شرف وكرامة نداء الحق ودعوة الهدى وآثارها في السعداء في الدارين وانحياز الأشقياء إلى دعوة الضلال بزخرف القول الغرور

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 16 جمادى الأولى 1447هـ في دار المصطفى، بعنوان: 

شرف وكرامة نداء الحق ودعوة الهدى وآثارها في السعداء في الدارين وانحياز الأشقياء إلى دعوة الضلال بزخرف القول الغرور

  • 1:11 شرف الأنبياء وأتباعهم
  • 2:29 دعوة وأوصاف أولو الألباب
  • 5:09 دعوة الفساد وأهل الغرور
  • 6:49 عظمة قدر دعوة الله
  • 8:09 إجابة داعي الله وآثارها في الدارين
  • 12:11 ظهور القلوب المتعلقة بالله ورسوله
  • 13:48 خطر الانحياز إلى زخرف القول الغرور
  • 16:28 الصد عن سبيل الله ورسوله
  • 19:44 قيام صوت دعوة الله
  • 21:21 الدعاء للأمة الإسلامية

 

نص المحاضرة مكتوب :

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 16 جمادى الأولى 1447هـ في دار المصطفى، بعنوان: 

شرف وكرامة نداء الحق ودعوة الهدى وآثارها في السعداء في الدارين وانحياز الأشقياء إلى دعوة الضلال بزخرف القول الغرور

 

الحمد لله الرحمن الرحيم، الذي بأسرار مِنَّتِه ورحمته السابقة؛ أقام الدعوة التي دعا إليها العوالم -سبحانه وتعالى-، وخصَّ من بينهم العقلاء من المكلفين، ومعهم من المعصومين المشرفين من الملائكة والأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم.

وَجَّه الدعوة لهؤلاء المكلفين من الإنس والجن؛ بخطابٍ منه تنزَّل به وتفضَّل به عليهم، وجعل لهم فيما آتاهم من: قوة، وقدرة، واختيار، وسلوك؛ سخَّر لهم كثيراً مما في السماوات وما في الأرض. ولغاياته التي ينتهي لها الأكابر سُخِّر جميع ما في السماوات وما في الأرض، وصَحَّ قوله سبحانه في القرآن: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية:13].

شرف الأنبياء وأتباعهم

فكانت هذه الرحمة بهذه الدعوة منه -سبحانه وتعالى- على ألسن أنبيائه ورسله، ويشاركهم فيها الملائكة فيما يُتنزَّلون به ويخاطبون به الأنبياء (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) [الحج:75]. وجعل هؤلاء الأنبياء سادة خلقه على الإطلاق.. من أهل السماوات والأرضين، في الظاهر والباطن، في الأول والآخر، أكرمَ الخلقِ عليه وأعظمهم شرَفاً ومنزلةً ومكانةً وقدراً ورفعة: أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم. حتى جعل دار الكرامة ومُستَقَرَّ الرحمة، والموطن الأعلى الذي يعود إليه كُلُّ سعيد ومحبوب في الجنة؛ لهم ولأتباعهم (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) [الحديد:21].

(لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) آمنَّا بالله ورسله، فحقِّقنا يا رب بحقائق الإيمان.

دعوة وأوصاف أولو الألباب

وصلت الدعوة، ووصلتنا في صفائها، في ضيائها، في شموليتها، في كمالها، في تمامها، على لسان الأتم الأكمل الأجمل الأشرف، محمد بن عبد الله.. صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومن والاه.

فلبَّت قلوب وأرواح أهل السَّوَابِق بالسعادة لهذا النداء، وقال أولو الألباب كما قال عنهم إلههم رَبُّ الأرباب -جلَّ جلاله- في صريح الكتاب، يقولون في ندائه: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:193-194].

يا الله: ألحقنا بأولي الألباب، ومن ذكرتهم في الكتاب، على لسان عالي الجناب، وشرَّفتهم بهذا الوصف العليّ يا عليّ. اجعلنا منهم يا رب، اجعلنا منهم يا رب، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ..) وهذه أوصافهم، فاحرص أن تكون أنت وأهلك وأولادك ومن تحُِب منهم: (..الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ..) هذه بضائعهم في الحياة، هذه بضائعهم على ظهر الأرض، هذه بضائعهم في الأعمار: (..يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) [آل عمران:190]، فيُحرَسون بالذكر من المذكور -جل جلاله-، الذي يقول: "وأنا معه حين يذكرني، أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني"، ويقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة:152]، جلَّ جلاله.

دعوة الفساد وأهل الغرور

  • ويصفو لهم الفكر؛ فيُحرسون من الدعوة المقابلة لدعوة الرحمة: دعوة النقمة، دعوة الكفر، دعوة الضلال، دعوة السوء، دعوة الشر، دعوة الفساد.
    • جعل الله لها رأساً؛ إبليس، وجعل له أتباعاً من الإنس والجن، مهمتهم في الحياة: يعادون الأنبياء ويخالفون دعوة الأنبياء، كما تقرأون: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا..)[الأنعام:112]. 
    • زخرف القول الغرور يجيء في صور متعددة، وشيء فيه نثر، وشيء فيه شعر، وشيء فيه صورة التمثيليات، وشيء فيه صورة دراسات، وشيء فيه صورة ثقافات، وشيء فيه صورة حضارات، وشيء فيه صورة منشورات، وشيء فيه صورة برامج، إلى غير ذلك مما ينشرونه من زخرف القول الغرور؛
      • ليقطعوا به هؤلاء المكلفين عن حقيقة السعادة، وعن نيل الحسنى وزيادة، وعن حقيقة التقوى والعبادة،
      • وليرموهم في حضيض الفساد والإفساد والكفر والعناد،
      • وترك أوامر الإله الخالق، واقتحام نواهيه، وما حرَّم في القلوب، وفي العيون، وفي الفروج، وفي البطون، وفي الأيدي، وفي الألسن، وفي الأسماع، وفي الأبصار، وفي الأرجل؛ لتكون هذه الأعضاء في معصية الله؛ ليتعيَّن بسببها الدخول إلى أبواب جهنم! (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) [الحجر:44]، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

عظمة قدر دعوة الله تعالى

  • وهذه الدعوة، مَن أُكرِم بها وأُكرِم بتلبيتها؛ عليه أن يعرف قدر النعمة عليه من الإله المُنعِم،
  • وأن يقوم بحقِّها:
    •  في حفظها في نفسه وأهله وأولاده،
    • وفي نشرها ما استطاع في جميع البقاع للإنس والجن.
  • والأمر فيها قائم على اختيار ربِّ العرش لحبيبه المصطفى محمد، الداعي إلى الله بإذنه -كما سمعتم-.
    • كل خير بعد ذلك عنها مُتَفَرِّع،
      • ومنه: ظهور التجديد للدين في كل قرن، في كل مائة عام،
      • ومنه ظهور الأصفياء والأتقياء والمقربين والصدِّيقين والصالحين والعلماء بالله والعارفين بالله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
  • ظهور كلهم؛ من أثر دعوة محمد، ونورانية النبي محمد، وروحانية النبي محمد، وعناية الله بالنبي محمد.

بشرى لنا معشر الإسلام *** إنَّ لنا من العناية رُكنًا غير منهدمِ

لمّا دعا الله داعينا لطاعته *** بأكرم الرسل كُنَّا أكرمَ الأممِ

فحمداً لربٍّ خصَّنا بمحمد ﷺ..

إجابة داعي الله وآثارها في الدارين

  • ويُهيئ الله كل مسعود لتلبية إجابة صاحب المقام المحمود، لتلبية نداء ودعوة صاحب المقام المحمود، وإجابة هذا النداء من الحبيب ﷺ داعي الله.
    • النفر من الجن الذين أكرمهم الله برؤيته وسماعه للقرآن وهو يتلو، رجعوا إلى قومهم وقالوا: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) [الأحقاف:30-31].

 

  • (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) داعي الله المصطفى ﷺ، داعي الله محمد المنتقى ﷺ، (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
    • وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ..) فرد، جماعة، هيئة، دولة، دول، عصابات، مجموعات، هيئات.. ما يجيبون داعي الله: (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ..) هل يعجزون الذي أرسل محمداً بالهدى؟ هل يعجزون قدرة الذي انتقى محمداً للهداية؟
    • (وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف:30-33].

 

  • فالقول ما قال محمد، والمرجع إلى الواحد الأحد، ولا حكم لملوك ولا لرؤساء ولا لأنظمة ولا لدول. مَن أطاع الله منهم يا فوزه، ومن عصى الله فالويل عليه والشقاوة عليه، والهوان له والذل له في الدنيا والآخرة. (وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ) والحكم حكم الله. 

 

  • بل وفي الأرض؛ لا يذهب الليل والنهار حتى يظهر دين الله، وحتى يعم نداء محمد بن عبد الله أرواح أهل المشارق والمغارب، ولا يبقى بيت إلا عُبِد الله فيه على منهج محمد وعلى اتباع محمد ﷺ.
    • هذا والناس في أرض الزور والغرور وفي الدنيا، أما إذا انكشفت الستارة.. فكل يتمنى القرب من محمد، كل يُعَظِّم العظيم محمداً؛ لمكانته عند رب الحكم ورب الأمر (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) جلَّ جلاله-.

…… *** في يوم كُلّ بذكرك يا محمد يَصِيح

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27]، يا ربِّ صلِّ عليه.

 

  • ولبّوا نداءه، وأجيبوه بالصدق في أنفسكم، وقلوبكم، وأعضائكم، وأسركم،
    • وأقيموا حياتكم على الانتهاج في نهجه والاتباع له،
      • وفي هذا عزكم وشرفكم وكرامتكم.

 

 

  • وآراكم الله آثاراً من هذه الآثار،
    • وهذه الآثار حقائقها قُدَّام، تعرفون قُدَّام؟
    • تبدأ عند الواحد منكم يُدرِك من حقائقها عجائب عند الغرغرة وما بعدها، أكبر وأكبر وأكبر، إلى وقت لواء الحمد، إلى وقت الورود على الحوض، إلى وقت الدخول إلى الجنة، وأصفى وأصفى وأكبر وأكبر تتضح،
      • إلى عند المشي إلى ساحة النظر إلى وجه الله الكريم، وفيها ما فيها!
      • ويختار الله مَن يختار!

القلوب المتعلقة بالله ورسوله

  • هذه آثار ظهرت لكم؛ من آثار المختار، من أنوار المختار، من وراثة المختار، من عناية المختار، من وداد المختار، مِمَّا بينه وبين الله، مما لا يعلمه غير الله. 
    • وأَبرزت لنا الشموس من المقربين والصديقين،
    • حتى أَذِنَ الله بظهور مثل هذه الدار، وظهور القلوب المتعلقة بالحقِّ ورسوله، المُنَقَّاة عن الأكدار وعن الأغيار.
      • كثّرها الله فينا، وجعل قلوبنا وقلوب السامعين منها، مُصفَّاةً مُنَقَّاةً، لا يُسلَّط عليها هوىً ولا شهوة ولا دنيا ولا قاطع يقطعها عن الله.

 

يا مقلب القلوب والأبصار: ثبِّت قلوبنا على دينك، ثبِّت قلوبنا على محبتك، ثبِّت قلوبنا على معرفتك، ثبِّت قلوبنا على الخضوع لجلالك، ثبِّت قلوبنا على الأدب معك، ثبِّت قلوبنا على محبتك ومحبة حبيبك محمد، حتى نَبِيت ونُصبِح ونحيا ونموت، وأنت ورسولك أحب إلينا من كُلِّ ما سواكما.. آمين يا الله، أكرم قلب المتكلم والحاضرين والسامعين بذلك، يا مَلِكَ الممالك، يا الله.. يا الله.. يا الله، برحمتك يا أرحم الراحمين.

خطر الانحياز إلى زخرف القول الغرور

فأمامكم هذه المهمة العظيمة: تصدقون مع الله، ولا تصدقوا زخرف القول الغرور، في كل إفك، وفي كل ضلالة، وفي كل قلب للحقائق، وفي كل دعوى، (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ) [آل عمران:175].

مَن الذي قال لا تخافوهم؟ صاحب الأمر، صاحب القهر، رافع السماء بغير عمد، مَن بيده كُلُّ ناصية (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود:56]. الله قال (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ) [آل عمران:175]. (وَخَافُونِ) فالأمر لي، والحكم لي، والمرجع إليّ، والإسعاد بيدي، والإشقاء بيدي، والنعيم بيدي، والعذاب بيدي، لا لأحد فيه مُلك معي. لا إله إلا الله!

(فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ..) يتمتعون سنين ويقولون نحن صاحب الأمر نحن صاحب القوة، نحن نُقَدِّم ونحن نُؤخِّر (..إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:175-177].

(وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، وكم قلَّب قبلهم، وكم بدَّل قبلهم، وكم أهان قبلهم مثلهم! (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ..) أشياعكم مرُّوا، وأمثالكم مرُّوا على ظهر هذه الأرض، وفيهم الذين تكبروا والذين اغتروا مثلكم، فماذا كان مصيرهم؟ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ..) ما راحوا وراح كل شيء، ويوم الحكم سييجيء، وإن كان قد هُزِموا في الدنيا وأُهلِكوا الحُكم قُدَّام (..وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر:51-55]. 

 

الذين لبُّوا النداء واتبعوا الهدى هؤلاء، هذا مقرهم وهذه نهايتهم.

الصد عن سبيل الله ورسوله

وهكذا.. قوموا بأمر الله كما شرع. وأمَّا المخالفة لحقيقة ما جاء به صاحب النبوة: ما ينفع فيها ولو بجنب البيت الحرام، ولو في مظهر الحج والعمرة. قال -سبحانه وتعالى-: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة:19-22]، جل جلاله وتعالى في علاه.

 

ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ..) لا أتباع أنبياء ولا شيء يرضاه الله. وإن كان هو عند البيت.. ينفعك عند البيت؟ وإنت مُخالف لربَّ البيت!. هو ربّ البيت اصطفى السراج المنير وخالفته.. ينفعك إنك عند البيت؟. 

إن كان المخالف له ولو بقطيعة الرحم ملعون ولو مات في جوف الكعبة! هو مخالف له بقطيعة رحم فقط! ماهو مُكذِّب به!، "..يُلعن ولو مات في جوف الكعبة"، فكيف الذي يُكذِّبه؟ وكيف الذي يُخالفه؟ 

 

(وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً..) تصفير، (..وَتَصْدِيَةً) تصفيق، (فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا..) هذا شُغلهم في الحياة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ..) الدول منهم، والمليونيرات منهم، ينفقون من شأن الصد عن سبيل الله، وينشرون المسكرات والمخدرات، وينشرون القبائح والفضائح، وشؤون الجنس من الفظائع والآفات، وينشرون الإلحاد: (يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..) -جعلنا الله في الطيبين، وجعل أهلنا في الطيبين، وجعل أقاربنا في الطيبين، وجعل أصحابنا في الطيبين، وجعل طُلَّابنا في الطيبين- (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ..) إلحاد، وعناد، وإفساد، ومخالفة للأنبياء، وفساد، وشر، وظلم، وتجرئ على الحدود (..وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الأنفال:34-36]، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

قيام صوت دعوة الله

يقول جلَّ جلاله: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ..) صوت الدعوة الرحمانية قائم، فمن أراد أن يُنقِذ نفسه فليُنقذ، إن كان كافراً وإن كان ظالماً وإن كان مجرماً.. هذا صوت محمد يقول لك: تعال إلى الجنة، تعال إلى الرحمة (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ..) قال الله أنا قوَّمت الوجود هذا، ومن أيام آدم وأنا أُسيّركم، ما الذي هو حاصل؟ (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ..). (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ) [النجم:50-55].

(فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ..)  قوموا بواجبكم يا أهل الرحمة، يا أهل نداء الحق ورسوله وتلبيته (..وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ..)، ما هذا التطمين؟ أي ضمانة هذه الضمانة؟ أي شيء هذه الحراسة؟ أي شيء هذا الحفظ؟ أي شرف هذا الشرف؟ (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الأنفال:34-40].

الدعاء للأمة الإسلامية

يا نعم المولى ويا نعم النصير: تولّنا وانصرنا، تولّنا وانصرنا، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به حبيبك محمد، اجعل هوانا تبعاً لما جاء به حبيبك محمد. ورَُّد عنا كيد الكافرين والمعتدين والظالمين، وأهل زخرف القول الغرور، وإبليس وجنودهم من شياطين الإنس والجن، ردهم عنا يا الله، وعجِّل بالهدايات، وانشر الهدايات يا مولانا في أقطارنا وفي بلداننا، وفي أمريكا، وفي روسيا، وفي أوروبا، وفي الصين، وفي أفريقيا، وفي آسيا من شرقها إلى غربها، وفي جميع أقطار الأرض طولها وعرضها. 

انشر الهداية يا رب، وانشر النور يا رب، واجعلنا من أسبابه وأسباب ظهوره وانتشاره، وأهلينا وأولادنا وطلابنا، يا مجيب، يا ذا الجود الرحيب، يا ذا العطاء الوافر، يا ذا المنَّ الغامر، يا ذا الفضل المتواتر، يا أول يا آخر، يا باطن يا ظاهر، يا حيُّ يا قيُّوم، يا مقتدر يا قادر.

 

يا الله: اجعلنا والحاضرين والسامعين وأحبابنا من أهل جندك الموفين بعهدك، الصادقين في محبتك وودك، الموفَّر حظَّهم من محبتك، الموفّر حظهم من ودك، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين. واجعلها ساعة توفيق، ودخول في خير فريق، وشرب من أحلى رحيق، واستقامة على المنهج القويم والصراط المستقيم..

فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحق والهدى *** ويا ربِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ

وعُمَّ أصولًا والفروع برحمةٍ *** وأهلاً وأصحاباً وكُلَّ قرابةِ

وسائر أهل الدين من كل مسلمٍ *** أقام لك التوحيد من غير ريبةِ

وصلِّ وسلِّم دائم الدهر سرمداً *** على خير مبعوثٍ إلى خير أمةِ

محمدٍ المخصوص منك بفضلك *** العظيم وإنزال الكتاب والحكمة

 

ومن تقدَّم من أحبابنا وأهل ولائنا في الله تعالى إلى البرازخ؛ اللهم زدهم مكارما، وارفع لهم الدرجات، واجمعنا بهم في أعلى الجنات، وارع أولادهم وأحفادهم، ومن اتصل بهم وآثارهم في هذا الوجود وبارك فيها، واربطها بالهادي الدالِّ عليك، والموصل إليك، أصل كل خير، ومنبع كل خير، نبي الخير ﷺ، والحمدلله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

15 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

06 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية