(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (22) أحكام المساجد وآدابها (4)
صباح السبت 15 رجب 1445هـ
"فرع: وكان رسول الله ﷺ يقول: "من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" وفي رواية: "من أكل ثومًا أو بصلًا أو فجلًا فليعتزلنا وليقعد في بيته ولا يصلين معنا"، وسيأتي في باب الأطعمة قوله ﷺ لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "كُلْ الثوم نيئًا فإنه شفاء من سبعين داء ولولا أن الملك يأتيني لأكلته"، وقوله ﷺ: "من أكل الثوم أو البصل فليمتهما طبخًا ".
وكان ﷺ يقول: "من سمع رجلًا ينشد ضالةً في المسجد فليقل لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تًًبْنَ لهذا ومن رأى من يبيع أو يبتاع في المسجد فليقل: لا أربح الله تعالى تجارتك"، وسمع رسول الله ﷺ مرة رجلًا يقول في المسجد: من رأى ليَ الجمل الأحمر؟ فقال له: "لا وجدته فإنما بنيت المساجد لما بنيت له".
وكان ﷺ يقول: "من دخل المسجد ليتعلم خيرًا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك فهو كالذي ينظر إلى متاع غيره"، وفي رواية: "من أتى المسجد لشيء فهو حظه" وكان ﷺ يقول: "إن لكل شيء قمامة وقمامة المسجد لا والله وبلى والله"، وكان ﷺ يقول: "لا تُقاد الحدود في المساجد ولا تُستقاد، ولا يُسَل فيها سيف ولا نبل إلا في غلافه أو وهو قابض على نصله"".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله الذي أكرمنا بالشريعة الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفيه خير الورى سيدنا محمد المخصوص بالمعراج والإسراء اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرِّم على سيدنا المصطفى المختار، وآله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن سار بمسيرهم وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله- الأحاديث المتعلقة بتعظيم المساجد وإكرامها فهي من شعائر الله أي: علامات دينه (... وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ)[الحج؛ 32]. وذكر تجنب إيصال وإدخال الروائح الكريهة إليها، وبيّن أن الله تعالى جعل لنا فيما آتانا من نعمة الشم للرائحة بالفضل منه في هذا التركيب الذي ركبنا به سبحانه وتعالى وإلا ما كان يُعلم ما هو الشم وما هو الرائحة؛ ولكن الله خلق الأشياء وخلق الروائح وخلق في الإنسان حاسةً تميز بين هذه وتلك، وجعل ذلك أيضًا للملائكة الكرام؛ وأنّ الروائح الطيبة التي تستلذها الفطر السليمة من حيث تكوين الحق تعالى لها ترتاح إليها الأرواح الطاهرة من أرواح الملائكة ومن الرّوحانيين ومن العباد الصالحين، وهناك مناسبة بين الأرواح الخبيثة وبين خبائث الروائح؛ فيميل إليها الأرواح الخبيثة من الجانّ والشياطين ونحوهم، وجعل في تطلب الرائحة الطيبة الحسنة فائدة للإنسان حتى في ذهنه وعقله وفهمه، وكان يقول سيدنا الإمام الشافعي: من طاب ريحه زكا عقله… من طاب ريحه زكا عقله فلها آثار؛ حتى أن الذين شمموهم الورود الطبيعية في طفولتهم طلعوا بذكاء ووعي جاوز حد غيرهم، وكذلك شم الروائح الخبيثة ربما أضعف الإدراك والفهم والحس والعقل.
يقول ﷺ : "من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" وفي رواية: "من أكل ثومًا أو بصلًا أو فجلًا فليعتزلنا وليقعد في بيته ولا يصلين معنا"، وبعد ذلك هذه الأشياء التي لها روائح ويبقى أثر رائحتها في فم الإنسان يصل إلى من بجانبه وإلى من يجالسه فهذه الروائح الخبيثة ينبغي أن تُتَجنب عند دخول المسجد، فكيف بمن يلطخ نفسه برائحة السيجارة والتنباك ويدخل المسجد يؤذي الملائكة ويؤذي أخيار المصلين وعباد الله تبارك وتعالى؟!! فينبغي أن يُتَجنب أمثال ذلك في المساجد.
ثم إن حكم أكل الثوم أو البصل جائز وكرهه جماعة من أهل العلم، وقالوا: إلا أن يزيله وإلا ففي أصله كما ذكر الشيخ عليه رحمه الله قال:" وسيأتي في باب الأطعمة قوله ﷺ لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "كُلْ الثوم نيئًا فإنه شفاء من سبعين داء ولولا أن الملك يأتيني لأكلته""، وكذلك قال لسيدنا أبي أيوب الأنصاري وقد نزل في بيته وتشرف سيدنا أبو أيوب خالد الأنصاري -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بنزول رسول الله في بيتهم أول ما وصل المدينة، وكان يقدم إليه العشاء ثم يأتي هو وأم أيوب فيتسابقان على مواضع أصابع رسوله ﷺ يأكلان من بعده؛ تبركًا فجعل في ليلة نصيبًا من الثوم في وسط الطعام وقدمه فلم يمسه ﷺ، ثم أرجعه إليهم فجاءا يستبقان مواضع أصابعه ما وجدوا أثر لأصابعه في الطعام فكأنهم خافوا، وقد جاء للنبي ﷺ قال: "يا رسول الله ما أكلت عشاءنا؟! قال: إني وجدت فيه هذه الرائحة وإني أناجي من لا تناجون فكلوه أنتم، قال سيدنا أبو أيوب: فما دخل الثوم بيتنا بعد تلك الليلة"، خلاص ما عد دخلوه أبدًا إلى البيت.
ويقول: "من أكل الثوم أو البصل فليمتهما طبخًا "؛ بحيث تذهب الرائحة فيأكل فلا يتأثر، وأيضًا جاءوا بطريقة: يغلون فيها الثوم بحيث تذهب رائحته ويبقى مأكولًا من دون أن يثير الرائحة، وعلى كل حال فهو ليس بحرام باتفاق وإنما اختلفوا في كراهته؛ كراهة أكل كل ذي رائحة كريهة من بصل ني وثوم ني وكراهة فجل وما إلى ذلك؛ إذا تعذر زوال رائحته فهو مكروه عند أكثر الفقهاء من أكل هذه البقلة الثوم في رواية "من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" أخرجه الإمام مسلم أيضًا في صحيحه، والمعنى: أن الملائكة تنفر من الروائح الكريهة التي تنفر منها طباع بني آدم، ففيه أن الملائكة أيضًا عندهم حاسة الشم لهذه الروائح وأنهم يحبون الروائح الطيبة وأنهم يتأذون من الروائح الكريهة، وهكذا استثنى بعض الفقهاء من قدر على إزالة ريحها فلا يكره له أكلها، فأما من أراد التوجه للمسجد؛ فيتعين عليه أن يترك أكل هذه فإن أكل فيمتنع عليه ويحرم عليه الإتيان إلى المسجد والرائحة في فمه يجدها من بجانبه فيحرم عليه ذلك، حتى أن ذلك لو طرأ عليه من دون تعمد للوقت فكان وقت الجماعة فهو معذور لا يحضر الجماعة وليقعد؛ حتى لا يوذي الملائكة والناس. وكذلك يقول الشبراملسي وغيره يقول: ينبغي أن يكون محل الكراهة ما لم يحتاج لأكله كفقد مائدةٍ به أو توقان نفسه إليه أو لعلاجٍ ونحو ذلك، فإنه على أنهم أجمعوا أنه ليس بحرام ولكن الكلام في الكراهة هل يكره أو لا؟! ومن كانت له حاجة فينبغي أن يستعمل بعده ما يزيل أثر رائحته من فمه؛ حتى لا يوذي الملائكة من جلسائه والكتبة والحفظة الذين معه من الملائكة، فتُتَجنب جميع الروائح الكريهة في المساجد وفي الصلوات وفي مجالس الذكر ومجالس العلم وما إلى ذلك.
فتقدم معنا ما كان من تجمير المسجد واعتناء من يبخر فيه بالروائح الحسنة والطيبة، ثم هذا متعلق بالنظافة فينبغي أن يكون المسجد نظيفًا رائحةً ومنظرًا ومسمعًا وجدارًا وأرضًا؛ فلا يكون فيه شيء من القاذورات " إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ .." يقول ﷺ: "إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ".
أيضًا نهى ﷺ عن إنشاد الضالة وسط المسجد، ومن ضاع عليه حاجة ويتوقع أن المصلين يعلمون بها؛ فليجلس على باب المسجد ولا يدخل المسجد ويسألهم خارج المسجد هل رأى منكم أحد الحاجة الفلانية؟ هل وجد أحد الحاجة الفلانية؟ ولا ينشد الضالة وسط المسجد، ولزجره سنَّ لنا إذا رأينا من ينشد ضالة وسط المسجد أن نقول له: "لا ردَّ الله عليك ضالتك" ما عاد تحصل هذه ولا ترجع إليك، هذا الضالة تتخبر عليها وسط بيت الله -تبارك وتعالى- يقول: "لا ردَّ الله عليك ضالتك" زجرًا له عن أن ينشد الضالة في المسجد كما يُزجَر الذي يبيع ويشتري وسط المسجد فيقال له: "لا أربح الله تجارتك"، فيقال لهم هذا زاجرًا لهم عن عمل هذه الأعمال وسط المساجد، يقول: "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك" وفي لفظٍ "لا ردَّها الله عليك" قالﷺ: "فإن المساجد لم تبن لهذا ومن رأى من يبيع أو يبتاع في المسجد فليقل لا أربح الله تعالى تجارتك"، وسمع رسول الله ﷺ مرة رجلًا يقول في المسجد: من رأى لي الجمل الأحمر؟، فقال له: "لا وجدته فإنما بنيت المساجد لما بنيت له". فما عاد وقف له على خبر، ولا عاد حصل جملُهْ هذا الذي تكلم عنه في المسجد النبوي، لا إله إلا الله!
يقول عامة الفقهاء: بالكراهة الشديدة لنشدان الضالة في المسجد، " أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ الشِّراءِ والبَيْعِ في المسجِدِ، وأنْ تُنشَدَ فيه ضَالَّةٌ، أو يُنشَدَ فيه شِعرٌ" شعر محمول على شعر الجاهلية، أو الشِّعر الذي لا يكون فيه في مدح رسول لله ﷺ، وفي الثناء على الله، وفي التذكير بالدار الآخرة، فقد قيل الشعر في مسجده ﷺ في حياته وبعد وفاته، وما أنشد كعب بن زهير قصيدته: "بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ" إلا وسط مسجده؛ بل عند محرابه ﷺ، جاءه وصافحه بعد الصلاة وأنشده يقول: "بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ" وكان لما وصل إلى قوله:
إن الرسول لنور يُستَضاءُ به *** مهندٌ من سيوف الهند مسلولُ
قال:"بل من سيوف الله". فقال:
إن الرسول لنور يُستَضاءُ به *** مهندٌ من سيوف الله مسلولُ
فحمل بردته الشريفة وأعطاه إياها إكرامًا له على حسن ثناؤه.
يقول أبو هريرة سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: " إذا رأيتُم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجدِ فقولوا لا أربحَ اللَّهُ تجارتَكَ وإذا رأيتُم من ينشدُ فيهِ ضالَّةً فقولوا لا ردَّ اللَّهُ عليْكَ" وقال أيضًا:"يقول: "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا" وهذا في صحيح مسلم، فإذًا ليست المساجد لشؤون الدنيا وأخبارها، ولا لسياساتها وأعلامها، إنما هي لنصرة الحق ورسوله، ولذكر الله ولتلاوة كتابه، ولتعليم الخير هذه مقاصد المساجد، وبذلك تعلم الإنحراف والشذوذ فيمن سيَّر المساجد خدمة للأحزاب السياسية، والاتجاهات الدنيوية، ويجعلون حلقاتهم وخطبهم عليها وفيها، وإنا لله وإنا إليه راجعون! إن المساجد أكبر من هذا؛ المساجد محل الخضوع والخشوع والرجوع إلى الرب جلَّ جلاله، والتذلل بين يديه وتصفية القلوب وتنقيتها، لا محل الأغراض الدنيوية، ولا محل السب والشتم، ولا محل الأذى للمسلمين.
فبيّن لنا بعد ذلك في المسجد الآخر فضيلة التعلم، ومجيء المسجد لأجل العلم لأجل تعلم العلم ولأجل التعليم، فهذا من أعظم المقاصد التي بُنيَت لها المساجد، ويعظم أجر فاعلها بمجيئه للمسجد من أجل أن يتعلم أو يُعلِّم، "وكان ﷺ يقول: "من دخل المسجد ليتعلم خيرًا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله" فيدرك ثواب الجهاد في سبيل الله، حتى أن صلاته ترجع بسبعمئة، وتسبيحه بسبعمئة، وطاعته بسبعمئة لأنه في سبيل الله، ويُضاعَف عمل المجاهد في سبيل الله إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال:"ومن دخل لغير ذلك فهو كالذي ينظر إلى متاع غيره" لا حظ له من الثواب والأجر، يأخذه غيره ويأخذونه غيره، فوَّت النية على نفسه أن يتعلم أو يُعلِّم، فالداخل للمسجد بغير نية تَعلُّم وتعليم، من يكون.. الذي فاته من هذه النية مثل الذي ينظر متاع غيره ويتشوفه وهو ما له فيه نصيب ولا له حظ، ولا يقدر ينتفع به، ولا يستفيد منه، يتشوف بس، وهذا يحضر مع الناس ولكن نيته ضاعت فلهذا لا يدرك ثوابًا ولا يحصل جزاءًا وأجرًا عظيمٌ يدركه هؤلاء، يصير أحدهم كالمجاهد في سبيل الله وهذا بفقده النية يتشوف ويتفرج ولا عنده شيء من هذا الفضل وهذا العطاء الخير، " إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى" و"من دخل المسجد ليتعلم خيرًا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك فهو كالذي ينظر إلى متاع غيره"هكذا جاء في رواية الإمام أحمد في المسند وعند ابن ماجة.
كذلك جاء في رواية وقد صحَّ سندها "من أتى المسجد لا يأتيه إلا ليتعلم خيرًا أو ليُعَلِّم كان له كأجر حاجٍّ تامٍّ حجته"، "كان له كأجر حاجٍّ تامٍّ حجته"، فضل الله تبقى لمن قصد التعلم في المسجد أو التعليم في المسجد، وكانت حلقات التعليم محلها مسجد رسول اللهﷺ ، وهي محل التفقه في الدين، والفهم والوعي والتفهيم لأحكام الله ورسوله العظيم ﷺ، ويقول على حسب النيات: "من أتى المسجد لشيء فهو حظه" هذا هو نصيبه من المسجد، ما الغرض ومت القصد؟! إنت عنده؛ إن كان من أجل يراه فلان ولا من أجل أبوه يدرى به، ولا حتى يقولون إنه جاء المسجد.. خلاص هذا حظك ولا عاد لك شيء، وإن كان لك غرض في القرب، أو في الثواب، أو في الرضا، أو في العلم، أو في الجهاد، أو في التقوى، فحسب ما نويت "من أتى المسجد لشيء فهو حظه" هو ذا نصيبه الذي قصده والذي نواه، هو ذا نصيبه، يقع رفيع علوي ولا يقع منحط سفلي، على حسب نيته، لا إله إلا الله! "وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى" اللهم أصلح نياتنا.
ويقول: أن من القمامات المعنوية وسط المساجد اللغو والكلام وسط المسجد هذا قمامة المسجد، يقول:"إن لكل شيء قمامة وقمامة المسجد لا والله وبلى والله" لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم! هذا الذي يحلف ويلغوا في الأيمان لا واالله وبلى والله، هذا اللغط في المسجد والكلام قمامة المسجد، هذه الأوساخ المعنوية التي تُلَطَّخ بها المساجد فيُلَطَّخ بها من قالها ومن استمع إليها، فلا ينبغي أن يُتكلم في المساجد إلا بخير وإلا بنور وإلا بهدى وإلا بقرآن وإلا بسنة وإلا بعلم وإلا بنصيحة وإلا بإرشاد فقط، هذا الكلام في المسجد وأما الكلام واللغط واللهو وأنا عملت وطلعت وأنت نزلت ولا والله وبلى والله! هذا هو القمامة، الأوساخ المعنوية للمساجد، فيكون يتلطخ ويخرج ملطخ من المسجد بدل أن يخرج منظف ومنقّى ومرقى بسبب لغطه في المسجد.
وكان ﷺ يقول: "لا تُقاد الحدود في المساجد ولا تُستقاد، ولا يسل فيها سيف ولا نبل إلا في غلافه أو وهو قابض على نصله" محل الأمان ومحل الطمأنينة فلا ينبغي إحداث الإزعاج فيها ولا الإرعاب، ولا يجوز إرعاب المسلم في أي مكان وفي المسجد إثم الإرعاب أشد وأكبر، "مَن رَوَّعَ مؤمنًا ، لم يُؤَمِّنِ اللهُ رَوْعَتَهُ يومَ القيامةِ"؛ وقد خافوا أن يكون من الترويع يخفي نعاله وأحذيته، ويخرج ما يحصلها، قال روعته "قد روَّعته بذلك" يظن أن أحد سرقها، قال: فلا تروِّع مسلم، ولذا وجدنا بعض شيباننا ومشايخنا كان يتجنب سواقة السيارة وهو يعرف قيادتها ويحسنها، قال: خوف من استعمال آلة التنبيه هذا فأُزعج، قال: يُرعب فأكون روَّعت مسلم، أكون روَّعت مسلماً بذلك، أمشي في الطريق ذاك يفزع من هنا وذا يفزع من هنا، قال: أكون روَّعت المسلمين فترك قيادة السيارة كلها خوفاً من أن يضطر إلى استعمال هذا الصوت المزعج -المنبه- فيصير روَّع مسلم، قال: أحسن خل غيري يقوم بهذا، فهكذا احتياطهم في البعد عما يوجب الحسرة يوم القيامة، أو نقص المرتبة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- لا إله إلا الله!
قال:"لا تُقاد الحدود في المساجد ولا تُستقاد" ما يُطلب فيها القَوَدْ-القصاص- والقيام بالحدود وسط المسجد "ولا يسل فيها سيفٌ" بل يجب أن يكون مغمد ما يجوز إظهار السيف، وكذلك أنواع الأسلحة ما يجوز تكون مرفوعة موجهة، بل لا تُستَعمل إلا مؤمنة، كما يُستَعمل السيف وسط غمده فكذلك السلاح لا بد يكون مؤمّن وسط المسجد أو خارج المسجد، وكذلك ولا يجوز أن يدخل به هكذا، ولا أن ينصبه أمام الناس في المسجد فهذا حرام، ولا يجوز استعماله في المسجد، "ولا يسل فيها سيف ولا نبل-حتى النبال والسهام مايجوز- إلا في غلافه أو وهو قابض على نصله" محل الحديدة حقه التي تقطع هو ماسك بها، ما هو ماسك بالطرف الثاني الذي يؤذي الناس ويصلهم؛ بل محل الحديدة اللي تقطع يمسكها بيده،؛ حتى لا تصيب أحد فهذا الواجب على من دخل المسجد، فإذًا عند عامة الفقهاء: تحرم إقامة الحدود في المساجد فإنه ﷺ "نهى عن إقامة الحد في المساجد" كما جاء في رواية ابن ماجة وغيره، "لا تقام الحدود في المساجد" في رواية الترمذي أيضًا وابن ماجة، و"جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وشرائكم وبيعكم وإقامة حدودكم"، "وجمروها في جمعكم وضعوا على أبوابها المطاهر" كما تقدم معنا.
ولا يُؤمَن خروج النجاسة من المحدود فيجب نفجه عن المسجد، إذ بالضرب قد ينشق الجلد فيسيل منه الدم فيتنجس المسجد، فتعظيم المسجد واجب، في إقامة الحدود فيه تركٌ لتعظيمه، أما عموم الحرم خارج المسجد فيجوز إقامة الحدود فيه، خصوصًا من ارتكبها في الحرم، أما من ارتكبَّ حدًّا خارج الحرم ثم لاذ بالحرم فاختلف الفقهاء: هل يستوفى فيه الحدُّ أو لا؟ قال: "لا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بهَا-يعني مكة وحرم مكة- دَمًا" ولكن إذا أصاب حد من حدود الله نعم.. تُستوفى الحدود في الحرم لمن استوجب الحد وسط الحرم أو كان خارج الحرم ثم دخل وسط الحرم، بغى-أراد أن- يرتفع! ما يرتفع عنه بدخوله وسط الحرم! فيجب أن يُقام عليه الحد، وقال ﷺ لما قالوا له إن بن خطل متعلق بأستار الكعبة، قال: اقتلوه.
صلى الله عليه وعلى صحبه وسلم؛ هكذا تأتي لنا أداب المساجد.
والله يكرمنا بحقائق الآداب، ويجعلنا من خواص أهل السجود، والموفين بالعهود، والمقبلين على الله، والمقبولين لدى الله، والموفقين لما يرضاه في خير ولطف عافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
20 رَجب 1445