كشف الغمة -45- فصل في جلود الميتة والمُذَكَّى

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: فصل في جلود الميتة والمُذَكَّى

 صباح السبت: 11 محرم 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  ما معنى المَيتة، ومعنى المِيتة؟
  •  على ماذا يطلق المَيتة في الشرع؟
  •  هل الإنسان الميت طاهر؟
  •  الميت المؤمن والميت الكافر
  •  غسل الميت دليل على طهارته
  •  حكم ما قُطِع من الآدمي أو الحيوان
  •  حكم الانتفاع بشعر الآدمي
  •  تبرك الصحابة برسول الله ﷺ
  •  حكم ما قطع من البهيمة
  •  حكم أجزاء الإنسان التي تُخرج وهو حي

نص الدرس مكتوب:

فصل في جلود الميتة والمذكى 

قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان رسول الله ﷺ يقول: "المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً"، وكان عطاء رضي الله عنه لا يرى بأساً باتخاذ الخيوط والحبال من شعر الإنسان، وكان ﷺ إذا حلق شعره أو قلم ظفره أو بصق يبتدره أصحابه فيقتسمون الشعر والظفر ويتدلكون بالبصاق ويقرهم على ذلك. 

وكانت أم سليم تبسط الرسول الله ﷺ نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع فيعرق عليه، فإذا قام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم تضعه عندها فكل من أصابه عين أو شيء بعث إليها بإناء فتخضخض له القارورة  بالماء فيشرب منه فيبرأ من وقته، وفي ذلك دليل على أن الآدمي لا ينجس بالموت، ولا شيئاً من أجزائه وشعره بالانفصال.

 وكان ﷺ يقول: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة"، وكان يقول : "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" ، وسئل ابن عباس فقيل له : إنا نغزو بالمغرب وإنهم أهل وبر، ولهم قرب يكون فيها اللبن والماء والودك ونحن لا نأكل ذبائح البربر والمجوس، أفنلبس الفراء من جلودها ونستعمل القرب منها؟ فقال ابن عباس : «نعم، الدباغ طهور»، فقيل له : عن رأيك أو شيء سمعته من رسول الله ﷺ؟ فقال : بل عن رسول الله ﷺ. 

وكان رضي الله عنه يقول : "إنما حرم رسول الله ﷺ من الميتة لحمها أما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به"، وبذلك احتج من قال بطهارة جلد الخنزير بالدباغ ويشهد له حديث: "أيُّما إهاب دبغ فقد طهر"، وقالت ميمونة : "تصدق رسول الله ﷺ علي بشاة ، فماتت فألقيناها فمر بها رسول الله فقال ﷺ: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به، فقالوا: إنها ميتة، فقالﷺ: إنما حرم أكلها"،

 وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول يستمتع بجلود الميتة على كل حال لا سيما في حق الأعراب،

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة العظيمة، وبيانها على لسان عبده ورسوله سيدنا محمد ذي المراتب الفخيمة، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن ثبت على مناهجه القويمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين آتاهم الله سبحانه وتعالى تفضيله وتكريمه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

ويذكر الشيخ عليه رحمة الله _تبارك وتعالى_ في هذا الفصل أحكام جلود الحيوانات، ما كان ميتة وما كان مذكاة. فالمَيتة: اسم لما مات من الحيوان بغير ذكاة شرعية، كل حيوان إما لا يُذَكّى أصلا أو كان يُذَكّى ولكن ذبح بغير ذكاة شرعية إما بغير ذكاة أصلا، وإما بذكاة على غير شروط الشرع المصون فهذا هو الميتة. فما مات حتف أنفه أو فارقت روحه جسده بغير ذكاة شرعية يقال له مَيْتَة: 

  • أما المِيِتَة: فهي الحالة والهيئة للموت، ويقال ميتةً جاهلية ويقال ميتة حسنة فهيئة الموت وحاله يقال لها مِيتة.
  • وأما المَيْتَة: فهو الحيوان الذي مات من غير ذكاة شرعية، فكل حيوان غير مذكى مات فهو مَيتة. 

وقد أُحِلَّ لنا أكل مَيتتين أكل السمك وأكل الجراد، وما عدا ذلك من الحيوانات المأكولة لا تحل إلا بالذكاة الشرعية المبيحة، وما لم يذكى فليس بحلال أكله وتناوله، فالأصل تناول هذا اللحم حرام ولكن الذكاة الشرعية تبيحه، فهو حرام فيما عدا السمك والجراد كما هو معلوم.

وقد تطلق المَيتة أيضا في الشرع، وعُرِف الشرع على ما قطع من الحيوان ما أبين وقطع من الحيوان وهو حي لا يزال، كأن خرج منه شيء من أجزاء جسده يقال له ميتة لقول ﷺ: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» الحديث عند أبي داؤود والترمذي وقال الترمذي: حديث حسن. «ما قطع من البهيمة وهي حيه فهو ميتة»؛ يعني أن: الذي قطع من الحيوانات حكمه في الطهارة والنجاسة كحكم ميتة ذلك الحيوان، فإن كان من سمك أو جراد فهو طاهر، وكذلك الآدمي على ما اعتمد الأئمة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم أن الميت الآدمي طاهر ليس بنجس ولو كان كافرا. وقال الحنفية: إن الإنسان ينجس بالموت إذا مات، وهل نجس حدث أو خبث؟ الأرجح عندهم أنه نجس خبث، فإذا وقع في ماء قبل أن يُغَسَّل فنجَّسَ ذلك الماء، فهذا حُكم الإنسان إذا مات. 

  • قال الأئمة الثلاثة المعتمد عند الشافعية وعند المالكية وعند الحنابلة: أن الآدمي طاهر وإن مات ولو كان كافرا
  • وقال الحنفية: يطهر بالغسل إلا الكافر فإنه لا يطهر وإن غُسِّلَ، فلو وقعَ على ماء ولو قدْ غُسِّلَ نجس ذلك الماء عندهم، هذا حكم الميت. 

أخذ الجمهور بإكرام بني آدم، وما جاء أيضا في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70] وما جاء في الأحاديث، قال ﷺ: "سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجَسُ حيا ولا ميتا"، وبذلك أخذ الحنفية أيضا التفريق بين الميت المؤمن والميت الكافر، فقالوا: إن الميت المؤمن يطهر بالتغسيل؛ وأن الكافر لا يطهر ولو غُسِّل. وجاء أيضًا في الحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني وهو موقوف على ابن عباس وقيل مرفوع: "لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا"، إذا معتمد المالكية والشافعية والصحيح عند الحنابلة: أن ميتة الآدمي ولو كان كافرًا طاهرة؛ لقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسرا: 70]، وقضية التكريم تقتضي أن لا يُحكم بنجاستهم بموت ولا غيره. 

وبهذا أيضا يقول القاضي عياض: أنه أمرَنا بتغسيل الميت لوفادته على الله تعالى أيضا دليل على طهارته، فإن المَيْتَة لا تُغَسَّل؛ وأنّ ما كان نجس في نفسه ما ينفع فيه التغسيل، وإنما أمرنا بتغسيل الميت إكرامًا له ليفِدَ على الله تبارك وتعالى وعلى طهارة كطهارة الحي، سواء. وقد قبّّل ﷺ عثمان بن مظعون بعد موته وقبَّلَ سيدنا أبو بكر الصديق الحبيب العظيم ﷺ، وكذلك قالوا: الخلاف في غير أجساد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وإلا فأجسادُ الأنبياء متفق على طهارتها. 

ويقول أيضا ابن قدامة من الحنابلة أنه يحتمل أن ينجس الكافر بموته؛ لأن الخبر "المُؤمِنَ لا ينجُسُ" فمفهوم أن الكافر ينجُس إذا مات الكافر، وأن هذا ورد في المسلم ولا يقاس عليه الكافر. 

وهكذا أيضا يأتي حُكُم ما أُبينَ وقُطِعَ سواء من الآدمي أو من الحيوان، يقول جمهور الفقهاء: إن ما أُبينَ من الآدمي يأخذ حُكْمَه في القول بطهارته أو بنجاسته:

  •  فالحنفية يقولون: شعر الآدمي غير المنتوف طاهر، أنه ما دام حي طاهر، بخلاف المنتوف لأنه نجس لما يحمل من دسومة؛ وكذلك يقولون: عن عظم الميت وعصبِه؛ أو سن الميت عندهم أو ظفره، إذا خلا عن الدسومة فإنه يحكم بطهارته. 
  • يقول المالكية أيضا: ما أبين من الآدمي فهو طاهر، سواء كان في حياة الآدمي أو بعد موته. 
  • وهكذا يقول الشافعية: أيُّ شيء قطع من الحيوان فحكمه حكم ميتة ذلك الحيوان: 
    • إن كان آدمي أو سمك أو جراد فهو طاهر
    • وإن كان غير الآدمي أو السمك أو الجراد فهو نجس
    • إلا ما يقص من شعر الغنم أو وبر الإبل، أو كان من ريش الطير فإن ذلك طاهر امتنَّ الله علينا به (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) [النحل: 80]، ما كان من شعر الماعز وصوف الضأن ووبر الإبل يقص فهو طاهر
  •       وهكذا يقول أيضا الحنابلة: إن أجزاء الآدمي وأبعاضه حكم جملته سواء انفصلت في حياته أو بعد موته، فهي طاهرة، وما انفصل من الحيوان النجس فهو نجس.

ومعلوم ما كان عليه الصحابة من تقاسمهم شعره الشريف ﷺ وتقبيلهم له بعد حلاقته ﷺ، كذلك عرَق الإنسان يكون طاهرًا، ثم إن شعر الإنسان لتكريمه لا يجوز الانتفاع به لا بيعا ولا استعمالا إكراما له، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزاءه مُبتذل مُهان لا يباع ولا يستعمل

وذكر لنا قول ابن عباس رضي الله عنه "كان رسول الله ﷺ يقول: "المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا". وكان عطاء رضي الله عنه: لا يرىٰ بأسا باتخاذ الخيوط والحبال من شعر الإنسان،" وفهمت الخلافَ في ذلك، "وكان ﷺ إذا حلق شعره أو قلم ظفره أو بصَقَ يبتدره أصحابه،" فبالنسبة "لشعره يقتسمون الشعر والظفر،" وبالنسبة "للبصاق يتدلكون به." يدلك وجهه وجسده ما استطاع من جسده، وكان يفوحُ من بصاقه ﷺ رائحة المسك الزكي، وقال: "ورسول الله ﷺ يقرهم على ذلك" وذلك مشهور في الصحيحين، ومتابعتهم أيضا للوضوء تجميعهم ماء وضوئه ثم تبرُّكِهِم به، وكذلك ما كان من تبرُّكِهِم بشعره وظفره ﷺ، حتى يحكى أن سيدنا عثمان بن عفان كان عنده من أظافر رسول ﷺ كان محتفظًا بها؛وأوصى إذا مات أن تجعل في لسانه في فمه؛ رجاء التثبيت عند السؤال رضي الله عنه وأرضاه وعن جميع أصحاب رسول الله. 

 

قال: "وكانت أم سليم تبسط لرسول الله ﷺ نطعًا فيقيل عندها" -جلد ينام عليه- "على ذلك النطع- فيعرق عليه، فإذا قام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة، ثم تضعه عندها فكل من أصابه عين أو شيء بعث إليها بإناء فتخضخض له القارورة بالماء" تخضخض القارورة تسكب له منه، تسكب الماء في القارورة التي فيها شعره ﷺ وعرقه، تخضها ثم تسكبها له، قال: "فيشرب منه فيبرأ من وقته ﷺ. وفي البخاري: "أنه استيقظ يوما وهي تجمع عرقه تسلط عرقه فقال: ما تصنعين يا أم سليم؟ قالت: عرقك يا رسول الله نتطيب به، ونرجوا بركته لصبياننا. فقال: أصبت" ﷺ ما قال بالغت ولا ابتدعت قال: "أصبت" ﷺ. 

وقال: ذلك أيضا دليل على "أن الآدمي لا ينجس بالموت، ولا شيء من أجزائه وشعره بالانفصال" كما عليه الجمهور، وكذلك المَيْتَة في عرف الشارع وكذلك يقول ﷺ: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة"، فما خرج من أي أجزاء الحيوان فحكمه حُكم ميْتَة ذلك الحيوان، لا يُباح إلا ما كان من سمك أو جراد وأما غير ذلك فأجزاؤه نجسة إذا قطعت منه وإن كان لا يزال حي، وجميع أجزاء الإنسان التي تخرج من جسده وهو حي تكون طاهرة من الأظافر أو من الشعر أو من غيره، لو خرجت لحمة منه أو غير ذلك فهو طاهر، وإنما ينجس بالموت عند الحنفية كما أسلفنا. 

ثم ذكر الدباغة، وما يأتي معنا إن شاء الله تبارك وتعالى ذِكْر أحكام الجلد إذا دبغ، أما جلد المذكّى فهو طاهر من أصله، ولكن جلد الميتة وما معنى الدبغ يأتي فيه إن شاء الله. 

نقانا الله عن الأقذار والأكدار وصفانا وصفا لنا الأسرار، ورزقنا حسن المتابعة لنبيه المختار سيدنا محمد ﷺ، ودفع به عنا الآفات والبلوى في السر وفي النجوى، وخلقنا بأخلاقه وأدبنا بآدابه وجعلنا من كُمَل ورثته ظاهرًا وباطنا في خير لطف وعافية. 

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

12 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

29 يوليو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام