شرح الموطأ - 8 - كتاب وُقوت الصلاة: باب النهي عن الصلاةِ بالهاجرة، وباب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم

شرح الموطأ - 8 - باب النهي عن الصلاةِ بالهاجرة، من حديث: (إنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهنَّمَ..)
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، باب النهي عن الصلاةِ بالهاجرة، وباب النَّهْي عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ وَتَغْطِيَةِ الْفَمِ.

فجر الأحد 7 ذي القعدة 1441هـ.

باب النَّهْي عَنِ الصَّلاَةِ بِالْهَاجِرَةِ 

29 - حَدَّثَنِي يَحْيَى: عَنْ مَالِكٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ ". 

وَقَالَ: " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ". 

30 - وَحَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". 

وَذَكَرَ: " أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا، فَأَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ". 

31 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". 

باب النَّهْي عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ وَتَغْطِيَةِ الْفَمِ 

32 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلاَ يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ ". 

33 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِذَا رَأَى الإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذاً شَدِيداً، حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُكْرمِنا بالشَّريعة وأحكامِها الشَّريفةُ الرفيعة، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده المُصطفى مُحمَّدٍ ذي القدرِ الأعلى والوجاهاتِ الوسيعة، اللَّهم أدِمْ صلواتك عليه وعلى آله وصحبهِ المُشرّفين بالدخول في حُصونه المنيعة، وعلى أتباعهم بإحسان مِنْ كُلِّ مَنْ والاهم فيك فنجى مِنْ شُؤم القطيعة، وعلى آبائه وإخوانهِ مِنَ الأنبياءِ والمُرسلين أهل الأنوار السَّاطعة اللميعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المُقربين، وعبادك الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبعدُ، 

فيذكُر الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ما يتعلّق بصَّلاة الظُهر خصوصًا في أيَّامِ الصَّيفِ والحرِ، يقول: "بابُ النهي عن الصَّلاة في الهاجرة"، والهاجرةُ: نصفَ النَّهار عند زوال الشَّمس؛ يُقال لَهُ الهاجرة. ومِنْ حين الزوال وبعدها بقليل يُقالُ لها الهويجرة. 

يقولُ: أنَّ رسول الله ﷺ قالَ: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". فما الفَيْحُ؟ 

الفَيْحُ سُطوعُ الحرِّ مِنْ شدة القيظ، شدة السُطوع حرِّ النَّار، سُطوع حرِّ النَّار في القيظ، يُقال لها: فَيْح. عندنا يستعمل العوام عندنا لغليان الماء ونحوه يُقال: فَوح. ويُقال: فَاحت إذا اشتد غليانها وخرجت، "..مِنْ فَيْح جهنَّم" سطوع حرِّ النَّار مِنَ القيظ "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". ويأتي بيان ذلك في الحديث الآتي: "فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ" في أيام الصَّيف "فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ"، أي: اجعلوها في وقت البُرود، أي: انتظروا بها قليلًا حتى يَبرُد الوقت "فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ". 

وقال: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا"، وهذا تفسير كونه مِنْ فَيْح جهنَّم. "فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ"، وفيه إدراكُ الكائنات وخِطابُها لرَّبها -جلَّ جلالهُ وتعالى في عُلاه- القائل: ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) [الإسراء:44]، والقائل: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11]. فالكائناتُ كُلُها مُسبّحة بحمد ربَّها تعرف عظمته وتُناجيه وتسألُه في حوائجها.

وقدْ خرجَ نبيُ الله سُليمان مرةً يُريد أنْ يستسقي بأُمّتهِ في وقت القحطِ، فبينما هو في الطريقِ إذا بنملةٍ استلقت على ظهرها ورفعت قائمها نحو السَّماء، وسَمِعَها تقول: ياربِّ إنّا خلقٌ مِنْ خلقك فلا تُعذبنا بذنوب بني أدم، وتُهلكنا بهم، يَعصونك، وتمنع القطر، ونحن نتضرر.. وسَمع دُعائها ورأى استجابة الحق لها، فرجع بقومه، وقال: "قدْ كُفيتُم بغيركُم.. استسقتْ لكم نملة"؛ وأُمطروا. فهكذا قال سيِّدنا سُليمان: (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ) [النمل:19]، وقال تعالى: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) [النمل:18]، وقال تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) [النمل:20]، ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل:22]؛ ففيه إثباتُ حديث الكائناتِ بأصنافها. وإنَّما يعقِلُ مِنَ النَّاس ما يعقِلُ مِنْها بحسب ما علَّمَهم الله تعالى، ولا يُحيط بالكُل إلا ربُّ الكُل جلّ جلاله وتعالى في عُلاه. 

فهناك علاقة بين ما يجري في الأرض، وبين شؤون مِنْ عوالم الغيب. ومِنْهُ ما رتبَ اللهُ -تعالى- مِنْ صيفٍ وشتاء على ظَهر الأرض. وما أذِنَ لجهنَّم؛ والمُراد بها النَّار كُلُها، وإنْ كان تُسمى أول طبقة مِنْ طبقات النار؛ أول دركة بجهنَّم، يسكُنُها عُصاة المؤمنين -الَّذين لم يَعفُ الله تعالى عن ذُنُوبهم، فيُعذبون بقدرِ ما لم يعفُ الله عن ذُنُوبهم مِنْ ذُنُوبهم، ثُمَّ يُخرجون مِنْها حتَّى يكون آخرهم خروجًا بعد سبعةِ آلاف سنة، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.. وهو جُهينة؛ ويكونُ آخرُ مَنْ يدخل الجنَّة. ولكنْ إذا ذُكر واحدة مِنْ طبقات النَّار أُريد بها كُلُها.

إنَّ جهنَّم "اشْتَكَتِ إِلَى رَبِّهَا"، "فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ" فتَتَنَفس، فأشد ما يجدُ النَّاسُ في أيام الصَّيف مِنْ الحرِّ مِنْ أثر هذا النَفَس. وأشد ما يجدون مِنَ البرد في أيام الشِّتاء، فمِنْ أثر هذا النَفَس لأنَّ في النَّار حرارةً وزمهريرًا. ومِنْهم مَنْ يُعذَّبُ بحرارة النَّار، ومِنْهم مَنْ يُعذب بالزمهرير -شدة البرد-، والعذاب بشدة البرد أشد على الأجسام، وآلم لها، وأشد وجعًا مِنَ الحريق بالنَّار؛ الحريقُ بشدة البرد، أعاذنا الله مِنَ النَّار مِنْ حرِّها وزمهريرها. فهُناك زوايا في النَّار وأماكن في أسفل النَّار مخصوصة بشدة البُرودة، فيُعذب أصحابها بشدة البرد، كما يُعذب أصحاب الطبقات الأُخرى والزوايا الأُخرى بشدة الحر. 

هكذا يأتي استحباب الإبراد بالظُهر في الصَّيف. 

  • هذا الَّذي اشترطه الشَّافعية، اشترطوا أنْ يكون في أيام الصَّيف، وفي شدة الحرِّ، وفي قطر حار، لمَنْ يُصلي إمام يُصلي بجماعة، يأتون مِنْ أماكن بعيدة لا يكونون في كِنٍّ ولا ظِل حينئذ يُبردون بالظُهر في هذا الوقت.
  • وجماعة من الأئمة الَّذين قالوا باستحباب الإبراد في الظهر، لم يشترطوا هذه الشروط الَّتي اشترطها الشَّافعية. وجعلوا الإبراد بالظُهر مُستمرًا، وخصصه بعضهم في الصَّيف كما دلَّ عليه الحديث وجاءت به الروايات.
  • وجاء عن الإمام مالك: أنَّهُ الأفضل التبكير في جميع الصَّلوات إلَّا الظُهر في أيام الصَّيف. وهكذا يقول: أول الوقت أحب إلينا في الأوقات كُلَها للعامة في ذات أنفُسها. فأما الأئمة في المساجد والجماعات، فهذا عند الإمام مالك، هم الَّذين يُبردون لأنه أرفق بالنَّاس، فيُستحب في الصَّيف تأخيرُ الظُهر إلى وسط الوقت. وقول عند الإمام مالك: أنَّهُ إلى أنْ يصير الظل ذراع. وهذا كما جاء في كتاب سيِّدنا عمر الَّذي تقدم معنا مِنَ الحديث.
  • وجاء عن ابن مسعود في صلاته ﷺ الظُهر وتوقيتها، وقال: 
    • أنَّه كان يُصلي الظُهر في أيام الشِّتاء: ما بين ثلاثة أقدام إلى خمسة. 
    • وفي أيام الصَّيف: ما بين خمسة إلى سبعة أقدام كانت صلاتُه الظُهر. 

فهكذا جاء عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في تحديد وقت صلاته -عليه الصَّلاة والسَّلام- والغالب في الشِّتاء والصَّيف في مسجده الكريم. والإبراد إنَّما جاء في المدينة المُنورة.

  • وجاء عن الإمام أحمد أيضًا أنَّهُ الأفضلُ المُبادرة بالصَّلوات. قال: إلَّا في صلاتين، فذكر صلاة الظُهر في الحر، وذكر صلاة العِشاء، واختيار تأخيرها إلى ثُلث الليل.

ثُمَّ أنَّه رأى بعض أهل العلم أنَّ لصَّلاة الظُهر تأخيران:

  • تأخير يتعلق لأجل الجماعة، قال: هذا يكون في الصَّيف وفي الشَّتاء، في المساجد ومواضع الجماعات، دون مَنْ يُصلي في بيته ويُصلي وحده هذا  ليس له علاقة  في الإبراد أو يكون المسجد بفِناء بَيته.
  • والتأخير الثاني وهذا المعنيّ بالإبراد، يختصُ بوقت الحر دون غيره مِنَ الأوقات. 

وهكذا المحمول في الأمر عند جماهير أهل العلم، بل عند عامتهم، أنَّهُ للاستحباب. فيُسنّ الاستحباب والإبراد بوقت الظُهر خصوصًا أيام الصَّيف. واشترط الشَّافعية ما سمعتْ أنْ يكون ذلك لمن يُصلي جماعة بمسجد أو مكان بعيد، يَجتمعون فيه لا يجدون ظِلًا ولا كِنًا يمشون فيه إلى المسجد، فحينئذٍ يُؤخرون ويُبردون بصَّلاة الظُهر.

فإلى متى يكون التأخير في صلاة الظُهر بالهاجرة؟ 

  • إلى أنْ يوجد للحيطان ظِل يمشي فيه المُصَّلون إلى مكان الصَّلاة، مقدار ما يظهر للحيطان ظِل، ويغتنون عن أنْ ينالُهُم شُعاع الشَّمس فيمشون في الظِل فحينئذٍ يكون جاء وقت الإبراد. 
  • ولِسعة الوقت؛ ولكنْ بحيث يوقعها في النصف الأول مِنَ الوقت، لا يُؤخرها كثير؛ فيقع بعد ذلك في كراهة التأخير. وسمعت ما جاء في الحديث عن ابن مسعود مِنْ صلاته عليه الصَّلاة والسَّلام. 

إذًا، الجمهور مِنَ الصحابة والعلماء على القول بسُنية الإبراد في وقت صلاة الظُهر. فذلك هو السُنّة ليس بواجب ولا يصلُ إلى حد المُباح؛ ولكنَّهُ يفوقه بكونه سُنّة. وقد علمنا فيما مضى اتفاقهم على أنَّ وقت صلاة الظُهر يدخُل بزوال الشمس؛ ميلها عن كبد السَّماء بالاتفاق بالإجماع. وذكرنا الاختلاف في خروجه:

  • ما بين أنْ يصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء عند الجمهور .
  • وما بين أنْ يصير ظل الشيء مثليه عند الإمام أبي حنيفة.

فعرفنا معنى الإبراد؛ الدخول في البرد. فهو عند الفقهاء بمعنى: تأخير صلاة الظُهر إلى وقت البرد، أي: يخفُ فيه وَهَج حرارة الشّّمس. وهو محمولٌ على الرُخصة أو على الاستحباب كما سمعت مِنْ قول الجمهور، فيقول: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ.." "، وفي هذا بيان شرطية اشتداد الحر "..فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" * والحديث أيضًا رواه بعد الإمام مالك البخاري ومسلم موجود في الصحيحين: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".

 

باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم

 

ثُمَّ ذكر لنا النَهي عن دخول المسجد بريح الثُّوم وعن تغطية الفم في الصَّلاة. قال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا" في الرواية بالجمع، ورواية: "مَسَجِدَنَا" تُفسّر هذه الرواية أنه لا يختص ذلك بمسجده ﷺ. "يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ"، هذا هو العِلة في ذلك، ومعناه كُلُّ ما يُؤذي المُصلين يجب اجتنابه عند الذهاب إلى المسجد.

مَنْ يمتلئ كذلك بريح التنباك أو غيره ويأتي يؤذي المُصلين حوله، ويؤذي الملائكة، مكروه دخوله المسجد. اخرج مِنَ المسجد، طهر فمك، وطهر رائحتك، ولا تدخل إلَّا بريح طيب! وهذا أشد مِمَنْ يأكل الثُّوم؛ فإنَّ أكل الثُّوم حلال بالاتفاق. أما تناول التنباك فيُترجّح تحريمه عند المُحققين. وأما الثوم مُباح بالاتفاق. 

  • حتَّى لمَّا نهاهم ﷺ عن أكل الثُّوم وبعد فتحهم خيبر، توفّر عندهم الثُّوم فوقعوا في الأكل فيه كثيرًا فوجد الريح في المسجد، فقال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلاَ يَقْرُبْ مَسَجِدَنَا"  فلا يقرب... فقالوا: حُرّمت حُرّمت.. بلغ النبي ﷺ قال: "يا أيُّها النَّاس إني لا أُحرّم ما أحلّ الله؛ لكنْ هذه الشَّجرة يُؤذيني ريحها فلا تقربوا المساجد وفيكم ريحُها"، ليست بحرام. وقال لبعض أصحابه: "كُلْ، فإني أُناجي من لا تُناجي". 
  • وقال سيِّدنا عُمر: مَنْ طبخ مِنْ هذه الشَّجرتين -يعني: الثُّوم والبصل-، فليُمِتها طبخًا؛ حتى يذهب ريحَها ولا يعلق شيء بفمه. 

فهكذا جاء في النَّهي عن قُرب المساجد بالثُّوم وكُلُ ما يؤذي المُصلين. وكذلك تغطية الفم في الصَّلاة شأن المُتكبرين، والصَّلاة شأن خضوع وخشوع وأدب واحترام، وهذا يريد يتلثم في الصَّلاة!.. ولهذا كان سيِّدنا سالم بن عبد الله بن عُمر إذا رأى واحد ملثّم ينزع حقه منه، أتصلي بهذه الصورة؟! صلِّ سواء -صلاة سويّة-! خاضع خاشع، وفمك ظاهر، وأنفك ظاهر، ومِنه ما يضعونه من اللثام في وقت الصَّلاة. أبعِدها.. صلِّ بخضوع وخشوع، ودعك من الوسوسة وشيء مِنَ هذا الكلام الفارغ وقت الصَّلاة، ادخل إلى حضرة الله سبحانه وتعالى..، فيكون مَكشوف الوجه، كُلُه مُتأدب، خاضع للرَّب -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه- والله أعلم.

     نظر الله إلينا، وقرّبنا إليه زُلفى، وأصلح شأننا في الظاهر والخافي، وفرَّج كُروبنا، والأُمة أجمعين، بِسرٍّ الفاتحة إِلى حَضرة اَلنبِي ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

08 ذو القِعدة 1441

تاريخ النشر الميلادي

28 يونيو 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام