شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -39- آداب الشرب، وآداب النكاح

للاستماع إلى الدرس

الدرس التاسع والثلاثون من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، ضمن الدروس الصباحية لأيام الست الأولى من شوال 1445هـ، آداب الشرب، وآداب النكاح.

فجر  السبت 4 شوال 1445هـ.

يتضمن الدرس:

  •  الشرب باليمين
  •  التسمية قبل الشرب
  •  عظمة قول: الحمدلله
  •  أقوى أسباب زيادة النعم
  •  شرب الماء مصا والنهي عن شربه عبا
  •  طريقة التنفس أثناء الشرب وما يقال مع كل نفس
  •  ماذا نقول بعد الشرب؟
  •  حكم شرب الماء قائما مع استثناء ماء زمزم
  •  أدب مناولة مَن على اليمين
  •  ميزة الدوران إلى اليمين
  •  آداب الرجل إذا أراد النكاح
  •  الأصل في اختيار الزوج/الزوجة هو الدين
  •  سبب فساد الأسر
  •  نجاح الزواج في السابق وكثرة فشله في زمننا
  •  تغير مقاصد الزواج عن الأصل
  •  تنبيه عن عمل المنكرات في حفل الزواج
  •  الستر والحشمة بين الزوجين
  •  في ماذا يسأل الرجل عن المرأة؟
  •  البيوت التي تبنى على المحبة
  •  البحث عن الكمال بين الزوجين
  •  تغيير هيئة الإنسان في الجنة
  •  في ماذا تسأل المرأة عن الخاطب؟
  •  الأخلاق بين الرجل والمرأة
  •  أهمية غيرة الرجل على أهل بيته
  •  آداب الرجل مع زوجته
  •  مساعدة الرجل في شغل البيت

 

الصورة

 

آداب الشرب

"ينظر في إنائه قبل شربه، ويسمّي الله تعالى قبله ويحمده بعده، ويمصّه مصًّا، ولا يعبّه عبًّا، ويتنفس في شربه ثلاثًا، ويتبعه بالتحميد، ويرد بالتسمية، ولا يشرب قائمًا، ويتناول من كان على يمينه إن كان معه غيره. "

 

نص الدرس مكتوب: 

 

الحمد لله الملك القدّوس، المزكّي ما شاء من النفوس، الموجب لها بتزكيتها الفلاح المؤبد، والنعيم المخلّد. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، ونشهد أن سيّدنا ونبيّنا وقرّة أعيننا محمدًا عبده ورسوله، الأكرم الأمجد، الهادي إلى المسلك الأرشد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم غد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين اختصّهم الحق -تبارك وتعالى- بعطائه الأوسع الأرفع، الأكرم الأمجد، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكته المقرّبين، وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعدُ،

 يتوالى الكلام معنا في ذكر ما يتعلّق بالآداب التي خلّفها فينا من أُنزِل عليه الكتاب، ذلكم المصطفى محمد سيد الأحباب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن تبعه إلى يوم المآب. وذكر لنا آداب الأكل، ويذكر: "آداب الشرب"؛ من شراب الماء وأي شراب كان، قال: "ينظر في إنائه قبل شربه"، ينظر فيه حتى يرى ما فيه، ولا يكون اعترضه فيه شيء من الأذى أو القذر أو الحشرات أو غير ذلك، فينظر في إناء الماء قبل أن يشرب، وهذه من السُنن، ومتعلقة بمصالح ظاهرة وباطنة، ينظر في إنائه قبل شربه ما دام ذا بصر، فيبصر وينظر.

ثم بعد ذلك يتناول الإناء بيده اليمين من غير شك -كما سمعنا- وتقدّم معنا أنه لو كان في يده اليمنى شيءٌ من آثار الطعام على سبيل المثال؛ فلا بأس أن يأخذ الكأس باليسرى ولكن يضعها على ظهر اليمنى -يضع كفّ اليمنى تحت قاعدة الكأس- حتى يشربها باليمنى، فتكون هي الحاملة، ولا تكون اليسرى إلا الحافظة له من الانحراف والسقوط فقط، والحمل يكون باليمنى، فيشرب باليمين متابعًا للنبي الأمين، مبتعدًا عن مسلك الشيطان، فإنه يأكل بشماله ويشرب بشماله.

قال: "ويسمّي الله تعالى قبله"؛ قبل أن يشرب، بل يجعل تلك البسملة ثلاث مرات في كل نفسٍ؛ لأنه يشرب في ثلاثة أنفاس. "ويحمد الله بعده"، الحمد بعد الطعام وبعد الشراب وفي مواطن يتأكد الحمد فيها، والحمد لله في كل حالٍ مندوب ومستحب، قال نبينا ﷺ: "والحمد لله تملأ الميزان"؛ أي: ثوابها إذا قبلت تملأ الميزان، وكفّة الميزان أوسع مما بين السماء والأرض، فالمعنى: عِظم ثوابها لمن قالها مستشعرًا منّة الله عليه وفضله وجوده وكرمه وإحسانه إليه، وأنه مقصر في القيام بشُكر هذا المنعم جلّ جلاله. 

فاستشعار النعمة من الله -جلّ جلاله- وحده، وحمل النفس على القيام بالشكر لها، هذا من خير ما يُتقرّب به إلى الرحمن، ومن أقوى أسباب زيادة النِّعم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [ابراهيم:7]. "إن الله يحب من عبده أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها".

  يقول:  "ويسمي الله تعالى"، بسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم. واختار بعض أهل العلم أن يقول:

  •  في النفس الأول: بسم الله. 

  • وفي الثاني: بسم الله الرحمن.

  •  وفي الثالث: بسم الله الرحمن الرحيم.

قال: "ويحمده بعده، ويمصّه مصًّا، ولا يعبّه عبًّا"، لِمَا ورد في الحديث، فيشرب الماء بالمص، ولا يعبّه إلى الفم وإلى الداخل عبًّا، فإن عبّه يورث الكُباد. "ويتنفس في شربه ثلاثًا"، فإذا أراد التنفُس نحّى الإناء عن فمه وعن وجهه حتى يتنفّس خارج الإناء؛ فإما يلوي برأسه، وإما يُبعد الإناء ويتنفس؛ أولاً وثانيًا وثالثًا.

وعليه جاء استحباب بعضهم بتنويع البسملة والحمد، فيقولوا عند الشرب

  •  في أول نفس: بسم الله، ويأخذ له شربة، ويميط الإناء ويتنفّس ويقول: الحمد لله.

  •  ثم يشرب الثانية و يقول: بسم الله الرحمن، ثم يميط الإناء عن وجهه، ويتنفّس ويقول: الحمد لله رب العالمين. 

  • ثم يشرب في الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم، وينحّي الإناء ويتنفّس، ويقول: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم.

وممّا ورد في التحميد بعد الشرب: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، الحمد لله الذي جعله عذبًا فراتًا برحمته"، وذكر بعض أهل العلم: "ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا".

 والماء من آيات الله التي جعل الله منها حياة كل حيّ، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ) [الأنبياء:30]. فكم له من آياتٍ في هذا الماء، وجعل له نزولًا من السماء واستقرارًا في الأرض، (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون:18]. ويقول: (وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر:22] ، ما تقدرون تخزنونه ولا تمسكونه، ولكن الله يمسكه في بقاع من الأرض، كما يفجّر عيونًا ويُجري أنهارًا -سبحانه وتعالى- وجعل من البحر ما هو عذب وما هو مالح، وجعل لكلٍّ خصائص وفي كلٍّ فوائد وحِكم، لا إله إلا الله العلي الأعظم.

قال: "ويتبعه بالتحميد"، أي: كل نفسٍ يبدأ فيه بالبسملة ويتبعه بالتحميد. قال: "ويردّ" الشرب مرة أخرى "بالتسمية، ولا يشرب قائمًا" إلا لضرورة أو حاجة، وإلا فالشارب ينبغي أن يجلس ويشرب وهو جالس. 

  • واستثنى بعضهم ماء زمزم.

  •  وقال  أهل العلم: أن رسول الله ﷺ قد شرب قائمًا لبيان الجواز؛ ليبيّن الجواز.

وجاء أيضًا ضبطوا أنه لما شرب من ماء زمزم كان قائمًا، فبعضهم استثنى ماء زمزم، وقال: لابدّ أن يشرب قائمًا. وقال بعضهم: ينبغي لمن احتاج أو اضطر إلى الشرب قائمًا أن يحرّك أثناء شربه إبهامي رجله، وأن يقول: اللهم صلّ على سيدنا محمد الذي شرب قائمًا وقاعدًا، حتى لا يخرج عن أصلٍ في السنة والمتابعة.

قال: "ويُناول من كان على يمينه، إن كان معه غيره"، فالأولى بعد أن يشرب الشارب ماءً أو غيره، إذا كان يُدار به ويعطى الآخر، يكون الأولى من على اليمين؛ يسقي من على يمينه. وقد جاءنا في روايات في الحديث الشريف، أنه مرة كان على يمينه أعرابي، وكان على يساره سيدنا أبو بكر وبعض كبار الصحابة، فما حوّله إلى اليسار ولكن استأذن الأعرابي أن يعطيه أبا بكر.

وكذلك كان مرة ابن عباس وبعض كبار الصحابة عن يساره، فلما شرب، قال لابن عباس -كان صغيرًا- استأذنه أن يعطي الماء من على يساره، قال: لا أؤثر بفضلٍ منك أحدًا. قال: سؤرك والبركة منك ما أؤثر غيري، أنا أحق بها، فناوله إياه ﷺ.  

فالأولى أن يكون باليمين، وهكذا ينبغي لمن يدير ماء  أو يدير قهوة  أو يدير شيئًا، يقسّمه على النّاس أو يحتاج إلى المسار بين النّاس أن يبدأ باليمين، ولكن يمين من؟ ليس يمينه هو، لأنه هو يقابل الجالس أو يقابل الذي يعطيه، فيكون يمين الذي يعطيه مقابل يساره، فيدور هو على يساره، ليكون دورته بإعطاء الأيمن فالأيمن فالأيمن.. فيمضي هكذا.

وهكذا جاءت السُّنة باليمين. وفيما يتعلق أيضا بالدوران، جاءنا الدوران على الكعبة باليمين؛ إذا جعلت البيت عن يسارك، فأنت تمشي إذًا على اليمين، تمشي باعتبار البيت الأيمن، فالأيمن من البيت تدور عليه، فلا يجوز عكس الدورة، ويأتي هكذا.

وهكذا تجد أيضًا كتابة القرآن، كتابة اللغة العربية تبدأ باليمين، تمشي إلى الأيمن بالنسبة للمقابل، الأيمن فالأيمن. ولكن جاءت لغات العجم أكثرها تمشي بالعكس، تمشي على اليسار. وكذلك الساعات هذه، أتوا بها لنا على مذهبهم تمشي على اليسار، يضعون واحد كذا واثنين كذا، والمفروض يكون بالعكس، واحد اثنين ثلاثة، ترجع تمشي هكذا، ولكن جعلوها هكذا.

تنبّه بعضُ المسلمين لِعمَل الساعات تدور بالدَوَرَان، كَدَوَران المُؤمنين على الكَعبة، وهذا الدوران بهذه الصورة إلى اليمين عليه دَوَران الأرض، وعليه دَوَران الكَواكِب مِن فَوق، بل عليه دوران الجَنين في بَطنِ الأم، عِند التّكوين وله دَورات سَبع في مَرَاحِل تَكْوِينه، سبع وكُلّها بهذا الشكل، تمشي بهذا الشكل، فهذه الفطرة وهذا هو الأصل والذي عليه الأنبياء وعليه الصالحون والأولياء. ويُحبُّ الشيطان أن يَعكِس، كما يأكل ويشرب بشِمَاله يُحِب الكتابة بشِماله، دوران بشِمالِه، وكُل عمله يَعكِس منهج الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

قال: "ويُناوِل مَن كان على يمينه، إن كان معه غيره"، وإن كان الذي على اليسار أسَنّ أو أفضل أو أعلم، فيُعطي الذي على اليمين أو يستأذِنه أن يُعطي الذي على اليسار، فإذا أذِن هذا، سقطَ حقَّه وصار الحق للآخَر.

 

آداب النكاح

 

آداب الرجل إذا أراد النكاح

يطلب الدين، ثم بعده الجمال والمال إن أراده، ولا يشارط على ما يأتيـه، ولا يضمره، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا يأذن في إملاكـه وعرسه بما يُباعده من ربه ويزريه، ولا يجلس في خلواته حيث يرى غيره حرمته، ولا يقبلها بين أهله، ويبدؤها إذا خلا في سؤاله، ولا يكون سفيره كذابًا، ولا المخبر له نمامًا بل من خاصّتها، ويسأله عن دينها ومواظبتها على صلاتها، ومراعاتها لصيامها، وعن حيائها ونظافتها، وحسن ألفاظها وقبحها، ولزوم بيتها، وبرّها بوالديها، ويتلطف قبل العقد في النظر إليها، وبعده بما يبلغها بالكلام الجميل. ويبحث عن خصال والدها ودينه، وحال والدتها ودينها وأعمالها.

آداب المرأة إذا خطبها الرجل

تأمر من تأمن به من أهلها إن كان صدوقًا أن يسأل عن مذهب الخاطب ودينه واعتقاده ومروءته فى نفسه وصدقه في وعده، وتنظر من أقرباؤه، ومن يغشاه في بيته، وعن مواظبته على صلواته وجماعته، ونصيحته في تجارته وصنعته، ويكون رغبتها في دينه دون ماله، أو في سيرته دون شهرته، تعزم معه على القناعة وتكون لأوامره مطيعة، فهو آكد للألفة، وأثبت للمودة.

آداب الجماع

طيب الرائحة، ولطافة الكلمة، وإظهار المودة، وتقبيل الشهوة، والتزام المحبة، ثم التسمية، وترك النظر إلى الفرج، فإنه يورث العمى، والستر تحت الإزار، وترك استقبال القبلة.

آداب الرجل مع زوجته

"حُسن العشرة، ولطافة الكلمة، وإظهار المودة، والبسط في الخلوة، والتغافل عن الزلة، وإقالة العثرة، وصيانة عرضها، وقلة مجادلتها، وبذل المؤونة بلا بخل لها، وإكرام أهلها، ودوام الوعد الجميل، وشدة الغيرة عليها."

 

وهكذا يذكرُ من "آداب النِّكاح"، الذي هو من جُملة مُهِمَّات الحياة وضَروراتها وحِكمة بقاءَ النَّسل إلى الحدِّ الذي حدّهُ الله تعالى للناس، وقَبل قِيام الساعة لا تقبَل بُطون النساء حَمْلًا؛ ما تحمِل. فتُعقَم الأرحام ويموت الكبار، فلا يبقى إلا شباب، ليس فيهم مَن يقول: الله! -والعياذ بالله تعالى- فهم شِرار الخلق، عليهم تقومُ الساعة والعياذ بالله جلّ جلاله. 

يقول: "يطلبُ الدين"، وهذا الأساس الذي وضعه ﷺ أن يلاحِظه المؤمن عندما يُريد أن يتزوّج، أن يطلُب ذات الدين، قال: "فاظْفَر بذاتِ الدّين تَرِبَت يَداك"، وهكذا الذي يجب على المرأة ووَليّ المرأة أن يطلُبوا صاحب الدّين، "زوِّجها مِمَّن يتقي الله، إن أَحبّها أكرَمَها وإن كرِهَها لم يَظلِمها"، ومَن زوَّج ابنته أو كريمتَه مِن شارِب خمرٍ فقد قطَع رحمها، يُوقِعها في المشاكل والمصائب بسببه؛ يُعطيها مَن لا خلاقَ له. فإذا زوَّجها على فاسِق أو شارب خَمر فقد قطع رحمها، مِسكينة.. لأنه يتسبّب في الضر والأذى لها، وأن تعيش عِيشة نَكِدة، وأن تتعرّض لِفَساد أولادها مِن بعدها -والعياذ بالله تبارك وتعالى- ولهذا كان طلبُ الدّين هو الأصل والأساس.

وانحرفت عن هذا أفكار المسلمين بتأثيرات المُؤثِّرات عليهم مِن أُطرُوحات وأفكار وبرامج الكُفّار، حتى صار تحوّل المَقصَد كُله، حتى ربّما النظَر إلى الدين يكون آخر شيء عندهم أو لا يلتفِت إليه أصلًا! وهذا من جُملة الغِش الذي غشَّ به المسلمون وانحرفوا عن المَقاصِد، وانحرفوا عن إدراك المُرادات وكذلك عن التناسُب مع الفِطرة. فيُقدَّم شأنُ الدّين، ومن تزوَّجها لِمالِها لم يزِدْه الله إلا فَقرًا، ومَن تزوَّجها لجمالها لم يزِده الله إلا قُبْحًا، ومن تزوَّجها لِيغُضّ بها بَصَره ويُحصِّن بها فَرجه بارك الله له فيها وباركَ لها فيه.

وقال: "تُنكح المرأة"؛ يعني: في عادة الناس ومَقاصِدهم "لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحَسَبِها" - "ومن تزوّجها لحسَبِها لم يزِدْه الله إلا دناءَة"- "ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبت يداك". فاظفر بذات الدين تربت يداك.

قال: "يطلبُ الدين"، فهذا هو الأصل، وبعدهُ؛ بعد هذا الدين إذا أرادَ أو نظَر إلى جمالٍ أو مالٍ، فهذا يكون ثانويًا وبعيدًا، فأمّا أن يُجعَل هو الأساس فهو السبب في إفساد الأُسَر، وفي تشتُّت شَملِها، وفي عدم استقرارها؛ لأنه يترتّب عليه مُجرّد خيَالات وَهمية، يُزكِّي هذه الخيالات ويُنمِّيها صُوَر الخدع، صور الخُدَع الوهمية التي ينشرونها، وهي في الواقع غير مَوجودة، هي إنما مُجرّد تصوير وتفّنّن في التشْكِيل، فيظنُّها المتابع لها أنها هذا هو الواقع، ثم يَصطدِم في الواقع، فلا يستقر لهم قَرار، ولا تقوم لهم سَكينة وَسط الأسر. 

وقد مرَّ خِيار المؤمنين مع أنّ السُنة من السُّنة وما أباحه ﷺ وشرعه أن ينظُر إليها، أي: إلى الوَجه والكفَّين فقط مِن غير خلوة، جائز، ولكن نجَحَت في مُجتمعات مسلمين في مختلف الأنحاء، سواءً في اليمن، في الشام، في مصر، في العراق، على مدى قُرون، نجحت في تكوين الأُسَر واستقرارها، مِن قومٍ لا يوم رأى زوجته ولا يوم رأته هي، ما رآها إلا ليلة الزفاف، ولا رأته هي إلا ليلة الزفاف، وكان الآباء والأمهات يتخيّرون لأولادهم الصّالحين والخيّرين والأكِفَّاء المُناسبين، وكانت ناجحة.

أُسَرٌ تكوَّنت ودامَت ويعيش الزوج مع زوجته في الغالِب الأربعين، الخمسين، الستين، السبعين، الثمانين سنة، ولا مَشاكِل ولا طَلَاق، ونادر تسمَع الطلاق على مُستوى مُدن كبيرة فيها عشرَات الألوف ومِئات الألوف، نادر تسمع بحادثة طَلَاق، ثم تطوّروا على قولِهم!.. تطوّروا وقلّدُوا المُجتمعات الفاشِلة، قلّدوا المجتمعات الفاشلة وصار يقول يريد يتعرّف عليها أوّل مِن قبل العَقد يتمّشَّى معها ويَخرُج، و كَثُرت نِسبة الطلاق، وحصل الفشل في الأُسر وحصلت البلايا ولا جاء لهم مثل هذا بخير! بل بعضهم قد صلَّحوا حفل للخطبة وغيرها، ويتمّشى هو وإياها وقبل العقد، وبعضُهم بعدَ العَقد وقبل الزفاف، قد تَخاصمُوا وقد تنازعوا وقد بَطَل كل شيء، الأسبوع الماضي كانوا في حفل في قاعة بما أدري كم صلّحوها، والأسبوع الثاني قد هُم متنافِرين أو بيتحاكمون! هذا حصل بكثرة، من الانحدار في النَظَر والاقتداء، نظروا بأفكار الساقِطين والاقتداء بأهل الخِسَّة -والعياذ بالله تعالى- ولو جعلوا نُصبَ أعينهم أنبياء الله ورسله وصالحي عباده، لسلِموا من هذه المصائب وهذه البلايا والآفات. "فاظفر بذات الدين تربت يداك". 

"ولا يُشارط على ما يأتيه ولا يضمِرُه". ويقول ﷺ في النساء: "وأبركهنّ؛ أخفّهن مهورًا وأيسرهنً مؤونة"، ولم يزِدْ في مَهر نِسائه ولا بناته على 400 درهم. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وحتى صار بعض المسلمين في بعض البلدان يعدُّها لمُتاجَرَة، ويريد فلوس مِن وَراء تزويج ابنته، وبعضهم أيضًا بالعكس، ترتّب في عاداتهم قيامَهنّ بالخِدمة في البيوت، فيتزوَّج مِن أجل أن تقوم بالخِدمة في البيت، وتنهض به بشكل يستنفِد الطاقة وقد يزيدها فيُتعِب، وكل هذه الأغراض من المقاصِد التي تخرج عن الأصل، والأصلُ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ) [الروم:21]، ولا يُريدون إلّا الخير، ولهذا قال: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة:229]، إذا لن تستقرّ الحياة على الوَجه الطيب، فلا بأس أن تفتدي به من مالها وتروح، وإذا طلّقها كذلك ثالث مرة خلاص، (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ) يعني بعد الطلاق مرتين، (فَإِن طَلَّقَهَا) أي: ثالثًا (فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ) [البقرة:230]، إن غَلَبَ على ظنِّهم أنهم سيقيمون حُدودَ الله في الأسرة وفي الزوجية كما ينبغي، أما يقول أردّها وأنتقم منها أو هي تقول أرجع له وأروّيه!! لا ترجعون من الأصل، (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) [البقرة:230]. فهذا هو المقصود، وليست أغراض أخرى تدخل للناس في هذا، والمسألة أكبر مِن أن تكون مُتاجرة ولا دنيا، ولا شيء مِن هذه الأغراض الفاسدة.

يقول: "ولا يأذَن في إِملاكه وعُرسه بما يُباعده عن ربه"؛ من استعمال آلات مُحرّمة، من استعمال غناء قبيح، عِندك غناء زِين، غناء طيب، عندك آلات مُباحة، وعندك كلام طيب، ما تريد هذا؟ إيش عندك؟ إذًا أنت مريض، عندك مرض! إذا هذا ما كفاك تعبير عن الفرح وأُنس وانشراح، إذًا هناك خلل عندك تحتاج من يعالجك أصلًا! إيش الذي ما يخليك تفرح إلا بما يُخالف منهج الإله وسُنة مُصطفاه ومَسلك الصالحين، إيش الذي عندك؟ مرض عندك؟ عِلّة فيك؟ خَللْ في فِكرك وقَصدك؟ وإلا فهذا الذي شرعه الله كافي للسُرور والأنس والحبور والفرح والتعبير عن الفرح بتمام، وبعيد عن التقليد للفُجّار والكفار، وعن استعمال الكلمات البَذيئة والحركات الساقِطة الهابِطة المُخِلّة. فيجب عليه أن لا يُلابِس زواجه بشيء من هذه المُنكرات والمُحرّمات، فهي تُبعد البركة عنه وعن زواجه واستقراره مع أهله واستقرار أهله معه.

قال: "لا يأذن في إملاكه وعرسه بما يُباعده عن ربه، ويُزريه" ممّا يخرج عن الحياء والحشمة والأدب، "ولا يجلس في خلواته حيث يرى غيره حُرمته"، بل يَطلب الستر التام ويتنبّه من النوافِذ ومَحلّات النظر والعيون حتى يكون على أمان في السّتر والحُرمة. وهكذا يبتعد عن كل ما لا يليق أمام أهله، أمام قرابته، أمام غيرها، فتكون هناك الحُرمة والحِشمة، وإنما ما أباح الله لهم يكون في خلوتهم، وهكذا.

وكذلك فيمن يتزوّج قريبًا مِن شهر رمضان ونحوه، فينبغي مِن قبل الفجر إلى المغرب أن لا يكون في خَلْوةٍ مع أهله حتى يأمَن المحذور والوقوع في المحذور، من الشباب الذين يكونون حديثي عهدٍ بالزواج أو يتزوّج بعضهم في نفس شهر رمضان.

ويعمل على النصح والإحسان والصدق؛ فلا يدور في حديثهم ما يُباعد ولا ما يُثير النفرة ولا ما يكون غيبة أو نميمة، يريد يتأنّس مع أهله يغتابون أحد؟ لا.. أو ينمّون على أحد؟ لا.. ولكن بالكلام الطيب المباح. 

"ولا يكون سفيره كذابًا" فيما ينقل له الخبر ويجيب له الخبر هذه كذا.. أو عن الزوج، ينقلون خبر هذا الزوج وصفه كذا وفيه كذا.. ويطلعون كذابين بعد ذلك. "ولا المخبر له نمامًا بل من خاصّتها، ويسأله عن دينها ومواظبتها على صلاتها، ومراعاتها لصيامها، وعن حيائها ونظافتها، وحسن ألفاظها وقبحها، ولزوم بيتها، وبرّها بوالديها" هذه مظاهر الصلاح والعفاف. 

قال  -فيما أشار إليه من الرخصة في السُّنة من النظر- قال: "ويتلطف قبل العقد في النظر إليها، وبعده بما يبلغها بالكلام الجميل. ويبحث عن خصال والدها ودينه، وحال والدتها."؛ لأن العرق دسّاس، ولأن تمام الصفاء يتم إذا كان الخيرية منتشرة في الأسرة؛ الأهل والأب والأم وما إلى ذلك.

 وبعد ذلك كله فمن الآداب: 

  • أن يراعي بعضهم بعض.

  •  وأن يغض بعضهم عن هفوات الآخر.

 فإن أقل البيوت الذي يُبنى على المحبة ولكن "في الصبر على ما تكره خيرٌ كثير". قال ﷺ: "لا يَفرك" أي: لا يبغض "مؤمنٌ مؤمنةً" لشيءٍ رآه فيها، "إن كَرِهَ منها خصلةً رضيَ منها أخرى". وأما الكمال ما يأتي مجتمعًا لا في الزوج ولا في الزوجة. 

لهذا لمّا قال مرة الإمام أحمد بن حسن العطاس، لواحد بعد ما توفيّت زوجته، قال: ما لك ما تزوجت؟ قال: ما أظن أحصّل مثل تلك المرأة في أخلاقها.. و ما عاد لنا حاجة، قال له: لا، لازلت في شبابك وتحتاج للزوجة ولكن اشترط، هات الشرط وعلينا الجواب، أجيب لك الجواب، قال: إذا كان كذا.. أريد عفيفة نظيفة شريفة أديبة لبيبة... وجاء بأوصاف كذا، قال: كمّلت؟ قال: نعم، قال: شوفها في الجنة! هذه موجودة هناك في الجنة، أنت بتتزوج في الدنيا الآن أم في الجنة؟ في الدنيا، قذرة كدرة عسرة زالّة.. هذه الأوصاف حق الدنيا، لكن الدين والشرف نعم، نضمن لك الدين، قال: خلاص ما تراه مناسب بسم الله.. فتزوج امرأة صالحة وجاءت له بالأولاد.

هكذا شأن الدنيا، بعد ذلك في الآخرة لا الرجل هو الرجل ولا المرأة هي المرأة؛ هم نساء الدنيا يكنّ أجمل وأصفى من الحور العين. وهناك تركيبة كلها ثانية (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) [المؤمنون:14]، تتركب أجسادنا في القيامة خلاص تتحول أجساد ما تقبل الوسخ ولا القاذورات ولا يدخلها وسخ ولا يخرج منها وسخ، ولا تعرف حتى النخامة، ولا تعرف بول ولا تعرف شيء من القاذورات، وما لهم إلا عرقٌ كرشح المسك؛ تحوّلت التركيبة كلها، سبحان الخالق المكون جلَّ جلاله! فتُبدّل بعد الحكم بدخول الجنة والنار تُبدّل الأجسام. 

  • فيؤمر أهل الجنة يغتسلون هناك في نهر قبل دخول الجنة فتتبدّل، فيخرجون على طول ستين ذراع في عرض سبعة أذرع وفي غاية من الصفاء والجمال. 

  • وهؤلاء عندما يُحكم عليهم بدخول النار تتحول أحوالهم، حتى تضخّم جثة الكافر فيكون الضرس كجبل أحد! الفم حقه مدينة كاملة ذا كبير! وجاء في بعض الروايات: وغِلَظ جلده مسيرة ثلاث؛ ليحترق (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ليَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء:56].

وهكذا، ولو كان بالشكل هذا أحد بيدخل الجنة، هذه أنهار من لبن وأنهار.. ايش بيصلح؟! برسمته هذه ولكن يعطيه الله قوة، ويعطيه الله.. (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ) [المؤمنون:14] كما أعطانا المثل في تكوينك؛ من نطفة بعدين تحول علقة، تحول مضغة، ثم نفخ روح وكلام ثاني (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون :14] هذا في الدنيا، وكيف هناك؟ سبحانه عز وجل صاحب القدرة الطليقة.

  يقول: والمرأة إذا خطبها رجل "تأمر من تأمن به من أهلها إن كان صدوقًا أن يسأل عن مذهب الخاطب" سيرته "ودينه واعتقاده ومروءته في نفسه وصدقه في وعده، وتنظر من أقرباؤه" الآن عندنا بعض  الرجال وبعض النساء يفكرون أين شغله؟ وكم مرتّبه؟… هذا المقصود؟!! ولو مرتّبه أكبر مرتب في الأرض وبعدين يذوّقها المر أو يخون أو.. هل فائدة من هذا؟! لكن تنحرف أحيانًا العقول في تفكيرها ونظرها إلى الأشياء بتأثير مؤثرات تعرض لها، وإلا فهذا هو الأصل الذي علّمنا إياه رسول الله ﷺ، فزوّجها ممّن يتقي الله.

 يقول: "ومن يغشاه في بيته"، جلساؤه من؟ أصدقاؤه من؟ أصحابه من؟ 

عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه *** فكلّ قرينٍ بالمقارِن يقتدي 

ويقول العوام عندنا في معنى هذا: من ساير المسبوب يستب، كما يقع السبّ الذي على جليسه يقع عليه مثله. فانظر مِن مَن تخالل، فـ "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

 ثم إنه لكلٍ من الرجل والمرأة: 

  • المحافظة على طيب الرائحة. 

  • ولطافة الكلمة. 

  • وإظهار المودّة كذلك.

  • والتسمية.

  • والارتفاع عن عادة الحيوانات بالنيّات الصالحة وبالتسمية وإلى غير ذلك. 

  • وكراهة النظر إلى الفرج وما إلى ذلك؛ فإنه يورث العمى للشخص أو للولد.

 وما أرشدنا إليه ﷺ، من الآداب، وبعد ذلك تتلخّص في حُسن العشرة، (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19] خذها وفسّرها، فسّرها وامشِ عليها، تعرف المعروف؟ بالمعروف، شيء ما هو معروف ابعِد منه؛ سواءً نظرة، سواءً كلمة، سواءً معاملة، ما هو معروف ابعِد.. (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ) [البقرة:228] 

قال وكذلك:

  • ما يتعلق بإظهار المودة والبسط واستعمال المِزاح في بعض الأحيان.

  • والتغافل عن الزلات، وإقالة العثرة.

  • وصيانة العِرض هو الذي يُحافظون عليه؛ لأن الديُّوث لا يجد رائحة الجنة وهو: الذي لا يغار على أهله، لا يغار على زوجته لا يغار على بناته لا يغار على… 

وقد وجدوا في المطعومات التي تسلب الإنسان الغَيرة: لحم الخنزير -والعياذ بالله-؛ ولذا تجد الذين أحبّوا ذلك ورُبّوا عليه.. منزوعي الغيرة -سبحان الله- لا على زوجته يغار، ولا على بنت، ولا على أخت، ويُملي عليهم أهل الثقافات الهابطة الساقطة، وأن هذا متعلق بالحرية الشخصية مالكَ دخل!! هكذا تفسير أعوج، بعيد عن الكرامة للإنسان والقيمة والشرف والرِّفعة والسُنّة الإلهية والفطرة. 

وهكذا: 

  • وقلة المُجادلة 

  • "وبذل المؤونة" 

  • "وإكرام أهلها"؛ أهل الزوجة وإكرام الزوجة لأهل الزوج.

  •  "ودوام الوعد الجميل".

  •  "وشدة الغيرة عليها."

  • وكذلك مساعدتهم في البيت بما استطاع وما تيسّر؛ وقد كان ﷺ يكون في البيت في خدمة أهله، يرفعُ هذا، ويضع هذا، ويَقُمُ البيت، ويقطّع لهم اللحم بيده الكريمة ﷺ. 

ولما سأل بعضهم بعض أمهات المؤمنين قال: إنا نلقاه في الطريق فكأنه جيش مُقبل وإننا نهابه فكيف تعيشون معه؟! أنتم وسط البيت كيف تقدرون؟ ما بتقدرون تنبسطون أو تتكلمون! قالت: لا والله! كان يستر ذلك كله بحُسن خلقه، كان كأحدنا، يظل معنا يتحدّث معنا ونتحدث معه، ويضحك لنا ونضحك له، ويكون في خدمة أهله في البيت، فإذا أتى المؤذن بالصلاة قط قام فخرج كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه ﷺ. 

 وفي ذلك قالوا: ما يُنقِص الكامل من كماله ما جرَّ من نفع ٍ إلى عياله.

صلى الله على سيد المرسلين، حبيب رب العالمين، ورزقنا متابعته والاقتداء به في جميع شؤوننا. نعوذ بك أن تجعل لنا قدوة غيره، وأسوةً سواه، فلا يكون لنا أسوة إلا من أسوته، ولا قدوة إلا من قدوته، ومن أَمَرنا أن نقتدي به من أنبيائك ورسلك و صالحي عبادك، ومَن أمرتنا أن نكون معهم من عبادك الصادقين، بقولك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، ومن أمرتنا أن نتبع منهجهم في قولك (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ)[لقمان:15]، ارزقنا متابعتهم، وحرّرنا عن التبعية للأهواء والأنفس والشهوات وشياطين الإنس والجن، واجعل هوانا تبعًا لما جاء به حبيبك المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله في كل لمحةٍ ونفس،  صلّ عليه وعلى من والاه واتّبعه ودَخَل في دائرته، وعبادك الصالحين أجمعين، وعلينا معهم وفيهم، وأصلح شؤون أمته، واجعلنا في خيارهم وفي أنفعهم لهم وأبركهم عليهم، وانفعنا بهم عامة وبخاصّتهم خاصة بسِرِّ الفاتحة وإلى حضرةِ النبي ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

04 شوّال 1445

تاريخ النشر الميلادي

12 أبريل 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام