شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -42- آداب المرأة في نفسها

للاستماع إلى الدرس

الدرس الثاني والأربعون من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، ضمن الدروس الصباحية لأيام الست الأولى من شوال 1445هـ، آداب المرأة في نفسها.

فجر  الثلاثاء 7 شوال 1445هـ.

يتضمن الدرس:

  •  هواية الخروج من المنازل
  •  حال أمهات المؤمنين
  •  فضل الحياء وأثره على الإنسان
  •  "كل كلام ابن ادم عليه لا له، إلا ذكر الله وما والاه"
  •  آداب المرأة مع جيرانها
  •  فضل إدخال السرور لزوجها ووالديها
  •  كيف تحفظ المرأة سترها وحيائها خارج المنزل؟
  •  الحياء خير كله
  •  قصة النبي موسى وحياء ابنتي شعيب
  •  الدعوة إلى الله أغلى بضاعة
  •  تجنب المرأة للأماكن المزدحمة بالرجال
  •  غش النساء باسم الحضارة والتقدم
  •  التوسط في الإنفاق
  •  فضل عمل المرأة في بيتها
  •  خطورة ترك الأطفال مع الخدم
  •  تقسيم الأدوار في أعمال المنزل
  •  دعوات التبرج والفساد ومفاهيم تحرير المرأة
  •  قصة سؤال النساء للنبي ﷺ عن فضل الرجال عليهن في الجهاد والحج
  •  أثر قراءة القرآن في البيت على الأبناء
  •  الحث على الكسب الحلال
الصورة
شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -42- آداب المرأة في نفسها

 

آداب المرأة في نفسها

"أن تكون لازمة لمنزلها، قاعدة في قعر بيتها، ولا تكثر صعودها ولا اطلاعها الكلام لجيرانها، ولا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدخول، تُسرّ بعلها في نظره، وتحفظه في غيبته، ولا تخرج من بيتها، وإن خرجت فمتخبئة تطلب المواضع الخالية، مصونة في حاجاتها، بل تتناكر ممّن يعرفها، همّتها إصلاح نفسها، وتدبير بيتها، مقبلة على صلاتها وصومها، ناظرة في عيبها، متفكرة في دينها، مديمة صمتها، غاضة طرفها، مراقبة لربها، كثيرة الذكر له، طائعة لبعلها، تحثّه على طلبه الحلال، ولا تطلب منه الكثير من النوال، ظاهرة الحياء قليلة الخناء، صبورة شكورة، مؤثرة في نفسها، مواسية من حالها وقوتها.

وإذا استأذن بابها صديق لبعلها، وليس بعلها حاضرًا، لم تستفهمه، ولا في الكلام تعاوده، غيرة منها على نفسها وبعلها منه."

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بمنهاجه الذي ارتضاه، وبيانه على لسان رسوله الذي اصطفاه، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتبع سبيل هداه، وعلى آبائه وإخوانه من رسل الله وأنبياه محل عناية الرحمن ونظره وخيرته من براياه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين أهل المداناة والمصافاة، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ونسأله أن يقبلنا على ما فينا، وأن يُصلح ظواهرنا وخوافينا، وأن يكون لنا بما هو أهله في جميع شؤوننا، وأن يُقبل بوجهه الكريم علينا، وأن يخلّقـنا بأخلاق حبيبه محمد ﷺ و يؤدّبنا بآدابه.

وقد تقدّم معنا آداب الرجل في نفسه، وذكر منها: لزوم الجمعة والجماعة، ونظافة الملبس، وما تبع ذلك من الشؤون التي تجعله على المنهاج مستقيمًا، وإلى الله تبارك وتعالى منيبًا وخاشعًا ومُقبِلًا وخاضعًا ومتعبِّـدًا ومتوجهًا بكليّته؛ ليلحق بأهل الوجهة الشريفة، ولقد قال ربنا: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148]، والآداب سياج الخيرات بأنواعها، أدّبنا الله بآداب نبيّه، وخلّقنا بأخلاقه وهو القائل: "أدّبني ربي فأحسن تأديبي".

فتعرّض لآداب المرأة؛ ليمضي المؤمنون و المؤمنات، والمسلمون ذكورهم وإناثهم في سبيل مرضاة إلههم، ويغنم كلٌّ منهم الحياة القصيرة لعمارة الحياة الدائمة الكبيرة.

قال: "آداب المرأة في نفسها: أن تكون لازمةً لمنزلها"؛ فلا تخرج إلا لحاجةٍ ولمقصدٍ صحيح، أما هواية الخروج من المنازل فذلك من جُملة الحبال التي تؤدّي إلى أنواع من المشاكل، وقال تعالى لسيّدات نساء الأمة وهنّ أمهات المؤمنين زوجات المصطفى ﷺ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) [الأحزاب:33]. ولمّا حجّ بهنّ ﷺ -قد حجج معه التسع أمهات المؤمنين- قال: "هذه، ثم لزوم الحُصُر"؛ لزوم الحصر: بيوتهن، حتى أن من أمهات المؤمنين من لم ترضَ بعد ذلك أن تسافر ولا أن تخرج من بيتها إلا للضرورة، حتى لقين الله ورسوله ﷺ. 

ودُفنّ كلهنّ في البقيع في موضعٍ واحد؛ هؤلاء التسع، وبقيت اثنتان: الكبرى سيدتنا خديجة، وسط مكة في الحجون وكان قد قبرها بنفسه ﷺ، والثانية: ميمونة بنت الحارث الهلالية فقد توفّيت بجانب مكة، ودُفنت في الموضع الذي بنى بها فيه ﷺ، و لم يزل قبرها معروفًا هناك، وقد توفّيت بعده بمدة، ولكن في حياته توفيت السيدة خديجة، وزينب بنت خزيمة وقَبَرها في البقيع. ثم كل من مات من أمهات المؤمنين دُفنت بجانبها في البقيع، فكان حوض مخصوص فيه أمهات المؤمنين التسع عليهن رضوان الله.

"أن تكون لازمة لمنزلها، قاعدةً في قعر بيتها"، لقول نبيّها: صلاة المرأة في فناء بيتها خير من صلاتها في المسجد -وفي مسجده-، وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في فناء البيت، وصلاتها في مخدعها -وسط الغرفة- خير من صلاتها في الغرفة. وكان شأن هذا الستر لما عَلِمَ الله فيه من المنافع الكثيرة للأمة ظاهرةً وباطنة، وسدّوا ثغراتٍ كثيرة من أنواع الشرور.

قال: "لا تكثر صعودها ولا اطّلاعها الكلام لجيرانها"، "ولا تكثر صعودها" إلى سطح البيت لغير حاجة وتنقلها، بل تكون حيث تأمن أن تمتدّ إليها عين، ولا تتطلع إلى الجيران وإلى جار الجيران، ولا كثرة الكلام في غير ذكر الله والتواصي بالحق والصبر. فكل كلام ابن آدم -سواءً كان ذكر أو أنثى- عليه لا له، إلا ذكر الله وما والاه.

ما والى ذكر الله: من علم وأمر بمعروف و نهي عن منكر، و وصية بالحق والتقوى، ومعاونة على دينٍ أو على دنيا يُستعان بها على الدين؛ هذا والى ذكر الله، وما عدا ذلك عليك ليس لك الكلام، كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا ذكر الله وما والاه . وإن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ) [الإسراء:53] ، إذا خرجوا عن حسن الكلام.. الشيطان بالمرصاد بسرعة يوقعهم في البغضاء والشحناء وفي الإثارة وفي الفساد وفي النميمة وفي الغيبة، (إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ)، ولكن إذا اختاروا القول الحسن صعُب على الشيطان أن يفتن بينهم وأن يوقع السوء بينهم، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".

ويقول بعض العارفين: ما رأيت تقوى إنسانٍ في لسانه إلا رأيت ذلك على جميع أعضائه. وشاهد ذلك في الحديث: "ما من يوم يصبحَ ابنُ آدمَ إلا والأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللِّسانَ، فتقولُ اتَّقِ اللَّهَ فينا فإنَّما نحنُ بِك إن استقمتَ استقمنا وإن اعوججتَ اعوججنا"؛ إذا استقام اللسان استقامت بقية الأعضاء، و إذا اعوجّ اللسان تبعته الأعضاء، فالله يقوّم ألسنتنا على تقواه ولا يجعلها ناطقة إلا بكلامه وكلام رسوله وما فيه رضاه، ممّا ينفعنا في الدنيا والآخرة، ويحبه رب الدنيا والآخرة جل جلاله.

  "ولا تدخل عليهم"؛ على جيرانها "إلا في حال يوجب الدخول"؛ كتهنئة أو تعزية أو إجابة دعوة أو مساعدة في مهمة. قال: "تُسرّ بعلها في نظره"؛ فإنّ عموم ابتسامات المؤمنين في وجوه بعضهم صدقات، وقُرُبات الى الله، وهدي نبوي، يقول عنه بعض الصحابة: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا في وجوه أصحابه من رسول الله ﷺ. يقول سيدنا جرير بن عبدالله البجلي: "ما رأيت رسول الله ﷺ منذ أسلمت إلا تبسّم في وجهي"، اللهمّ صلّ وسلم عليه وعلى آله. 

  • وكذلك إذا كان التبسّم في وجه الوالدين يكون أعظم، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:24] ثوابه أعظم. 

  • ثمّ فيما كان من أخ خصوصًا الأكبر. 

  • وما كان من الأطفال كذلك، فإن المطايبة والتفريح لقلوب الأطفال له ثوابُ مخصوص، وفي الجنة دارُ يُقال لها دار الفرح، لا يدخله إلا من كان يفرح الصبيان في الدنيا. 

  • وكذلك ما يتعلق من ابتسامة الزوج في وجه زوجته، وأن ابتسامة الزوجة في وجه زوجها يعدل ثوابًا عظيمًا من أعظم الابتسامات التي يُكتسب بها الثواب.

"وتحفظه في غيبته" إذا غاب، في نفسها وفي ماله وأولاده، "ولا تخرج من بيتها" إلا بإذنه. "وإن خرجت" بإذن الزوج لأمر مهم، قال: "فمتخبِّئة"؛ محتشمة متسترة، ولا تمشي ضاحكة في الطريق، ولا متكلمة مع أخرى، ولا مزاحمة للرجال، وتنأى إلى طرف الطريق بُعدًا عن مزاحمة الرجال. 

وقد أثنى ربُ العالمين على بنت النبي شعيب لما تجلببت بجلباب الحياء حينما أرسلها أبوها إلى موسى عليه السلام، قال: من هذا الرجل الغريب الذي سقى لكم هذا اليوم ورجعتم بسرعة؟ قالت: رجل صالح ما نعرفه لكن هذا وصفه، قال: اذهبي إليه قولي له أبي يدعوك ليعطيك الأجرة، (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) [القصص:25] أمرٌ أثنى الله عليه، فهو زين بكل معنى الكلمة، وهو حَسَن وجميل بكل معنى الكلمة، فمن نازع في ذلك فقد نازع الرحمن في ميزانه جلّ جلاله. 

وتجرأوا بغباواتهم وتسويل إبليس لهم حتى قالوا هذا الحياء تخلّف، وهذا ضعف، وهذا إماتة للشخصية وما إلى ذلك، كذبوا!.. وصدق الله وصدق رسوله، "الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، والحياء شعبةٌ من الإيمان". ولمّا سمع بعض الصحابة يقول لأخيه: قلِّل من الحياء حقك.. وخفّف من حيائك، التفت ﷺ قال: دعه فإن الحياء خيرٌ كله، و"مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". 

فالحياء أمرٌ عظيم، قال ﷺ: "استحيوا من الله حقّ الحياء، قالوا: يا رسول الله كلنا نستحي من الله، قال: ليس ذاك، من استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبِلى"؛ هذا الحياء. وقد كان النبي داود عليه السلام بعد الخطيئة لم يرفع رأسه الى السماء حتى مات حياءً. وكان نبيّنا أشدّ الناس حياءً، وكان جُلّ نظره الملاحظة، ونظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ﷺ.

  وهكذا يكون شأن المرأة، وفي قصة ابنتي شعيب بيان واضح: 

  • أنّ المرأة لو احتاجت إلى مهنة أو عمل أو مهمة خارج البيت فلتقم بها ولكن بضوابطها، (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ) إيش معنى (مِن دُونِهِمُ)؟ ما يختلطن، ما يزاحمن، على جنب، (مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ ) تذودان غنمهما منتظرات..

  •  (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ) وهذا فيه بيان واجب المجتمع أمام المرأة التي احتاجت للقيام بمهمة خارج البيت، على المجتمع أن يساعدها على ذلك، وعلى سرعة رجوعها الى البيت.

  •  (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)  [القصص:23]، عندنا عذر، ما عندنا أحد في البيت يسقي لنا، فخرجنا ضرورة لسقي الاغنام، ولكن لا نسقي حتى يصدر الرعاء، فعرف مرمى الصلاح والهدى والموروث في النبوّة من الخير، فسقى لهما، مباشرة راح ورفع الدلو وسقى غنمهما، وقال: ارجعوا..

 (ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)  [القصص:24] غريب، وصل من بعيد، ولا معه شيء، ولا يعرف أحد، (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ)  [القصص:25]  فقام.. ويُقال أنهن لاحظنَ قوّته في أنه رفع حجرة كبيرة على البئر وحده بسهولة. ولمّا كانت تمشي أمامه لتدلّه على بيت أبيها -نبي الله شعيب- هبّت ريح فكشفت قدمها -رجلها- قال: اسمعي، دلّيني من وراء، أنا أتقدم قبلكِ؛ لأنه لم يأمن هبوب الريح، وقولي لي: يمين أو يسار وأنا أمشي، فتقدم قبلها، فلما جاء، وصل عند النبي شعيب قصّ عليه القصص، قال قصتي كذا والوضع والحال في مصر كذا ووقع مني كذا وفررت من القوم.. (قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26-25] قويّ أمين،

  •  الضعيف؛ هذا مشكلة ما ينجز عمله، وما يقوم به.

  •  وإن كان ضعيف وأمين، طيّب، خيّر.. لكنه لا يصلح للشغل، ما يقوم بالعمل، يقعد محلّه، إن كان معك له مواساة أعطه إياها،  ما تستأمنه على العمل وإن كان خيّر.

  •  أو قويّ ولا عنده أمانة؛ هذا الخطر الكبير، يأتي بالمصائب من كل محل، نبعده هناك، لا ترتضي به

  •  لكن من جمع القوة والأمانة؛ هذا وصف العمّال الصالحين، وهم الأجراء النافعين والمنجزين للأمر. 

 قالت: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)؛ 

  • استدلّوا على قوته بإبعاده الحجرة ورفعها.

  • وعلى أمانته؛ ما رضي يمشي إلا أمامها لما كشفت الريح قدمها.

 كنّ يسترن أقدامهن، ما يرضين بظهور القدم في عهد النبوة الأولى، هذا شعيب قبل نبيّنا محمد بكم؟ مئات ومئات السنين، فكنّ بنات البيوت الصالحة ما يرضين يظهرن أقدامهن وأرجلهن في الشوارع.

  فأيهما زوجّه أبوهما (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْن)؟ استنبط أهل الفهم وقالوا: زوجّه التي قالت (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) هذه مدحته، زوّجها إياه. 

وسار بأهله، وآنس من جانب الطور نارًا، وإذا بها النبوة والرسالة جاءته، وذهب إلى فرعون يدعوه إلى الله، (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ) وهكذا دعوة الأنبياء وأتباع الأنبياء لمن على ظهر الأرض ملوكًا وشعوبًا وفقراء وأغنياء وأثرياء (هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ) [النازعات:18-19]، هذه البضاعة الغالية التي لا توجد في خزائن الملوك، ولا عند أهل الحضارات ولا غيرهم؛ التزكية والإيصال إلى الرب وإلى رضاه وقُربه -سبحانه وتعالى- هذا الشرف الأفخر والبضاعة العظمى التي أُكرمنا بها بواسطة النبي محمد ﷺ، فالمؤمن منّا الواعي لخطاب ربه، حامل أمانة هذا الوحي بدعوة نفسه ومن حواليه والمؤمنين وأهل الأرض، مسلمهم وكافرهم، صغيرهم كبيرهم إلى:

  •  التزكية

  • وخشية الرب

  • والوصول للرب جلّ جلاله وتعالى في علاه. 

ولا نعدل بهذه البضاعة شيء، لا والله! لا في خزائن دول الشرق ولا في الغرب شيء يقرب منها، ولا يعادلها ولا يساويها، وهذا الذي يبقى خيره، ويدوم ثمره ونوره، وتستمر منافعه إلى أبد الآبدين، وليس عندهم شيء من ذلك. فالله يعرّفنا قدر هذه البضاعة، والقيام بحقّّها حتى نظفر بلقاء إمامها ومؤسّسها والداعي إليها محمد ﷺ، ولا يفرّق بيننا وبينه في يوم القيامة حتى نرافقه في دار الكرامة، اللهم آمين.

قال: "تطلب المواضع الخالية"، كنت أسمع كثير من عوام النساء عندنا، بيوتهن قريب مثلًا من رباط أو من مسجد ونحوه، تسمعهن يتواصين؛ يقلن لبعض: بتخرجين في هذا الوقت وهم يفيضون فيه من مدرس الرباط هذا انتبهي! تريدين مكان اخرجي قبل ما يأتون الرجال للمدرس أو اصبري بعد ما يروحون يتفرقون، بعدين اخرجي من الدار؛ لأن في الطريق رجال كثير يمشون. فكنّا نسمعهن يتواصين بذلك، ويبتعدن عن الأماكن التي يكثر فيها الرجال.

قال: "مصونة في حاجاتها، بل تتناكر ممّن يعرفها"، وهكذا، ونعرف النساء أيضًا هنا أنه إذا عندها حاجة ذهاب لبيت أحد من أقاربها أو إلى أمر اقتضى، ما تصطحب ولدها الصغير معها، تأمر أحد من إخوانه يتقدّم به قبلها، أو يجيبه بعدها؛ قالت سيعرفوني به، إذا رأوه الرجال سيقولون هذه أم فلان، بنت فلان، زوجة فلان، سيعرفونها فما ترضى تمشي معه، تقول خلِّ أحد يقدّمه، أو يجيبه حتى لا تُعرف به، أو يكون معها رجل كبير يمضي أمامها وتمشي ورائه. 

آداب من أين جئنَ بها؟ لا من تجربة، ولا من فكر؛ من نور وحي، من هدي نبوة تعلمنّها، فنعم البضاعة بضاعتهن، وغُشِشن بنات زماننا بغش كبير، وصدّقن من يغشهن ويكذب عليهن، والله خيرٌ لهن، ورسوله أشفق وأرحم بهن من الشرق والغرب، من اليهود ومن النصارى ومن الصهاينة ومن جميع الدعاة إلى التبرّج والفسوق والفساد. الله خيرٌ لهن ورسوله أرحم بهن وأعلم بمصالحهن من هؤلاء كلهم، ولكن مصيبة تصدّق هؤلاء، وتُعرِض عن قول ربها وكلام نبيها ﷺ!

"همّتها إصلاح نفسها، وتدبير بيتها"، فإنّ حسن التدبير نصف المعيشة، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67]، كنت سمعت أيضًا بعض الصالحين يقول: عوّد نفسك شيء متوسط؛ لا إسراف ولا تبذير وحاشا الله يقطعه عنك، ما يقطعه عنك يدوم لك، في مختلف الأحوال يتيسر لك، في الوسط، دع التبذير ودع التقتير، وامشِ في الوسط شيء يحبه الله، وهذا لن ينقطع عليك طول عمرك، سييُسره لك في الغالب.

ولأن عمل المرأة في بيتها أداء لمهمتها الأساسية الكبيرة، وهي من أنفع ما يكون في استقرار المجتمعات وصلاح أحوال الناس، فإحسانها بقيام تدبير المنزل؛ من نظافة، ومن فُرش، ومن أواني، ومن طبخ، ومن أدوات، وما تعلق بذلك، حسن تدبيرها وبُعدها عن التقتير وعن الإسراف فيه، يترتب عليه خير كثير واستقرار الأنفس والأحوال في المجتمعات.

ومن أين يأتي الصواب والحُسن في من يُشغل بأعماله الأساسية التي تخصّه في خصوصيات بيته أجنبي بعيد؟! ويخرج هو يشتغل ويعمل، هذا العمل أنت محتاج إليه، وقيامك به جزء من الحياة، طيب، فإذا كان الرجل يخرج للوظيفة و امرأته كذلك؛ يأتون بشغالة في بيتهم هنا، يأمنونها على بيتهم ومنازلهم وعلى أولادهم! كان أجدر من هذا أنتِ بدل ما تشتغلين في الخارج، قومي بهذا الشغل الذي وسط البيت، هذا يخصّك! ومن خصوصيته لك تعود عائدة الإحسان والإتقان فيه على المجتمع ككل وعلى حياة البشرية، لكن بهذا الإهمال؛ هناك من وجدوا أنهم لقّنوا بناتهم كلام المسيحية، ومن لقنوا بناتهم وأولادهم كلام الإلحاد… فتصبح الساعات التي يقضيها الطفل -ذكرًا أو أنثى- مع الشغالة -وقد تكون غير مسلمة- أكثر من الساعات التي يقضيها مع أمه ومع أبيه!! ستسري إليه ثقافة ثانية، وكلام ثاني، وأمر ثاني… و حصل في الدول فيما حوالينا أنه اختفى بعض الأطفال الذين يأمنون عليه شغالة -كانت من الفلبين- وتبحث معهم عليه، وفي الأخير حصلوها كانت ذبحته وتأكله، وعاد باقي الرجل في الثلاجة خرّجوها! لأنه بعضهم يأكلون الأطفال، ومنهم من قتلت أخلاقه وقيمه، ومنهم من قتلت دينه، ومنهم من قتلت جسده وروحه… لا إله إلا الله!!

ولكن ما هو هذا؟ تأتين بواحدة من بلاد أي بلاد، تقوم بشغلكِ الأساسي المهم الذي عليه يترتّب أمر الحياة وتقويمها، وتذهبين أنتِ في شغل غيركِ، شغل ما يهمكِ.. تنفعين شركة أو وزارة.. والبيت الأساسي تهملينه وتتركينه؟! وإذا ما تركوا في البيت أحد وراحوا.. والبيت يحتاج شغل، فإذا رجعوا.. الرجل متعب والمرأة متعبة، من يقوم بشغل البيت؟! من سيُحسنه؟ لا حول ولا قوة الا بالله! لماذا لا تدركوا بعقولكم أنه لكم في الحياة مهمات وسط البيت ومهمات خارج البيت؟ جاء تقسيم الفطرة والعقل والشّرع أنه:

  • أولى بالعمل وسط البيت: المرأة.

  • أولى  بالعمل خارج البيت: الرجل.

  • وإذا فرغ الرجل.. يساعد في عمل البيت، كما كان أهل النبوّة، وكما كان صالحو الأمة. 

  • وإذا احتاجت المرأة واضطرّت إلى عمل خارج البيت فتقوم بضوابطها وآدابها، لا بلعب ومسخرة، وبيع للقيم والمُثل والدين والعِرض، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

 وهكذا جاءوا وقالوا بدعواهم الكاذبة: أنه لا بد أن تشارك في الحياة وفي العمل! من الذي خرّج عمل البيت من المشاركة في الحياة؟ ما هو حياة.. هذا موت يعني أو إيش؟ هذا من الموت يعني ما هو من الحياة؟! أساس الحياة هذا صلاح البيت، والعمل وسط البيت أليس حياة؟ عجب والله!! هذا خارج الحياة يعني؟..  في عالم ثاني! طيب .. بعد ذلك لا بد تخرج.

وأكثر بلاد المسلمين كان النساء يخرجن لحاجات ولكن بسترهنّ وحيائهنّ وحشمتهنّ، لكنهم ما يريدون هذا، قالوا: لا بد أن نحرر المرأة! وعندنا في كثير منها، حتى وسط وادي حضرموت، وأكثر بلدان المسلمين، كثير من الزراعة كانوا يقمن بها النساء، وكثير من المهن والحرف في الحياة كن يقمن بها النساء، ولكن محتشمات متأدبات، غير مختلطات بالرجال، قالوا: لا، لابد المرأة تعمل، المرأة عندنا تعمل!... لكنهم ما يريدون هذا العمل، يريدون عمل تبرّج وزينة وشر، هذا هو حقهم التبرج الذي يدعون إليه. 

هم الذين لا يبالون بقتل النفوس، في كم أشهر الذي يصرَّح بقتلهم فوق 33,600 وأكثر.. 33 ألف إيش هذا؟! 

 غزوات النبي عندما قوّم أمر الرسالة، مرّت كلها سبعة وعشرين غزوة، وسبعة وأربعين سرية، جميع القتلى من المسلمين والكفار لم يبلغوا الألفين!.. في سبعة وعشرين غزوة وسبعة وأربعين سرية في حياته، القتلى من الطرفين ما وصلوا هذا العدد، وهؤلاء في عدة أشهر وصلوا، يقتلونهم قدّام الناس! هذا في عصر التقدم والتطور وحقوق الإنسان!! 

إيش بعد هذا؟! هم نشَرَة الخمور، هم نشَرَة التبرج والتعالي، وهم قتلة النفوس، من ضحك على خلق الله.. تقدّم وتطوّر وكلام فارغّ والله لا خير إلا فيما أرسله الربّ على أيدي الأنبياء ،هذا الخير لنا ولهم ولجميع البشر. واحد يخالفه يجيب الخير من أين؟! من عنده أو من عنده حزبه.. هذا الرب الذي خلق، أنزل الكتب، وأرسل الرسل.. الخير من أين يجيء هذا؟ من عند غير الخالق يعني؟! (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]. 

ولكن مصيبة المسلمين هؤلاء يغترّون ويغتشّون، ولا يفوقون إلا بعد سنين، وكم قد انتُهكت من حرمات، وكم قد تغيرت من أفكار، وكم قد قُتّـل من الناس، ثم يرجعون يتفكّرون وينتبهون!…. كنت مثل الحمار أو الدابة طول السنين الماضية وراء ما سميته ثقافة وحضارة؟ نُزِع منك شخصيتك ومكانتك وهويتك وعِرضك وقِيَمك ودينك، وأنت يضحكون عليك! الآن ستفكر لن تقدر! ارجع قبل أن تكون ندامة بلا فائدة، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

  •  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ*وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) [آل عمران: 100-101].

  •  (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) [الانسان:24]

  • (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28]

  • (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ) [آل عمران:149] 

    • (يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ) يجعلونكم مستذلّين، يجعلونكم محكومين في صورة حكّام، مستعبَدين في صورة أحرار.

    • (يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ) يأخذوا ثرواتكم، ينهبونها منكم أمام أعينكم، يستغلونكم، (يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ). 

إن تريدوا الحقيقة.. أبعدوا الخوف منهم ومن غيرهم، (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) وإذا صدقتم وقمتم معه، (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) [آل عمران:150-151] سيَفزعون هُم، ويخافون هم، كائنين من كانوا.. من هم؟!  سيَخافون هم، إذا رجعتم إلى الله وقمتم. 

ولهذا وصف أحوال الأمة في مراحل تمر بها في آخر الزمان، يقول: لتنزعنّ مهابتكم من قلوب عدوّكم، ولتوضعنّ في قلوبكم المهابة من عدوّكم، ويسلط عليكم ذُلًّا، لا ينزعه منكم حتى تعودوا إلى دينكم، لا ينزعه منكم حتى تعودوا إلى دينكم.. أمّا تأتي لهذا أو ذاك، فالسياسات ستلعب بك إلى أبعد حد، ارجع إليه وهو الذي سيكفيك، والذي سيعزّك جلّ جلاله وتعالى في علاه. 

لا ينزع منهم الذل حتى يعودوا إلى دينهم. صدق الناصح حبيب الرحمن الكريم الفاتح سبحانه، ائتمنه على نصحنا فوالله ما قصّر سيدنا، وبيّن لنا، لكن نحن نتعامى ونتصامم، ونحن نفتح آذان قلوبنا للفجّار والكفار، ولو سمعنا نُصحه لكفانا شرفًا وعزًّا في الدنيا والآخرة. (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54]، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]. 

قال: "مقبلةً على صلاتها وصومها"، وهي بحُسن الخدمة للبيت والبعل -أي: الزوج- تنال ثواب أهل الجماعات والجُمعات والحجّات والجهاد! لأن النساء المؤمنات في الرعيل الأول بعقولهنّ وأذواقهنّ الشريفة الرفيعة شكين إلى النبي ﷺ، ورأين في هذه الأعمال مثوبات وأجور كبيرة، فقِهنَ ذلك، في صلاة الجماعات وكثرة الجماعات في المساجد والجمعة والحج إلى بيت الله تعالى والجهاد، وهذا حظهُن منه قليل، وأكثره للرجال، وقلن: يا رسول الله، أنت بعثك الله  للرجال والنساء؟ قال: نعم، للرجال والنساء، قالت: يا رسول الله فُضّلتم علينا معشر الرجال بالجماعة والجمعة والحج والجهاد، ونحن خادمات بيوتكم، وكافلات أولادكم، مهيئات مصالحكم، فما لنا؟ فرح من سؤالها ﷺ وأعجبه، وقال لِمن عنده من الصحابة: رأيتم امرأة أحسن سؤالًا من هذه؟

  قال: "أبلغي من وراءك من النساء، أنّ حُسن تبعّل إحداكُنّ لزوجها يعدل ذلك كله"، ولن يفوتكن ثواب جماعة ولا جمعة ولا حج ولا جهاد، وتحصلن ذلك كله من حسن قيامكن بالمهمات في البيوت. وهنّ ما قُلنَ سنُزاحم الرجال، ولا سنلعب معهم. قالوا نريد الأجر، نريد الثواب، عاقلات… ما حد ضحك عليهن في عقولهن، ولا اشترى منهن قيمهن وأخلاقهن، نساء واعيات صالحات فقيهات تنافسنَ على الأجر والثواب؛ هذا الذي يردنه.

ثم إنها مهمة كريمة اختارها الله للمرأة في خدمة البيت؛ لأنها تتعامل مع زوج، مع أم، مع أب، مع بنت، مع ابن، وأكثر عملها وتعاملها مع ذلك هذا هو الإنسان، والذين يخرجون هؤلاء أكثر ما يتعاملون مع نبات، مع حيوان، مع جمادات، كلها أجناس دون الإنسان، وهذا فوق قمة عملها أنها تتوجّه مباشرة إلى ذات الإنسان، كرامة وشَرَف ما يشاركها فيه إلا المعلَمين والمربَين؛ فقط هم هؤلاء الذين تتشارك معهم في التعامل المباشر مع ذات الإنسان. 

أما أكثر العمّال يتعاملون مع جمادات حيوانات نباتات يشتغلون معها، كلها أجناس دونية -دون الإنسان-. فالذي يتعلّق بتكوين الإنسان ومباشرة تربيته، هذا العمل الكبير الذي يقوم به المعلمون والمدرّسون وربات البيوت. وهنّ مشاركات في بناء هؤلاء قبل ذهابهم إلى المدارس، وأثناء ذهابهم إلى المدارس، وبعد خروجهم من المدارس. هنّ المشاركات في تقويم هذه الذوات من خلال العمل في البيوت. فما أشرف ما خصهنّ الله به من عمل!

 ولو كان الأمر بالتمنّي من دون ملاحظة الفطرة والتكوين والحكمة، نقول نحن -الرجال- أحسن اتركونا نحن في الديار؛ نرتاح أكثر، وتخف علينا المشقّة، روحوا إن ستكسرّون أو تحفرون أو تزرعون.. خذوا الأرض لكم، اتركونا وسط الديار مرتاحين ونتعامل مع الإنسان وانتهينا! لكن المسألة ليست بالتشهّي، وكلٌّ يقوم بمهمته فيتكامل البشر

قال: "مقبلة على صلاتها وصومها"، قالوا لبعض الأطفال تعجّبوا في أوّل عمره يسرد سورة يس، طفل ما يعرف يقرأ ولا يكتب، من أين تحفّظت؟ من أين عرفت؟  قال: أمي كل يوم لما تقوم بالخدمة في الدار بعد صلاة الصبح تقرأ يس، وأنا حفظتها منها، حفظها من أمه، فكانت النساء مقوّمات للديار، عبادةً وعملًا، كله عبادة أيضًا.

"ناظرةً في عيبها" لتصلح عيبها، "متفكرةً في دينها" ورقيّها فيه، "مديمةً صمتها" فلا تُطلق لسانها إلا في خير،  "غاضّةً طرفها" إيش معنى غاضّة طرفها؟ يعني تتبع الجوالات؟ هذا مثال… "غاضّةً طرفها" وحتى وقت ليس فيه جوالات؛ (قل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور:30-31]. 

قال: "مراقبةً لربّها، كثيرة الذكر له، طائعةً لبعلها، تحثّه على طلبه الحلال"، كان صالحات النساء تقول: انتبه أن تُدخل بيتنا شبهة أو حرام، اذا يوم ما جئت بشيء، لا بأس.. نقدر نصبر على الجوع، لكن النار ما نقدر نصبر عليها.. فلا تدخل بيتنا شبهة.

"ولا تطلب منه الكثير من النوال، ظاهرة الحياء، قليلة الخناء، صبورة شكورة، مؤثرة في نفسها، مواسية من حالها وقوتها. وإذا استأذن بابها صديق لبعلها، وليس بعلها حاضرًا، لم تستفهمه، ولا في الكلام تعاوده، غيرة منها على نفسها وبعلها منه."، إذا كان غير موجود، وكنا نعهدهن يأتين يسألنَ بعض أكابر العلماء وصلحائهم، فلما تريد تسأل رأيناهن هي خارج الغرفة، والعالِم داخل الغرفة، وتكلّمه من عند باب الغرفة، تضع يدها على فمها وتتكلم معه،  وتسأله كل ما تكلمت وضعت يدها فلا يُعرف صوتها، يُفهم ما قالت لكن متنكرة بصوتها وهي تسأل عالِم. رأيناهن.. كن يأتين يسألن الوالد في أمور مهمة لهن وخاصّ في دينهنّ وفي بيوتهن، جالسة خارج الغرفة عند الباب، والوالد بالداخل وهي كل ما تكلمت وضعت يدها على فمها، ما هو صوتها صوت ثاني، لكن يُعرَف إيش قالت ويجيب عليها. لا إله إلا الله! من أين تعلمن هذا؟!

نور الوحي وهدي النبوة، هؤلاء ما غشّهم من يسمون أنفسهم أهل الحضارات، ما غشّوهم، اتصلوا بفوق، فكُن أهل فوق. فهؤلاء أقرب أن يرين وجه فاطمة الزهراء، وأن يرين وجه خديجة الكبرى، وأمهات المؤمنين في البرزخ وفي القيامة، لا من تشبّهت بالفاسقات في الأرض، سترى وجوه المقرّبات بعدين في القيامة؟! صعب عليها..  تَصِل أو ما تصل، "من تشبّه بقومٍ فهو منهم".

الله يصلح قلوبنا، ويصلح أعيننا، وينظر إلينا ويقرّبنا إليه زلفى، ويجعلنا من أهل الوفاء وأهل الصفا، ويقبل منّا صيام رمضان وصيام الست من شوال، ويبارك في اجتماعاتنا وعواداتنا، ويجعل فيها إمدادات واسعة من حضرته، تفيض فائضاتها على القلوب والقوالب والديار والمساكن والمجتمعات والمسلمين في المشارق المغارب، وعلى الأمّة، ويأذن بكشف الغمة وجلاء الظلمة وتثبيت القلوب والأقدام على ما هو أحب وأطيب وأرغب وأرجى وأتقى وأنقى وأحظى لنا بالخير في الدنيا والآخرة، وأنفع للعباد والبلاد، ووقانا الله شرّ النفس والهوى وشياطين الإنس والجن، ورزقنا الصدق والإخلاص والقبول التام لديه في خير ولطف وعافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

06 شوّال 1445

تاريخ النشر الميلادي

15 أبريل 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام