حتى يموت. 

  • ومن سبقت له سابقة السعادة:

    • تاب وأناب ورجع إلى ربه وأسلم بعد كُفره. 

    • واهتدى بعد ضلاله. 

    • وأطاع بعد معصيته بتوفيق الله -سبحانه وتعالى-.

 وقد أبهم الله علينا الخواتيم والسوابق، وما جعل لنا وسيلة إلى أن نعلم إلا ما هو حاضر وحاصل أمام أعيننا فقط، ولا ندري ما الذي في السابقة، وكيف تكون الخاتمة لا لأنفسنا ولا لغيرنا؟ وذلك مظهر من مظاهر جلالِه -جل جلاله-، وأنه الملك، العزيز، القيوم؛ الذي بيده تصاريف الأمور، رزقنا الله الأدب معه.

(وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ)، كما قال للنبي ﷺ يُبينُ له أحوال هؤلاء القوم: 

  • يقول سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ)؛ فما يفقهون ولا يفهمون ولا يقفون، مع أن أصل الاستعداد والقابلية موجودة، ولكنهم آثروا الهوى والشهوة فما أرادوا أن يقفوا على المعنى الصحيح ولا أن يُدركُوه.

  • قال: (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف:57]. 

  • (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [غافر:33]. 

(وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ)، وقد قال بعض أهل العلم إنه لما أُنزِل عليه: (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) [الكهف:57]، هَمّ ﷺ يتوجه إلى الله بإزالة هذه الأكنة، (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)؛ 

  • فهَمَّ وتوجَّه إلى الله أن يزيل هذه الأكنة، فأتبعها له بقوله: (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا). 

  • كما قال له في الآية الأخرى: (وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) [المائدة:41]. 

لهذا قالوا: 

  • (فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة:49]، -لا إله إلا الله-. 

  • وقال لنا: (وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال:40]، لا إله إلا الله.

ويقولُ: (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ)، ثم الأمرُ الخطير الذي لم يزل ربُنا يُكرِِرُ علينا التنبيه عليه، والإجلال لشأنه:

  • أمر المآلِ، وأمر المصير الكبير.

  •  وأمر الآخرة، وأمر المستقبل الخطير العظيم.

 الأحوالِ في البرازخ ثم في القيامة ثم في إحدى الدارين: الجنة أو النار؛ هذا الأمر الخطير الكبير الذي ينبغي التفكير فيه والاستعداد له والعمل لأجله، (لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) [الصافات:61]

وتجِد كثير من المسلمين أفكارهم واعتباراتهم مُنصرفة انصراف؛ أفكار واعتبارات الكُفار:

  • في اعتبار الدنيا وما فيها، ومالها، وحالها، وثروتها، وسُلطتها، ينظُرُون إليها نظر الكفار إليها، أنها النهاية وأنها العظمة وأنها كل شيء. 

  • والحق يُحقِّر هذا كُله أمام المستقبل الأعظم الأخطر، أمام أحوالنا في البرازخ وأحوالنا يوم القيامة، ثم أحوال استقرارنا الأبدي كيف تكون؟ في الجنة أو في النار!. 

فيجِب ينصرف اعتبارُ المؤمن وميزانه وذوقه وشعوره وفكره إلى هذه الحقيقة، ويُعظِّم شأن البرزخ وشأن الآخرة.

لذا كانوا يُحدثون عن أن الأُسر المسلمة يغدو أبوهم من البيت؛ ليجلُب لهم شيئًا من الرزق، فتُخاطبه الأم، -أم البيت- زوجته، تقول: فلان، اتق الله فيما تدخله بيتنا، لا تأت لنا بشُبهة فضلًا عن حرام، فإننا نقدر أن نصبر على الجوع، ونقدر أن نصبر على الظمأ وعلى العري، لكن لا نقدر نصبر على النار، النار ما نقدر نصبر عليها، ها؟ فاتق الله فينا، لا تروح تجيب لنا شيء من شُبهة ولا تدخله بيتنا ونحن نأكل بسببك نتعرض للحرام، إن كان شيء جُعنا يوم وإلا عطشنا وإلا ما وجدنا لباس؛ نقدر نصبر على هذا وتمضي الحياة، لكن النار بعدين ما نقدر نصبر عليها، العذاب ما نقدر نصبر عليه؛ فلا تعرضنا للعذاب؛ فهذه نصيحتنا لك، فإن جئت بشيء فذنبك عليك، ولا يُشركنا الله -تعالى- فيما تأتي به من سوء؛ فيخرج الرجل من البيت بهذه الوصية من زوجته، وهم متعاونون على البر، وملآنة شعورهم بثقافة القرآن ونور القرآن، ها!، ماهي ثقافة مفسد ولا ملحد ولا يهودي، ثقافة القرآن؛ فيُعظمون أمر الله، ويصبرون على ما أصابهم من أمر الله.

 ولهذا قال ﷺ لسيدنا عمر: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟"، لهم الدنيا يعني: مظهرها وزينتها الخادع الأجوف، وإلا حقائق الخير في الدنيا ما هي إلا مع النبي، ومع أصحابه، ومع الصالحين، هم الذين كسبوا:

  •  في أيام الدنيا القُرب.

  •  وكسبوا الدرجات.

  •  وكسبوا المنازل الرفيعة في الجنة.

  • وكسبوا أنوار المعارف واليقين.

 هذا المكسب العظيم حصلوه! ماذا حَصَلوا؟ الكُفار ما حصلوا شيئً من هذا، ولكن لهم في الدنيا بمظهرها الخادع الكذاب، وزينتها الخلابة الجوفاء، (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ما شيء منه يدوم، ما شيء منه يستمر، ما شيء منه يبقى، ما شيء منه يُسعد سعادة الأبد، ولا السعادة الحقيقية؛ (وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [الزخرف:33-35]، ألحِقنا اللهم بالمُتقين.

قال: (وَتَرَى الظَّالِمِينَ)، بأصنافهم: 

  • من الكُفار المُشركين. 

  • ثم من البُغاة الآخذين المُعتدين. 

  • ثم من جميع المُصريين على الكبائر. 

غير مبالين بعالِم السرائر والمُطلِع على الباطن والظاهر -جل جلاله-، حوله؛ هؤلاء كلهم ظالمين. 

(تَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ (44))، شيء طريقة؟ شيء وسيلة؟ شيء؟ أي حيلة نرجع ثاني مرة؛ لنؤمن، لنعمل الصالح، هل إلى مرد إلى الحياة الدنيا؟

هذا يقولونه أولًا عند الموت، (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون:99-100].

 ما أحد عند الموت يقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ) مِن شأن أسكر في الدنيا، أو مِن شأن أتزوج في الدنيا،  أو مِن شأن..! من شان أعمل صالح،- مِن  شأن أعمل صالح- أشياء ثانية خلاص عرفوا ما لها فوائد، ما لها نُجُحْ، وما لها ربح، قالوا: بنرجع نعمل صالحًا؛ 

  • (فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) [السجدة:12-13].

  •  يقول تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:99-100]. 

ويرجعون يكررون هذا الكلام برفع أصواتهم في القيامة عندما يشاهدون ما أُعد لهم مِن الدخول للنار والعذاب.

(وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) -يرون النار بأغلالها وسلاسلها وزقومها وما فيها- (يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ (44))  في طريقة نرجع؟ في أي حيلة؟ في أي وسيلة؟ بأي شيء ولو بما كان، نرجع؟ (هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ) أي طريقة؟ ما في رجعة، كيف الرجعة؟ لا إله إلا الله.

فيراهم المؤمنون في هذه الحالة وهم يقولون:

  • هل إلى مرجع من سبيل

  • (هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ(44)).

  • (هَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الأعراف:53]

 ماذا كانوا يعملون؟ الظلم، وانتهاك الحرمات، واتباع الشهوات، وقالوا: خلاص نصلح عمل ثاني، هذا خلاص، هذا تبين أنه بلاء، ومصيبة كله عذاب تعب، اتركه نصلَّح عمل ثاني صح.

قد دعُيتم وأبيتم أيام كنتم في الدنيا (نَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الأعراف:53]، (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)، أعطيناكم أسماع، وأبصار، وعقول، وأرسلنا لكم رسل، وإذ أعطيناكم عُمر ممتد سنين فيتذكر فيه المتذكر. 

  • قيل: يعاتب بهذا العتاب مِن الكفار والعصاة، مَن بلغ الأربعين يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ). 

  • وقيل: يعاتب به مَن جاوز الثمانية عشر، ثمانية عشر سنة بقيت في الأرض. 

وراك ما تعقل؟! ما تفهم؟ (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر:37].

 (يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ(46))، ويشاهدونهم في الموقف الثاني، الموقف الثاني عند عرضهم على النار، يرون حالة هؤلاء المجرمين والظالمين.

(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا (45))، أي على النار (خَاشِعِينَ) إيش خاشعين ذا؟، إيش خاشعين؟!

يعني: متذللين حزنانين نادمين عليهم، الذل يغشاهم مِن كل جانب، فهذا ليس الخشوع المحمود الطيب، هم ما رضوا يخشعون لله في الدنيا، فالحين يخشعون مِن النار، ومِن العذاب، خشوع ما ينفع أصحابه، خشوع مذموم  ليس طيب، قال: (خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ) مِن كثرة الذل عليهم أثر الخشوع. 

كانوا يستهزئون بالذي يخشعون في الصلاة، والذي يخشعون في الدعاء، كما قال في الآيات الأخرى:

  • لما يقولون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)؛ يقول: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي)، في الدنيا (يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)، يعني خاشعين يدعوني؛ (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا)، كنتم تضحكون عليهم. 

  • (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ) شوفوا الجماعات الذي كنتم تضحكوا عليهم (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:107-111]. 

  • (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ)، يكون الأعمار عندهم في تلك الساعة حتى أعمار اللي تعمروا سبعمائة سنة وألف سنة يكون مثل اليوم (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا). 

  • مهما تعمرتم في الدنيا هو بالنسبة لما بعدها قليل (إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:112-115].

هذه خطابات جبَّار السماء والأرض للكفار والفجار؛ مقبل عليهم في النار حقٌ لا ريب فيه. 

ويخاطب آخرين يقول لهم: 

  • (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس:58] ..الله.. 

  • يخاطب آخرين يقول: "أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً". 

شوف الفرق الكبير في المستقبل الخطير؛ هذا فرق كبير ..لا إله إلاَّ الله.. هؤلاء (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون:108]، وهؤلاء هل رضيتم؟ كيف لا نرضى يا رب؟! وقد أعطيتنا، وأعطيتنا، وأعطيتنا، هل أُعطيكم ما هو أفضل مِن ذلك؟

  • ما أفضل مِن ذلك يا رب؟! .. "أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"، يا ما أحلى هذا الكلام، ويا ما أعظم مقام هؤلاء الأقوام.

  • فما ينبغي نفوت هذا لأي شيء ولو مَلك الأرض، ما هي الأرض مِن طرفها إلى طرفها؟ ماذا تساوي أمام هذا الملك الكبير؟ (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) [الإنسان:20].

 (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ) يعني: خاشعين؛ لكنه خشوع غير محمود، هذا شيء مِن الذل، كما قال تعالى: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) [النازعات:8-9]؛

  • ما هو خشوع ذكر، ولا استحضار عظمة الرب، ولا استذل.

  • خشوع تعب، خشوع ذلة، مهانة، خشوع هم وغم. 

أعوذ بالله؛ (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) [النازعات:9] ..لا إله إلاَّ الله..

يقول -سبحانه وتعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ)، وجوه خاشعة، عاملة ناصبة عملت وتعبت في الدنيا، عملت وبعدين طلع نصب، لا فائدة، كله عذاب وتعب.. 

  • (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ) [الغاشية:2-3]، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) [الغاشية:8-9]، فوصفهم بالخشوع في عدد مِن الآيات، لكنه خشوع الذلة هذا، خشوع الحَزن، والغم، والهم ما ينفع؛ لأنهم ما كانوا مِن الخاشعين في الدنيا، الخشوع النافع.

  • (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90]؛ فهؤلاء في القيامة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ) [عبس:38-39]، ما شيء عليهم آثار الكآبة والخشوع.

قال: (خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ)، حتى طريقة نظرهم ينظرون إلى الزبانية، إلى النور، ينظرون مثل ما ينظر الذي يُقدم للقتل بالسيف، ما يفتِّح عيونه عليها، بل (يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ) قليل، يبعد نظره عنها؛ لأنها مصائب ما يتمنى يشوفها، ما يتمنى يراها، وفي هذا الوجوه الخاشعة  (يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ)، وذا الذي كان متعجرف متكبر متغطرس في الدنيا بالصورة هذه، وبالحالة ذا..لا إله إلا الله.. 

(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) -بتشوف وجوههم- (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) [يونس:26-27]، قطع الليل مظلم أحد حطها فوق وجوههم، وجوه مكفهرة (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) [عبس:40-41]؛ هذا مستقبل وجوه المعتدين الظالمين المعاندين لأمر الله ووحيه، وخبر رسوله ﷺ، ما ينفعهم يصلحون عمليات تجميل في الدنيا، شبع لك عمليات تجميل شف وجهك كذا بعدين بيصبح كذا (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج:4]، وجهك بهذه الصورة الفضيعة..لا إله إلاَّ الله..

قال: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا) -على النار، عرض دفعهم إليها وإلقائهم فيها- (خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ)، فيتأمل المؤمنون ويحمدون الله الذي وفقهم للإيمان وطريق الخير في الدنيا.

(وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (45)) ، خسروا أنفسهم كان عندهم استعداد لأن يستجيبوا نداء الله، ويًلبوا رسله ويطيعونه  قاموا صرفوها إلى اتباع الهوى، والشهوات وملَّكوها لعدوهم إبليس.

  • (خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ)، وقعوا في النار والعذاب.

  • خسروا أهليهم -خسروا أهليهم- لم يقوا أنفسهم وأهليهم (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]. 

خسروا أهليهم مَن كان مِن أهليهم في النار فكلهم يلعن بعضهم البعض، ولا يتزاورون، ولا يتشاوفون. 

ولو اتقوا الله لكانوا متقابلين على سرر متآخين ويرون بعضهم البعض ويزورون بعضهم البعض. خسروا أهليهم، خسروا أهليهم وإن كان أحد من أهليهم في الجنة فنعم ما هو فيه وهو ذا خسر  لا يقدر يشوفهم،  لايقدر يكلمهم لا يقدر..لا إله إلاَّ الله..

(خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)،

(إِنَّ الْخَاسِرِينَ) يعني حقيقة الخاسرين، الخاسرين الخُسر الحقيقي البين الواضح الأبدي، (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ)

  • (خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ) فلم يزكوها في الدنيا فعاشت في الدنيا محجوبة عن الله مبعدة لم تذق حلاوة قربه، ولا لذة طاعته، ثم تعرضت إلى العذاب في القبور ويوم البعث والنشور وإلى النار. 

  • (خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ)، كانوا مستعدين يُلَّبَُوا ويستجيبوا بيدركوا المعارف والأذواق العجيبة والقرب مِن الرَّب (خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ)، وخسروا أهليهم ..لا إله إلاَّ الله..

ولهذا يقول عن: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) [يس:55-56]، ويقول الملائكة في دعاؤهم حملة العرش ومَن حول العرش، وليس الحملة وحدهم ومَن حول العرش ويدعون للمؤمنين وخصوصًا مِن أمة محمد يدعون للمؤمنين كلهم مِن أول:

  •  لكن خصوصًا أيضًا لأمة محمد يدعون لهم: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ). 

  • ولا يخسروا أنفسهم، ولا أهليهم كلهم يلتفون في دار الكرامة -الله أكبر- (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) [غافر:8-9].

 ما السيئات؟

  • استلام الكتاب بالشمال مِن وراء الظهر.

  •  السيئات.. خفة كفة الحسنات.

  • سيئات.. خسارة العرض على الله تعالى.

  • سيئات.. سقوط في النار عدم المرور على الصراط.

(قِهِمُ السَّيِّئَاتِ)، هذه الأشياء كلها  ما تحصل إلاَّ لمن أُخِذْ  بسيئاته التي اكتسبها في الدنيا (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) ابعدهم لعاد تجعل عليهم عقاب على شيء مِن السيئات، ولا يرون شيء مِن هذه الأسواء، (وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [غافر:9]، وذلك هو الفوز العظيم، وذلك هو الفوز العظيم، وذلك هو الفوز العظيم- اللهم ارزقنا الفوز العظيم.

(وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا)، الذين تحققوا بحقائق الإيمان، وعاشوا على الأدب مع الرحمن، واحسنوا الاستعداد للقائه فرجعوا إليه فأكرمهم بما هو أهله فيرون هؤلاء فيتحسرون عليهم، يقولون: (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).  

قال: (أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ) مستمر؛ مستمر؛ لا ينقطع، لا يُخفف، مؤبد  (أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ (45)).

يقولون لسيدنا مالك المَلك خازن النار: يا مالك، يا مالك، يا مالك لما يُجيبهم: مالكم؟ يقولون: (لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ). يقول: (إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) [الزخرف:77]، محلكم، ماشي خرجه، ماشي موت، محلكم: (لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ) [الأعلى:13]، لا إله إلا الله، (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:167] قال: (إِنَّكُم مَّاكِثُونَ)، (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [الزخرف:74-75]، خاسرون، آيسون، ..لا إله إلاَّ الله..

  • كُلَّما أرادوا أن يخرجوا (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا)، (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) -لا إله إلا الله-.

  •  (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) [الحج:22-23]. 

كم الفرق بين هذا وهذا؟ 

اجعلنا من أهل جنَّتك، وأهلينا كلُّهم يا ربّ، وأولادنا كلُّهم يا رب، عُمَّ أهل المجلس ومن يسمعنا في إدخالهم في أهل جنّتك الذين تُدخلهم الجنّة بلا سَبِق عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، يا حيّ يا قيوم.

 قال: (أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ (45))، مستمر دائمًا؛

  • (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [الزخرف:75] ..لا إله إلا الله.

  • (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء:56] ..لا إله إلا الله.

ويُكَرّر علينا الحق في كثير من الآيات: (وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ (46)). يَعِظنا ربّنا في العلاقات والاتّصالات إذا ما هي لي ولا يُقصد بها وجهي؛ لا تَعولون عليها ولا تَحسَبونها شيء، بل لن تُفيد أصحابها، يغرونكم من تحزَّبوا من تجمَّعوا من تكتَّلوا وإن تواثقوا؛ ما يضرونكم..! هذا كلّه يرجع هباءً منثورًا، يُعادي بعضهم البعض!..

  • من لا له ولاية مِن قبل الربّ الخالق فلا وليَ لك، لا وليّ.. 

  • الله مولانا ولا مولى لكم -يقول للكفار- (بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) [محمد:11]

 مامعنى (لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ)؟ ما تنفع علائقهم وروابطهم القائمة على الكفر ولا على السّوء في الدّنيا! ما تنفعهم، لم يعد أحد يتولّى منهم الثاني، وكل واحد يَبغض الثاني، وكل واحد يَسُبّ الثاني، وكل واحد يلعن الثاني منهم، لا إله إلا الله.

 هكذا.. هكذا حالهم في الآخرة وفي ذلكم المصير الذي يرجعون إليه؛ يَتبرّأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعض! أعاذنا الله من الأسواء والأدواء و البلايا والآفات، كيف يعملون في تلك الحياة والحالة التي هم فيها؟! الله..

  • قال: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) [سبأ:31] الذين كانوا أولياء بعضهم البعض.

  • وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [الأنفال:73].

  • (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [الماىدة:51]. 

هؤلاء أولياء بعض؛ لأن لا أحد يُواليهم الآن، الولايات حقهم انتهت، كيف؟

  • (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ) يعني: الولاية رجعت؟! لم يعد أحد مُتَولّي الثاني..!

  • (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ:31].

يا خِباث، يا مُجرمين أبعدتونا مِنَ النّبي -محمد- وممّا جاء به عن الله، وقُلتُم لنا وقُلتم لنا وقُلتم لنا.. وسَيَّرتمونا وراء خَباثَتِكُم، وقلتم: (لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).. (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ) فأين الولاية لهم؟ أين الولاية؟ أين بعضهم أولياء بعض أين؟؟ الذي ما له ولاية من عند الله فليس له من ولاية، ما له من وليّ..

(بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [سبأ:32-33]، والخطط والمؤتمرات والجلسات والإغراءات حقكم، والضّحك علينا والخدائع التي خدعتونا إيّاها، يا خِباث..! بل (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ) تقولون: ما عليكم وهؤلاء بنروحهم وهؤلاء ننزلهم، وهؤلاء نبعدهم، وهؤلاء نطرحهم، وهؤلاء نضربهم. (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) أي: مهما ظهر من ندامة؛ فما في باطنهم أقوى!! (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ:33].

رأيتَ بيانات الله لنا في كتابه؛ عن حقائق المستقبل العظيم الذي نُقبل عليه جميعًا، صدق الله وصدق رسوله، آمنّا بالله وبما جاء عن الله وعلى مُراد الله، وآمنّا برسول الله وما جاء عن رسوله على مُراد رسول الله.

أَرانا الهُدى بَعدَ العَمى فَقُلوبُنا *** بِهِ موقِناتٌ أَنَّ ما قالَ وقّعُ

ﷺ: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم:3-4].

يقول: (وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ) كَلّم أصحاب الحزب حقك، أحد منهم ينقذك الآن؟ رجال أصحاب الهيئة والمؤسسة حقك، الوزارة التي كنت فيها، أحد منهم يدلّ؟ ما أحد ولي!! لا إله إلا الله.

(وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ (46)) كلُّ الذين أقاموا أي خطط في الدنيا -بأيّ وجه من الوجوه- على مُخالفة من أمر الله؛ ليسوا على سبيل، وليسوا على هدى، وليسوا على حجة وما عندهم..

  • قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود:96-97] عمل لهم خطط وترتيب ويدعمهم ويعطيهم ويعمل لهم؛ وبعد ذلك هو وإياهم في البحر غرقوا! وانتهى..

 (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ(46)) فما هناك سبيل قط صحيح؛ إلّا مع الأنبياء وأتباع الأنبياء.. وهم لمّا تأتيهُم الصّعقة -ما بين النّفختين وهم في قبورهم ميتين- النّفخة الثانية يقومون، يقولون: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)؟ الملائكة تجاوب عليهم تقول: (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]، 

  • الذي صَدَق هم الرُّسل و الأنبياء.. ما هم الأحزاب حقكم ولا الهيئات ولا الحكومات.. 

  • الرُّسل وحدُهم -الرُّسل- أنبياء الله؛ هم الصّادقون فيما قالوا.. 

أمّا الأحزاب حقكم كل ماخالفوا في كلام الله ورسوله؛ باطل في باطل، ضلال في ضلال، وكذب في كذب... (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).

لهذا قال عن الجنَّة: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) [الحديد:21] (آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)، فنحن:

  • وراء المُرسلين، وأتباع المُرسلين.

  • ونوقِن أنه ليس في بني آدم أعظم من المُرسلين ظاهراً وباطناً. 

  • وهم الأجلّ وهم الأكمل وهم الأجمل وهم الأفضل وهم الأعلى؛ المُرسلون -صلوات الله عليهم-.

  • ولا يفوز بالآخر إلّا من تَبِعهم، وإلّا من والاهُم وأحَبّهم. 

(هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ * وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) [غافر:51-52]. 

ليسوا على طريق سواء قط، كُل من خالف شرع الله؛ هيئات، جماعات، أحزاب، أفراد، حكومات، خالفوا شرع الله ما هم على سبيل.. والله ما هم على سبيل؛ هم على ظلمة، هم على هباء، هم على جُرُف هار ينهار بهم -والعياذ بالله تعالى- ما على السبيل إلّا أنبياء الله ورُسُله ومن تَبِعهُم بإحسان، جعلنا الله وإياكم منهم.

وقد جاءنا سَيّدهم وكبيرُهم وخاتَمهم محمد ﷺ وبين لنا، وحتى في برزخُه تُعرض أعمالنا عليه، وينظُر إلى أمّته، ويرقُب من  ذا الذي سَيَرِد عليه من أمّته الحوض، ومن الذي يدخل معه إلى الجنّات، تُعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت غير ذلك استغفرت لكم؛ ﷺ فالحمد لله الذي خصّنا بهذا النبي. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) [غافر:34]، لا تَغُرّكم أنظمتهم، لا تغُرّكم قوانينهم، لا تغُرّكم خططهم، لا تغُرّكم شيء ممّا عندهم؛ ليسوا على سبيل، ليسوا على هدى.. الهُدى كلّه في؛ لا إله إلا الله محمد رسول الله، في الأنبياء، ومن تبع الأنبياء فقط.

  • (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ) يَمسخون مَسِخ، لم يعد لهم أثر! (لَوْ تُسَوَّىٰ) -تُسَوَّى بهم سواء- (لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) [النساء:42]، لا إله إلا الله.

  • (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27].

الّلهم صلّ وسلّم على سيّدنا مُحَمَّد، وبالإيمان به وبما جاء به، والحِرص على سُنّته والاجتماع على الوحي الذي أوحِي إليه؛ هذا سبيل بيننا وبينه، واتَّخذنا معه سبيلَا، وهؤلاء (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)، هذا سبيل بيننا وبينه، سبيل بيننا… ولا يُخلّفنا الله عنه، ولا يَقطعنا الله عن رَكْبِه -إن شاء الله- جميع أهالينا وولدنا وذوينا أهل مَجمعنا ومن يسمعنا ومن يُتابعنا، وجميع أهلنا وولدنا وذوياتنا وطلابنا… لا تُخَلّف أحد منّا عن رَكْبِ رسولك ﷺ، احشرنا في زمرته، واملأ قلوبنا بمحبّته، واجعلنا في أحبّته، وأحسن عرض جمعنا هذا عليه، واجعله راضيًا عنه وعن أهله، ناظرًا بعين الرّضا والرّحمة والعطف إليه .. يا الله.. 

أنت القائل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105]، 

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). 

الّلهم أكرمنا بسرور قلبه وقرّة عينه، واجعل في نوايانا ما يسرُّ قلبه، وعزائمنا ووجهاتنا ما يقرّ عينه.. يا الله في القيامة اجعلنا معه في زمرته.

  • (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) اقرأها في كلام ربك: 

    • (مَعَهُ) ثلاث حروف؛ أطرَبَت أرواح المُوقنين والمُقرّبين، ملأتها عظمة به والسرور بالوعد الكريم..

    • (مَعَهُ)، سمعت؟! (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ). 

  • كيف حال الذين مَعَهُ؟ قال: (نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) -ويُعجبهم يستزيدون- (يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا)

  • (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ)؛ يعني البضاعات حقنا كلّها ذهبت لم يعد فيها خير! باقي حقكم أنتم.. (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ) لأنّكم في الدّنيا كانوا جنبُكم، ودَعَوكم، ورجعتُم وراءكم!! (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ) (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا)، كنتوا تقولوا عندنا الثقافة وعندنا العلم وعندنا المعرفة وذهبتوا على وراء! والآن ارجعوا وراء انظروا وابحثوا لكم نور هناك.. 

  • (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) بعد ذلك ينادونهم.. لِمَا يُنادونهم؟ يقول بعضهم: يكون فيه فتحات يشوفونهم يصيحون يقولون: يا فلان يا فلان.. (أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)؟ أنا كنت جارك في الدنيا -كنت عندك-.. جاري! تضحك على آيات الله، وتستهزئ برُسله وبالصّالحين، والآن أَفْعَل لك ماذا؟! أنت متَ على الكفر (أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) -شَكّكتُم- (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ* فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ) لا شيء يؤخذ فائدة، ولا يُقبل منكم شيء (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد:13-15].

قال الله -بعد هذه الأخبار كلها-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) وفي قراءة: (وَمَا نَزَّلَ مِنَ الْحَقِّ)، (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [الحديد:16-17]، وكذلك يُحييكم بعد موتكم، وأراضي قلوبنا نتوجّه له لأن يُحييها، وكُلّ أرضٍ لقلبٍ لنا وأهلينا وأصحابنا وأهل مجمعنا ومن يسمعنا ميتة؛ فأحيها يا من يُحيي الأرض بعد موتها. 

(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، فمن كانت أرض قلبه ميّتة، فنسألك أن لا يخرج شهر رمضان؛ إلّا وقد أحْيَيت أرضَ قلبِه، بنور المعرفة والإيمان واليقين والصدق، يا أكرم الأكرامين ويا أرحم الرحمين. 

نُلِح عليك في ذلك، ونُكرّر الطلب في ذلك.. ونُلِذُّ لك في ذلك، وُنلِحُّ عليك في ذلك؛ فأحيي اّللهم أراضي القلوب، يا حيّ يا قيّوم أحيي القلوب تحيا، وأصلح لنا الأعمال في الدّين والدّنيا، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

(وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج:5]، فاجعل الّلهم أراضي قلوبنا تُنبت من كلّ زوجٍ بهيج؛ في معارفك وفي رضاك، وفي المعرفة بك وفي القرب منك، وفي الفهم عنك يا مولانا، وفي المحبة منك والمحبة لك، آمين.. آمين.. آمين، يا خير مُجيب يا أكرم مُستجيب، يا ربّنا القريب.. يا ربّنا القريب، يا ربّنا المُجيب.

أنت القائل في ما أوحيت إلى قلب سيدنا الحبيب: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة:186]، أنت قلت و قولك الحق، يا قريب.. يا قريب، يا قريب.. يا خير مُجيب؛ اربطنا بالحبيب، ووفّر لنا من الحظّ والنّصيب، وأحيي أراضِي قلوبنا يا مَنْ (يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد:17]، فاجعلنا ممن عَقَل عنك خِطابك، واتّبع سَيّد أحبابك ظاهراً وباطناً.

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد

 اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

27 رَمضان 1446

تاريخ النشر الميلادي

26 مارس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام