(536)
(228)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:كتاب الصلاة (52) باب صفة الصلاة -6- فصل في قراءة الفاتحة كل ركعة
صباح الأربعاء 21 ذو القعدة 1445هـ
فصل في قراءة الفاتحة في كل ركعة
وتركها خلف الإمام في الجهرية
وما جاء في عدم تعيين القراءة بها في الصلاة
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقول: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فلم يصل إلا وراء الإمام"، وكان ﷺ يقول: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج فهي خداج، فقيل لأبي هريرة -رضي الله عنه-: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرءوا بها في أنفسكم فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، قال الله تعالى أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مٰلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي"، وفي رواية: "فوض إلي عبدي"، وإذا قال: وإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم صِّرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، قـال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".
قال شيخنا -رضي الله عنه-: وهذا أقوى دليل على تعينها في الصلاة؛ لأنه تعالى سماها صلاة وجعلها جزءًا منها، وكان ﷺ يقول: "لا يقرأن أحد منكم شيئًا من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن"، فكان يأمر بقراءتها ويقول: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" إمام أو غير إمام، وكان ﷺ يقول: "من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعًا فليقرأ فيها بأم القرآن وسورة معها"، وفي رواية: "وآيتين معها"، وفي رواية: "وشيء معها"، فإن انتهى إلى أم القرآن فقد أجزأ.
ومن كان مع الإمام فجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب سرًا في بعض سكتاته، وكان أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- يقول: سئل رسول الله ﷺ: أفي كل صلاة قراءة؟. قال: "نعم ذلك واجب"،
وكان ﷺ يرخص للمأموم في ترك قراءة الفاتحة في الجهرية لاشتغاله بسماع قراءة الإمام ويقول: "إذا قرأ الإمام فانصتوا"، وفي رواية: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يقرأ بها خلف الإمام ويقول: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ، وكان -رضي الله عنه- يقول: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر"، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم القراءة، وكان مكحول -رضي الله عنه- يقول: اقرؤوا فيما جهر به الإمام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سرًا، فإن لم يسكت الامام فاقرأ بها قبله ومعه وبعده، ولا تتركوها على كل حال، وسيأتي ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضًا.
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سبب نهى رسول الله ﷺ عن القراءة خلفه في الجهرية أنه ﷺ: صلى صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ الناس ولم ينصتوا لقراءته فلما سلم أقبل على الناس فقال لهم: هل قرأ أحد منكم معيَ آنفًا؟ فقالوا: "نعم يا رسول الله، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما يجهر به من الصلاة دون السرية"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا فاتته الركعة الأولى والثانية في الجهرية مع الإمام قام فقرأ لنفسه جهرًا.
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: إن في كل صلاة قراءة فما أعلن رسول الله ﷺ أعلنا وما أخفى أخفينا ولم يسر من أسمع نفسه، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: رأيت رسول الله ﷺ صلى صلاة لم يزد على الفاتحة شيئًا، وكان ﷺ يرخص لبعض الأعراب في قراءة غير الفاتحة من القران، وقال للمسيء صلاته فاقرأ بما معك من القرآن، "وكان ﷺ إذا علم رجلًا الصلاة يقول له: إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع"، وجاءه رجل فقال: يا رسول الله ﷺ إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني مايجزيني؟ فقال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم اركع.
وكان ﷺ يقول: "لا صلاة إلا بقراءة ولو بأم الكتاب". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكل ذلك إنما كان عند نزول قوله تعالى: ﴿فَأَقْرَؤوا مَا تَيسر مِنْهُ﴾ [المزمل: ۲٠] ، فلما أمر رسول الله ﷺ بتعيينها في الصلاة أمر أبا هريرة -رضي الله عنه- أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب ومن كان مأموماً فليقرأ بها في سكتات إمامه.
قال شيخنا -رضي الله عنه-: فقوم بلغهم النداء فقالوا بتعيينها، وقوم لم يبلغهم النداء فنُقِل عنهم القول بعدم تعيينها. وقال ابن عمر - رضي الله عنهما-: صلى عمر -رضي الله عنه- مرة فلم يقرأ الفاتحة في الركعة الأولى، فلما أخبر بذلك سجد للسهو. قال شيخنا -رضي الله عنه-: وفي ذلك دليل على أن حكم الفاتحة عنده كحكم التشهد الأول يسجد للسهو إذا تركه فهي من كمال الصلاة لا أنها شرط لصحتها وسيأتي ذلك آخر سجود السهو.
وكان أنس -رضي الله عنه- يقول توفى رسول الله ﷺ ولم يكن يقرأ إلا بها، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا بد من قراءة الفاتحة خلف الإمام جهرَ أو لم يجهر، فإن لم يسكت الإمام بعد قراءته الفاتحة فليقرأ المأموم معه. قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولم يُنقل لنا أن رسول الله ﷺ ترك الفاتحة من حين أمر بها أبدًا، فمن بلغه أن رسول الله ﷺ صلّى بغيرها في وقت من الأوقات مقتصرًا عليه فليلحقه، ههنا، فهذه أدلة المذاهب كلها، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه طراً، ومن والاهم في الله -سبحانه وتعالى- سراً وجهرا، وعلى ابائه وإخوانه من المرسلين المرتقين في الفضائل والخير أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،
فيذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ما ورد في قراءة الفاتحة في الصلاة.
يقول: قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ يقول: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فلم يصل إلا وراء الإمام" .
"وراء الإمام" بالنسبة للمأموم:
إذاً هذا الموافق غير المسبوق، لم يكمل فاتحته إلا والإمام قد ارتفع من السجدة الثانية فعليه أن يوافقه فيما هو فيه سواء قيام أو تشهد ولا تحسب له هذه الركعة. وأما إن أكمل قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجدة الثانية فيتابع الإمام ويكمل ليتدارك حتى يصل إلى حيث وصل الإمام. فهكذا حكم المسبوق والموافق عند الشافعية.
وعلمنا سقوط الفاتحة على المأموم عند الحنفية وكذلك عند الحنابلة وعند المالكية:
وكان ﷺ يقول: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج فهي خداج.." أي: ناقصة " فقيل لأبي هريرة -رضي الله عنه-: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرءوا بها في أنفسكم،.." يعني: من دون جهر؛ فلا يجهر المأموم، "فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي"أي: الفاتحة، ولمّا سمّاها "الصلاة" كان كما سمعت استدلال على أنها من أجزاء الصلاة وأنها ركن في الصلاة. "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، قال الله تعالى أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مٰلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي"، وفي رواية: "فوض إلي عبدي"، يعني: فوض الأمر إلي لأنه المالك والملك في ذاك اليوم يقضي ماشاء، (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ) [الانفطار:19] جل جلاله.
"فوض إلي عبدي"، وإذا قال: وإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم صِّرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، قـال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".
يقول الشعراني عن شيخه: " قال شيخنا -رضي الله عنه-: وهذا أقوى دليل على تعينها في الصلاة؛ لأنه تعالى سماها صلاة.
-"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي"- فسمّى الفاتحة صلاة وجعلها جزءًا منها، وكان ﷺ يقول: "لا يقرأن أحد منكم شيئًا من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن" يعني: الفاتحة. وجاءت في هذا العدد من الروايا،.
وبها استدل الشافعية على أن الفاتحة لا تسقط عن المأموم، ولا بد أن يقرأ الفاتحة ولو كان مأموماً في كل ركعة من الركعات، إلا ما سبق ذكره إذا لم يدرك زمناً يسع الفاتحة أو أدرك الإمام وهو راكع فتسقط عنه الفاتحة كلها.
ويقول: فكان يأمر بقراءتها ويقول: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" إمام أو غيره الحكم واحد إمام أو منفرد أو مأموما
وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعًا فليقرأ فيها. بأم القرآن وسورة معها"،
أما إذا قال أنا لا أحفظ شيئاً ولكن برُد الفاتحة ثانية مرة بدل السورة؟
فيقول: لا، ما تكون إرجاع لها ورَدْ لها، بل تكون معذوراً إذا لم تحفظ غيرها فأركع.
وإنما يحصل السنّة بقراءة شيء من القرآن غير الفاتحة.
وكذلك في السورة في القرآن بعد الفاتحة يقرأ شيئاً مفهماً من القرآن غير الفاتحة تحصل به أصل السنة، والأفضل قراءة سورة كاملة ولو كانت قصيرة أفضل من بعض السورة. وأكثر ما ورد عنه ﷺ أنه يقرأ سورة بعد الفاتحة أو يقسم السورة بين الركعتين، يقرأ صدرها في الركعة الأولى ويكملها في الركعة الثانية، هذا أكثر ما ورد عنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قال: "وكان ﷺ يقول: "من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعًا فليقرأ فيها بأم القرآن وسورة معها"، وفي رواية: "وآيتين معها"، وفي رواية: "وشيء معها"، فإن انتهى إلى أم القرآن فقد أجزأ" تكفي الفاتحة وحدها، "ومن كان مع الإمام فجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب سرًا في بعض سكتاته، وكان أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- يقول: سئل رسول الله ﷺ: أفي كل صلاة قراءة؟. قال: "نعم ذلك واجب" أخرجه البخاري في السنة الكبرى.
"وكان ﷺ يرخص للمأموم في ترك قراءة الفاتحة في الجهرية لاشتغاله بسماع قراءة الإمام ويقول: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا"". وعلمت أن هذا مذهب الأئمة الثلاثة، وفي رواية: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يقرأ بها خلف الإمام ويقول: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ، وكان -رضي الله عنه- يقول: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر" يحط حجرة وسط فمه حتى ما يحب أن يقرأ.
"وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم القراءة، وكان مكحول -رضي الله عنه- يقول: اقرؤوا فيما جهر به الإمام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سرًا".
وهكذا عن جماعة من الصحابة أنه يقرأ الفاتحة، وهو مذهب الشافعية كما سمعت لا تسقط الفاتحة عن المأموم فيقرأ الفاتحة وإن لم يسكت الإمام، فقرأ بها قبله ومعه وبعده، يعني الإمان يكمل الفاتحة ويبدأ في السورة مباشرة وما يسكت السكتة، قال أقرأ به قبله ومعه وبعده، لا تتركوها على كل حال، أي فاتحة الكتاب، كما يقول مكحول لإنها عنده واجبة على المأموم.
قال: "وسيأتي ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضًا" أنه يقول بوجوب الفاتحة على المأموم في كل ركعة.
"وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سبب نهى رسول الله ﷺ عن القراءة خلفه في الجهرية أنه ﷺ: صلى صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ الناس ولم ينصتوا لقراءته فلما سلم أقبل على الناس فقال لهم: هل قرأ أحد منكم معيَ آنفًا؟ فقالوا: "نعم يا رسول الله، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما يجهر به من الصلاة دون السرية" دون الجهرية.
قال: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا فاتته الركعة الأولى والثانية في الجهرية مع الإمام قام فقرأ لنفسه جهرًا". واختلفوا هل يجهر المسبوق إذا فاته الركعة الأولى والثانية مع الإمام في مغرب أو عشاء أو فجر؟ فإذا قام هل يجهر أو لا يجهر؟
"إذا فاتته الركعة الأولى والثانية في الجهرية مع الإمام قام فقرأ لنفسه جهراً"، هذا كان ابن عمر وهكذا مذهبه، مذهب بعض الأئمة.
"وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: إن في كل صلاة قراءة فما أعلن رسول الله ﷺ أعلنا وما أخفى أخفينا ولم يسر من أسمع نفسه"، وإن كان المقصود بالجهر أن يسمع غيره، ومن لم يسمع إلا نفسه فهو يُقال له مسرّ، لكنه أيضاً يقول: "ما أخفى" يعني: أَدَّى القراءة كاملة، وإن كان لم يسمع إلا نفسه. ومع ذلك فقد كان يسمعهم السورة أحيانًا في السرية ﷺ، يعرفون أنه قرأ سورة كذا أو سورة كذا لما يجهر به من بعض آياتها.
قال: "وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: إن في كل صلاة قراءة فما أعلن رسول الله ﷺ أعلنا وما أخفى أخفينا ولم يسر من أسمع نفسه، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: رأيت رسول الله ﷺ صلى صلاة لم يزد على الفاتحة شيئًا"،
وفيه بيان الجواز من رسول الله ﷺ أن يقتصر المصلي على قراءة الفاتحة.
"وكان ﷺ يرخص لبعض الأعراب في قراءة غير الفاتحة من القران، وقال للمسيء صلاته فاقرأ بما معك من القرآن". مشيرًا إلى أن الفاتحة هي الأصل، ولكن من عجز عن قراءة الفاتحة يقرأ أي شيء من القرآن يحفظه، مثل سورة الإخلاص والمعوذتين أو غيرها. "فاقرأ بما معك من القرآن"، وهذا الحديث مع قوله تعالى: "﴿فَأَقْرَؤوا مَا تَيسر مِنْهُ﴾ [المزمل: ۲٠]" ،دليل الحنفية أن الفاتحة لا تتعين، وأنه يكفي أي شيء من القرآن.
"وكان ﷺ إذا علم رجلًا الصلاة يقول له: إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع"
ومن هنا قالوا:
"وجاءه رجل فقال: يا رسول الله ﷺ إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني ما يجزيني؟ فقال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم اركع".
قال الشافعية وغيرهم: يكرر الذكر حتى يصير حروفه مثل حروف الفاتحة.
"وكان ﷺ يقول: "لا صلاة إلا بقراءة ولو بأم الكتاب". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكل ذلك إنما كان عند نزول قوله تعالى: ﴿فَأَقْرَهُوا مَا تَيسر مِنْهُ﴾ [المزمل: ۲٠] ، فلما أمر رسول الله ﷺ بتعيينها في الصلاة أمر أبا هريرة -رضي الله عنه- أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب ومن كان مأموماً فليقرأ بها في سكتات إمامه.
قال شيخنا -رضي الله عنه-: فقوم بلغهم النداء فقالوا بتعيينها.." الفاتحة في كل ركعة "وقوم لم يبلغهم النداء فنقل عنهم القول بعدم تعيينها. وقال ابن عمر - رضي الله عنهما-: صلى عمر -رضي الله عنه- مرة فلم يقرأ الفاتحة في الركعة الأولى، فلما أخبر بذلك سجد للسهو"، وهذا يتوافق مع مذهب الحنفية؛ فإنه عندهم من لم يقرأ الفاتحة يمكنه أن يسجد للسهو بدلاً عنها.
"قال شيخنا -رضي الله عنه-: وفي ذلك دليل على أن حكم الفاتحة عنده كحكم التشهد الأول يسجد للسهو إذا تركه فهي من كمال الصلاة لأنها شرط لصحتها وسيأتي ذلك آخر سجود السهو".
"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول توفى رسول الله ﷺ ولم يكن يقرأ إلا بها"، يعني الفاتحة "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا بد من قراءة الفاتحة خلف الإمام جهرَ أو لم يجهر، فإن لم يسكت الإمام بعد قراءته الفاتحة فليقرأ المأموم معه. قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولم ينقل لنا أن رسول الله ﷺ ترك الفاتحة من حين أُمر بها أبدًا، فمن بلغه أن رسول الله ﷺ صلى بغيرها في وقت من الأوقات مقتصرًا عليه فليلحقه، ههنا"، فهذه أدلة المذاهب، كلها والله أعلم." رضي الله تعالى عنهم.
ففي الأمر سعة والفاتحة معظّمة عند جميع المؤمنين، ومفضلّة على غيرها من السور، فهي سيدة سور القرآن.
أفضل سورة في القرآن سورة الفاتحة، ويعدل قراءتها بقراءة ثلثي القرآن، ثلثين من القرآن، فالثلاث من سورة الفاتحة تعدل ثواب ختمتين، كما أن الثلاث من سورة الإخلاص تعدل ختمة واحدة. فالثلاث من الفاتحة تعدل ثواب ختمتين، فإن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وسورة الفاتحة تعدل بثلثين القرآن.
وهي عدّة أعدّها خيار المؤمنين لكل شدة ولكل طلب ولكل حاجة؛ فيقدمون قراءة الفاتحة، ولا شك أن من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى قراءة القرآن، وأعظم سورة في القرآن سورة الفاتحة، ولذا جعلها المسلمون قرينة ومقارنة لأدعيتهم ولدعائهم يقرؤون الفاتحة. فيكون ذلك أقرب لقبول الدعاء عند الله سبحانه وتعالى.
حتى مضى في صلة المؤمنين بدينهم وإقبالهم على ربهم واستغراقهم في ذكره، كان أهل تهامة في اليمن في الأزمنه السابقة، حتى أهل السوق، يكررون قراءة الفاتحة في دكاكينهم وفي صفقاتهم كلها. وإذا باع هذا قال: "بعت"، قال الآخر "اشتريت"، ثم قالا: "الفاتحة". يقرؤون الفاتحة، فيجعلون حياتهم مصبوغة بصبغة الإتصال بالله -تبارك وتعالى- وصبغة الشريعة والدين، وهكذا واجب المؤمن، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الأحزاب:41-42]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [المنافقون:9].
أصلح الله شؤوننا وشؤون المسلمين، ودفع السوء عنّا وعن المؤمنين، وجعلنا من الذاكرين الله كثيراً، والذاكرات، ومن المقبلين بالكلية عليه، وأصلح شؤوننا ما اصطلح به شؤن الصالحين في خير ولطف وعافية.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
22 ذو القِعدة 1445