حياة القلوب والأرواح وأحوال أهليها وآثارها في الدارين | Tausia Haul al-Habib Ali Al-Habshi

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في ذكرى حولية الإمام الحبيب علي بن محمد الحبشي، في مسجد الرياض، بمدينة صولو، مقاطعة جاوة الوسطى، إندونيسيا، ضحى الأحد 20 ربيع الثاني 1447هـ بعنوان:

حياة القلوب والأرواح وأحوال أهليها وآثارها في الدارين

لتحميل نسخة pdf

اقرأ: تقرير عن ذكرى حولية الإمام علي بن محمد الحبشي

مقطع قصير من الدعاء:

 

نص المحاضرة:

الحمد لله الحيّ القيوم، الحاضر الشهيد، المُبدئ المعيد، الفعّال لما يريد، بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء، أرسل إلينا سيد كل شيء، مَن ختم به الرسالة وأحسن به الدلالة، وجعلنا به خير أمة، عبده المصطفى محمد وحبيبه المختار أحمد.

هو النور المبين به اهتدينا ** هو الداعي إلى أقوى سبيلِ

أتانا داعيًا بالحق يدعو ** إلى الإسلام بالقول الثقيلِ

فبادر بالإجابة كل عبد ** مطيع للإله وللرسولِ

وأنكر كل ذي بغي وكفر ** وأعرض كل ختّال ضلولِ

ففاز المقبلون بكل خير ** وعقباهم إلى الظل الظليلِ 

وخاب المعرضون وكان عقبى ** معاصيهم إلى الخزي الوبيلِ

فحمداً لربٍّ خصَّنا بمحمدٍ ** وأخرجنا من ظلمة ودياجرِ

إلى نور إسلام وعلم وحكمة ** ويُمن وإيمان وخير الأوامرِ

 فيا ربِّ ثبتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير ملَّةِ

حقيقة الحياة وسجود القلب

وآثار الاستجابة لدعوة الله ورسوله هي مجلى رحمته في هذا الوجود، وسبب الحياة الحقيقية الطيِّبة العَلِيّة.

قال لنا الإله جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

 نحيا بها إذا استجبنا لدعوة الله ورسوله؟ هي التي أشار إليها في قوله جل جلاله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وحياة القلب إذا أُكرِم بها المؤمن في هذه الدنيا بقي حيًّا أبدًا، وعلامة حياته سجوده للحق، وعلامة سجوده: إجلاله وإعظامه للرب في كل شأن، وتقديم لأمره على كل أمر، واستقامته على منهاجه دون أي شيء يخالفه، وتذلُّله لعظمته، ورجاؤه الواسع الواثق في رحمته، وخوفه القوي البالغ من هيبته وسطوته.

وكما أن للقلب سجود إذا سجد إليه لا يرفع عنه أبدًا، فإذا حيَّ دامت حياته أبدًا، فلا يكون معنى الموت بالنسبة له إلا انتقال من دار إلى دار.

وهذا الذي كتبه الله على كل ذي روح من جميع الكائنات: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).

ولكن لا أيام كانت الروح وسط البدن وبعد انتقالها منه سواء، كحياة الذي لم يحيَ بهذه الحياة أيام كانت روحه وسط بدنه ولا بعد خروجها من بدنه. 

يقول جل جلاله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).

المؤمن سبب لدفع البلاء

فمَن حيَّ قلبه فهو في أيام الحياة الدنيا ذو نفع لعباد الله، ورحمة على خلق الله، وسبب لنشر النور في عباد الله، وهو سبب لنزول الرحمة ودفع البلاء والآفات.

كما قال سبحانه وتعالى عن المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا في مكة، أيام سُلطة الكفار والمشركين في مكة، أخَّر الله تعالى عن الكفار العذاب وأمهلهم إلى مدة حتى تاب من تاب ورجع إلى الإسلام من سَبَقت له السعادة.

يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).

ومعنى (لَوْ تَزَيَّلُوا): لو خرجوا من بينهم وبعدوا عنهم.

فكانت سُنة الله تبارك وتعالى في هذه الحياة أن يدفع بأهل الإيمان والقُرب منه البلاء والآفات الكثيرة عمَّن يكون بينهم وفي أوساطهم، وبذلك قالوا: الجار الصالح يكون سببًا للنفع في الدنيا والآخرة، كما أن الجار السوء سبب للبلاء في الدنيا والآخرة.

