(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة المسافر ما لم يُجمع مُكثاً، وباب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ إِذَا أَجْمَعَ مُكْثاً، وباب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَاماً أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ.
فجر الإثنين 25 صفر 1442هـ
باب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثاً
402 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: أُصَلِّي صَلاَةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثاً، وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
403 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ، إِلاَّ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ، فَيُصَلِّيهَا بِصَلاَتِهِ.
باب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ إِذَا أَجْمَعَ مُكْثاً
404 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِىِّ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: مَنْ أَجْمَعَ إِقَامَةً أَرْبَعَ لَيَالٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلاَةَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيِّ.
405 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلاَةِ الأَسِيرِ؟ فَقَال:َ مِثْلُ صَلاَةِ الْمُقِيمِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُسَافِراً.
باب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَاماً أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ
406 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَ قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ.
407 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ.
408 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعاً، فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
409 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ، أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا.
الحمد لله مُكرمنا بأحكامه، و حسن بيانها على يد ولسان خير أنامه، سيدنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه أفضل صلواته و أزكى سلامه، وعلى آله وأصحابه الممتلئين بمودّتهِ ومحبّتهِ وإعظامهِ، والذين أحسنوا الإصغاء والفهم لطيّب كلامه، وعلى من سار في سبيلهم واقتدى بهم فَحَسُنَ منه الاقتداء وأحسن لإتمامه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء و المرسلين المخصوصين بأعلى منِّ الحق سبحانه وتعالى وإكرامه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنهُ أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين .
ويواصل الإمام مالك عليه -رحمة الله تبارك وتعالى- في الموطأ، ذكر الأحاديث المتعلقة بصلاة المسافر، ويذكرُ في هذا الباب بما ينقطع السفر، وقد تقدم معنا أنهُ: إذا دخل بيوت البلدة التي هي وطنه أو البلدة التي أراد أن يستوطن فيها، صار مقيمًا و انقطع السفر، وما لم يدخل، فهذا هو الأول أن يعود إلى وطنهِ وإلى مستقرّه. ويذكر في هذا الباب: إذا أجمع الإقامة في بلد غير وطنه ومستقرّه، لكن أجمع؛ أي: عزم وصمّم على الإقامة فمتى و بأي مدة يكون انقطع سفره؛ أي: إذا عزم و صمّم أن يقيم ثلاثة أيام يكون مقيمًا أو لابد من أربعة، أو لابد من اثني عشر أو لابد من خمسة عشر يوم، او إذا كان لم يزمع السفر وبقيَ منتظرًا قضاء حاجة يتوقع أن تنقضي فى أي يوم ويسافر، أيستمرّ إلى ثمانية عشر يوم في القصرِ؟ أو إلى تسعة عشر؟ أو إلى عشرين؟ و هل من فرقٍ أن يكون في الجهاد أو في غير الجهاد؟ كل هذه خلاصة أقاويل فقهاء الأمة فيما يتعلق بالقصر للمسافر. وقد تقدّم معنا القول:
فيذكر: "باب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثاً" لم يعزم و لم يصمّم على مكثٍ فى بلد، فإنه لا يزال مسافرًا، و يصلي صلاة المسافر، وروى لنا هذا الحديث عن "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: أُصَلِّي صَلاَةَ الْمُسَافِرِ" أي: قصرًا في الرباعية "مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثاً"؛ ما لم أعزم وأصمّم على الإقامة في ذلك المكان، "وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَى عَشْرَةَ لَيْلَةً"؛ أي: ما دُمت لم أنوي الإقامة ولو حبسني التأخر وانتظار الشيء إلى اثني عشرة ليلة.
يقول:"أُصَلِّي صَلاَةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثاً"؛ يعني: أعزم و أصمم على أن أمكث أو أقيم في المكان الذي أنا فيه "وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَى عَشْرَةَ لَيْلَةً".
وعلمنا بذلك اختلاف الأئمة في ما ينقطع به السفر، وسيأتي في الباب بعده ما قال ابن المسيب وهو مذهب الإمام مالك، وهو أيضًا مذهب الإمام الشافعي وهو أيضًا في قولٍ للإمام أحمد -عليه رحمة الله-، وله قولٌ آخر:
وإنما استثنوا الأقل من الأربع ليال، لما أذِنَ ﷺ للمهاجرين، والمهاجرون من مكة حَرُم عليهم الإقامة بمكة، فأذِن لهم بعد انقضاء المناسك أن يمكثوا ثلاثة أيام، فتبين أن المُكث ثلاثة أيامٍ ليس بإقامة، والعدد بعد الثلاثة هو الأربعة، فإذا تمّت الأربعة صارت إقامة، فمنعهم من الأربعة وأباح لهم دون الأربعة، فدون الأربعة أيام لا تكون إقامة، ولذلك أذن لهم أن يقيموا فيها لأن الذين هاجروا من مكة يحرم عليهم أن يقيموا فيها؛ لأنهم تركوها لأجل الله تبارك وتعالى.
وكان أحد المهاجرين يمرّ تحت داره الذي كان يسكنه قبل الهجرة فيلوي برأسه، و لا ينظر إلى داره ولا يحبّ النظر إليه وقال: ما تركناه لله فلله؛ فلا يلتفتون إليه. فأذن لهم ورخّص لهم أن يقيموا ثلاثة أيام فدلّ على أنها ليست بإقامة. ولما جاء الأمر بالنهى عن إقامة المشركين والكفار بأرض الحجاز، كان سيدنا عمر قال: في مرورهم ثلاث أيام لا يمكثوا أكثر من ثلاث أيام، فدلّ على أن الثلاثة أيام فأقل ليست بإقامة، إنما الإقامة ما زاد عن الثلاثة أيام وذلك بأن يكون أربعة أيام بلياليها.
أورد الحديث الآخر:" أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ، إِلاَّ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ، فَيُصَلِّيهَا بِصَلاَتِهِ"؛ ذلك أنه لا يجوز القصر خلف مُتمّ.
ولكن المعتمد عند الشافعية: يُشترط لجواز القصر أن لا يقتدي بمُتمٍّ ولو في جزءٍ من صلاته، فلو كبّر مؤتمًّا خلف إمامٍ مُتمّ -وهو مسافر- فلمّا أحرم خلفه سلّم الإمام، فأراد أن يقصر، يقال له: ممنوع! فإنك اقتديت بمُتِمٍّ فأتم الصلاة؛ فلابد من إتمام الصلاة، فشرط القصر: أن لا يقتديَ بمُتمٍّ و لو في جزءٍ من صلاته ولو قلّ. وهكذا يقول: إلا أن يصلي خلف الإمام فيُتِم، فإذا صلّى بأناسٍ من غير الإمام المقيم المُتِمّ.. صلّى ركعتين في الظهر والعصر والعشاء؛ سيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-.
و ذكر في: "باب صَلاَةِ الْمُسَافِرِ إِذَا أَجْمَعَ مُكْثاً" علمنا أن المسافر الذي يقصر الصلاة لابد أن يكون مبتدئًا لسفره أو مستديمًا؛ إن كان مبتدئ للسفر ما يجوز له القصر إلا بالخروج من المنطقة التي هو فيها كما تقدّم معنا في الدرس الماضي، وأما النية فقط.. فلا؛ عند الجمهور. و يروى عن بعض الصحابة: أنه يقصر في الحضر لتأهبّه للسفر. فيخرج من بيوت القرية أو يتجاوزها بأميالٍ. أما الذى هو في السفر فلا يفصل سفره ولا ينقطع سفره إلا أن يَرِد على موضع يستوطنه، ينزل فيه، وفيه بيوت، فيجب عليه الصلاة، فإذا نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر. فإذا نوى الإقامة بصحراء ليس فيها سكن، فكذلك إن نوى أربع أيام فأكثر انقطع سفره.
أما إذا قال سأجلس فى هذه القرية لكن في أثناء الجلوس سأذهب للقرية الثانية والثالثة.. طيب وهذه القرية التي ستجلس فيها خمسة أيام ستة أيام.. المسافة بينها وبين القرى التي ستذهب إليها كم؟ ثلاثة كيلومتر أربعة كيلومتر… خلاص أنت مقيم، حتى تنوي الانتقال من هذا المكان إلى مسافة قصر، إذا كان في خلال الأربعة الأيام ستنتقل إلى مسافة قصر نعم، وأما قاعد في البلاد يروح إلى القرية ويرجع، ويروح إلى القرية ويرجع.. حتى لو كل يوم يروح ما ينقطع السفر بهذا الذهاب، إنما ينقطع إذا أردت الانصراف عن مكان إقامتك إلى مسافة قصر، هنا الإقامة تنقطع ويكون السفر، وأما أنك تخرج إلى محل قريب وترجع.. فلا يديم ذلك سفرك بل إقامتك ثابتة ما دمت لا تنتقل عن الموضع الذي نويت الإقامة فيه أربعة أيام فأكثر إلى مسافة قصر، أما تخرج كل يوم وترجع، فما أنت بمسافر حتى يكون سفرك مقدار مرحلتين. وهكذا، فإذا نوى أن يقيم أربعة أيام فأكثر صار بذلك مقيمًا منقطعًا عنه رخص السفر .
وأورد لنا حديث ابن عمر في صلاته في مكة المكرمة مقصِرًا، إلا إذا اقتدى بالإمام فيتمّ معه، وعلمنا ذلك.
بخلاف الشافعية فإنهم يقولون بصحة القضاء خلف الأداء والأداء خلف القضاء.
يقول: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: مَنْ أَجْمَعَ إِقَامَةً أَرْبَعَ لَيَالٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلاَةَ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيِّ." فهو على القول أنه ينقطع السفر بنية الإقامة ثلاثة أيام هذا مذهب مالك و الشافعي -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- ومذهب أبى حنيفة و سفيان الثوري: أنه خمسة عشر يومًا، فإذا نوى أكثر من إقامة خمسة عشر يومًا أتمّ الصلاة. وأوردوا حديث ابن عباس قال: أقام رسول الله ﷺ بمكة خمسة عشر يومًا، يصلي ركعتين، وأقام بعد الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة حتى صار إلى حنين. ومن هنا جاء الخلاف فى المجاهد وغيره؛ لأنه كان فى وقت الجهاد، والمعلوم أن رسول الله ﷺ لا يقيم بمكة؛ أي: لم ينوِ الإقامة، إنما كان جالسًا لمراعاة شأن تسيير الجهاد وإقامة الحال بمكة بعد فتحها، ولأنه يحرم على المهاجر من مكة أن يقيم بمكة وهو سيد المهاجرين ﷺ، وأكرم من هاجر، فلم يكن ليُقيم بمكة المكرمة، فما كانت الخمسة عشر والتي رُوي فيها: سبعة عشر، ورُويَ: ثمانية عشر، ورُويَ: أنها تسعة عشر، ورُويَ: أنها عشرين؛ لترتيب شؤون الجهاد واستقرار الحال بمكة وإقامته، فهو كان مشتغلًا بذلك ومرتبًا له عليه الصلاة والسلام حتى خرج من مكة.
والمعتمد: أنه في حدود ثمانية عشر يوم فقط، وهي الأيام التي أقامها ﷺ بمكة في إصلاح شأن الجهاد و ترتيبه بعد فتح مكة إلى أن خرج إلى حنين صلوات ربى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.
فأخذ أن أقلّ ما ورد في إقامته في مكة بعد الفتح خمسة عشر ليلة وأخذ به الحنفية في أنه هو مدة السفر. و قال الآخرون: إنما كان ذلك منه لأنه كان يتوقع الانطلاق فى أي يوم بعد أن يتمّ الأمر ويقضي ما يلزمه في إقامة الأمر بمكة و ينظر فيما حواليها من القبائل الذين لا زالوا على الكفر والمحاربين وكيف يواجههم ويرتب أمرهم ﷺ، فحدث عن ذلك غزوة حنين وغزوة الطائف، وعاد بعد ذلك واعتمر ولم يشعر به عامّة الصحابة أنه اعتمر من الجعرانة عندما جاء من الطائف، فدخل إلى مكة في الليل فأتمّ عمرته ثم عاد فقسّم الغنائم ومشى للمدينة المنورة ﷺ.
"قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيِّ." أي: أنه ينقطع السفر بنية الإقامة أربعة أيام.
وعن "عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَ قَدِمَ مَكَّةَ" أي: في الرباعية صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ." أي: مسافرون، السفر: جمع مسافر، كالركب: جمع راكب. وإنما قال سيدنا عمر هذا اقتداءً به ﷺ، فقد صحّ عنه فى الحديث أنه أيام كان بمكة يقصر إذا سلّم ﷺ يقول: "أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ" يعني: نحن نقصر من أجل السفر وأنتم يا أهل البلدة أتمّوا، فوجب عليهم الإتمام بالإجماع بالاتفاق.
"عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعاً"، من أجل الاقتداء بالمقيم بالمتمّ، فلابد أن يتم. يقول الإمام مالك وأصحابه: أن المسافر إذا اقتدى بمُتمّ، إذا لم يدرك معه ركعة تامة جازَ له القصر، هذا مذهب مالك وأصحابه،
و هكذا يقول الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والثوري: أنه إذا أدرك أو أحرم خلف الإمام المُتمّ وجب عليه الاتمام ولو أدركه في آخر الصلاة وفي التشهد. أما اقتداء وائتمام المقيم بالمسافر فمُجمَع عليه؛ ما فيه خلاف.. إذا سلّم الإمام يقوم هو يكمل الركعتين الباقية.
وهكذا جاء فى مسند الإمام أحمد: ما بال المسافر يصلّي ركعتين إذا انفرد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ -لما سُئل بن عباس-، فقال لموسى بن سالم: "تلك السنة، إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم ﷺ. فإن صلى لنفسه صلى ركعتين.
"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ"، لكونه مسافر "ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا." وهكذا:
ولكن لا كراهة أكيدة كما هو عند غيرهم من الأئمة لا إشكال في ذلك أصلًا، ومن هنا قدّم المالكية المقيم في الإمامة؛ المقيم الذى لا يقصر، ولا يستحبّون إمامة المسافر الذي يقصر وعند غيرهم لا إشكال في ذلك. وقد سمعت ذلك من فعله ﷺ وفعل سيدنا عمر بن الخطاب وقوله لأهل مكة: "أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، و الله أعلم.
رزقنا الله الإنابَة والخشية والاستقامة، وأتحفَنا بالكرامة، وفقّهنا في الدين، وعلّمنا التأويل، وهدانا إلى سواء السبيل، و كشف كرباتنا وكربات الأمة، ودَفع كل غمّة، وألهم الرشد، وتمّم السُّعد وبلّغ الأماني والقصد في عافية، وأصلح شؤوننا الظاهرة والخافية، وفرّج كروب المسلمين أجمعين بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
29 صفَر 1442