للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب سنن الوضوء: المنديل

 صباح الإثنين: 03 ربيع أول 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  تنشيف الأعضاء بعد الوضوء أو الغسل
  •  3 أقوال لحكم التنشف في المذهب الشافعي
  •  الأصل إن كان التنشف لعذر
  •  حكم نفض اليد (إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم)

نص الدرس مكتوب:

"الثامنة المنديل: قالت عائشة -رضي الله عنها-: كنت أناول رسول الله ﷺ خِرقة يتنشف بها بعد الوضُوء، وكان إذا لم يجد خرقة يمسح وجهه بطرف ثوبه، وكان كثيرًا ما ينفض يديه بعد الوضُوء، كما يأتي بيانه في حديث ميمونة في باب الغسل إن شاء الله تعالى،

 وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقول: "رأيت لرسول الله ﷺ خِرقة مُعدَّة لمسح أعضائه بعد الوضوء، ورأيته مرة توضأ ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها" وفي ذلك دليل على طهارة الماء المستعمل، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل؛ لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيان أحكامها على لسان عبده وحبيبه محمد ذي الجاهات الوسيعة، اللهم صل وسلم وبارك وكرم على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن والاهم فيك؛ واتبع سبيلهم بالصدق والإخلاص والإنابة إليك في جميع الشؤون في الظهور والبطون إلى يوم يبعثون؛ وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من جعلتهم خيرتك في الخلائق أجمعين، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين؛ عدد ما خلقت ومِلْأَ ما خلقت، وعدد ما في الأرض والسماء ومِلْأَ ما في الأرض والسماء، وعدد ما أحصى كتابك ومِلْأَ ما أحصى كتابك، وعدد كل شيء ومِلْأَ كل شيء.

 وبعدُ،

 فيواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بسنن الوضوء وأفعال الوضوء، وذكر في هذه المسألة مسألة المنديل: هي مسألة تنشيف الأعضاء إذا توضأ أو اغتسل شيئًا من الأغسال الواجبة أو المسنونة، فهل يجوز أن يتنشف ويمسح البلل الذي على أعضائه بشيء من الخرق أو لا ينبغي له ذلك؟ 

فجاءتنا في هذا روايات:

  • روايات استعماله  للمنديل والمنشفة. 
  • وروايات رَدُّه لها.

فدل على الجواز وبذلك قال الأئمة: أن الكل يجوز، وإنما اختلفوا في تسميته؛ ترك ذلك هو أولى أو ليس بأولى؛ أو أفضل أو ليس بأفضل، فأما الروايات فقد جاء في رواية الترمذي والبيهقي والدارقطني: "عن السيدة عائشة قالت كان لرسول الله ﷺ خرقة ينشف بها بعد الوضوء" 

وجاء في رواية الترمذي أيضًا والطبراني والبيهقي والبزار عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: "رأيت النبي ﷺ إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه".

وجاء عند البخاري وأبي داوود وابن أبي شيبة وابن خزيمة والطبراني والبيهقي عن سيدتنا ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت: "وَضَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضُوءًا لِجَنَابَةٍ، فأكْفَأَ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بالأرْضِ أوِ الحَائِطِ، مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ، وغَسَلَ وجْهَهُ وذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أفَاضَ علَى رَأْسِهِ المَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قالَتْ: فأتَيْتُهُ بخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بيَدِهِ."

وكذلك اختلفوا في النفض:

  • وكرهه الشافعية. 
  • وقال الحنابلة: لابأس أن ينفض أعضاء الوضوء لحديث ميمونة هذا أن ينفض. 

وقال الشافعية: أنه كالتَّبرّي من العبادة؛ يشبه التَّبرّي من العبادة عندما ينفض آثار الماء الذي بقي على أعضائه؛ ومن هنا كرهوه.

وجاء أيضًا في الرواية عند ابن عساكر وأبي القاسم عن أبي هريرة قال: سيدنا أبو هريرة عن النبي ﷺ قال: "من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس ومن لم يفعل فهو أفضل لأن الوضوء نورٌ يوم القيامة مع سائر الأعمال". وهذا هو الذي أقام عليه الشافعية أصل الحكم في:

أنه جائز وتركه أفضل وأنه يكره إلا أن يكون خلاف الأولى أو مكروه إلا لحاجة كمثل برد، ففرقوا بين الصيف والشتاء وبين أن يكون له حاجة إلى التغسيل أو لا، بين من يتعرض لشيء من غبار النجاسة ونحوها فيزيل أثر الماء حتى لا يصيبه عليه رطوبة إلى غير ذلك، فجاء كلام الفقهاء أنه يجوز التنشيف ويجوز تركه؛ وبعد ذلك تحدثوا من خلال ما ورد من الأحاديث:

  • فينُص الحنفية: أن من آداب الوضوء التنشيف؛ واستدلوا بالروايات التي وردت في التنشيف. 
  • ويقول الشافعية: 
  • أن المسنون ترك التنشيف إلا لعذرٍ؛ قالوا: لأنه يزيل أثر العبادة فهو خلاف الأولى لما صح أنه أُتي بمنديل بعد وضوءه فرَدَّهُ وجعل ينفض الماء بيده، وحمل الشافعية نفض الماء هذا على بيان الإباحة؛ وإلا فلا يُسَنُّ النفض بل هو عندهم مكروه. 
  • والقول الثاني عند الشافعية: أنه مباح، وذكره الإمام النووي في شرحه على مسلم وذكر هذا القول. 
  • والقول الثالث: أنه مكروه؛ فالأصح أنه خلاف الأولى وقيل مباح وقيل مكروه. 

هذه أقوال مذهب الإمام الشافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، والأصل في المذهب أنهم فرقوا بين أن يكون لعذر أو لا؛ فإذا كان التنشيف لعذر فلا يُسنُّ تركه ولا يكون التنشيف خلاف الأولى لنحو برد مثلًا أو خرج عقب وضوء في هبوب ريح تحمل نجاسة وما إلى ذلك.

وفي رواية أخرى عند الحنفية في كراهة التنشيف بعد الوضوء أو بعد الغسل ويُحْكَم ذلك عن ابن عباس وسيدنا جابر -رضي الله تعالى عنه- كذلك ما أشار إليه الحديث من نفض ماء الوضُوء عن الأعضاء أو عن اليد؛ فيقول الحنفية والشافعية:

أنَّه في الأصحِّ عندهم يُستحب عدم نفض يده، ورد فيه أيضًا حديث؛ وإن كان في سنده مقال، يقول  : "إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنَّها مراوح للشيطان".

 إذًا فقالوا: بسُنية ترك النفض؛ نفض الأعضاء؛ لأنَّه: كالتبري مِن العبادة فهو خلاف السُنة. وهكذا ذَكَرَ الإمام النووي في التحقيق وشرحه على مسلم وتعليقه على الوسيط كذلك؛ وإن كان ذكَرَ الإمام النوي في الروضة وفي المجموع الإباحة إباحة نفض الأعضاء.  

  • كما يقول الحنابلة: أيضا أنَّه لا يُكره نفض الماء بيده، كما جاء في المُغني لإبن قُدامة؛ لأجل حديث ميمونة. وفي قول عندهم وفي رواية: أنَّه يُكره النفض، نفضُ الماء

إذًا فالنفض أيضًا كالتنشيفِ؛ يجوز فعله وتركه، وقيل: يكره عند بعض الأئمة، وقيل: أنَّه لا يكره. فهذا ما يتعلق بشأن هذه السنة. 

"وكان أبو بكر يقول: "رأيت لرسول الله ﷺ خِرقة مُعدَّة لمسح أعضائه بعد الوضوء -خِرقة يمسح بها أعضائه "ورأيته مرة توضأ ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها"، في لفظ: ناولوه جُبَّة وملحفة ورسية يعني: فيها أثر الورس؛ فالتحف بها، وفيه يتضمن ذلك التنشيف، حتى رؤيَ أثر الورس على عُكنه -ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنًا- ﷺ . 

"قال: وفي ذلك دليل على طهارة الماء المستعمل". 

 وهو كذلك عند الجمهور الأئمة كلهم إلا في قول مرجوح عند الحنفية: أنَّ الماء المستعمل نجس؛ ولكن القول المُفتى بها عندهم والمشهور: أنَّه طاهر غير طهور، كحكم غيرهم من الأئمة. 

"وكان أبو هريرة يقول: مَن توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به، ومَن لم يفعل فهو أفضل، لأنَّ الوضُوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال"، أي: بقية الأعمال الصالحة، فهو مظهر عبادة من عبادات الحق -جلَّ جلاله- ينبغي أن يُعظَّم، وأن يُراعى، ولا يُظهَرْ أثر التبري منه، ولا أثر الجزع منه. 

والخلاصة أنَّ في الأمر سعة، وأنَّه إذا كان هناك عذر فلا بأس، ومُن المعلوم أنَّ المدينة يكون فيها الحر، ويكون فيها البرد، فكذلك لعلَّ إختلاف الروايات جاء بإختلاف الأوقات وإختلاف الأحوال.

ومن مهماته ﷺ أن يبين الجواز للنّاس بقوله أو بفعله عليه الصلاة والسلام، فيكون فعله لِما هو خلاف الأولى في حكم الفقهاء، أو ما هو مكروه، لأجل بيان الجواز يكون فعله واجب عليه، فرض عليه ما له علاقة في المكروه، ولا في خلاف الأولى، فيكون فعله لأجل بيان الجواز، واجب من واجباته عليه يؤديه في بلاغ الرسالة ﷺ. 

ورزقنا حسن متابعته وخلَّقنا بأخلاقه، وسار بنا في سبيله إنَّه أكرم الأكرمين، ويأتي معنا الذكر عند الوضُوء، والتسمية التي أوجبها الحنابلة، وسنَّها غيرهم، والذِّكر عند أعضاء الوضُوء، والذكر والدعاء بعد الوضُوء، وهو من الآداب والسنن الواردة عن سيد الأحباب. 

رزقنا الله حسن متابعته والثبات في سبيل على دربه، والمشي على طريقه وألحقنا بفريقه، وأكرمنا برفيقه، وجعلنا من خواص أهلِ محبته، وأهلِ مودته ونصرته في خير ولطف وعافية.

 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة. 

تاريخ النشر الهجري

04 ربيع الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام