(220)
(572)
(43)
(536)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب صلة الأهل والأقربين بتعليم الدين للإمام عبدالله بن حسين بن طاهر رحمه الله، ضمن ضمن دروس الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار رضي الله عنهم لعام 1445هـ - الأردن
ليلة الثلاثاء: 14 جمادى الأولى 1445هـ
نص الدرس مكتوب:
فَصلٌ
وممّا ينبغي الاعتناء به والمحافظة عليه من كل أحدٍ الأذكار الواردة عنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الأوقات: مثل الصباح والمساء ، والمقيدة بالأسباب كالواردة عند الأكل والشرب ، والنوم والاستيقاظ ، وقبل الصلاة وفيها وبعدها ، والخروج والدخول للمسجد والبيت والخلاء وغير ذلك ، وكذا المطلقة كالجوامع الكوامل ممَّا يطول ذكره ، فليأخذ الإنسان من ذلك ما يطيق المداومة عليه مع الإحسان؛ فإنها حارسةٌ وحافظةٌ له من كل مكروه ، فمن أهمل ذلك ثم أصابه مكروه .. فلا يلومنَّ إلا نفسه.
فَصلٌ
ننقل شيئاً ممَّا قاله الإمام الغزالي من (بداية الهداية) مع حذفٍ واختصار بعضه بلفظه وبعضه بمعناه ؛ وقد أزيد كلمات لفائدة أو لزيادة إيضاح، ولنفصله فصولاً خوف الملل:
الحمد لله، مُكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسار في سبيله سراً وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفَضل أعلى الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،
يُنبه الشيخ -عليه رحمة الله- إلى الاتصال بالأذكار الواردة عن نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في مُختلف أحوالِ المؤمن في ليلته ويومه وفي صباحه ومسائه؛ "ينبغي الاعتناء والمحافظة على الأذكار الواردة عن سيدنا رسول الله"؛ فإنه لم يُعَلمها إلا لما فيها من الخير الكثير والمَنّ الوفير وما فيها أيضاً من دَفع البلايا والرزايا والآفات.
وقال سيدنا جعفر الصادق عليه رضوان الله: إن الصواعقَ تُصيبُ المُؤمن وغَيره ولا تُصيب الذاكرَلله، فبالذكرِ يَذكُر الله العِباد ويَرحمهم وهو القائل -جلّ جلاله- (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]، "فينبغي الاعتناء بما وَرَدَ في الصباح والمساء"، وقد جَمَعَ الإمام النووي في الأذكار كثيراً مما ورد عنه ﷺ في الصباح والمساء وفي غيرها من الأحوال "المُقيدة بالأسباب"، واختَصرَ الإمام عبد الله بن علوي الحداد من السنة الكريمة الورد اللطيف في أذكار الصباح والمساء والذي لا يزيدُ قراءته عن ربع الساعة، فيه خُلاصةٌ مما حَثَّ عليه ﷺ في الصباح وفي المساء.
الأذكار المقيَّدة بالأسباب
"المُقيدة بالأسباب كالواردة عند الأكل والشرب، والبسملة" من أعظمها وأهمها وفيها حِراسةٌ من الشياطين وبركةٌ فيما نأكل ونشرب، ثم بعد ذلك، "اللهم بارك لنا فيما رَزَقتَنا وارزقنا خيراً منه"، فإن كان لبناً قال "وزدنا منه، واجعله عونًا لنا على طاعتك" .
وإن كان حارَّاً تَذَكّر النار. وقال: "وَقِنَا عَذَابَ النار"، كذلك من قال بعد طعامٍ يَطعمه "الحمدُ لله الذي أطعمني هذا ورَزَقنيه من غيرِ حولٍ مني ولا قوة"،غَفَر الله له ما تَقَدم من ذَنبه، مغفرة كاملة لما تقدم بكلمتين تقرأُها بعد طعامٍ أو بعد شراب.
قال ﷺ: "إن الله يُحب من عبده أن يأكل الأكلة فيحمدهُ عليها ويَشربُ الشربةَ فيحمده عليها"، نسأل الله أن يجعلنا من الحمَّادين الشّاكرين الذاكرين إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، قال ربنا:( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35 ].
أذكار النوم
وكذلك عند النوم أذكارٌ علَّمنا إيَّاها سيد المرسلين -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وقد خَصَّ سيدنا علي وفاطمةَ الزهراء بهذا التسبيح وقال: إنه خيرٌ لكما من خادم؛ "إذا أتيتما مَضجَعكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين واحمداه ثلاثاً وثلاثين وكبِّراه أربعاً وثلاثين، فذلكما خيرٌ لكما من خادم"، أي: يُمدكُم الله بعون وقوة على حاجاتكم، وما تمسُّ إليه إربِكم وتشتغلون به كما أن يكون معكما خادم وأحسن من أن يكون معكما خادم.
وقال سيدنا علي: فما تَركتُها مُنذ قال لي رسول الله ﷺ. سألهُ بعض جُلَسائه قال: ولا ليلةَ صِفّين؟ -ليلة المعركة- قال: ولا ليلةَ صِفّين، أتيت بها، من آخر الليل جاء بها -رضي الله تعالى عنه- ففيه الديمة على العمل والمواظبة عليه، قال: من يوم علّمنا إياها النبي، كل ليلة ولا تركتها أبدا، وبقي عليها أربعين سنةً -عليه رضوان الله- حتى توفاه الله.
فكذلك ينبغي أن نُحافظ على هذا، وعلى أن نقول: "أستغفرُ الله العظيم الذي لا إلٰه إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" عندما نأتِي المَضجع يُغفر لنا ما تَقَدم من ذُنوبنا، كذلك "بِاسمكَ ربي وَضَعتُ جَنبي وبِاسمكَ أَرفَعُهُ فاغفرلي ذنبي" وغير ذلك مما ورد من الأذكار عند المنام.
الأذكار التي تعين على قيام الليل وعند الاستيقاظ
ولأجلِ الاستيقاظ في آخر الليل وصلاة الفجر يُستعان بقراءة آخر سورة الكهف من عند (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) [الكهف:107]، إلى آخر الآيات، كما أن التسبيح أيضًا فيه عون على القيام، كما أن الاستغفارَ قبل غروب الشمس معينٌ على قيام الليل.
و إلى غير ذلك مما ورد عند الاستيقاظ من النوم.
ومن الأذكار التي عَلَّمها -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وأعتنى بتعليمها قبل النوم: "اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت"، قال: واجعلهن آخر ما تقول فإنك إن مُتَّ من ليلتك مُتَّ على الفطرة.
قال للصحابي لما عَلمه إياها اقرأها، فقرأها فقال: "آمنتُ بِكتابِك الذي أنزلت ورسولك الذي أرسلت، قال: لا، ونَبيك الذي أرسلت، صحح له الكلام قال: أنا لم أقل لك ورسولك! إنما نبيك الذي أرسَلت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وكذلك مما ورد عند النوم:
وهذه من أعظم السنن وأعظمها فائدة لصاحبها.
التسبيح قبل الصلاة
قال: وقبل الصلاة، ومنها التسبيح الذي أورده الإمام النووي وغيره في الحديث: "مَن سَبَّح الله قبل الصلاة عشراً وهَلل عشراً وحَمِدَ عشراً وكبر عشراً واستغفر عشراً قال الله: غفرتُ لك"، إلى غير ذلك.
أدعية الصلاة
وفي أثناء الصلاة من مثل:
أدعية بعد الصلاة
و بعد الصلاة ومن أعظمها :
أدعية الدخول والخروج
عند الدخول وعند الخروج؛ دخول البيت والخروج من البيت، دخول المسجد والخروج من المسجد.
يقول عند الخروج من البيت:
قال لمن قالها عند الخروج من البيت "قال له مَلك ؛هُديت وكُفيت ووقيت" يدعُ له بالهداية والكفاية والوقاية، قال فيتخلى عنه الشيطان فيرى شيطان آخر، يقول له كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي. قد دعا له المَلَك؛ هديت وكفيت ووقيت، فيتنحَّى عنه قرينه، يراه شيطان آخر يقول له: كيف لك برجلٍ قد هدي وكفي ووقي -الله لا إلٰه إلا الله-.
قال: وكذلك عند الخروج إلى المسجد وإلى كل عمل صالح: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق الراغبين إليك، وبحق ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياءً ولا سُمعة بل خرجتُ اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تعيذني من النار وتدخلني الجنة وتغفر لي ذنوبي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت"؛ فمن قال ذلك شيّعهُ سبعون ألف ملك و تبشبش الله تعالى للقائه كما يتبشبش أهل الغائب للغائب إذا قَدِمَ عليهم.
وعند دُخول المسجد: "بسم الله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، وينوي الاعتكاف في المسجد.
وعند الخروج من المسجد وكذلك عند دخول المسجد: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"، فقد وردَ أن من قال ذلك عند دخول المسجد قال الشيطان: عُصِمَ مني سائر اليوم.
عند الخروج من المسجد: "بسم الله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"، فيستعيذ بالله من الشيطان وجنوده فإن كثيراً من الشياطين يتركون المؤمن إذا دخل المسجد وينتظرونه خارج المسجد، وإذا خرج يحتوشونه يريدون أن يفسدوا عليه ما وجد في المسجد من النور والخير، ولكن يستعيذ بالله منهم فيكفيه شرهم.
قال والخلاء:
وكذلك الأدعية والأذكارالمُطلقة كالجَوامع الكوامل يطول ذكرها، يأخذ الإنسان ما يطيق عليه مع الإحسان فإنها حارسةً وحافظةً له من كل مكروه.
فمن أهمل هذه الأذكار الواردة عن رسول الله ﷺ ثم أصابه مكروه فلا يلومنَّ إلا نفسه، قال الرجل: يا رسول الله ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة، قال: "أما إنك لو قلت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" ثلاثا لم تضرك، لو قلت قبل ما تنام هذه الثلاث كلمات لن تلدغك العقرب.
فهكذا ينبغي أن لا يُهمل المؤمن هذه الأذكار، وسينقل لنا بعض كلام الإمام الغزالي من كتاب (بداية الهداية)، بداية الهداية أوراق معدودة ولكن قال أهل المَعرفة والنور: "من عَمِلَ بما فيها، جعله الله من الراسخين في العلم". وقالوا: "إن أردت الهداية فأعمل بما في البداية"، -بداية الهداية- قالوا:
وهذه البداية، بداية الهداية للإمام الغزالي سينقل منها بعض فصول .
قال رضي الله تعالى عنه ونفعنا به: "أما بعد:
فاعلم - أيها الحريص على طلب العلم، المُظهِر من نفسك صدق الرغبة وفَرْطَ التعطش، وكذا يقال لقارىء القرآن، وقاصد الحج، وللمصلي وللمتصدق والمعلِّم والمذكِّر ولكل متقرّب بشيء من القُرَب - : إنك إن كنت تقصد بطلب العلم أو بشيءٍ من هذه القُربة المنافسة والمباهاة، والتقدم على الأقران، واستمالة وجوه الناس إليك وجمع حطام الدنيا، فأنت ساعٍ في هدم دينك، وإهلاك نفسك وبيع آخرتك بدنياك، فصفقتك خاسرة، وتجارتك بائرةٌ، ومعلمك معينٌ لك على عصيانك، وشريكٌ لك في خسرانك، وهو كبائع سيفٍ من قاطع طريق، ومن أعان على معصية ولو بشطر كلمةٍ كان شريكاً فيها.
وإن كانت نيتك وقصدك فيما بينك وبين الله تعالى من تعلُّم العلم، الهداية دون مجرَّد الرواية فأبشر؛ فإن الملائكة تبسط لك أجنحتها إذا مشيت، وحِيتَان البحر تستغفر لك إذا سعيت.
يقول عليه الرحمة: يا أيها المُقبل على طلب العلم، قال الحبيب عبد الله بن حسين: ويا أيها الحاج، ويا أيها المُذكر، ويا أيها المُتعلم، ويا أيها الذاهب إلى المسجد، ويا أيها الجالس في مجالس الخير، ويا أيها العامل بطاعة الله؛ "إن كنت تقصد بهذا:
فصحح نفسك، صحح سعيك، صحح وضعك، صحح مسارك؛ لأنك إن كنت كذلك فأنت ساعٍ في هدم دينك، وإهلاك نفسك، وبيع آخرتك بدنياك، -اللهم ارزقنا الإخلاص لوجهك الكريم- فتكون صفقتك؛ يعني بيعتك خاسرة، وتجارتك بائرة، ومعلمك مُعين لك على المعصية -والعياذ بالله-،
وإن كانت نيتك فيما بينك وبين الله؛ من تعلُّم العلم الهداية دون مجرد الرواية، أبشر؛
معنى تضع أجنحتها:
أنها إذا رأته في توجهه لطلب العلم، خفضت أجنحتها وتوقفت عن السير إكراماً له حتى يمر، تضع أجنحتها فلا تطير ولا تسير، تبقى واقفة احتراماً له حتى يمر-وبسطت له الملائكة أجنحتها- أي وضعت الملائكة أجنحتها؛ يعني كفَّت عن الطيران وكفَّت عن الحركة، تبقى منتظرة مرور طالب العلم فهذا المعنى الأول، لما يتبادر إلى الذهن من وضع الأجنحة تحت أقدامه، وكم في طلب العلم من فوائد وكذلك الأعمال الصالحة إذا رُزِقنا الإخلاص فيها.
فَصلٌ
فإن قلت: فما بداية الهداية لأجرِّب نفسي وأمتحن بها قلبي؟ . . فاعلم: أن بدايتها ظاهر التقوى، ونهايتها باطن التقوى، ولا عاقبة إلا للتقوى ولا هدى إلا للمتقين.
والتقوى: عبارة عن امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى نهايتها إلّا بعد إحكام بدايتها، ولا العثور على باطنها إلا بعد الوقوف على ظاهرها.
فإن صادفت قلبك إليها مائلاً، ونفسك لها مطاوعة ولها قابلة .. فدونك والتطلّع إلى النهايات، والتغلغل في بحار العلوم.
وإن صادفت قلبك عند مواجهتك إياها مُسوّفاً وبالعمل بمقتضاها مماطلًا.. فاعلم: أن نفسك المائلة إلى طلب العلم هي النفس الأمارة بالسوء، وقد انتهضت مطيعة للشيطان اللعين، فإياك يا مسكين أن تذعن لتزويره، وتتدلَّى بحبل غروره".
ثم قال الله عنه في رضي في آخر (البداية): "فهي جامعةٌ لجُمل معاملة العبد مع الخلق والخالق؛ فإن رأيتها مناسبة لنفسك ورأيت قلبك مائلاً إليها راغباً في العمل بها .. فاعلم: أنك عبدٌ نوّر الله تعالى بالإيمان قلبك، وشرح به صدرك، وتحقق أن لهذه البداية نهاية، ووراءها أسرار وعلوم ومكاشفات.
وإن رأيت نفسك تستثقل العمل بهذه الوظائف وتترك هذا الفن من العلم .. فاعلم: أن الشيطان قد أغواك وأنساك مُنقلبك ومثواك".
لا إله إلا الله.
يقول: "ما بداية الهداية" التي سميت كتابك بهذا الاسم؟! قال: "بدايتها ظاهر التقوى ونهايتها باطن التقوى"؛ -هذه الهداية- أن تنال تقوى ربك -جل جلاله- التي فيها خير الدنيا والآخرة، وصيته للأولين والآخرين، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، -جلَّ جلاله- أي توَقُّوا واحذروا بطشه وغضبه وعقابه؛ بإيمانكم وأدَبكم وامْتثالكم لأمره واجْتنابكم لنواهِيه، تعظيما ومحبة.
هذه التقوى؛ الهدى فيها، قال تعالى في كتابه العزيز: (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:2]، ولا عاقبة إلا للتقوى حتى قال سيدنا موسى لقومه لما شَكَوا طغيان فرعون وأذاه لهم، قال: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) [الأعراف:128]، يعني؛ مؤمن وكافر، وصالح وشرير لكن العاقبة ليست لهم كلهم، يقول: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) مخصوصة بهم فقط، من كان متقي العاقبة له، وأما تداولها ومظاهرها يأتي بر وفاجر ومؤمن وكافر كلهم يتداولون مظاهر الحياة الدنيا، لكن العاقبة ليست لكل واحد منهم، العاقبة للمتقين فقط، (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
فقال: ما التقوى؟ قال: "امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى نهايتها إلا بعد إحكام بدايتها.."، ولا يمكن أن تعثر؛ يعني تنال وتُحصِّل باطنها إلا بعد الوقوف على ظاهرها.
قال: فمن العلامات إن وجدتَ قلبك يميل إلى هذا التّوجيه وهذا التّنبيه وهذا المسلك، فدونك التطلع إلى النهايات والتّغلغل في بحار العلوم، وإن كان قلبك يستثقل هذا ونفسك ما تحب أن تمشي في المسْلك هذا، قال: فقد انتهضت نفسك مطيعة للشيطان اللعين يا مسكين، فاحذر يامسكين أن تذعن لتزويره ويُدلِّيك بحبل غروره -والعياذ بالله تعالى- وفي آخر كتاب بالبداية قال: إنها جامعة لجُمل معاملة العبد مع الخلق والخالق.
قال: فإن رأيتها مناسبة لنفسك ورأيت قلبك مائل وراغبا في العمل فاعلم أنك عبد نوّر الله قلبك وشرح بالإيمان صدرك، الحمد لله، وتحقق أن هذه البداية النهاية وراءك ما شاء الله طريق مباركة إلى الوصول إلى الرحمن -جل جلاله-، وإن كنت تستثقل العمل بهذه الوظائف التي ذكرها في العبادة وفي معاشرة أصناف الخلق، قال: وتسْتثقل هذا وتترك هذا الفن من العلم فاعلم أنّ الشيطان قد أغواك وأنساك ومُنقلبك ومثواك،
قال فيها: فاطلب شيطان مثلك، واذهب عند شيطان مثلك يدلك على العلم الذي تريده، أما نحن فعندنا هذا العلم، وأنت إن استثقلته ابحث لك عن شيطان يقول لك ما هو العلم الذي عنده، يُنصبك عبد للنفس وللهوى وتقطع الطريق على عباد الله تعالى، وتستخدم الدين وإسم الدين للأغراض والمصالح والمطامع الفانية، -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
فَصلٌ
إعلم: أن أوامر الله فرائض ونوافل.
فالفرض رأس المال، وبه أصل التجارة، والنفل هو الربح، وبه الفوز بالدرجات.
قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: ما تقرَّب المتقربون إليَّ بمثل أداء ما افترضت عليهم، فلا يزال العبد يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ..." الحديث.
ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك، و سكناتك وحركاتك، وتوزع أوقَاتك وترتب أورادك من حين تصبح إلى حين تمسي.
وتعلم بأنّ الله مطّلع على ضميرك، ومشرفٌ على ظاهرك وباطنك، فاجتهد ألا يراك مولاك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك
-اللهم وفقنا لما تُحب-
قال: لا تصل إلى القيام بأوامر الله إلا:
وهذه بداية الإحسان، وباب الدخول إلى الشهود:
الاستمرار على ذلك والثبات ولا يحصل إلا بالمجاهدة، هو الموصل إلى رتبة الإحسان وإلى شهود الرحمن جل جلاله.
فَصلٌ
فما فضلَ من أوقاتك - يعني بعد الفرائض والرواتب ، والحزب القرآني والأوراد .. فلك فيه أربع حالات:
الأولى - وهي أفضلها - : أن تصرفه في طلب العلم النافع في الدين؛ وهو الذي يزيد في خوفك من الله تعالى، ويزيد في بصيرتك بعيوب نفسك، وفي معرفتك بعبادة ربك، ويقلل من رغبتك في الدنيا، ويزيد في رغبتك في الآخرة، ويفتح بصيرتك بآفات أعمالك حتى تحترز منها، ويطلعك على مكايد الشيطان وغروره؛ وهذا العلم قد جمعناه في (إحياء علوم الدين) فإن كنت من أهله .. فحصِّله واعمل به ثم علّمه وادعُ إليه.
الحالة الثانية: ألّا تقدر على تحصيل العلم النافع واشتغلت بوظائف العبادات؛ من الذكر والقراءة، والتسبيحات والصلوات فذلك من درجات العابدين، وسِيَر الصالحين، وتكون بذلك أيضاً من الفائزين.
الحالة الثالثة: أن تشتغل بما يصل منه خير إلى المسلمين، أو تدخل به السرور على قلوب المؤمنين، أو تتيسر به الأعمال الصالحة للصالحين؛ كخدمة الفقهاء والصوفية وأهل الدين، والتردُّد في أشغالهم، والسعي في إطعام الفقراء والمساكين، والتردد على المرضى بالعيادة، وعلى الجنائز بالتشييع؛ فكل ذلك أفضل من النوافل لأنها عبادة وفيها رفق بالمسلمين.
الحالة الرابعة: ألّا تقوى على شيءٍ من ذلك، واشتغلت بحاجاتك اكتساباً على نفسك وعلى عيالك، وقد سلم المسلمون منك وأمنوا من لسانك ويدك، وسلم لك دينك؛ فهذه أقل الدرجات في مقامات الدين، وما بعد هذا إلا مراتع الشياطين؛ وذلك أن تشتغل - والعياذ بالله - بما يهدم الدِّين، أو تؤذي عبداً من عباد الله؛ فهذه رتبة الهالكين، فاحذر أن تكون منهم.
ترتيب الأوقات كما جاء في كتاب (إحياء علوم الدين)
وفي هذا الفصل يبين لنا برْمجة الوقت، كيف يبرمج المؤمن وقته، ساعات يومه وليلته، قال: منها الذي يصرفه في الضرورات من الفرائض وما يتعلق بها من النوافل ومن الأكل ومن النوم، معلوم.
ما فضل من الوقت في الليل والنهار كيف يقضيه؟ قال: لك فيه مراتب، أربع حالات:
"الحالة الأولى": أفضلها وأجلّها؛ أن تتفقه في دين الله وتعلم دلالات الخطاب الرباني من وحي الحق تعالى، وبلاغ رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الغراء، وتَستزيد في العلم النافع، ما هو العلم النافع؟ قال: الذي يزيد في خوفك من الله، أما علم يزيدك كبر، يزيدك غرور، يزيدك عجب، يزيدك حقد على المسلمين؛ هذا ليس علم، العلم النافع يزيد في خوفك من الله، يزيد في أدبك وتواضعك، يزيد في بصيرتك بعيوب نفسك، يقلل لك شأن الدنيا ويرغّبك في الآخرة هذا هو العلم النافع.
قال: جمعناه لك في (إحياء علوم الدين) أربعين كتابا، كل كتاب منها عجيب في موضوعه مُنبه على الإشارات من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالحين رضي الله تعالى عنهم.
وفيه قالوا:
وإن أردت النهاية فهي بالإحياء حرية *** إن أردت الهداية فأعمل بما في البداية
وقال: سيدنا الحداد:
بإحْياء علوم الدين تحيا قلوبنا *** ويكشف عنا غمُنا وكروبنا
كتاب حوى علم الكتاب وسنته *** مؤلفه أستاذنا وطبيبنا
كتاب حوى العلم الذي هو نافع *** ولا يستريب في مثل ذاك أريبُنا .
وهكذا قال:
بوضعه الإحياء فاق فيا له *** من فائق وكَمثله لم يوضع
قال: سيدنا الإمام يحيى النووي: "كاد الإحياء أن يكون قرآنا"،
قالوا: لم يؤلَّف في الإسلام مثله.
رؤيا الإمام أبي حسن الشاذلي للإمام الغزالي
وإحياء علوم الدين وخصوصا ما يتعلق فيه بجانب التزكية وجانب العلم؛ أسرار العبادات، يحتاج إليه كل مؤمن ويبين الطريق.
ويذكرون عند هذا الموضوع رؤيا الإمام أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي رضي الله تعالى عنه، وذلك أنه: رأى رسول الله ﷺ في المسجد الأقصى على تخْتٍ مرتفع وحوله ساداتنا الأنبياء والمرسلين ﷺ، وكان ممن بجانبه سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهم السلام، قال فسمعت النبي موسى يقول للنبي محمد: إنك قلت في حديثك علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل قال: نعم، قال: فهل تُرينا واحد من علماء أمتك الذين هم كالأنبياء فينا؟ قال: فالتفت ﷺ، قال: أين أبو حامد الغزالي؟ فأقبل الإمام الغزالي ودخل عندهم فقال له النبي: هذا واحد من علماء أمتي قال: فالتفت سيدنا موسى قال: ما اسمك يا إمام؟ قال: اسمي محمد بن محمد بن محمد الغزالي، وأراد أن يخْتبره، قال: أنا سألتك عن اسمك فقط وأنت ذكرت لي اسمك اسم أبيك واسم جدك واسم قبيلتك قال: أهذا من الأدب؟ أنا سألتك عن اسمك ما اسمك؟ فتقول: اسمي محمد فقط.. قال: فالتفت الغزالي إلى النبي قال: يا رسول الله أتأدب مع كليم الله أم أجيبه؟ قال: بل أجيبه.. قال: يا كليم الله أنت لما خاطبك ربك وقال: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ)، قلت: (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ) [طه:17-18]، وهو سألك (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ) فقط، لماذا لم تقل: (هِيَ عَصَايَ) و تسكت..! تعجَّب سيدنا موسى وقال: عجب، صدقت يا رسول الله، العلماء من أمتك كالأنبياء فينا، يشبهون الأنبياء فيهم، قال: فالتفت ﷺ يقول لموسى وعيسى: هل في أمتكم حبرٌ كهذا؟ هل في أمتكم عالم مثل هذا؟ قالا: لا..
ولذلك قال الإمام الحداد مُشيرًا إلى هذه الرؤيا لسيدنا أبي الحسن الشاذلي:
والحجة الحبر الذي باهَا به *** أهل النبوة خير كل مشفع
بوضعه الإحياء فاق فيا له *** من فائق وكمِثله لم يوضع
قال: هذه أول حالة تصرفها في طلب العلم.
قال: ما وصلت هذه الحالة في حالات أخرى:
"الحالة الثانية": تصرفها في أنواع العبادات والقربات من الذكر والفكر والتسبيحات، ونحو ذلك هذا من درجات العابدين وسير الصالحين. وأفضل منه، قال:
"الحالة ثالثة": تصرفه فيما ينفع الناس وفيما يدخل السرور على قلوبهم، وفيما تساعد به على الطاعة والعبادة من قِبل الصالحين، بخدمة الفقهاء وخدمة العُبَّاد وأهل الدين والتردد في أشغالهم والسعي في إطعام الفقراء والمساكين والتردد على المرضى بالعيادة وعلى الجنائز بالتشييع. قال: هذا أفضل من النوافل لوحدها؛ لأنها عبادة وفيها نفع للمسلمين.
"الحالة الرابعة"، قال: إذا أنت لم تقم بشيء من ذلك؛ لا العلم ولا العبادة ولا منافع الأمة، اشتغل بما تَجلب به القوت لنفسك ولأهلك وكِفايتك تكتسب عن نفسك وعلى عيالك وقد سلم المسلمون منك وأمنوا من لسانك ويدك، وسلم لك دينك اشتغل بذلك.
قال: "فهذه أقل الدرجات في مقام الدين"، أما لا علم ولا عبادة ولا منافع للمسلمين ولا اشتغال بما يعود بالنفع على نفسه؛ ايش يتفرّج مسلسلات هذا شغله! يجلس يغتاب خلق الله ويتكلم عليهم هذا شغله! وليل ونهار.. لا حول ولا قوة الا بالله..
قال: "ما بعد هذا إلا مراتع الشّياطين". قال: "ما تشتغل -والعياذ بالله- بما يهدم الدين أو تؤذى عبداً من عباد الله"، يجلس مع عصابة يرتكب مشكلة ثانِية؛ يسرقون الأمور الفانية.. لا حول ولا قوة الا بالله
قال: فاغْنم زمانك، واعمل بهذه الوظائف الأربع ولا تخرج عنها؛ فإنَّ نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، واحدة من الاثنتين؛ إما تشغلها بالخير والا هي تشتغل عليك وتشغلك بالشر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، -اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها-.
فَصلٌ
اعلم: أن العبد في حقِّ دِينِه له ثلاث درجات:
إما سالمٌ: وهو المقتصر على أداء الفرائض، وترك المعاصي.
أو رابح: وهو المتطوع مع ذلك بالنوافل أو القربات.
أو خاسر: وهو المقصر عن اللوازم، أو المرتكب لبعض المحارم.
فإن لم تقدر أن تكون رابحاً .. فاجتهد أن تكون سالماً، وإياك ثم إياك أن تكون خاسراً.
والعبد في حق سائر العباد له ثلاث درجات:
الأولى: أن يُنزّل في حقهم منزلة الكرام البررة من الملائكة؛ وهو أن يسعى في أغراضهم رفقاً بهم ، وإدخالاً للسرور على قلوبهم .
الثانية: أن يُنزّل في حقهم منزلة البهائم والجمادات، فلا ينالهم خيره، ولكن يكفُّ عنهم شره.
الثالثة: أن يُنزّل في حقهم -والعياذ بالله- منزلة العقارب والحيّات والسِّباع الضاريات، ولا يرجى خيره ويبقى شره.
فإن لم تقدر أن تلحق بأفق الملائكة... فاحذر أن تُنزّل عن درجات البهائم والجمادات إلى مراتب العقارب والحيَّات والسباع الضاريات.
فإن رضيت لنفسك النزول من أعلى عليين.. فلا ترضى لها بالهُوِي إلى أسفل السافلين؛ فلعلك أن تنجو كفافاً لا لك ولا عليك.
فعليك في بياض نهارك ألا تشتغل إلّا بما ينفعك في معادك.
فإن عجزت عن القيام بحق دينك مع مخالطة الناس وكنت لا تَسلم إلّا بالعزلة.. فالعزلة أولى لك، فعليك بها؛ ففيها السلامة.
درجات العبد في حق دينه
قال: أنت في حقّ دينك وفي حقّ العباد على ثلاث مراتب، أنت في حق دينك: إما رابح وإما سالم وإما خاسر.
قال: إذا ما أنت رابح لاتكن خاسرا، كن سالما.
وأنت في حق الناس ثلاث مراتب:
قال: لا ترضى، إذا لم تصل إلى درجة الملائكة كن مثل الجمادات والبهائم؛ لكن لا تنزل إلى أسفل سافلين -والعياذ بالله تعالى-، -الله يرزقنا نفع عباده ويجعلنا في أبرك الأمة على الأمة وأنفع الأمة للأمة-
فَصلٌ
لا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة، فتشتغل في كل وقتٍ بما اتفق كيف اتفق، بل ينبغي أن تُحاسب نفسك، وترتِّب وظائفك ليلك ونهارك، وتُعيِّن لكل وقت شغلاً لا تتعداه وتُؤثر فيه سواه، فبذلك تظهر بركة الأوقات.
فأما من ترك نفسه سدىً مهملاً إهمال البهائم، لا يدري بماذا يشتغل في كل وقت.. فتنقضي أوقاته ضائعة.
وأوقاتُكَ عمرك، وعمرك رأس مالك، وعليه تجارتك، وبه وصولك إلى نعيم الأبد في جوار الله تعالى، فكلُّ نَفَسٍ من أنفاسك جوهرةٌ لا قيمة لها؛ إذ لا بدل له، وإذا فات.. فلا عود له.
فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم، فأي خير في مال يزيد وعمر ينقصُ؟!
فلا تفرح إلّا بزيادة علم أو عمل صالحٍ؛ فإنهما رفِيقاك يصْحبانك في القبر حيث يتخلّف عنك أهلك ومالك وولدك وأصدقاؤك.
اللهم ارزقنا المحافظة على الأوقات وصرفها فيما يرضيهك، كل نفَس من أنفاسك جوهرة لا قيمة لها، وما يعرف قيمة الوقت ، إلا من كان قد مات يعرف قيمة الوقت..!
لمَّا مر بعض الأخيار بجانب مقبرة وفرشَ سجادته وصلى ركعتين، سّلم على أهل القبور ومشى، رآه واحد، قال: أنت جئت صليت بجانبنا ركعتين، قال: أنتم ما تعرفون قدر هذه الأعمال، والله للركعتين التي صليتها أحب إلينا من الدنيا وما فيها، لو نرجع نحصِّلها! الآن ما نقدر نحصِّلها.. ولكن أنتم ما تعرفون قدر النعمة التي أنتم فيها، غنيمتنا ما دمنا في الحياة، قُربنا إلى الرحمن تعالى في علاه بحسن واغتنام أوقاتنا.
كان المؤلف هذا، أيام طلبه العلم هو وأخوه الحبيب طاهر بن حسين يقول له: الآن وقت الطعام يضيع علينا الوقت ونحن نأكل، قال: كيف نعمل؟ قال: إذا قرَّبنا الطعام واحد يأكل وواحد يقرأ، إذا انتهى هذا يأكل الثاني والأول يقرأ، قال: حسنا.. فاتفقوا على ذلك حتى لا يضيع وقت الطعام في غير فائدة طلب علم وهم يطلبون العلم -رضي الله عنهم-.
فوائد ترتيب الأوقات
ويقول: إن لترتيب الأوقات فوائد؛ فلو كان عندك خمس دقائق أو عشر، لكن رتبت فيها عمل ما تتجاوزها إلا في ذاك العمل، تجد أنك تقطع أشواط كثيرة وتحقق أشياء كبيرة من خلال العشر الدقائق هذه؛ لأنك واظبت عليها. أما إنك ستعمل عمل كثير ثم قليل بعدها لا شيء وكنت كذلك، قال: "أما إنك تشتغل في كل وقتٍ بما اتفق كيف اتفق"، يمضي عليك أكثر وقتك في غفلة، وأكثر وقتك مُهمل بعد ذلك، وأوقاتك عمرك وعمرك رأس المال.
إنما رأس مالك العمر *** فاعْمره بفعل الجميل والمُكرمات
وقالوا: لا تكن مثل الحمقى الذين يفرحون بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم، كصاحب المُرتّب يقول متى آخر الشهر؟ يريد آخر الشهر لكي يستلم الراتب، أنت آخر الشهر عمرك كما أول الشهر؟!! لا يصل آخر الشهر إلا وجملة من عمرك ذهبت وقرُبتَ إلى الموت، تأنّى في مكانك واترك الاستعجال بزيادة المال مع نقص العمر، فاغتنامك للوقت أحسن من استعجالك على مُضيّ الوقت، والوقت عمرك ورأس مالك، قال: ولا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالح، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [الأعراف:58]، قال: لأنهما رفيقاك يصحبانك في القبر، يتخلف عنك أهلك، ومالك، وولدك وأصدقاؤك، ويدخل معك العمل الصالح، وفقنا اللهم له.
الإجازة في الحديث المسلسل بالمحبة
هذا يطلب الإجازة في حديث المحبة، الحديث المسلسل بالمحبة، أخذناه بالإجازة عن شيخنا الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى عن الحبيب علوي بن طاهر الحداد عن الحبيب أحمد بن حسن العطاس عن الحبيب أحمد زيني دحلان بسنده، وأجازنا فيه الشيخ محمد ياسين الفاداني عن مشائخه الذين ذكرهم في عدد من مؤلفاته ورسائله بسندهم إلى سيدنا معاذ بن جبل أنه قال قال لي رسول الله ﷺ: "يا معاذ إني أحبك فلا تدعنَّ أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"،
ونقول لكم إنا نحبكم في الله تبارك وتعالى فلا تدعوا أن تقولوا بعد كل صلاة، "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وأجزناكم بذك السند.
واجعلنا متحابين فيك واصلح لنا شؤوننا كلها واجعلنا في خواص المتحابين فيك المقبلين عليك المقبولين لديك الموفقين لمرضاتك في خير ولطف وعافية.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد
اللَّهم صلِّ وسلم و بارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
15 جمادى الأول 1445