معروف الكرخي

وبذلك جاء أنه لما قُبِر سيدنا معروف الكرخي عليه رحمة الله تبارك وتعالى، فروي بعد موته ما فعل الله به، قال لما وصلت إلى البرزخ، أعتق الله عن يميني عشرين ألفًا، وعن يساري عشرين ألفًا، وأمامي عشرين ألفًا، ومن خلفي عشرين ألفًا، أعتقهم من النار إكرامًا منه لوصولي.

وكان بعض الصالحين توفيت له صغيرة وكان معلق بها فكان يراها كثيراً، فرآها مرة وإذا شعرها قد ابيض، فقال هل عندك عذاب يا ابنتي؟ قالت ما علينا عذاب، ولكن أمس قبروا عندنا فلان بن فلان فزفرت جهنم لقدومه زفرة شاب منها كل رضيع.

زيارة النبي محمد لقبر موسى عليه السلام

وبذلك صح أيضاً في الحديث، أن سيدنا موسى عليه السلام لما جاءه الموت، قال يا رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، قرِّبني من الأرض المقدسة، وإنما قدسها الله بالأنبياء الذين فيها.

ثم روى لنا الإمام مسلم في صحيحه، أن رسول الله ﷺ قال: مررتُ ليلة أُسري بي على موسى وهو يصلي في قبره، ووصف ﷺ مكان قبره، وقال: لو كنتُ هناك لأريتكم قبره، أي أدلكم على عين قبره ومكانه بالضبط! 

وما هذا الاعتناء من رسول الله ﷺ بتحديد موضع القبر؟ لو لم تكن لنا فائدة في معرفة القبر وأعيانها، وما معنى مروره على قبر موسى وهو متوجه إلى بيت المقدس وصاعد إلى السماوات العلى وفوق السماوات العلى؟

ويوقف جبريل البراق ليزور قبر موسى على الأرض، إذا نظر عملهم هذا جاهل بحقائق الشريعة لقال جبريل قبوري والنبي محمد قبوري، ومتوَجِّه إلى بيت المقدس وصاعد إلى السماوات العلى ويمر عند القبر؟ تلك سنته ﷺ، وهذا توحيده وتوحيد جبريل عليه السلام، فإن كان أحد اخترع توحيد جديد غير توحيد رسول الله وجبريل فليأخذه له! فإننا نريد الإيمان بالله وتوحيد الله على قدم محمد بن عبد الله، وهو الحق الذي ما سواه باطل.

أمان الأمة بالاستغفار

ويؤكد الحق جل جلاله سنته التي ذكرناها في قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). فوجود المستغفرين سبب لرفع العذاب، وهو الأمان الثاني، والأمان الأول كون رسول الله فيهم:

  • فأما كونه فيهم بجسده الشريف فقد انتهى هذا بانتقاله إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم،
  •  وأما كونه فيهم بمحبته ومودته وتعظيمه واتباعه والانطواء فيه؛ فهذا باقٍ في الأمة.

بل كونه فيهم بوجود ذريته وخاصة ذريته وخلفائه من ذريته فيهم، أمر منصوص عليه في عقيدة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وقد روى الإمام البخاري عن سيدنا أبي بكر الصديق أنه قال: "ارقبوا محمدًا في آل بيته"، وروى أيضاً عنه أنه قال: "لقرابة رسول الله ﷺ أحب إليَّ أن أصل من قرابتي".

 الاجتماع على ذكر الله

ولقد جمع الله لكم أنواعًا من الخيرات، وشملكم سبحانه وتعالى بحسن التوجُّهات، واجتمعتم من بلاد شتى وقبائل شتى على ذكر الله جل جلاله، محبة لله التي إذا صدقت وكمُلت ترتَّبَ عليها محبة رسوله، ومحبة أنبيائه، ومحبة أوليائه، ومحبة محبوبيه، وما أحب جل جلاله.

فالله يُكرم هذه القلوب بحياة تحيا بها أبدًا.

استغفار النبي للأمة

وقال ﷺ: "حياتي خير لكم ومماتي خير لكم"، قالوا: حياتك خير لنا، فكيف مماتك خير لنا؟ قال: "حياتي خير لكم أسُنّ لكم السنن وأُشَرِّع لكم الشرائع، ومماتي خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم، فما وجدتُ من خير حمدتُ الله، وما وجدتُ غير ذلك استغفرت لكم".

فيستفيد أهل عمل الخير والصالحات بحمد رسول الله عنهم، فإن كان الله تعالى يزيدنا من نعمه إذا شكرناه نحن، فكيف إذا شكر عنا عبده وحبيبه محمد؟ فعظيم ما يُحصِّل الصالحون من الزيادة بحمد رسول الله عنهم.

 ويستفيد المذنبون باستغفار رسول الله لهم، ويتعرّضون للمغفرة وقرب المغفرة وعظمة المغفرة باستغفار سيدنا رسول الله ﷺ.

وقد أرشد الله كل من أذنب إلى ذلك فقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)، فلم يكتفِ باستغفارهم هم لنيل الجزاء الكبير، لكن قال: (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)، يجدون الله تبارك وتعالى: بقرب منهم، وبِتَجَلِّيه عليهم بوصف التوبة والرحمة، (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).

والله يجعل جميع الحاضرين مِمن تتهيأ قلوبهم للحياة، ويقبل منهم استغفارهم، ويستغفر لهم رسول الله، ويستغفر لنا أرباب البرازخ ممن تُعرَض عليهم مجامعنا.

فقد أخبر ﷺ أنه تُعرَض أعمال المؤمن على من مات من آبائه وأجداده، وأنهم يستغفرون له ويدعون له، أو يدعون عليه إذا تمادى في العصيان.

فتعرَّضوا لهذه الرحمة، وأن تجدوا الله توابًا رحيمًا في مجمعكم هذا.

آثار الحبيب علي الحبشي

وكان صاحب الحولية سيدنا الحبيب علي الحبشي يجمع الناس في مجامع كثيرة، ومنها مجامعه الكبيرة، يقول: ما جمعتكم إلا لتلتَقُوا بأكابركم وأخياركم وتتوجهوا وجهة واحدة إلى الله يرضى بها عنكم وينظُر إليكم.

وكانت مجالسهُ ملآنة بالخشية والمحبة والروحانية، وكثيرًا إذا انتصب قائمًا ليُكلِّم الناس تبدأ القلوب تخشع وتهمل العيون بالدموع قبل أن يبدأ في كلامه.

وهِمته الكبيرة في الوجهة إلى الله تبارك وتعالى هي التي أبقت في هذه الآثار قوة وانتشارًا في الأقطار.

وفي الحديث القدسي، يقول الله: "إذا أطاعني عبدي رضيت عنه، وإذا رضيت عنه باركت فيه وفي أثره، وليس لبركتي من نهاية، وإذا عصاني عبدي غضبت عليه، وإذا غضبت عليه لعنته، ولعنتي تبلغ السابع من الولد"، ارحمنا برحمتك الواسعة، ارحمنا برحمتك الواسعة، ارحمنا برحمتك الواسعة، يا أرحم الراحمين.

دخول الإسلام وانتشاره في إندونيسيا

فهذه مظاهر رحمة الله تبارك وتعالى، أدخل الإسلام في دولتكم هذه بداية في أفراد من القرون الأولى، ثم نشر الإسلام في القرن السادس والقرن السابع من الهجرة والقرن الثامن حتى عمَّ الرعيّة والرعاة في هذه المناطق بواسطة ذرية رسول الله ﷺ، وكان أشهرهم أولئك الأولياء التسعة الذين تفرّقوا في بلادكم.

ثم أوجدَ من بينكم أصفياء وأتقياء ومخلصين، تلقَّوا الأنوار بِصدق ووجهة إلى الرحمن، فارتفعت مراتبهم وربَّوا من حولهم؛ على حقائق الإسلام والإيمان والإحسان.

ومن أبرز ذلك: تقوية المحبة في القلوب لله ورسوله وآل بيته وصحابته والصالحين خاصة والمؤمنين عامة.

ثم أورد إلى بلدانكم عالم بعد عالم، وصالح بعد صالح من آل بيت رسول الله ومن غيرهم من الصالحين، حتى برزت فيكم هذه المجامع وهذه الحوليات وهذه التوجُّهات، استنانًا بسنة خير البريات وتعرُّضًا للنفحات والرحمات، واستدفاعاً للبلايا والآفات.

وكان من أبرزها في أعوامكم هذه: هذه الحولية للإمام علي بن محمد الحبشي، وقد كان يجمع الخاصة من مختلف الأقطار، وصار الآن جامعاً للخاصة والعامة من مختلف الديار.

 المتحابين في الله

فصار ينطبق عليهم ما قال النبي المختار: "هم المتحابون في الله من بلاد شتى وقبائل شتى، يجتمعون على ذكر الله فيذكرونه"، قال ذلك بعد أن قال:  "ليبعثنّ الله أقوامًا على وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الأنبياء والشهداء، ليسوا بأنبياء ولا شهداء"، فقالوا: حلِّهم لنا نعرفهم، فذكر هذه الأوصاف: "هم المتحابون في الله". جعلنا الله وإياكم منهم،" من بلاد شتى وقبائل شتى يجتمعون على ذكر الله فيذكرونه".

اللهم وما جعلت في مجامع الذكر من خيرات فاجمعه لنا في هذا المجمع، وعلامة الاستجابة لهذا ما تحسّونه في القلوب من إنابة إلى علام الغيوب، وصِدق في إرادة التَّنَقِّي عن العيوب، والهجر لجميع الذنوب.

حقيقة الهجرة

فإنّ المهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه، ويلحق بالمهاجرين الأوائل في أي زمن عاش؛ بهجرهِ ما نهى الله عنه، في قلبه أولًا.

هجر الكبر

يهجر الكبر فلا يتكبر على أحد من خلق الله، من رأى نفسه خيرًا من أحد من المؤمنين فهو المتكبر، ولا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كبر.

هجر العجب

ويهجر العُجب، وهو نسبة الأشياء إلى نفسه ناسيًا أنها مِنَّة الله تعالى، وكانوا يذكرون رجلًا بكثرة الطاعات والعبادات لرسول الله، وبينما هُم جالسون أقبل الرجل يقطر ماء الوضوء على وجهه، قالوا: هذا الذي ذكرناه لك يا رسول الله، قال: "لكني أرى على وجهه سفعة من الشيطان".

فلما دخل إلى عنده قال له: "أحَدَّثتكَ نفسك أنك خير من في المجلس؟" قال: نعم، قال: "فقد رأيتها على وجهك سفعة من الشيطان"، سفعك بها.

هجر الحسد

ويهجر في قلبه الحسد، فلا يحسد أحدًا من خلق الله على نعمة أنعم الله بها عليه، فإن الله تعالى يُقسِّم باختياره وبعلمه، والحسد اعتراض على الله، وإن أردتَ خيرًا فاسأله من الله يعطيك.

وأي تمَنٍّ لزوال النعمة على أي مخلوق فهو سبب لحط أعمالك الصالحة، الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فإذا اشتعلت النار في الحطب كم تحرق في اليوم الواحد؟ وإذا اشتعلت نار الحسد في حسناتك كم تبقى لك من الحسنات؟

هجر سوء الظن

يهجرون نية السوء وسوء الظن بأحد من خلق الله، هذا بعض ما يتعلَّق بالقلب.

هجرة الأعضاء عن المعاصي

هجر النظر المحرم

وفي الأعضاء: عيونهم تهجر النظر إلى ما حرم الله، امتثالًا لأمر الله: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ). 

وذكر المحارم سبحانه وتعالى، فحرَّم على المرأة أن تظهر زينتها لغير هؤلاء، وذلك هو الخير للمرأة والرجل، وهو الخير للمجتمعات.

وكما سمعتم في كلام العلماء: حذَّر رسول الله ﷺ من أن تظهر المرأة طِيبًا لها وعطرًا يشمه الرجال الأجانب، وأنها بهذا تكون في إثم الزنا.

تحريم المصافحة بين الأجانب

وحذَّر الرجل المؤمن من أن يصافح المرأة الأجنبية من غير حائل، وقال: "لأن يُطعَن أحدكم بمِخيَط في عينه خير له من أن تمسّ يده يد امرأة لا تحل له".

هجر النظر إلى الدنيا بعين الإكبار

ويهجر النظر إلى الدنيا بعين الإكبار أو الإعظام والاستحسان: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)،أي نختبرهم، (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ).

هجر احتقار المسلمين

ويهجر في العين أن ينظُر إلى أحد من المسلمين بعين احتقار، ولا يذكر إلا محاسنهم.

وكذلك بقية الأعضاء يحفظها عما حرم الله، فهذه الهجرة التي يلحق صاحبها بالمهاجرين الأوائل في أي زمان عاش.

دعاء وتوجه إلى الله

فالله ينظر إلينا وإليكم في هذا المجمع، يغفِر لنا ما مضى ويحفظنا فيما بقي، ويتوب علينا توبة نصوحًا، يُزكِّينا بها قلبًا وجسمًا وروحًا.

يبارك لنا في حضور الوافدين، ومجيء منصب الحامد ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، ومنصب الإمام عمر بن عبد الرحمن العطاس، ومن حضر من العلماء وأهل الوجهة والخير، ومن جاء من ذرية الحبيب علي الحبشي من حضرموت إلى ذريته في هذه البلدة، ومن حضر من أهل الوجهة إلى الله، وأهل صفاء السريرة، وأهل الصدق مع الرحمن وجميع الحاضرين.

ينظر الله إلى الجميع، يُشفِّع فينا حبيبه الشفيع، وأهل الشفاعة من أهل المقام الرفيع، يطوِّل عمر حبيبنا حسن بن محمد أنيس بن علوي وإخوانه وأولادهم وأحفادهم ومُحبيهم في عافية كاملة، ويُبلِّغ فيهم آمال أجدادهم إلى الحبيب الأعظم، ويُبلِّغهم فوق آمالهم ببركات آبائهم الصالحين.

ويجزي الله المساهمين في هذه الخيرات، وما تقوم به الدولة والشرطة من ترتيب للمجالس، وهذا شرف لهم وكرامة وسبب للخير لهم ودفع الشر عنهم، الله يقبل منا ومنهم أجمعين، ويجعل الجمع سببًا لرضوانه وواسع امتنانه، ودفعًا للآفات والبلايا والبليات والرزايا، عن أهل إندونيسيا وأهل آسيا وأهل المشرق والمغرب من المؤمنين والمؤمنات.

الدعاء لأهل فلسطين

وأن لا تعقُب فرحة أهل فلسطين برجوعهم إلى أماكنهم، لا يعقبها ترحة لهم وبنقض الكفار الخباث لعهودهم، الله ينصر المسلمين.

 اللهم رُدَّ كيد الظالمين والمجرمين، ومن ظهرت صورة حضارتهم وادِّعاءهم للتقدُّم أن يمكثوا سنتين يقتلون في كل يوم من الأطفال والنساء والأبرياء والعُزّل أعداد بعد أعداد، ويضربون المساجد ويضربون المدارس ويضربون المستشفيات، ويضربون الخيَم التي أُنشئت للاجئين، ويضربون من يأتي لأخذ المساعدة من الجوع الذي فيهم، وسنتين وهم على هذا الحال، فهذه حضارتهم وهذه عدالتهم.

وما عرفنا العدالة إلا مع محمداً، الذي قال: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"، والذي قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

اللهم برسولك وإسرائه إلى بيت المقدس لا تُسَلِّط المجرمين مرة أخرى على المؤمنين، وكفانا والأمة عبرة وتذكيرًا من الله لنا، فلا بُدّ من رجعة صادقة وإقبال بالكُلِّية على الله.

ربح الأبد

يا حاضر الجمع، بعد هذا الجمع في القيامة جمع؛ يربح فيه الرابح ربح الأبد، ويخسر فيه الخاسر خُسران الأبد، فما ينظر الرحمن من قلبك في هذا المقام؟

اصدقوا في التوبة إليه، وانشروا العلم النافع، وتحابّوا في الله، واعرفوا قدر أكابركم وأهل الخير فيكم، وارفضوا الهوى والعجب والغرور، ومن فتح على نفسه بابَ نية حسنة فتح الله له سبعين بابًا من أبواب التوفيق. اللهم يا من وفَّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وفِّقنا للخير وأعِنَّا عليه.

دعاء

لا تدع فينا قلبًا إلا أحييته بنور المعرفة بك، لا روحًا إلا أحييتها بنور المحبة منك ولك، ولا تدع لنا سريرة إلا نوَّرتها بأنوار شهودك بمرآة حبيبك المصطفى.

يا سامِع الدعاء، يا مَن لا يُخَيِّبُ الرجاء، يا رب الأرضِ والسماء، أقبِل بوجهِك الكريم علينا، أقبِل بوجهِك الكريم علينا، أقبِل بوجهِك الكريم علينا، وتُبْ علينا توبةً نصوحًا، تزكّينا بها جسماً وقلبًا وروحًا، واقبلنا على ما فينا، واقبلنا على ما فينا، وأصلِح ظواهرنا وخوافينا، وادفع البلايا عنَّا، وتولَّنا في الحِسِّ والمعنى، واختم أعمارنا بأكمل الحُسنى، يا الله، يا الله، يا الله، يا غَوْثاه، يا ربّاه، يا أرحم الراحمين،

والحمد لله رب العالمين.

 

تاريخ النشر الهجري

20 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

12 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية