(536)
(228)
(574)
(311)
يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1436هـ.
﷽
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13))
الحمد لله واهب العطايا، وكاشف الرزايا، وعالم الظواهر والخفايا، وإليه مرجع جميع البرايا، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، خصَّ عبده محمد المصطفى بأجل المزايا، وأجزل الهبات والعطايا، اللهم صلّ وسلم وبارك وكرم على خير البرية أكرم الورى سجية، عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأهل محبته وقربه، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعد،،
فإنَّا في نعمة التأمل لخطاب ربِّ الأرباب، والبلاغ الذي بلغه خاتم النبيين سيد الأحباب، تأملنا معاني في سورة البلد، ختمَها الله تبارك وتعالى بقوله: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)) هذا الذي يظن (أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5))، أو (أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)) ويقول: (أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6))؛ مُفتخرا بإنفاق المال في غير محله، في معاداة نبي الله ﷺ.
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)) فكان المعنى الأول:
فإنَّا نرى الناس في الأمر المحسوس القريب يتحملون المشاق لأجل تحصيل شيء من الأغراض، لأجل تحصيل شيء من المقاصد، فنراهم يَتكبَّدون في الصناعات، يَتكبَّدون في الزراعات، يَتكبَّدون في الدَّوامات، للأعمال المختلفة لأغراض مختلفة من أجل تحصيل شيء ويَتكبَّدون سهر طويل ومعاناة كثيرة في كثير من الأمور، لأجل الحصول على وظيفة، لأجل الحصول على شهادة، لأجل حماية سُلطة من سٌلطات الدنيا ولغير ذلك، بل لحراسة شيء من المتاع الحقير، يسهر ويتعب ويترك نومه في وقت يحب النوم إلى غير ذلك من أجل تحصيل هذا.
يقول: هذا كُلهُ تفعلونه للمصالح القصيرة الفانية، هلاَّ جاهدتم أنفسكم لسعادة الأبد؟ لنعيم الخُلد؟ لقرب الحي القيوم الدائم الباقي؟ هذه مقاصد أحق أن تُكرَه النفس على ما يوصل إليها من جميع الأشياء الأُخر؛ (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)).
ثم كان معنى آخر: نفي (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)) هو لم يقتحم العقبة وتكون "لا" بمعنى لم، ولا إذا جاءت بمعنى لم، لم تحتج شيء إلى التكرير وإلا كانت متكررة (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ* وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ) [القيامة:31-32] وهكذا فتتكرر ولكن إذا كانت بمعنى لم يعني لم يقتحم العقبة يعني: ضَيّع نفيس العمر وفرصة الحياة فلم يقتحم العقبة ومن مات ولم يقتحم عقبة مجاهدة نفسه كان إلى العذاب (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26].
فيقول الحق: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)) مسكين هذا الذي تبجَّح بصرف المال لُبدًا أي: كثيرًا مُجمعًا في معاداة المصطفى ﷺ، وقد قلنا: إن الشطط والإنحراف والخلل في إنفاق المال حاصل عند الكفار والمسلمين، إلا من تَزكَّى، من تهذب، من تَصفَّى؛
هؤلاء رشدوا في تسيير الأموال، فربحوا، ربحوا وفازوا وهم أصفياء الخلق وهم الذين يُنتظر ويُرتجى منهم الخير في واقع البشرية.
وإن كان في شأن الفطرة الإنسانية؛ محبة الإنفاق ومحبة الإعطاء، ولذا فهناك جمعيات ونفقات حتى في فئات الكفار ولكن أن يَخلُص الأمر فيها؛
هذا لا يجتمع إلا للمؤمن، إلا للمسلم.
ولو حصل شيء من الإنفاق الحسن من غير المسلم فإنما يكون ذلك بحكم الفطرة الإنسانية ولا ثواب له إلا ما دُفِع عنه من سوء في الدنيا أو مُدَّ به من صحة في الجسد أو ولد او نحو ذلك، ولا ينفعه شيء لأنه لم ينفقه له، كفر بالذي خلقه سبحانه وتعالى، فماذا ينفعه من الأعمال؟ (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) [الفرقان:23] ما ينفع الكافرين أعمالهم؛ إلا من آمن منهم ومات على الإيمان كما سنقرأ في الآيات: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)).
يقول تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)) معنى ثالث: أنه قادم على عقبة كؤود لم يقتحمها بعد وإلا لما كان تفكيره بهذه المثابة، ولا كان نُطقه بهذه الصورة (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا(6))، (أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ(5))! (أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ(7))!.
يقول: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)) عقبة:
يقول الله هذا لم يقتحم العقبة بعد، ولو رأى العقبة التي أمامه، لن يفكر هذا التفكير، ولن يتكلم بهذا المنطق؛ ولكن منطق من لم يرد بعده إلى المصير والعذاب هي هذا، نسي نفسه ونسي مستقبله الأكبر، فما وجدنا شيئا ولا أحدا يحرص على المستقبل الأكبر الأعظم لمن استجاب لدعوته مثل الحق ورسوله.
فكل ما تسمعونه من ضمان المستقبل وتطمين المستقبل وتوفير المستقبل، هذا المستقبل يعنون به الحياة القصيرة الفانية الزائلة المنتهية فأُفٍ لهم ولمستقبلهم، ولكن إذا تَحدَّث الحق ورسوله، تحدثوا عن مستقبل الدوام والبقاء والخلود، المستقبل الأكبر، المستقبل الأعظم، ويقول هذا الإنسان؛ نسي مستقبله الكبير وأن في عقاب يحتاج أن يقتحمه (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11))؛ فالواجب أن نسارع إلى اقتحام العقبة فإننا ننجو من عقاب النار في الآخرة ومن عقبة الصراط أيضا، باقتحام العقاب التي هي مجاهدة النفس في هذه الدنيا.
فاقتحم العقبة هنا تسلم من العقاب كلها، وكل من جاهد نفسه وهذبها ونورها وطهرها ونقاها تهيأ لأن تكون نفس زكية لا ترى عقاب النار ولا عذابها؛ (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الفجر:27-30]؛ لأنه قد اقتحم العقبة في الدنيا؛ بمجاهدة النفس والهوى وهذه الكياسة، قال نبينا:
هذا ميزان نبوي؛ من العاقل اللبيب الفطن الحاذق الواعي المدرك الفاهم؟ ومن الاحمق العاجز الأخبل الأهبل؟ هذا ميزان نبوي.
انظر انقلاب هذا الميزان عند كثير ممن يؤمنون بهذا النبي؛ ولكن ما صدقوا في الإيمان ولا حققوه، فربما وجدوا من يدين نفسه ويحاسبها ويعمل لما بعد الموت، مسكين، ما يعرف الحياة، على قدره، لا يدري بشيء، نظرتهم إليه أهبل أهبل، لا يدري أين الناس، هكذا، عكس ميزان المصطفى.
يلعبون علينا وعلى عقولنا كله بزخرف الحياة، لا شي معهم غير هذا، رأسهم إبليس في القيامة لمن اتبعوه: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم:22]، وهؤلاء يدعون الناس فقط، يقولون: الحياة الحياة، الدنيا الدنيا، المال المال، الشهوات الشهوات؛ كل شيء، أهم شيء، الذي لا يحصلها، ليس عنده حياة، وهذا يقول له: مرحبا .. تعال، إنت إمّعة! بقرة! أبله! قرد! تقلد؟! أي آدمي؟ كلامهم هذا مبني على ماذا؟ وما أساسه؟ ومن أين جاء؟ وما مصدره؟ باطل في باطل، ضلال في ضلال، كذب في كذب، غرور في غرور؛ كيف يدخل عقلك وتسميه ثقافة؟! إذا هي الثقافة كذا، فنعوذ بالله من الثقافة، ثقافة تقلب موازين الحق ورسوله! ثقافة توصل صاحبها إلى النار! خذها لك هذه! نرفسها بأرجلنا هذه، خذها لك.
نريد ثقافة نحيا فيها كما أراد خالق الحياة، نريد ثقافة نلقى فيها مُنشئنا ومُوجدنا وهو راضٍ عنا، نريد ثقافة نحوز بها سعادة الخلود والأبد، نِعمَ الثقافة، هذا الثقافة، هذا العلم.
تجيء لي بخربطة وتقول: لي ثقافة! وتقول: لي وعي! وتقول: لي إدراك! وتقول: لي تطور؛ أصلا إنت إمعة ما عندك ميزان، سمعتهم يقولوا ومشيت وراءهم، إعرف إنسانيتك، إعرف قدرك: "رحم الله امرءا عرف قدر نفسه"، إعرف قدر الوحي، إعرف قدر النبوة والرسالة، إعرف عظمة الخالق الذي خلق؛ حتى لا تقع إمعة لأقاويل فسدة باطلين مبطلين من عباد الله تبارك وتعالى، ما عرفوا خالقهم، ما عرفوا إلههم، ثم تحولوا إلى قدوة لك؟ ضحكوا كثيرا وغالطوا كثير، ولكن كلما ضحكوا بإضحوكات على الأمة في مجالات، ولعبوا عليهم فترات، كشف الله زيفهم وزيغهم وهيأ في قلوب الأمة من يتصل به وأُخمدت نيرانهم.
ثم تبتلى الأمة ثم تُخمد نيرانهم، بطشّة فيض من فيض الله، من سماء الغيرة على دينه وعلى أمته، والرحمة لمحمد ﷺ وتروح هذه الأقاويل الفارغة، وإلا فقد كان جماعة من اليهود يُزخرفون القول للأوس والخزرج وهم بداية النُّصرة للدين، فكانوا قبل النبي يتوزعون قبائل اليهود؛ صنف يظهرون انهم مع هذا، وصنف مع هذا وهم متفقين بينهم البين، انه اشغلوهم ببعضهم ويتقاتلون، وإذا ضعفت فئة قووها حتى يبقى الصراع بينهم وتكون السيادة لكم تمام، وعملوا هكذا واستمروا إلى أن جاء؛ لا إله إلا محمد رسول الله، الحِيل تلاشت أمام مبدأ الإيمان، تلاشت وكل من وعى أسرار لا إله إلا محمد رسول الله؛ حيل من في الأرض؛ منهم الكفرة واتباعهم وجميع الفساق تبطل أمامه
لكنها مواطن الضعف في التحقق بلا إله إلا الله، تدخل منها تلعب على الناس بها، حتى يستطيعون في وقت من الأوقات، باسم الدين نفسه، أن يشغلوا المسلمين ببعضهم شُغلًا يصلون فيه إلى تسابب وتشاتم وتلاعن وقتال، لو هم قاتلوهم مباشرة ما وصلوا إلى هذا، لو الكفار تجمعوا وقاتلوهم لن يصلوا إلى هذا الحال الذي يصله بعضهم من بعض، وهذا فقه أيضا ووعي للوحي أن الله لا يُسلط على هذه الأمة عدوٌ من خارجها، فلو اجتمع الكفار كلهم على المسلمين لكانت العاقبة للمسلمين وأيَّد الله المسلمين ولا ما نالوا من المسلمين، ما ينالوا بعضهم من بعض.
فإن الله اخبرنا على لسان نبيه أنه تكفّل لنبيه أن لا يسلِّط عليها عدو من خارجها، يستحل بيضتها ولكن يذيق بعضهم بأس بعض ولما نزل قوله (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )، توجهَ ﷺ إلى الرب أن لا ينزل على الأمة عذاب من فوقهم يستأصلهم، وأعطاه الله ذلك، ولا من تحت أرجلهم فيستأصلهم، وأعطاه الله ذلك: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام:65] قال: ربي، قال: هذا سبق القضاء أنه يكون هذا في أمتك، ولذا يكاد لو حصرنا القتلى من المسلمين على أيدي المسلمين والقتلى المسلمين على أيدي الكفار، لوجدنا الكثرة الكاثرة في القتلى في المسلمين على أيدي المسلمين والعياذ بالله.
خلل الضعف في تحقق لا إله إلا محمد رسول الله عندهم والصلة بأسرار هذا القرآن والوحي الشريف، ولذلك وصلوا إلى هذه الحدود، وفي ضمنها جاءت الأحاديث "ولينزعن الله مهابتكم من قلوب عدوكم وليقذفن في قلوبكم الهيبة من عدوكم" وفي الحديث "سَلَّط الله عليهم ذلا" يذلون أمام العدو "لا ينزعه عنهم حتى يعودوا إلى دينهم" فإن رجعوا إلى دينهم أبدلهم الله بدل الذل عز.
وكم اليوم يستخدم من المسلمين، لمُضادة المسلمين بأي صورة وبأي فكرة وبأي مذهبية وبأي سياسية، كم يُستخدم مسلمون ضد المسلمين، وبلغت القمم في زمننا للوصول إلى الدماء، إلى الأعراض، إلى الأموال، وإلى هدم ما هو مبني، تخريب منشآت الحياة المهمة حتى -بكل أسف- حدث عن جثث لمسلمين لا يستطيعوا إخوانهم المسلمين أن يأخذوها فيغسلوهم ويكفنوهم ويدفنوهم، ومن تعرض لهذه الجثة رُمي وقُتل مع الجثة، ما هذا؟ هذا وقت تطور الإنسان! الوقت الذي فيه اجتماع قُوى متحدة تحمي حقوق الإنسان، هذا هو، لما بعدت سُلطة القرآن، سُلطة الإيمان من القلوب.
أما سُلطة التقدم والتطور وحقوق الإنسان والديمقراطية والهيئات الكثيرة في العالم فأمامك اتفرج عليها، ماذا حصل تحت هذه السُلطات؟ وماهو حاصل اليوم: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [طه:123-124].
ومجنون واحد يؤمن بالله ورسوله، ويؤمن بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم يطلب حلاً لمشاكل المسلمين خاصة، والعالم عامة من عند غير الله ونظامه ومنهاجه وقرانه ووحيه.
أعبث! أعبث أنزل القرآن؟! أم عبث بعثَ محمد ﷺ بالحق والهدى! حتى تطلب الحل من عند غير الملك القوي القادر العالم بكل شيء؟! لتستسلم لفكر هذا أو ذاك؟ هذا خبل، خبل وبلاهة، يطلب حل مشاكل المسلمين خاصة والعالم عامة من عند غير منهج المُكوّن، من عند غير أمانة المؤتمن لرب الأرض والسماء، محمد! ما خلقه الله عبث، حتى تجد حلّك عند واحد غيره، ما أرسله الله لعب ولا ضحك، أرسله رحمة للعالمين، أرسله بالهدى وبشيرا ونذيرا:
اتركوا الغرور بغير الله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف:158]، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:54]، (فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) [المائدة:49].
يقول له سبحانه وتعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)؛ لهم أهواء خرَّجوها دساتير وأنظمة؛ أهواء (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) يا من آمنتم وعلمتم عظمة إلهكم ومرجعكم إليه (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * ۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:48-51].
وهكذا سردتْ علينا الآيات هذه الحقائق، يقول سبحانه وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا * إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:24-30] منهاجه وحارسه فوقه، يفوز العامل به، ويخسر كل من خالف منهج الله.
يقول سبحانه: (فَلَااقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)) يقول سيدنا سفيان بن عيينة:
لأن (ما أدراك) نفي للعلم في الماضي وسيُعلمه بها، وأما "ما يدريك" نفي علم في المستقبل (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) [الأحزاب:63] أمْرها غيب لكن: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) فسّرها مباشرة هذه العقبة، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)) هكذا في قراءة أبي عمر والكسائي وثالث من القُراء السبعة.
(فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14))، وقرأ اخرون: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ أَطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) المعنى واحد، إلا أن هذا مبتدأ وخبر -اسم- وهذا فعل (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)) أي شيء هذه العقبة التي نحدثك عنها وكيف تُقتحم؟
قال: هي فكُّ رقبة، سعي صحيح في مصالح الناس، في منفعة الناس، فكُّ الرقاب، اعتاق المملوكين من البشر؛ من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضو من النار، حتى العين بالعين واللسان باللسان والفرج بالفرج وكل شيء، قال فيما جاء في رواية عن سعيد ابن مرجانة انه سمع أبا هريرة عن الرسول ﷺ يقول: "من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار" قال له سيدنا علي زين العابدين: أنت سمعت أبا هريرة يقول هذا؟ قال نعم، عن رسول الله، قال: يا غلام ادعُ فلان، كان أرفه الغُلمان عنده وأقواهم، وقف جاء قال: اذهب أنت حُر لوجه الله (في صحيح مسلم) قال: وكان قد أُعطي في هذا الغلام عشر ألاف درهم، فأعتقه لوجه الله سبحانه وتعالى
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)) هكذا كان مُقتحم العقبة من المؤمنين من الأنصار والمهاجرين مثال أول، وثم جاء خيار التابعين أمثال علي زين العابدين، جاء خيار التابعين في ذلك مثلاً عجيبًا كان يُنفق نفقة غير الصدقة، نفقة كاملة على مائة بيت في المدينة، ما عرفوا أنه هو المُنفق عليهم إلا لما مات، وجدوا علامتين:
يقول له بعض غلمان وخُدام عنده،يقول له حملني، يقول: أنا أحمل عنك، قل لي: إلى أين سأوصله؟ يقول: لا، أنت تحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟! فقط ضعها في ظهري وما عليك، فكان هو يحملها بنفسه ويذهب إلى البيوت، ومع ذلك يُصلي في الليلة ألف ركعة -سبحان الذي بارك لهم في الوقت- ومع ذلك يبكي كثير من الخشية، من المحبة، من المعرفة، حتى كان في خدَّيْه خطان أسودان، مجرى الدمع؛
وعلي ابن الحسين كل ليلة ألف ركعة *** مُسبل من كل عيني دمعة من بعد دمعة
وعلى هذا المثال كان علي زين العابدينا؛ (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:9]:
هؤلاء ما يفتنهم مال ولا غيره، ماهذه النوعيات من البشر؟! من هم هؤلاء؟ عسى ما يخرجون من الجامعات اليوم الموجودة، يخرج هذا الصنف؟ من أين يخرجوا؟ من أي دول؟ دول متقدمة تخرِّج الصنف هذا، النوعية هذه؟ في؟
لكن مدرسة محمّد هي تَخرّج هذه النوعيات، هي قائمة، تريد تدخل فيها أدخل، هي تخرّج النوعيات هذه من البشر عرفوا الله، فهان في نظرهم كل موازين الخلق واعتباراتهم، الأشياء الدنية استعدادًا للمستقبل الأكبر.
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12))؛ قال: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13)) مسائل الخير؛
الله أكبر، قال: يعني يرتقي الإنسان الى مراتب الخير ويجاهد نفسه ويُهذبها بواسطة نفع الناس والإنفاق عليهم.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن البراء بن عازب يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ قال: يا رسول الله؛ دُلّني على عمل يدخلني الجنة -قل لي عمل يدخلنا الجنة- قال ﷺ: "لئن أوجزت الخطبة، لقد أعرضت المسألة" سؤال خفيف كلمتين معناه كبير، دخول الجنة هذا ليس بلعبة، دخول الجنة يعني سعادة أبد، حياة نعيم بخلود، تسأل عن ماذا أنت؟ هذا الأمر هيَن؟ قال له: "إن أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة" قال: "اعتق نسمة أو فُكَّ رقبة" قال: أليسا شيء واحد؟ قال: لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، فَكُّ الرقبة أن تُعين على فِكاكها وتُساهم بشيء، قال: فإن لم تستطع؛ فأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر، واشهده جانب في هذا الأمر من الإحسان يقول له: "فإن لم تستطع فكُفّ لسانك إلا من خير" خلاص، ممكن تدخل الجنة بهذا العمل -الله أكبر-
المسألة العريضة التي سألت عنها هنا، آخرها أقل شيء؛ كفْ لسانك إلا من خير، أما أن تعيش في الدنيا وما سَلِم منك جار، ما سلم منك قريب، ما سلم منك أهل بلادك، ما سلم منك أهل البلدان الأخرى، ما سلم منك الأحياء، ما سلم منك الأموات؛ ذا تتكلم عليه وذا تسبه وذا تنزله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا تركتَ هيئة ولا طائفة ولا حزب ولا جماعة؛ سبيت خلق الله كلهم، كفّ لسانك إلا من خير، جعل الله بابين؛ أسنان وشفتين، طبّق، ايش البلبلة هذا في ما لا يفيد! بل فيما يضرك؛ امسك لسانك، كُفّ لسانك إلا من خير
"ألا أدلّك -يقول لمعاذ- على مَلاك ذلك كله؟ كفّ عليك هذا يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" اللسان.
معك العشر الأواخر،
ذكر النبي ﷺ عندما تختلط الأمور على الناس وتحدث بينهم مشاكل وغيرها:
ليس هو مجاهد مسلم صادق ولا هو ترك الناس من شره، كان خلاص، إذا ما انت نافع لا تكون ضار، إذا ما أنت محسن لا تكن مسيء، إذا ما أنت مُصلح لا تكن مُفسد، اسكت ساكت أبعد من أذى الناس ومن إيقاع الشحناء في صدورهم والبغضاء في قلوبهم بسبب كلماتك هذه، وما عندك، تريد أن تلقى الله بقلب سليم وتفسد خلق الله،
وفي هذا أيضا معنى لعتق الرقبة:
فك رقبة؛ أول رقبتك أنت، تُب توبة صادقة؟ أخلص مع الله، فك رقبتك، اخرج من شر الهوى والمعاصي والسيئات ومخالفة جبار السماوات والأرض، فك رقبتك، بسم الله.
انظر في هذه الأيام يفك رقاب كثير من النار، من العذاب، من الذنوب، من السيئات، من أنواع الشرور؛ فكها هذه الأيام في العشر الأخير كثير تفتك تفتك تفتك، الله، يجي يوم العيد وهم في عيد صدق، والله يرحم رقابنا ويعتق رقابنا؛ من ناره، من غضبه، من سخطه، من عذابه، من معاصيه.
سألوا واحد ظاهر عليه آثار الصلاح والتقوى والولاية يقولوا: بم نلت الولاية؟ قال: أكرمني الله، في يوم كسرة معي، أعطيتها لرجل صالح كان جائع، فلما ناولته الكسرة دعا لي بدعوة فتغير حالي وصلح شأني مع الله، كيف؟ قال لي: "حرّرك الله من رقّ المعصية كما حرّرتني من رقّ الجوع"؛ فتحرّر الرجل من رقّ المعصية، فصار طائع لا يعصي الله، وارتقى في المراقي.
الله يحرّرنا، يفكّ رقابنا من المعاصي والذنوب والآثام ومن المخالفات ومن السوء ومن الشر ومن اتباع الهوى، واجعل هوانا تبعًا لما جاء به صاحب الرسالة الذي أنزل عليه هذا السور وأنزل عليه هذه الآيات ﷺ؛ لولا هذا المصطفى ما تلونا هذا الكتاب، ولا عرفنا هذه السور: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) [الدخان:58] فصلى الله عليه، اللهم لك الحمد واجز نبيك عنا خير الجزاء.
يقول: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)) -مجاعة- (إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) ماذا (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)) يتيم من الأقارب تحتاج إلى بعض من الشرح، والوقت داهمنا، فنبقى حالّين في البلد، في سورة البلد، وأنت حِل بهذا البلد، إلى يوم آخر أيضا من أيام العشر ونحن في البلد.
والله يُدخلنا في بلد الحبيب محمد وقد يُعبّر أحيانًا عن القلب بالبلد والحق يقول: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [الأعراف:58] ولا أطيب من قلب رسول الله، الله يجعل لنا فيه مكانة، وعنده محلة اللهم آمين.
وكان المُشتغلون بالزراعة عندنا هنا، رجال وبعض النساء، لما يحصدن الزرع لهم أصوات وابتهالات إلى الله لأن المجتمع كان مصبوغ بصبغة الإيمان، السُّلطة كانت للإيمان، للقرآن، لا يوجد عندنا سلطة لبرامج؛ لا تلفزيونية ولا سينمائية ولا إذاعية ولا لأحد من الكفار كان القول قول أخيار المجتمع هم الذي يسيّر الناس فكنا نسمع لمّا يذهبن ليحصدن بعض الزرع
يا رب يا غفار كل زلة *** عسى لنا عند النبي محلة
يا رب يا غفار كل زلة *** عسى لنا عند النبي محلة
من هؤلاء؟ عوام! هؤلاء أهل مطالب رفيعة، أهل همم عالية، أهل مقاصد سامية؛ هؤلاء عوام البلد! لأن البلد مصبوغة، بعد ذلك جاء التطور في الفترة الأخيرة هذه، ما عاد نسمع مثل هذا الكلام وجاؤوا لهم بشلات ثانية وأغاني ثانية وكلام ثاني، الله يصلح أحوال المسلمين في المشرق والمغرب.
نظير هذا تجده في البلد الفلاني، في البلد الفلاني، اقرأ تواريخ المسلمين وسِيَرهم بتحصل أمثال هذا كان سائد، كان قائم ثم أُخذ عليهم وسُحب البساط من تحت أرجلهم خُدعوا خُدعوا خِداع كبيرة كثيرة.
الله يكفينا شر المخادعين؛ (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) [النساء:142]، قال: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة:9]، فالله يكفينا شر الخدائع ويجعلنا من أهل جميل الصنائع.
يا مبدع البدائع لم يبغ في إنشائها عونا من خلقه، ثبتنا على ما تحب، واجعلنا فيمن تحب برحمتك يا أرحم الراحمين، وبارك لنا في بقية أيامنا القليلة من هذا الشهر، في هذا العام واكتب لنا حضور مثله في أعوام مقبلة يا رب، ومن كتبت أجله، فعلى حسن الختام توفاه على الإيمان والمحبة أمته.
رَبِّ احْيِنَا شَاكِرِيْنَ *** وَ تَوَفَّنَا مُسْلِمِيْنَ
نُبْعَثْ مِنَ الْآمِنِيْنَ *** فِىْ زُمْرَةِ السَّابِقِيْنَ
بِجاَهِ طٰهَ الرَّسُوْلِ *** جُدْ رَبَّناَ بِالْقَبُوْلِ
وَهَبْ لَناَ كُلَّ سُوْلٍ *** رَبِّ اسْتَجِبْ لِيْ آمِيْنَ
عَطَاكَ رَبِّيْ جَزِيْلٌ *** وَكُلُّ فِعْلِكْ جَمِيْلٌ
وَفِيْكَ أَمَلْنَا طَوِيْلٌ *** فَجُدْ عَلَى الطَّامِعِيْنَ
يَا رَبِّ ضَاقَ الخَنَاقْ *** مِنْ فِعْلِ مَا لاَ يُطَاقْ
فَامْنُنْ بِفَكِّ الغِلاَق *** لِمَنْ بِذَنْبِهْ رَهِينْ
وَاغْفِرْ لِكُلِّ الذُّنُوْبِ *** وَاسْتُرْ لِكُلِّ الْعُيُوْبِ
وَاكْشِفْ لِكُلِّ الْكُرُوْبِ *** وَاكْفِ أَذَى الْمُؤْذِيِـيْنَ
وَاخْتِمْ بِأَحْسَنْ خِتاَمٍ *** إِذَا دَنـاَ اْلإِنْصِرَامُ
وَحاَنَ حِيْنُ الْحِماَمِ *** وَزَادَ رَشْحُ الْجَبِيْنِ
طعمُ العشر الأواخر أطيب، الله يقربنا فيمن قرّب، وارزقنا حسن الأدب، بوجاهة الأمين عليه الصلاة وأزكى التسليم.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
23 رَمضان 1436