شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -2- معنى صفة القدم والواحدانية وتقدُّسه عن المكان
شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد، فإنا نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله عظيم، ملك كبير، لا رب سواه، ولا معبود إلا: إياه، قديم أزلي، دائم أبدي، لا ابتداء لأوليته، ولا انتهاء لآخريته، أحد صمد؛ لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، لا شبيه له ولا نظير، ليس كمثله شَيّء وهو السميع البصير.
وانه تعالى مقدس عن الزمان والمكان، وعن مشابهة الأكوان، ولا تحيط به الجهات، ولا تعتريه الحادثات، مستوٍ على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواءٌ يليق بعزِّ جلاله، وعلو مجده وكبريائه.
جلّ جلاله وتعالى في علاه
الحمد لله حمدًا تمتلئ به القلوب والصدور إيمانًا ويقينا، وبه الله من جميع الأسواء والشرور في الدارين يحفظنا ويقينا، ونسأله أن يديم الصلاة والسلام منه عنا على نبيه الأكرم وحبيبه الأعظم، أعظم أهل الشهود للواحد المعبود وسيد الركع السجود صاحب لواء الحمد والمقام المحمود، اللهم أدم الصلاة عليه وعلى آله وصحبه الموفين بالعهود، وعلى من سار في دربهم على الصدق والإخلاص إلى اليوم الموعود، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الشهود، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان في الغيب والشهود، وعلينا معهم وفيهم يا برّ يا ودود.
و بعـــــد ،،
فإن في تأملِ هذا الاعتقاد أو حقائق هذا الإيمان بما جاء به سيد الأكوان ﷺ؛ نتعرض للصدق مع الله؛ فإن صحة الاعتقاد هي السبيل لنيل المعرفة بالله الجواد "المعرفة الخاصة"، وكل من فسد اعتقاده في جزء من هذه الأجزاء التي ذكرها سيدنا/ الإمام الحداد يكون ذلك حاجزًا وحاجبًا وحائلاً بينه وبين سطوع النور في قلبه، وبين حصول حقيقة الفتح، وبين الوصول إلى المعرفة الخاصة والمحبة الخالصة.
فلا بد في السير إلى الله من صحة الاعتقاد؛ فإن من الحجب التي تَحُول بين ظهور نور الحقيقة في القلب فسادٌ في الاعتقاد، فيكون ذلك حائلاً يمنع ظهور النور في القلب، فلا يدرك الحقيقة. كما أنه إذا وُجدتْ في عالم الحس صورة وأمامها مرآة فإنه إذا اكتملت هذه المرآة ولم يحُلْ بينها وبين الصورة حائل؛ فلا بد أن تظهر فيها الصورة. المعاني والحقائق التي أُمرنا بالإيمان بها هي في المعنى كالصورة في الظاهر؛ مرآتها المعنوية القلوب.
فالقلب مرآة للحقائق الإيمانية لكن ما تظهر ولا تتضح هذه الحقائق في القلب كما لا تتضح الصورة في المرآة؛ لأحد أسباب خمسة فمنها:
- أن تكون المرآة لم تُصْقل بعد ولم يكمل تقويمها وتعديلها، هذا في بداية تكوينها، وذلك مثل قلب الصبي الصغير، لا تتضح فيه الحقائق الإيمانية في صباه وطفولته؛ لم يستوِ بعد. أي: المرآة لم يتم تهيئتها وتصقيلها؛ هذا سبب. وسبب آخر هذا لا يكون من خلال المرآة،
- المرآة كملت، وهي قلوب المكلفين البالغين مرآئي متكاملة، ولكن ما تظهر فيها الصورة! إما لخبث طرأ على هذه المرآة وكدوره حالت بينها وبين ظهور الصورة فيها، فلو أزيلت الكدورة لبرزت الصورة.
- وإما أن يُسدل حجاب بين الصورة والمرآة، فبوجود هذا الحاجز والحاجب لن تظهر الصورة في المرآة ولكن الحجاب هو الذي يظهر في المرآة، إلى أن يُزاح فتظهر الصورة.
- وإما أن تكون الصورة في جهة والمرآة في جهة أخرى؛ فلا يمكن تظهر الصورة بل تظهر الجهة الأخرى، لن تظهر الصورة حتى تستقبل المرآة الجهة التي فيها الصورة تماما.
- إذًا كان كذلك فالعلم بكيفية استقبال المرآة لهذه الصورة وانجلاء الصورة فيها أيضا؛ هو سبب الخامس الذي به تنجلئ الحقائق في القلوب كما تنجلئ الصورة في المرآة.
فقد ذكرنا أن القلب الذي لم يتم بعد ويستكمل لفهم الحقائق كقلب الصبي الصغير، لكن القلب الكبير الذي وعى قد يطرأ عليه ظلمة الذنوب والمعاصي والسيئات والتعلق بغير الله فيتراكم عليه كما تتراكم الكدورات على المرآة والصدى فيحجبها، وهي حاضرة - المرآة- والصورة حاضرة وليس بينهما حاجب ولكن الكدورة التي في المرآة منعت ظهور الصورة؛ فلابد من تصقيل المرآة وتصفيتها وإزاحة الصدى والكدورة عنها؛ ذلك بتحقيق التوبة وتحقيق الصدق مع الله والبعد عن رذائل الأوصاف.
ثم بعد ذلك، قد يكون إنسان مسلم مؤمن ومحافظ على الواجبات وتارك للمحرمات وعنده نصيب من أعمال الصالحات، ولكن في قلبه وعقله اعتقاد باطل في شيء مما يتعلق بشؤون الحقائق هذه، وهو الاعتقاد الواجب؛ فهذا هو الحاجز الذي يحجزه، كشأن أيضا التقليد بلا بصيرة؛ فيبقى واقف مع هذا الحد الذي وصل إليه ما يستعد لتجاوزه.
فإذا سَلِمَ من ذلك فقد يكون المرآة غير معدول بها إلى جهة الحقيقة؛ فلا تظهر فيها الصورة، مثل: مرآة معدولة هنا والصورة هنا والمرآة متوجهة هنا (أي يشير باتجاهين مختلفين )، فإدراك الحقائق الإيمانية إنما تكون بصدق التوجه إلى الله ودوام الإقبال عليه وتحقيق معنى: "وجَّهتُ وجهِيَ للَّذي فطرَ السَّماواتِ والأرضَ حَنيفًا مُسلمًا وما أَنا منَ المشرِكينَ"، حتى أدخل في معنى:" وما أَنا منَ المشرِكينَ"؛ المترددين في الحب له. إذا تحقق هذا الإقبال فهناك بعد ذلك كله، حتى قد يكون الإنسان المسلم هذا:
- إما مشغول بشيء من مكاسب الدنيا فانشغل قلبه فالتفت به القلب،
- أو حتى مشغول ببعض العبادات التي راح فكره وراء شؤونها وشروطها وآفاتها ووقف هناك.
لن تظهر الحقيقة، الأمر وراء هذا؛ لأنه لم يشتغل أصلا بالله بعد، قد يشتغل ببعض مظاهر العبادة في انقطاع عن ربه، هو متوجه إلى عمل، قلبه متوجه إلى عمله، قلبه متوجه إلى سعيه، قلبه متوجه إلى كسبه؛ نحن نريده أن يتوجه إلى الرب جل جلاله. فهذا ما استقبل حتى تظهر الحقيقة في قلبه.
بعد ذلك يأتي الدور الخامس: كيفية استقبال المرأة واستجلاء الصورة فيها، وهذا الذي هو دور الشيوخ المربين للمتوجهين إلى حضرة الرحمن جل جلاله، ففي هذا دقائق وخفايا. حتى أنك -في عالم الحس- تريد أن ترى قفاك نفسه لو تريد أن تنظرهُ في المرأة، ماذا سيحدث؟ تأتي أمام المرأة، المواجه لها وجهك وأمامك، فما يظهر إلا وجهك وأمامك، إذًا تجعل القفا يستقبل المرأة، فيستقبل القفا المرأة وتظهر الصورة في المرأة، لكن أنت وجهك إلى الجهة الثانية -عيونك ليست وراءك فماذا ترى؟ يقول: هناك طريقة، هات مرأة ثانية، اجعلها في مقابل هذه، وانظر إلى محاذاة معينة -بشكل متزن هندسي-، تستقبل أنت الصورة هذه -المرأة هذه-، قفاك ينطبع في المرأة التي وراءك -الثانية-، والصورة التي في الوراء في المرأة هذه تنطبع في المرأة التي أمامك؛ فترى قفاك تماما. في إدراك هذه الحقائق الإيمانية إزورارات وترتيبات مثل هذا وأدق من هذا، فلابد فيها من خبرة، ومن هنا قال:
فلابد من شيخ تسير بسيره *** إلى الله من أهل النفوس الزكية.
فإذا ذهبت الخمس الموانع فالحقيقة في القلب مشرقة، الحقيقة في القلب مشرقة، حتى قالوا بعضهم لسيدنا/ علي بن أبي طالب: أرأيت ربك؟ قال: بقلبي رأيت ربي، بما عرفت ربك؟ قال: عرفت ربي بربي، عرفت ربي بربي، جل جلاله.
ذكر لنا الصفات وذكر عليها هذه الإيمانيات: أننا ((نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن لا إله إلا الله، أن لا إله إلا الله))، وأنها تتهاوى أصنام الالتفاتات الكائنات، والتعويل على غير الله، والاعتماد على غير الله، والركون إلى غير الله سبحانه وتعالى، وتسقط هذه الصور الزائفة التي أخذت عقول أكثر العايشين معنا، ومنهم من يُوسم ويوصف على ألسن الناس -في أعرافهم- بالمفكر وبالعبقري وبالمخترع وبالمثقف، وهو تماما وراء أوهام في أوهام، وضلال في ضلال، وظلمة في ظلمة؛ فما عنده من الحقيقة شيء.
فتشهد ((أن لا إله إلا الله))؛ تخرج من الورطات هذه، لكن بحقها ((وحده لا شريك له)) في ألوهية ولا ربوبية، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ((وحده))، (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) [البقرة:163]، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء:22]. نظام يمشي بهذه الصورة العجيبة البديعة، مع عدة آلهة؟!! -لوكان عدة آلهة كانت خربت بطلت-. ومن الذي يريد فعلا هذا الواقع؟ ومن الذي يسيِّره منهم؟ إنهم كلهم يجتمعون على إرادته والتسيير، كلهم يسيرونه؟ في اجتماع فاعلٍ في فعل واحد! لا يمكن ولا يُعقل! واحد يفعل والآخر لا يفعل!! إذًا الذي يفعل هو هذا الإله، والثاني خليه ينام!! هذا ليس من إله من قادر على فعل مثل فعله ، فهل فعله برضى منه أو إكراه عليه؟!! برضى منه !
- إذا كان برضى منه؛ إذًا سلِّم المملكة والألوهية لغيره؛ هو ليس إله.
- إذا كان بغيررضى منه؛ هذا مقهور؛ ما يصح أن يكون إله.
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء:22]؛ ما يُعقل قط، (وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) [المائدة:73]؛ لهذا استقر الكون بهذا الاستقرار.
حتى شركات الناس ومؤسساتهم ودولهم الصغرى الكبرى، إذا إنفرد راس فيها بالتدبير تخربت، وترون العالم كيف بحدث فيه!! وما إلى ذلك. فالمملكة الكبرى تُديرهذه الكائنات، مساكين الذين يُنظر إليهم أنهم العلماء الكبار في هذا العصر و الكون والفضاء، ماذا يعملون؟! إلى الآن يبحثون من كوكب إلى كوكب إلى كوكب؛ ويقولون: اليوم اكتشفنا كذا، وغدًا إكتشفنا كذا، هل تصلحون شيء؟ هل تغيِّرون شيء؟ لا أبدًا، إذاً تريدون تكتشفون ماذا؟ إلى أين تصلون؟! الكوكب الأرضي وحده الذي أنتم تعيشون فيه؛ كفيل بأن يهديكم ويدلكم على الحقيقة لهذه الكائنات الذين ما ترونها. واليوم مركبات فضائية تصور لنا كوكب زُحل، فلو تصورون مركبات فضائية -واحدة بعد الثانية - ماذا يفعلون؟! لا شئ لا يزيدون سوى أن الواقع المكوّن المسيَّر يُؤخذ ويُصوَّر فقط. أما أنه شيء يحدث وشيء يروح، لا أبداً ما يعملون شيء؛ أصلاً ما يقدرون! ما يقدرون! وبتكتشف هذا، و أيضا كوكب ثاني وثالث ورابع، وقربت المركبة الفضائية إلى مسافة مئة متر بينكم وبين زحل -مرحبا تمام-وبعد ذلك ماذا؟ ثم استطاعوا يصوروا من مسافة ميل من زحل كوكب زحل!! -طيب-، ثم بعد ذلك ماذا حصل؟ قل لي من وراءه؟ قل لي لماذا جاء زحل هذ؟ا ومن الذي يسيِّره بهذا التسيير؟ وماهي القوة التي كوّنته في هذا المكان؟ ومليار كيلو المسافة بينك وبينه، وترسل مركبتك هذه، وشيء منها يتعطل وساعة شيء منها يحدث له مشكلة ..
على كل الأحوال وتفكير أشبه بالهوس، هل يمكن نعمل قرية في القمر؟! كم ميل من المسافة الأرضية ؟ والأرض التى أنت فيها مزودة بكل ما تحتاج وفيها الأكسجين وكل شئ، كمّلها لنا في الأرض! اجعلنا نعيش عيشة طيبة ونحن في محلنا، لا ترسلنا الى القمر ولا غير القمر، ماذا سيحدث؟! و الآن راحوا يدرسون كوكب آخر اسمه بلوتو، و يريدون أن يوصلو المركبات إليه، وهناك وراءه ماوراءه، والآن هذا الذي انتهوا إليه في المجموعة الشمسية إلى آخر كوكب.
وبعد المجموعة الشمسية ماذا؟ إلى ماذا سينتهون آخر ما توصلوا إليه المجموعة الشمسية، وبعدها ماذا؟! والمجموعة الشمسية جاءت من أجل ماذا؟! تقضي عمرك في هذا كله؟! الذي خلق المجموعة الشمسية خلقك لمهمة، لماذا تغفل عنها؟ لماذا تشتغل بهذا؟ هذا بيوصلك إلى أين؟ أصلاً بتموت بعد بكره وبعد، لا عرفت من خلقك، ولا عرفت كيف مرجعك، ولا استعديت لمستقبلك، ماهي الفائدة؟ اخذت اسرتك وسكنتم في القمرثم مت، وبعدها ماذا حصل؟! و اين مصيرك؟! وإين مرجعك؟ ما عرفت خالقك؟!!
العامي من المسلمين الذي يؤمن بالله ورسوله أفضل منك بألف ألف ألف مليون درجة. إيش أنت معك؟ ما عرفت خالقك الذي خلقك !! ثم يقولون: قوة خفية !! هذه القوة الخفية قد حلَّت نفسها لك، وأرسلت لك رسل، تقول لك عن الله، وتظُل في حيرتك هذه !! بتمضي عمرك وعمر ولدك وبعدك وما أكملت المجموعة الشمسية ولا ما وراءها، ثم ماذا؟!!
عندنا واحد مختار جاوز المجموعة الشمسية وما فوقها والكواكب السماوية الأولى والثانية وطلع إلى فوق وخُذْ خبره؛ نبأ صدق يكلمك عن حق؛ المعجزات تجدها عنده، و يشهد أنه مخلوق ما يُشابَه ولا يُماثَل، بعيد عنه الكذب، بعيد عنه الغش، كلامه إلى اليوم ونحن نجني ثماره. وأنت الآن اكتشفت لنا هذا، قل لي: ماذا يترتب على اكتشافك في واقعنا البشري مسلكًا وفكرًا ومعرفة بالله؟ ماذا يترتب عليه؟! غاية الأمر المؤمن بمحمد بما تتوصل أنت إليه يزداد بصيرته وإيمانه؛ (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت:53]. لكن أنت ماذا استفدت عندما اكتشفت هذا؟ إذاً مسلك الناس بالضبط الفكري والسلوكي بعد مئة سنة، كيف يكون؟ تقدر تأتي لي بخبر؟ انظر هذا الذي سُرى وأُعرج به؛ أتى لي بأخبار عن مسلكك الآن الذي تمشي عليه أنت من قبل أن توجد!! أتى لنا بأخبار مسلك الناس بعد مائة ومائتين وبعد ثلاثمائة سنة وبعد أربعمائة سنة وبعد ألف وأربعمائة (1400) سنة. اليوم تطالعنا أحداث نجده قد تحدَّث عنها، هل تريدني أتركه وألتفت إليك؟! واركب مركبتك حتى تموت فيها، ثم اجعل واحد يهدينا من أنا؟! من إلهي الذي خلقنا؟! إلى أين أصير؟! إلى أين أرجع؟! هذا هو العلم.
لم تعمل شيء!! إلا أمور خلقها الله، فبخلقه إياها أنت تتفرج، تتفرج؛ طيب آمن بالذي خلقها، ستبقى تتفرج إلى متى؟! إلى أن تموت؟!! تتفرج، تتفرج تُصوِّر، تصور، تصور لك حتى تشبع، ثم إذهب وانتقل من الأرض إلى أي كوكب تريده! وأين مهمتك الإنسانية؟! وأين خلْقك وما مراده؟! وأين استعدادك لما بعد الموت؟! مالك هكذا!! فسيقولون: كل من مات منهم على بعدٍ عن هذا المسلك، عن هذا الإيمان، عن محمد سيقولون: ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:10]، ما ينفعنا أن اكتشفت أخبار عن زحل، ولا صورت صور من مسافة ميل واحد، من مسافة ميل واحد بينك وبين زحل، وقطعت بمركبتك مليار من الكيلومترات، وبعدين باقي كيلو واحد وصوّرتَ لنا زحل، خلاص؛ ثم ماذا ؟ رجعت؟! انسان! هل رجعت كريم؟! هل رجعت عظيم؟! هل رجعت واعي للحقيقة؟! لا، مثل واحد يستكشف أثار هنا أو هنا ثم دخل البحر، ثم ماذا عملوا؟ وأين خالق البحر؟ وأين خالق الأرض؟ ما عرفته، ما آمنت به، يا ما أبلهك! يا ما أبلدك! بليد، بليد ما عرفت من خلقك، وستعترف بذلك إذا لم تؤمن.
فيكفيك ما أوجد الله من أدلة على عظمته ووجوده، والكائنات كلها شهود على عظمة الحق وصدق محمد، كل الكائنات، وروح وأتحداك أن تستكشف لي أي حقيقة من حقائق الكون لا تدل على صدق محمد! هاتها! … قل لي بها، قل لي من فضلك، هات! أنت مُتحدى بذلك! هات! أنا ما عندي جهازك هنا ! ولا أنت! وأنا أتحداك! لن تجد في كونِ ربي إلا ما يصدق قول ربي ويؤيد محمد، هات! فقط! غير هذا ما في! الله أكبر. اكتشف لي واحدة من حقائق الموجودات والكائنات تتناقض مع آية من القرآن!! تتناقض مع حديث صح عن نبيه!! هات! .. لن تجد؛ يكفيك هذا، تعال آمن بالنبي واتبعه وخرِّج نفسك من النار، فيعدِّي عمرك وراء الفضاء وعالم الفضاء وانت فاضي. وماذا ينفعك هذا؟ فعز الإيمان والإسلام هو الرفعة والشرف، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8] فقط، غيرهم ما لهم عزة، ما لهم عزة، أي عزة؟ ويدخل في النار. ثم من أين العزة لهم؟ العزة في هذا الدين، العزة في هذا الإيمان، الله يرزقنا نصيب من معرفته، ومعرفة آياته والأدب معه، ويرزقنا الاعتباره والإذكار.
((إله عظيم)) ما أعظمه، ((ملك كبير، لا رب سواه، ولا معبود إلا إياه))، و يقول: ((قديم أزلي)) هذه ميزة الإله، جميع العقلاء عندنا في الدنيا يقول: لا يمكن حدوث حدث من دون محدث، هل يتكون كون من دون مكون؟ ممكن؟؟ أبدا مايمكن، بل بعض الملحدين يقولون: هذا الكون من نفسه خلق، والبعض يقول: الطبيعة ، وبعضهم قال كلام آخر.
جاءوا جماعة لمناظرة سيدنا الإمام أبي حنيفة، يذكر عنه، قال لهم: الوعد الفلاني، وتعمد التأخر عنهم بعض الوقت، وجاء، بينه وبين هذا المكان الذي يجتمعون فيه نهر عميق ما يصل إليه أحد إلا بالسفن، ثم وصل. قالوا: تأخرت يا إمام. قال: نعم، أنتم تعلمون بيني وبينكم هذا الماء، لا يقطع إلا بساعية أو سفينة، قالوا: نعم، قال: فكيف لو قلت لكم أني جئت، و ما وجدت (يقصد سفينة)، لكن لو قلت لكم: بينما أنا جالس بسرعة؛ الشجرة تلك تحركت وهذه تحركت وهذه خرجت منها عود وهذا خرج منها عود، ثم ألتفت وترابطت وتحولت ساعية (سفينة)، ثم ركبتُ فيها وجاءت بي إلى هنا. قالوا: يا إمام هذا كلام لا يعقل!! قال: لماذا لا يعقل؟ لم تتقبل عقولكم سفينة تكونت من نفسها! قالوا: -لا إله إلا الله- فكيف تكونت جبال وأرض وسماء من نفسها؟! سفينة صغيرة سهلة كما هذا(صغيرة جدا). كم طول السفينة؟ كم عرضها؟ وكم طول الأرض والسماوات والكواكب والنجوم؟ أنتم الآن تقولون هذا! فإما أن ترجعوا عن هذا الاعتقاد، وإلا خلاص تقولوا: هذا معقول، وإلا خلاص رجعنا، انتهت المناظرة بيني وبينكم؛ ردوا على أنفسهم كلامهم ما عرفوا ماذا يقولون!!!
ما يمكن من حدث إلا بمحدث. إذا كان كذلك هذه الكائنات بيقين حادثة؛ لأن الحوادث تحلها، تتغير، تتقلب. والحادث ما يحل إلا في حادث طبعًا؛ والكائنات حادثة، من أحدثها؟ طيب، فإذا قلت: هذا حدث من ذا وذا، من ذا وذا واستمرْ وذا من ذا، قال : استمر، أين البداية؟ إنه لا توجد بداية، كلام لا يقبله العقل! يقبل العقل ما في بداية؟!! كيف مافي بداية؟ يعني: من أين الابتداء؟ لا بد من بداية. أي بداية؟؟
البداية قوة هي التي استحدثت الكون، هذا الذي ندعوك إليه: ربي وربك ورب كل شئ؛ هذا هو البداية، الله. البداية لا بد أنها: ذاتٌ عليّة، وجودها ذاتي ما أوجدها شئ، موجودة بذاتها؛ هذا هو الله تعالى، ثم قال ﷺ: "كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيءٌ غَيْرُهُ" الله أكبر! مدام كذلك، كونها بلا بداية ما يتأتى، فمن الأول الذي لا بداية له؟ هو الله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن؛ ولهذا قال: ((قديم)) يعني ((لا ابتداء لأوليته))، ليس بحادث، قديم موجود بذاته.
((أزلي)) من الأزل، وهو أيضا بمعنى القِدم يعني لا افتتاح لوجوده ((لا ابتداء لأوليته))، أول الأول قبل كل شي -لا إله إلا هو- آمنا به، (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الملك:29]. يقول، ولما كان ((أزلي قديم))؛ فلابد أن يكون ((دائم أبدي))؛ لأن:
- الذي لا سبب لوجوده ما ينتهي وجوده،
- والذي لوجوده سبب لما ينتهي عنه السبب ينتهي الوجود.
- لكن الذي وجوده بلا سبب كيف ينتهي؟ فما دام أنه هو الأول بلا بداية؛ فهو الآخر بلا نهاية.
فكما أنه قديم أزلي؛ ((دائم أبدي))-لا إله إلا الله-، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص:88] عز وجل، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) [الرحمن:26-27].
((دائم أبدي، لا ابتداء لأوليته، ولا انتهاء لآخريته))، وهذا وصف الإله، ولا شيء غيره موصوف بهذا الوصف أصلًا؛ (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد:3]، لا إله إلا هو. يقول: ((أحد))، أحد فمن أسمائه واحد، ومن أسمائه ((أحد)):
- والأحد يدل على معنى ذاته سبحانه وتعالى،
- والواحد يدل على معنى الذات والصفات والأسماء كلها تدخل في الواحد، فهو واحد بذاته وصفاته وأفعاله، واحد جل جلاله.
فإذا قلت:
- الأحد دلتك على أصل الذات، أحد، (قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1]،
- وهو واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) [البقرة:163]، (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) [المائدة:73].
واحد، أحد، صمد، صمد، صمد، صمد ليس بجسم لا جوف له. صمد صمد، يُصمد ويُقصد على الدوام عند كل شدة، عند كل مراد، عند كل مطلب، يُصمد إليه، الصمد (قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ) [الإخلاص:1-2]، لا إله إلا هو. فهو في صمدانيته يحتاج إليه كل شيء ولا يحتاج إلى شيء، يفتقر إليه كل ما عداه ويقصد لكل حاجة؛ لنيل كل مطلوب، ودفع كل مرهوب، هو المقصود في الحوائج كلها على الدوام، صمد، يحتاج إليه كل شيء وهو لا يحتاج إلى شيء، صمد سبحانه وتعالى.
قال: ((أحدٌ صمد))، كما قال في سورة الإخلاص، جاء الكفار إلى عند المصطفى نبينا، يقولون: صف لنا ربك، أنت أبيت أن تعتقد بآلهتنا، فهذا ربك الله التي تدعونا إليه، صفه لنا كيف هو؟ من أي شيء هو؟! قال: فأنزل الله (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4]؛ هذا وصف ربنا، هذا صفة ربنا.
أحد صمد ((لم يلد))، يعني لم يتفرع من شيء. ((ولم يولد)) جل جلاله وتعالى في علاه، هذه صفات الكائنات ((لم يلد، ولم يولد)). يقول الله سبحانه وتعالى: ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) [مريم:90-94]، ومرة أخرى يقول لنبيه : (إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) [الزخرف:81]، تدعون الولدية لسيدنا عيسى عليه السلام؛ إنسان بشر مخلوق مثلنا، خلقه الله سبحانه وتعالى كما خلق آدم: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ) [آل عمران:59]، فإذا كان تعجبتم أن لا أب له! آدم لا أب ولا أم! ماهو رأيكم؟ هذا يكون هو الولد أحسن وليس هذا!! ان كان سبب أنه ما له أب؛ فآدم لا أب ولا أم، أعظم، فلماذا تتمسكون بعيسى وتدعون أنه ابن؟ انظر إلى آدم أغرب من عيسى، عيسى كان في بطن إمرأة، خرج من بطن إمرأة، لكن آدم، أين أمه؟! لا أم ولا أب له : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [آل عمران:59] جل جلاله.
((لم يلد))، قال له: إن يقول لنبيه (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) [الزخرف:81]، فهو أول مخلوق خلقه الله؛ نوره الكريم، قل لو كان ولد ما بيكون عيسى ولا آدم؛ أنا أول عابد، أنا أول عابد، لكن حاشا الله أن يكون له ولد؛ هذا صفة الكائنات والمخلوقات تتوالد. ((لم يلد ولم يولد)).
((ولم يكن له كفواً))؛ شبيه مثيل، كفوء، أحد يُكافأهُ، يعني يُشابهه ويُماثله. ((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ))، فربنا سبحانه وتعالى لا يماثله شيء، لا يشابهه شيء، ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] جل جلاله. وكل ما خطر على بالك، فمحوٌ هالك، والله بخلاف ذلك. هو أكبر من أن يحيط به تصور أو فكر لأحد؛ بل نعلم قدسيته ونزاهته، وأنه سبحانه لا يُماثله لا يُشابهه إنسي ولا جني ولا آدمي ولا مَلك ولا جماد ولا حيوان ولا نبات؛ لا يشابهه شيء؛ كلها كائناته مخلوقاته. والخلق هذا كله فعله سبحانه وتعالى، هو لا يشابهه شيئا منها، ولا يشابهه شيئ منها، قال تعالى: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4]؛ ما له كفو، يعني مشابه ولا نظير أبدا.
يقول: ((لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، لا شبيه له ولا نظير))، يقولون عندنا مثيل ونظير وشبيه:
- فمن شارك الآخر في جميع الصفات أو من جميع الوجوه سمي: مثيل، هذا مثل هذ،ا هذا مثل هذا.
- فمن كان يشترك معهم في أكثر الصفات أو من أكثر الوجوه قالوا: نظير، هذا نظير هذا.
- ومن كان يشترك مع الآخر ولو في أقل الصفات أو في وجه واحد أو صفة واحد قال: شبيه أي يشبهه .
والحق لا مثيل له ولا نظير ولا شبيه سبحانه -عز وجل، ما أعظم شأنه - لهذا أتبعها بالآية الكريمة: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) [الشورى:11]، الله لا إله إلا هو؛ فآمنا بالإله الحق الذي ليس كمثله شيء. اللهم اهدنا من عندك. قالوا: ((إنه تعالى مقدس عن الزمان والمكان))، مقدس عن الزمان والمكان؛ يعني:
- الزمان هو خلَقه، وجعل يوم وليلة وساعة وأسبوع وشهر؛ و زمان الله خلقه، ما كان شيء يسمى زمان؛ فخلق الله الزمان.
- كذلك المكان: أرض، وسماء وجبال، وبحار وكواكب، ونجوم والمجموعة الشمسية، وغيرها من الكائنات التي خلقها جل جلاله. ما لها كائنات حادثات وأمكنة خلقها هو؛ كلها يسيرها ويدبرها.
(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَ) [فاطر:41]، (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) [الرحمن:5]، (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) [يس:40]، لا إله إلا الله، لايوجد مزاج عند الشمس تقول اقرب قليلا من القمر! ما فيه! ولا يوجد مزاج عند القمر تقول، اجعلوا الآلهة التي تدعونها الكاذبة غير الله تقرِّب الشمس من القمر ولا القمر من الشمس! ممكن؟ لايمكن!
- لهذا كانت المبالغة، قالوا: أهل سيدتنا أسيا لما جاءوا عندها، قالوا: هذا إله العماليق وأنت سيدة العماليق زوجته، قالت: كذبتم، إن كان صادقا قولوا له يلبسني تاج و يجعل القمر أمامي والشمس ورائي . قولوا له : هل يقدر يصلح شيء في القمر ولا في الشمس؟! قال لهم: اتركوها، و ضربها إلى أن قتلها بالأوتاد؛ ما قدر يصلح شيء : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) [الفجر:10]، .
- والنبي ذكر هذه المبالغة لعمه في قيامه بأمر الدعوة ليصلنا هذا النور -الله يجريه عنا خير- : "واللهِ لَو وَضعوا الشَّمسَ في يميني والقمرَ في شمالِي علَى أن أتركَ هذا الأمرَ حتَّى يُظهرَه اللهُ أو أهلِكَ فيه ما تركتُهُ"، والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري -إن هذا أمر مستحيل- على أن أترك هذا الأمر، ما تركته، ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه أو تنفرد سالفتي هذه، قال له: اذهب قل ما شئت والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أموت:
وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِـــــم *** حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا
فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ *** وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا
وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِــــحٌ *** وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا
وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّــــهُ *** مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا
لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّـــــةً *** لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا
يقول: ((مقدس عن الزمان والمكان))؛ ولهذا الذين يريدون من لفظة الأين؟ -يتساءلون أين الله، عن المكان؟ فقل لهم : إن الرحمن سبحانه تقدس عن المكان، لا يحتاج منكم إلى مكان، أنتم بأجسامكم تحتاجون إلى أماكن وروحوا إلى وزارة الإسكان، أما الإله الرحمن هو الذي خلق المكان وخلق الزمان، وهو سبحانه وتعالى موجود بلا مكان ولا زمان، وهو الآن على ما عليه كان، فهو خالق الأمكِنَة وليس لديه أزمة إسكان، هو الذي خلق الأماكن-عيب عليكم- فما يصح السؤال بلفظة أين؟ قط!
فإذا أريد بلفظة الأين؟ معاني من المراقبة له أو الإجلال أو حقائق الإيمان به. كما تقول لواحد: أين عقلك؟ وأين علمك؟ فما تقصد له محل، أنت تريد أن يقول لك في الغرفة تلك؛ أما أين أنت؟ لا تبحث له مكان صحيح، فهذا كان الجواب الصحيح -عند العارف بالله- لما سأله بعضهم: أين الله؟ قال: بِالْمِرْصَادِ، (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14]؛ هكذا بهذا المعنى. أما بمعنى المكان فلا يصح فيه شيء، ويرددون حديث في صحيح الإمام مسلم، لفظهُ ليس متعين، دلت الروايات الأخرى على أن اللفظ جاء بهذا المعنى الذي قلناه؛ يعني أتؤمنين بالله أم لا؟ أين اللهُ؟ بل جاء التصريح بهذا اللفظ؛ لأن السؤال من أصله عليه كفارة ويريد ياتي به فجاء بهذه الجارية، هل تُجزي عني في (الأجر)؟ فقال: أتشهَدينَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، جاء في رواية -وكانت خرساء- فأشارت بإصبعها نحو السماء، فروى هذا المعنى بعض الرواة، قال لها: أين اللهُ؟ فأشارت بإصبعها نحو السماء -و كانت خرساء ما تتكلم-. فلما جاءوا يريدون: (في السماء) بمعنى أن الذات العلية تحِلُّ في شيء لاحول ولا قوة إلا بالله؛ هذا قول من أقوال الحلول، القول بأن: الله يحل في شيء -أعوذ بالله-؛ لا يحل في شيء، الأرض أرضه، والسماء سماؤه، (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الفجر:4]، ومن دون أن يحل في شيء ولا يحل فيه شيء.
وهكذا يمكنك على واحد من رؤسائك أو ملوكك فتقول: وهو رئيسك ومليكك في القرية التي أنت فيها، هو ملكك ورئيسك، وهو وسط بيتك -داخل- وسط بيتي؟ وسط بيتي؟ قصدك ملكه وحكمه وليس البيت، لكن قصدك أنك قفلت عليه وسط الدار؛ هل تبحث عنه وسط الغرفة عندي؟ لا، الملك ليس وسط الغرفة عندي، ولا الرئيس وسط الغرفة عندي.
وكذلك وجود الحق تبارك وتعالى، هو بذاتك على ما عليك قبل أن يخلق المكان والزمان، ولا يمكن زمان أو مكان قائم بغير الله، ولا منفصل عن الله تعالى، بمعنى أنه: يُسيره غيره أو يُدبره غيره أو لا علم به أو لا يُحاطُ به؛ لا، لا، لا . بهذا المعنى: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة:7].
لكن يحل فيهم؟ لا يمكن، كونه معهم؛ هذه المعية اللائق بالألوهية والربوبية، معية؛ قال عن معنى القرب، أقرأ مثلا في قوله قربه منك: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16]، ما هذا القرب هذا؟!! هذا ليس قرب بالأجسام،؛ هذا حبل الوريد أقرب!! ما الذي أقرب من حبل الوريد؟ هذا قرب الحق، قرب الإله؛ يعني إحاطته بك وقدرته عليك وعلمه بك وتسييره لك أعظم من قُرب حبل الوريد منك؛ أقرب من كل شيء؛ لأن قربه لا يمكن أن يساويه قرب كائنات مخلوقات، هذا قُرب إله، قُرب إله جل جلاله؛ لا قُرب مكان ولا جسم ولا صورة، قرب العظمة، قرب القدرة، قرب الإرادة؛ بمعنى أنه محيط به وأنك مقهور له تحت أمره؛ فكان أقرب لك بهذا المعنى. إذًا فلابد أن نُنزه ذات إلهنا عن الزمان وعن المكان.
يأتي إنسان يجد نفسه يحتاج إلى وقت ومكان؛ أي لابد من زمان ولا بد من مكان، يريد أن يقيس ربه بهذا القياس! ما هذا القياس الغريب؟ أنت مخلوق وكنت نطفة وكنت علقة ثم مضغة، لايوجد قياس- ياقليل الحياء-؛ لأنك محتاج إلى حَدَقة من أجل البصر ومحتاج لأشياء أخرى من خلق الله، اترك هذا الكلام لك ولمثلك من الدواب، أليس كذلك؟ هذه شؤون الكائنات، أما إذا تكلمت عن إله؛ فهو إله، إله ليس بمخلوق، وليس شبه مخلوق، ليس المخلوق مثل الخالق -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-:
- تقدَّس عن الزمان والمكان وعن ((مشابهة الأكوان)) بأي وجهٍ من الوجوه.
- ((لا تحيط به الجهات)) وهو المحيط بها (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصلت:54] جلّ جلاله.
((لا تحيط به الجهات)) لا فوق، لا تحت، و ألَّا نحن نستقبل القبلة في الصلاة، هذه جهة صلاتنا نحن وليست جهة لإلهنا، نحن لا نعبد الكعبة المشرفة؛
- نحن نحبها ونعظمها ونجلها ونستقبلها في الصلاة بأمر الله تعالى،
- ونعتقد أنها مركز من مراكز فضله وتجليه ورحمته.
- ولكن ربنا لا يحل في الكعبة ولا تحل فيه الكعبة ولا جهة جهة الكعبة جل جلاله.
وعندما ندعو الله سبحانه وتعالى نرفع أبصارنا ونرفع أكفنا إلى السماء، لماذا؟ لأنه جهة الدعاء، قبلة الدعاء يليق بصاحب العلو المطلق المعنوي؛ أن تلتفت إلى جهة العلو عندما تدعو العالي؛ أنت ما تدعو الأعلى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) [الأعلى:1]، جلّ جلاله وتعالى؛ فهي قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة.
وكان الأنبياء -قبل نبينا- بعضهم قبلتهم بيت المقدس؛ أماكن عظمها الله، لكن ليس لها دخل فيه ذات الإله سبحانه وتعالى، ولا في جهته فالجهات كلها؛ فوق، تحت، يمين، هذه حدثت بحدوث هذا الإنسان على هذا التكوين؛ فجُعل منتصبًا (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]، (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الإنفطار:7]، (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:4]، أحسن التقويم بأن جعل لك انتصاب وإعتدال بخلاف عن بقية الحيوانات، وجعل لك راس ورجلين، وجعل لك جانب أقوى من جانب ثاني؛ جسدك نفسه عينين يدين رجلين، جانب أقوى من جانب، في الغالب هذا الأقوى يسمى أيمن؛ لأنه في الغالب هو الأقوى، والثاني أيسر. وجعل لك وجه وقفا؛ فبهذا الشكل لما حدث؛ صار جهة الراس فوق، وجهة الرجل تحت.
فالآن نحن في كرة أرضية واحدة، بعض الولايات في امريكا تحتنا -تحت اليمن هنا- اليوم الفوق عندهم تحت بالنسبة لنا، هم في الجانب الثاني من الكرة الأرضية، رؤوسهم أسفل صارت الآن أين؟! فوق!! ( ويشير بيديه إلى الجهتين المختلفتين ) !! هذا حادث بحدوثك أنت في المكان الذي تكون فيه، ما يلي رأسك فهو فوق، ما يلي رجلك فهو تحت، ما يلي جانبك الأقوى فهو أيمن، ما يلي جانبك الأيسر فهو يسار، ما يلي وجهك فهو أمام، وما يلي خلفك فهو خلف -وراء ؛ وراء، أمام، يمين، يسار، فوق، تحت؛ حادثة بحدوثك وحدوث الكون هذا. بتطلعها إلى أين؟؟ أنت - ياأبله-؟ دعها مكانها هذه الشؤون، باقي فوقية وعلو معنوي.
جاء واحد يقول لصاحبه: الامير فوق الوزير، ماذا؟! الامير فوق الوزير، جاء نظر إلى الوزير فقال لا يوجد أحد فوقه، لماذا؟ لايعني فوق هنا إنه يكون فوق رأسه قاعدًا فوقه (ويشير إلى رأسه) ولا ماذا يقصد؟ هل يقوم على رأسه؟ المقصود: فوقه في الرتبة، في المنزلة، في الصلاحية، في دائرة البلاد، في نفوذ الحكم والقول؛ هذا فوقية معنوية؛ ليس لها علاقة بالمكان.
جاء يمسك صاحبه، قال: تعال أنظر إلى هذا الكذاب، ماذا قال؟ قال: أن الأمير فوق الوزير!! انظر، الوزير في الطابق العاشر والامير في الطابق الأرضي، الأمير في سيارته تحت في الارض. والوزير فوق في الطابق العاشر، و يكذب علي يقول لي: الأمير فوق الوزير. قل له: يا صاحب الجسمية والمادية؛ الأمير فوق الوزير نعم؛ ليس له دخل في الجهة هذه والتكوين هذا المادي أصلًا؛ هذه فوقية معنوية. فإذا كان هذا بين الناس، فيقول : (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ) [النحل:50]، يبحث عن مكان يضع ربه فيه !! حتى هذه ليست مرتضاه بين الناس، بينهم البين غير صحيحة، وعاد تأتي الى الإله جلَّ جلاله وتعالى في علاه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11].
قال: ((ولا تحيط به الجهات))، و((لا تعتريه الحادثات))، ماهي الحادثات؟ أي شئ يحدث علينا: مرض، صحة، جوع، ظمأ، شبع، قيام، قعود، حركة، سكون؛ هذه حوادث تحدث، طوارئ تطرأ لنا: ساعة قائم، ساعة قاعد، ساعة لابس ذاك، ساعة متكلم، ساعة ساكت، ساعة مفتح، ساعة مغمض؛ حوادث، ساعة فرحان، ساعة حزين، ساعة مغمض ، حوادث تتقلب كم من لون ، حوادث وكلمة تجي بك وكلمة تشلك؛ هذا حالك مخلوق كائن.
((لا تعتريه الحادثات))، إذا علمنا هذا ونفينا المشابهة بينه وبين الكائنات؛ فأعلم -مع ذلك كله-: أن هناك عند الخلق معنى من التخلق بأخلاق الله، لكن بما يليق بخلقيتهم وكونيتهم وعبوديتهم وشأنهم؛ فعلى سبيل المثال ذكرنا: ((لا تعتريه الحادثات)):
- وجدنا أن الذي تعتريه الحادثات من الناس؛ قوي التأثر، سريع التأثر بها، الجزع أبعد عن الله تعالى،
- الثاني تعتريه حادثات مخلوق مثلك لكن مع إطراء الحادثات له وقور ساكن بارد حليم،
عجيب!! (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [المعارج:19-22]، ذلك أقرب إلى الرب ( يقصد إلا المصلين ) يتخلقوا بأخلاق ربهم؛ لكن في عبوديتهم وفي كائنتهم، لا يشابهونه، ولكن هذا الوصف ينطبق عليهم بالمعنى الذي يليق بالخلق؛ هذا معنى التخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى. فلذلك تجده يقول ﷺ: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له"، وانتهى بهذا أهل حقيقة التوحيد إلى أن لا يختاروا سراء ولا ضراء، ولا فقر ولا غنى ولا شيء.
وكان جماعة من الصالحين -من الكبار من عهد التابعين جالسين ويتكلمون- وسيدنا زين العابدين عندهم، يقول بعضهم: إني أحب أن يطول عمري في طاعة الله وأعمل كذا، وقال الثاني: أحب أن ألقى الله سريعًا حتى لا تكثر ذنوبي وهكذا، والثالث ساكت، قال له: أنت ما تحب؟ قال: ما أحب طول ولا قصر أحب ما يحب، أحب ما يحب. قال: هذا هو، فشهدوا له. وكذلك حصل لوُهَيْبْ ابنُ الوَرْدي، كان عنده جماعة من كبار العارفين، قال واحد منهم، -وذكروا نفس التمني في الحياة والموت- فقال: لا أتمنى هذا ولا أتمنى هذا، أحبهما إليه أحبهما إلي، فقالوا: هذا أعظم وأجل. فيستوي عنده الأمر هذا عظمة بقدر المخلوقين؛ العظمة المنسوبة إلى المخلوقين.
لهذا سمعتم لما أمير المدينة والذي عارض في دفن سيدنا/ الحسن في الحجرة، والذي خرجوا به، و بعدما جاءوا من جنازته من البقيع، أخذ يمدحه!! وسيدنا الحسين يسمعه قال: عجيب! أنت كنت تتكلم عليه وتؤذيه كل الوقت، اليوم تمدحه!! كنت تصنع وتصنع. قال: يا حسين كنا نصنع كل ذلك بمثل هذا الجبل!! أترى هذه الجبل يتحرك فيه شيء؟ قال:لا. قال: كان أخوك مثل هذه الجبال، قال: كان أخوك الحسن، نصنع ونعمل ونرتب عليه، وهو مثل الجبل. وهكذا، فالحادثات لا تؤثر فيهم التأثير السلبي أصلًا، في السراء، في الضراء؛ ولهذا لا تجد انزعاج؛ يعني لا يوجد قلق، لا يوجد خوف وهكذا بقية الأوصاف. فهذا ((مقدس عن الزمان والمكان))، ما هو نصيب الإنسان؟ نصيب الإنسان يحفظ الزمان والمكان في ما تقدس، وينزهه عن كل عيب وعار ووصمة وهكذا، هذا نصيبك فأنت في الزمان والمكان لكونك مخلوق مقدس في زمانك ومكانك عن السفاسف وعن العيوب وعن اكتساب الذنوب، هذا نصيبك، التخلق بأخلاق الله تبارك وتعالى؛ إذًا من دون مشابهة. يقول: ((لا تعتريه الحادثات))، والله أعلم.
الله يكرمنا وإياكم بكمال الإيمان، بكمال اليقين، بكمال التوفيق، ويرفعنا إلى أعلى مراتب القرب منه والدنو إليه وهو راضٍ عنا في لطفٍ وعافية، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويملأ قلوبنا بأنوار الصدق والإخلاص واليقين التام. اللهم اجعل مستقر المعرفة بالله قلوبنا، ومستقر أربابها ديارنا. اللهم اجعل مستقر اليقين التام قلوبنا، ومستقر أربابها ديارنا برحمتك يا أرحم الرحمين.
وممن حاز من هذه الأوصاف الكمالية الإنسانية نصيبًا وافرا. شيخ فقدناه البارحة توفي بالشام، الشيخ / شكري بن أحمد اللحفي عليه رحمة الله تبارك وتعالى، من أهل القراءات ومن أهل القرآن ومن أهل المعاني الساميات ومن أهل الصفات الرفيعات. ففقدوا زمننا وأهل زماننا وشامنا ويمننا وعصرنا هذا، غفر الله لهُ ورفع درجاته إلى أعلى جناته، وجمعنا به في أعلى الجنة واخلفه فينا بخير خلف. وقد زرناه وجلسنا معه وامتد بيننا وبينه حبل مودة صافية خالصة لوجه الحق جل جلاله. والله ينفعنا بذلك، والله يجمعنا به في أعلى الدرجات مع المحبوبين من عباد أهل القرب ،ويخلفه في الشام واليمن وفي أهل الزمن في الأمة المحمدية بخلف صالح، ويجعل في وفادته عليه وقدومه عليه سبحانه وتعالى؛ إكراما من الله في صلاح البلاد والعباد، ودفع البلايا والضر والانكاد، وتحويل الأحوال إلى أحسنها، وظهور البركة التي دعا بها نبينا في الشام واليمن. ويجعلنا ممن يهتدون بهدي المصطفى ويثبتون على الصدق والوفاء، ولا يتوفى الحق أحدا منَّا إلا على كمال الإخلاص، إلا على كمال الإيمان، إلا على كمال المحبة، إلا على كمال الرابطة بحبيبه ﷺ، حتى ينادي لسان الحالي منَّا عند وفاة كل أحد منَّا؛ "واطرباه، غدا نَلْقى الأحِبَّةَ، مُحمدًا وحِزبَه". اللهم اكرمنا ولا تهنّا وزدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولاتؤثر علينا، ولا تحرمنا، واجعلنا ممن ترعاهم عين عنايتك في جميع الألطاف.
بسر الفاتحة
إلى روح الشيخ/ شكري وأُوصولِه وفروعهِم ومشايخه في الدين الله، وإلى روح جميع مشايخنا ذو الحقوق خاصة، وأموات المسلمين وأحياهم إلى يوم الدين عامة.
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
03 شوّال 1436