(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب انتظار الصلاة والمشي إليها، وباب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود.
فجر السبت 7 ربيع الأول 1442هـ.
باب انْتِظَارِ الصَّلاَةِ وَالْمَشْي إِلَيْهَا
449 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَاري، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ".
450 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَلَمْ أَرَ صَاحِبَكَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ؟ قَالَ أَبُو النَّضْرِ: يَعْنِى بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَيَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَنْ يَجْلِسَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
باب وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ فِي السُّجُودِ
451 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سَجَدَ، وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ. قَالَ نَافِعٌ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ، وَإِنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ، حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الْحَصْبَاءِ.
452 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالأَرْضِ، فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ إِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا، فَإِنَّ الْيَدَيْنِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ.
الحمدلله مُكرمنا بشريعته العظيمة وأحكام دينه الفخيمة، وبيانها على لسان عبده المجتبى مُحمَّد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في منهجه الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالمساجد والصلاة، وتقدم آخر ما تقدم معنا التحذير من الخروج من المسجد بعد أن يؤذن ويُقام الصلاة لغير ضرورةٍ ولغير عذرٍ، وأنّ ذلك إنما يكون علامة النفاق، فمن دخل مسجدًا قد أُذِّنَ فيه يُكره له أن يخرج منه حتى يُصلّيَ إلا لعذرٍ؛ في انتقاض طهارةٍ أو خوف فوت رفقةٍ أو شيءٍ مما يطرأ، هكذا جاء عن الأئمة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
ويقول الحنفية: كذلك إذا كان ممن ينتظم به أمر جماعة، وفي الحديث "لا يَخْرُج مِنَ المَسجِد بعدَ النِّدَاء إلّا مُنَافِقْ، إلّا رَجُلٌ يَخرُجُ لِحَاجَتِه وهُوَ يُريدُ الرَّجعَةَ لِلصَلاة"، وفي الحديث الآخر "مَنْ أَدْرَكَهُ الأَذان في المَسجِد ثُمَّ خَرَج لَمْ يَخرُج لِحَاجَةٍ وهُوَ لا يُريدُ الرَّجعَة فَهُوَ مُنَافِق"، فبذلك أيضًا جاء في رواية عن أبي هريرة قال: لمّا رأى الرَّجُلَ يَخرُجُ مِنَ المَسْجِدِ بَعْدَ الأَذان -حين الأذان- قال: "أمّا هذا فقد عَصى أبا القَاسِم"، فبذلك كان تعظيم شأن الصلاة، وإذا دنا وقت جماعتها فالحضور القلبي والتعظيم لها أوكد وأوجب؛ حتى لا ينصرف عنها، وهذا يُبيِّن وجوب استعداد قلب المؤمن للصلاة ولإقام الصلاة، وأنه مهما دنا وقَرُبِ وقت الصلاة فينبغي أن يوجِّه همَّتَه إلى معناها وكيفية مقابلته لمولاه -سبحانه وتعالى-، وبذلك تعلم أن ما يشتغل به من يُنسَبْ إلى طلب العلم وغيره على قرب الصلاة من محادثة أو مكالمة أو انصراف أو تساهل في تأخير الطهارة إلى أن تُقام الصلاة أو إلى بعد إقام الصلاة مسلكٌ غير صحيحٍ، بل مسلك باطل ومسلكٌ فيه إضاعة للأهمِّ والأعظَم وتعظيم الشعائر.
وقد كانوا يقولون: إذا رأيت طالب العلم لا يحرص على التكبيرة الأولى مع الإمام فانفض يديك منه، أي: لا تُؤمِّلْ فيه النجاح والخير إذا رأيته لا يحرص على تكبيرة الإحرام مع الإمام. فينبغي أن تُعطى الصلوات حقها من التعظيم والإجلال والاستعداد لها قبل ذلك.
وقال غيرهم: مكروه، فلا ينبغي ولا يليق بالمؤمن إهمال شأن هذه الشعائر المُعَظَّمة. وفي هذا الحديث الذي سمعناه النهي عن الجلوس لمن دخل المسجد قبل أن يُصلّي؛ أي فيه إثبات تحية المسجد، الأمر بالصلاة لمن دخل المسجد وذلك على سبيل الاستحباب فهو السُنَّة عند الجمهور، حكاه الإمام النووي: فيه الإجماع أنه سُنَّة، ولم يَعْتَدَّ بخلاف ابن حزم وأهل الظاهر الذين قالوا بوجوب الصلاة على من دخل المسجد؛ أي صلاة التحية. فسمعنا حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه يقول: عن النبي ﷺ يقول: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ"؛ يعني: يصلّي، فيطلق الركوع على عموم الصلاة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. "رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ"، "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ،" معلومٌ أنّه إنّما يكون ذلك للمتوضئ، فلا تصح الصلاة لغير المتوضئ، إذا دخل أحدكم المسجد وهو على وضوء وإن كان مُحدِثًا، فذكرنا أنه:
فالمحدث يُسبِّحُ بدل الركوع؛ فينبغي له ألّا ينصرف من المسجد حتى يسبح الله -تبارك وتعالى- ويذكره بدلًا من الركوع، "فَلْيَرْكَعْ"، وهذا بالنسبة للمتوضئ عند دخول المسجد.
يأتي أيضًا فيه الدخول في الوقت الذي نُهِيَ فيه عن الصلاة:
ولذا كان من عادة أسلافنا إذا دخلوا المسجد بعد العصر قبل الغروب، أو بعد الصبح قبل ارتفاع الشمس قدر رُمح أن يكتفوا بالتسبيح ولا يُصلّوا التحية؛ خروجًا من خلاف الإمام أبي حنيفة -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.
"رَكْعَتَيْنِ" فهو أقل ما تُصلّى به التحية، أو يجزئ عن تحية المسجد ركعتين فأكثر بالاتفاق، لا يضر أن يكون أكثر من ركعتين لكن أقلّها ركعتان.
ولكن في الحديث نص على الركعتين، فالركعتين فيه مفهوم لأقلّه ولا مفهوم لأكثره، فلهذا: لا صلاة تُعدّ صحيحة للمسجد أقل من ركعتين، ومازاد على ذلك فلا يضرّ أن يكون تحية المسجد، فأن يصلّي أربع ركعاتٍ أو ستًا أو أكثر من ذلك.
قال: "رَكْعَتَيْنِ" وهي أيضًا عند الشافعية من المندرجات في غيرها؛ فيمكن أن تندرج في سنة الوضوء، ويمكن أن تندرج في سنة الظهر، أو سنة العصر أو سنة الصبح، أو صلاة الوتر وما إلى ذلك…، فينوي مع الراتبة أو مع الوتر تحية المسجد، وتتجدد بكل دخولٍ إذا خرج منه ودخل إليه، فإذًا فأقلها ركعتان.
قوله: "قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ" قالوا: خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن يصلي الإنسان من قيام، وإلا فيجوز أن يجلس ويصلي التحية من جلوس سواءً كان معذورًا وله مثل أجر القائم، أو غير معذور وله نصف أجر القائم؛ لأنها نافلة يجوز أن يصليها وهو جالس فيجوز أن يجلس، فإذا جلس لأجل أن يصليها جالسًا لم تَفُتْهُ، بخلاف الجالس المُعرض عنها الذي لا يريد التحية، فجلس ثم فكر وقال: الآن سأُصَلّي وهو جالس أو يريد أن يقوم، قال الشافعية وغيرهم: قد فاتتك بجلوسك وإعراضك عنها، لا لتؤديها جالسًا ولا بجلوسٍ لنحو شرب، فإذا دخل المسجد فيُسنّ أن يصلي التحية فإذا عُرِضْ عليه الماء فلا يشرب قائمًا، فإذا جلس لأجل الشرب لم تَفُتْهُ التحية، ثم ليقوم فليصلي تحية المسجد، من قيامٍ مهما أراد ذلك ولا يضرّ جلوسه من أجل أن يشرب جالسًا. قال: " رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ".
وهكذا علمنا في الوقت، إذا دخل المسجد في هذا الوقت المنهي عن الصلاة فيه، فعلمنا قول الإمام أبي حنيفة لا يركع، وهذه رواية ابن القاسم عن مالك أيضًا أنه في هذا الوقت لا يركع، أخذًا بعموم قوله ﷺ: "لا صلاةَ بعدَ الفَجرِ إلَّا ركعَتَي الصبح" هذا حتى من بعد الأذان، اختُلف في كراهة الصلاة قبل فعل الصلاة، أما بعد فعل صلاة الصبح فتُكره الصلاة وتحرم عند الشافعية، خصوصًا ما ليس له سبب متقدم أو مقارن، يكون النفل المطلق وما ليس له سبب متقدم أو مقارن في ذلك الوقت حرامٌ لورود النهي عن ذلك، فخصّصوا هذا الحديث بتلك الأحاديث التي جاء فيها النهي عن الصلاة في هذا الوقت.
واستدل أيضًا الجمهور بعدم الوجوب في تحية المسجد، بما قال ﷺ للذي دخل وهو يخطب: "اجلس فقد آذيتَ"؛ كان يتخطّى الرقاب وجاء والنبي يخطب فقال له: "اجلس" ولم يأمره بالتحية. وكما جاء عن عدد من الصحابة وغيرهم أنه يدخل المسجد فقد يصلي وقد لا يصلي أحدهم فتبيّن بذلك سُنيّة التحية للمسجد، فإذا دخل المسجد الحرام فإن تحية البيت الحرام والكعبة المشرفة ليس الصلاة ولكن الطواف، فلا يشتغل بصلاة تحية المسجد ولكن يطوف في البيت فهذا تحيته، فإذا أكمل الطواف سُنَّ أن يركع ركعتين بعد الطواف ففيهما ينوي تحية المسجد، فيصلي تحية المسجد بسنة الطواف، يدرجها في سنة الطواف فتكون تحية للمسجد غير تحية البيت؛ فتحية البيت مُقَدَّمَة على تحية بقية المسجد، فتكون تحية البيت بالطواف، فبهذا تكون السُنّة لكل داخلٍ عند الكعبة المشرفة مهما تيسر له أن يطوف قبل أن يجلس فهذه تحية البيت الحرام.
وجاء أيضًا في الحديث في استحباب التحية، أنّ الداخل الذي دخل على النبي ﷺ وهو يخطب وأخذ يكلمه: هلك المال وضاع العيال،… والنبي ﷺ يخطب، فدعى واستسقى ولم يأمر الرجل أن يصلّي الركعتين، قال له: انهدمت البيوت، في الجمعة الثانية لما جاء، وكان استمر المطر من الجمعة إلى الجمعة فقال: يا رسول الله، تقطعت السبل وتهدمت البيوت، فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، يقول الراوي: فجعل يشير نحو السماء يقول: اللهمّ حوالينا ولا علينا ، اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فجعل لا يشير إلى ناحية إلا تفرّق عنها السحاب حتى تفرّق عن الجهات الأربع عن المدينة، فأشرقت الشمس في المدينة ولم تزل السماء تصبّ في بقية الوديان حوالي المدينة المنورة فأصبحت كالجوبة، وقال: اللهم على الضِرَابِ والجبال والأودية وبطون الشجر.
وفيه أنه بالجمعة الأولى لما استسقى فصبّت المطر فخرج ورأى الناس مجتمعين على المطر والسيل يسيل، قال: لو رأى هذا أبو طالب، فقال سيدنا أبو بكر: تعني قوله:
وأبيض يستسقى الغمامُ بوجههِ *** ثِمالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأرامل
قال: أجل، ﷺ. وكان قد يستنشد الشعر من أصحابه ولا يحب أن ينشده ﷺ، لقوله: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ...) [يس:69].
ويقول مولى عمر بن عبيد الله أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال له: "أَلَمْ أَرَ صَاحِبَكَ" يعني مولاك عمر بن عبيد الله "إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ؟ قَالَ أَبُو النَّضْرِ: يَعْنِى بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَيَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ" كان مقصود أبي سلمة أن يعيب ذلك عليه؛ وهو إهماله لتحية المسجد، "أَنْ يَجْلِسَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ".
فأنكر أبو سلمة على عمر بن عبيد الله تَرْكَهُ تحية المسجد دوامًا -استمراره على ذلك-، فلمّا رَأوهُ مستمرًا على ذلك استنكر إضاعة هذه السُنّة منه.
عمر بن عبيد الله بن معمر القريشي التيمي، قال ولّاه الزبير البصرة، ثم ولّاه قتال الأزارقة، و وليَ إِمرَة فارس، ولد عام قُتِلْ سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وكان أحد وجوه قريش وأشرافها، وكان جوادًا شجاعًا. كان بعض أهل المدينة له جارية، وكانت تقوم بخدمته وبينه وبينها مودة، ثم إنه احتاج، ولمّا احتاج وافتقر باعها، فاشتراها هذا عمر بن عبيد الله، فقالت الجارية:
هنيئًا لكَ المالَ الذي قد أصبْتَهُ *** ولمْ يبقى في كَفِّيَ إلا تَفَكُّرِيْ
فأجابها بأبيات يقول:
عليكِ سلامٌ لا زيارةَ بيننا *** ولا وصلٌ إلّا أن يشاءَ ابن مُعَمَّرِ
فلما سمع كلامه ابن معمر هذا قال: لقد شئت، خذها ولك ثمنها، ولم يزل ذا مكارم وسخاوة ونفقة تُعهَد عنه -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، فردّها عليه وقال له: الثمن لك وهي لك.
"قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ."، كما عليه الجمهور أنه مستحب ومن السنة أن يراعي المسجد بالحرمة والتعظيم ولا يجلس فيه حتى يصلّي ويركع.
"وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ فِي السُّجُودِ"؛ أما اليدان فهي من أعضاء السجود السبعة -المراد بها الكفَّان- فيجب وضعها على الأرض، ولكن هل يلزم أن تكون مكشوفتين كالجبهة؟ قال الجمهور: لا، بل يجوز في الأعضاء أن تكون مغطاة غير الجبهة كمثل أصابع الرجلين ومثلها أصابع اليدين ومثلها الرُّكبتان؛ الستة الأعضاء: اليدان والركبتان وبطون أصابع الرجلين يجوز أن تكون مغطاة بخلاف الجبهة، و يُسَنُّ مع وضع الجبهة وضع الأنف وهو واجب عند الحنفية أن يضع أنفه مع الجبهة على الأرض، فيجب أن تكون الجبهة مكشوفة، وقد صَحَّ عنه ﷺ أنه يُرى في جبهته إذا سجد وقت المطر الماء والطين، وعلى أرنبة أنفه الكريم ﷺ.
فرضية وضع اليدين للسجود، فهل يكفي فيه وضع الجبهة فقط؟
فوضع اليدين في السجود يكون قريب من الوجه، والسُنَّة أن يكون متوجهة الأصابع نحو القبلة وأن تكون تحت الكتف بحيث لو سقط من كتفه شيءٌ لوقع على كَفِّهِ، وهكذا قال: ينبغي للرجل إذا وضع جبهته ساجدًا أن يضع كَفَّيه بحذاء أُذنيه ويضع وجهه بين كَفَّيه كما جاء في الحديث.
ويضع كفّيه على ما يضع عليه الوجه في السجود وهو الأرض، يضع كفيه مع أين يضع وجهه، لكن هل يجب أن تكون مكشوفتين؟ هذا الذي يشير إليه كلام الإمام مالك.
وذكر لنا حديث عبد الله بن عمر: "كَانَ إِذَا سَجَدَ، وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ. قَالَ نَافِعٌ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ، وَإِنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ،" البُرْنُس هو: كل ثوب رأسه منه، ملتصق به من ذراعه وجنبه وغيرها يقول بُرْنُسْ، فعبارة عن قلنسوة طويلة، يقول: "حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الْحَصْبَاءِ."؛ يعني: محل السجود على الأرض لكنه في إشارة إلى كشف الكفّين وذلك كما سمعت غير واجب عند عامة الأئمة.
وذكر لنا حديث ابن عمر كان يقول: "مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالأَرْضِ، فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ إِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا"؛ لأنه لا يستقر له الجلوس بين السجدتين والقيام إلا برفع اليدين يقين هذا، إذا سيجلس بين السجدتين واليدين في الأرض يكون منحني، وإن كان يجزئ عند الحنفية.
نظر الله إلينا وملأنا بالإيمان واليقين، وأعاد علينا عوائد الاتصال بحبيبه الأمين، في كل شأن وحال وحين، وثبّتنا على حسن العمل بقوله: "صلّوا كما رأيتموني أصلي" حتى تعود عوائد صلواته على صلواتنا فيقبلها الحق، ويتجاوز منا ما كان فيها من تقصيرنا وخللنا، ويجعل لنا جمعية بذلك الجناب الأشرف، فيجمعنا على الربِّ القدوس -سبحانه وتعالى- جمعة تتطهر لنا بها النفوس، وتتزكى عن كل علة وعن كل بؤس، ونسأله تفريج الكروب عن أمة هذا الحبيب ودفع البلاء عنا وعنهم ظاهرًا وباطنًا في خير ولطف وعافية. بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
11 ربيع الأول 1442