(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب المسح على الخفين (1).
صباح الأربعاء: 6 ربيع الآخر 1445هـ
باب المسح على الخفين
"قال المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما".
قال: وكان رسول الله ﷺ يمسح على الخفين ما لا يحصى فجئته مرة فصببت عليه ماء الوضوء فغسل أعضاءه فلما جاء إلى غسل الرجلين هويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما"، يعني القدمين "طاهرين"، فمسح عليهما.
وفي رواية: "فلما مسح على الخفين: قلت يا رسول الله نسيت؟ قال: بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما، فقال له ابنه عبد الله: وإن جاء أحدنا من الغائط ؟ قال: نعم وإن جاء أحدُكم من الغائط. وقال بلال بن رباح -رضي الله عنه-: "رأيتُ رسول الله ﷺ مسح على ظاهر الخفين وعلى الخمار يعني: العمامة وذلك في الحضر بالمدينة، وفي رواية: الموقين بدل الخفين"، وهما: اسم للخف.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد للهِ الذي أكرمنا بشريعته وبيانِها على لسانِ خيرِ بريَّتهِ سيدنا محمدٍ عبدِهِ وصفوته صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائهِ ومُتابعته، وآبائهِ وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الحق تباركَ وتعالى من خليقته وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرّاحمين.
ويذكر الشيخ عليه رحمة الله -تبارك وتعالى- في هذا الباب: ما وردَ في مسحُ الخفين بدلًا عن غسل الرّجلين وذلك: ما رواه أكثر من ثمانين من أصحاب النبي ﷺ عن النبيﷺ وقد شُرع ذلك تخفيفًا وتيسيرًا على المكلفين ومن يشق عليهم نزع الخف وغسل الرجلين، سواء كان في أيام الشتاء والبرد أو في السفر وما إلى ذلك؛ فجاءت هذه الإباحة والرّخصة من سيدنا رسول الله ﷺ في جواز المسح على الخفين مع أنه من لم يكن عليه الخفان وجب عليه أن يستوعب مسح القدمين إلى الكعبين، وقال ﷺ حينما رأى بعض أقدام الصحابة بعد الوضوء بيضاء تلوح أي: لم يمسها الماء "ويلٌ للأعقاب من النار" ورفع بها صوته.. ويلٌ للأعقاب من النار. فأما إذا قد اجتمعت شروط الخفين فلبسهما فله أن يمسح المدة التي حددها ﷺ وذلك: للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.
يقول: "باب المسح على الخفين"
كان رسول الله ﷺ يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما"، وهذا إرشاد فيه لطف ورفق بالناس فإنه قد يكون وسط الخفين شيء من الحيوانات المؤذية أو دخول شوكةٍ أو غيرها أو أي شيء ممّا يؤذي، فإذا لم ينفضها فلبسها تعرض للدغ أو للسع أو للأذى؛ فلهذا أرشد إلى أن ينفض الخفين قبل أن يلبسهما. فلقد بُعِث جامعًا لمصالح الحسِّ والمعنى والجسد والرُّوح والدنيا والآخرة ﷺ.
"قال: وكان رسول الله ﷺ يمسح على الخفين ما لا يحصى" يعني: رأيته مرات متعددة ورآه غيري من الصحابة "فجئته مرة فصببت عليه ماء الوضوء فغسل أعضاءه، فلما جاء إلى غسل الرِّجلين هويتُ.." أي: انخفضت إلى الأرض من أجل أنزع؛ "لأنزعَ خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما يعني: القدمين طاهرين" يعني: قد توضأت وضوءًا كاملًا وغسلت الرجلين ثم أدخلتهما في الخفين أدخلتهما طاهرتين أو طاهرين، أي القدمين طاهرين.
فلابد أن يكون إدخال الخفين إلى الرّجلين بعد كمال الطهارة؛ لأجل يجوز المسح عليها بعد ذلك، وأما أن يلبس الخفين وهو محدث فلا يجوز له أن يمسح عليهما، ولكن بعد تمام الطهارة فيأتي في هذا الشروط؛ لنيل هذه الرُّخصة والتيسير:
"وكان الرسول ﷺ يمسح على الخُفين ما لا يحصى"، يقول له: "فلما مسح على الخفين: قلت يا رسول الله نسيت؟ قال: بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي" أي: أذِن لي وأن أُشَرِّعَ لأمتي المسح على الخفين بدل غسل الرجلين. "قال: "وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما، فقال له ابن عبد الله: وإن جاء أحدهم الغائط؟ قال: نعم وإن جاء أحدكم الغائط، فقال بلال بن رباح: رأيت رسول الله ﷺ مسح على ظاهر الخُفَّيْنِ وعلى الخمار -يعني: على عمامته الشريفة- وذلك في الحضر بالمدينة. وفي رواية: "المُوقَيْن" بدل "الخُفّين"؛ الخُفّ فوق الخُفّ، ويُقال له "الجُرْمُوك والموق"، وهما اسمٌ للخُفِّ.
الخُفّ فوق الخُفِّ يا أُولِي النُّهى ** هذا هو الجُرْمُوكُ عند الفُقَهَاء
قال أنَّ هذه الرخصة جاءت، ولابُدَّ فيها من مراعاة الشروط، فلا يًجزِئ إلا في الحدَث الأصغر؛ أمَّا مَن وجب عليه الغسل فما يجزئه أن يمسح الخُفّين؛ لابد أن ينزعهما ويغتسل غُسلا كاملا. فمن الشروط:
1- أن يلبس الخفين على طهارة كاملة -كما سمعنا في الحديث- "فإني أدخلتهما"، يعني القدمين "طاهرين" أي: أدخلتهما في الخفين وهما طاهرين.. قد أكملت.
2- ولابد أيضا الخفين تكون طاهرتين؛ فلا يجوز المسح على خُف نجس، خُف فيه نجاسة، أو جلد ميتة قبل الدبغ:
3- وأن يكون الخُفّ كذلك ساتر لمحل الفرض من طرف الأصابع إلى الكعبين، فما لم يستر القدم كله إلى الكعبين: لا يجوز المسح عليه.
4- والشرط في الخف: أن يكون خف صحيح يستطيع المشي عليه؛ ومتابعة المشي عليه، يمكن يُتابع المشي المعتاد عليه.
فهذه شروط لا بد منها وهناك شروط مختلفٌ فيها:
وبهذا تعلم شذوذ مَن يَمسَح على الشرابات -الجوارب- لا تمنع الماء، ولا يمكن التردد في المشي عليها! خَبْطَة في عقولهم! وجَوَّزُوا لأنفسهم ما لم تَرِد به الرُّخصة في السنة! ولم يأتِ عن رسول الله ولا عمن بعده؛ ولكنه لعب بالنصوص وإعمال الأهواء.
فهي رخصة؛ ما يجوز الانتقال عنها بعد قوله: "ويلٌ للأعْقَابِ من النَّار" إلا باجتماع الشروط؛ فإذا لم تجتمع الشروط من أين الرخصة هذه جاءت؟!
هذه الرخصة التي رَخَّص فيها ﷺ، كانوا يلبسون هذه الجلود: مانعة لنفوذ الماء، وساترة لمحلِّ الفرض، ومَخْرُوزَة ومخَيَّطَة؛ هذا الخُفَاف التي مَسَح عليها وأّذٍن في المسح عليها! والثانية من أين جاء الرخصة؟ من عندك أنت؟! ما أحد نبي بعد النبي! ما أحد نبي ثاني يأتي لنا رُخَص! هذه الرخصة التي عَيَّنها ﷺ نَتَقَيَّدُ بها!
نسأل الله التوفيق والاستقامة، وأن يجعلنا من المُتَطَهِّرين والتوَّابين، والعباد الصالحين، والذاكرين الشَّاكرين.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
07 ربيع الثاني 1445