(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجمعة، باب العمل في غُسْلِ يوم الجُمُعةِ.
فجر السبت 24 محرم 1442هـ.
باب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
268 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ".
الحمدُ لله مُكْرِمِنا بشريعَتِه الغرَّاء، وبيَّانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكُبَراء، ومَنْ سار في سبيلهم فأحسن السيرَ، وعلى آبائه وإخوانه مِنَ الأنبياء والمُرسَلين، مَنْ جعلهم الله -تبارك وتعالى- قُدوة للعِباد، وجعلهم مُستندًا وذُخرًا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقرَّبين، وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنَّه أكرم الأكرَمين وأرحم الرَّاحمين.
ويقول الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- في موطئه: "كِتَابُ الْجُمُعَةِ". وتقدَّم معنا أنَّ الأفصح فيها ضم الجيم والميم؛ الْجُمُعَةِ، وعليه القراءة المشهورة: (..إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّه..) [الجمعة:9]. ويأتي أيضًا فيها الْجُمَعة؛ بضم الجيم وفتح الميم، ويأتي فيها إسكان الميم أيضًا: الْجُمْعَة. فتُفتح الميم، وتُضمّ، وتُسكَّن، وجاءت بعض القراءات الشواذ بشيءٍ مِنْ ذلك. وسُمِّي يوم الْجُمُعَةِ؛ لأنَّ الله جمَعَ فيه خَلْق أبينا آدم -عليه السَّلام-. وقد كان مِن أجداده ﷺ كعب بن لؤي يجتمع إليه قريشٌ في دار الندوة في هذا اليوم. وإنْ كان مشهورًا عندهم بيوم العُروبة. فقيل أنَّه إنَّما سُمي بيوم الْجُمُعَةِ في الإسلام، والأصح في سبب تسميته أنَّه ما جاء في الأثر: أنَّه جُمع فيه خَلْقُ أبينا آدم -عليه السلام-. يوم الْجُمُعَةِ، سيِّد الأيَّام في الأسبوع. وفي الحديث: "خيرُ يومٍ طلعت فيهِ الشَّمسُ يومُ الجمعةِ".
حتَّى ذُكِرَ عن الإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تعالى- أنَّ يوم الْجُمُعَةِ أشرف الأيَّام على الإطلاق حتَّى مِنْ يوم عرفة إنْ لم يكن جُمُعَةِ، إنْ لم يُصادف يوم الْجُمُعَةِ، وأخذ بظاهر الحديث: "خيرُ يومٍ طلعت فيهِ الشَّمسُ، يومُ الْجُمُعَةِ". وهو يوم المَزيد؛ الذي في مُقابلته مِن أوقات الجنَّة التي (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان:13]، فتقوم علاماتٌ لهم على مُقابلة هذا الوقت لِنَهارٍ كان عندهم أيَّام كانوا على ظَهْر الأرض في الدُنيا، ولليلٍ وليوم كذا وليوم كذا، فتبقى هذه الأيَّام. ورُبما أُخِذ مِنْ هذا أنَّه تبقى لديهم علامات الأشهر والسَّنوات أيضًا، يعلمون أنَّ هذا الوقت كان يُقابل لو أنَّ الله تعالى أبقى الأرض على حالها، وطُلوع الشَّمس والقمر فيها على حالهما، لكان هذا يُصادف يوم كذا ولكان هذا يُصادف يوم كذا.. ومِنَ المعلوم أنَّ الشَّمس قد كورت، والقمر قد خُسف، وأنَّهما يُدعيان لمكان مَنْ كان يعبِدُهما مِنْ دون الله، فيتقدَّمانهم إلى النَّار -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ويَرميان معهُما بمَنْ عبدهُما مِن دون الله إلى النَّار. فما جاءنا في الأخبار عنه ﷺ يُشير إلى أنَّه يبقى علامات لأهل الجنَّة في مُقابلة هذا الوقت لو أنَّ الأرض بقيت على هيئتها، والشَّمس والقمر لكان هذا يوم كذا، وهذه السَّاعة في وقت كذا، وهذه السَّاعة في وقت كذا.. فيعرفون ذلك وهم في الجنَّة. وبذلك يعرفون الفضائل والمزيد؛ ومِنه أنَّ أدنى أهل الجنَّة مَنزلة مَنْ يؤذن له بالنَّظر إلى وجه الله في كُلّ جُمُعَةِ، وأعلاهم مَنْ يؤذن له في كُلّ بكرة وفي كُلّ عشية.
يأتي لنا كِتَابُ الْجُمُعَةِ فيبدأ بـ"باب العمل في غُسْلِ يوم الْجُمُعَةِ"، ويورد لنا حديث أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ"؛ فهذا الغُسْلَ المطلوب مِنْ كُلّ مُسلم.
ويقول لنا: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.." فعرِفنا أنَّ المَشهور عند الأئمة لصلاتها؛ لأجل صلاة الْجُمُعَةِ. وكان يذكُر بعض أهل العِلم أنَّه هناك ثلاثة أغسال يُمكن أنْ تجتمع في يوم الْجُمُعَةِ:
فينبغي أنْ ينوي هذا كُلّه فيُحصِّل كُلّه؛ يُحصِّل غُسْلَ يوم الْجُمُعَةِ على مِنْ قال بسُنِّية غُسْلَ ليوم الْجُمُعَةِ، والغُسْلَ لحضور الْجُمُعَةِ؛ لأنه حاضرها، والغُسْلَ لكُلّ أسبوع؛ لأنَّه مرَّ عليه أسبوع. ويستقل بعد ذلك مَنْ لم يكُن في موطنه جُمُعة؛ فيغتسل لأجل الأسبوع أو لشرف يوم الْجُمُعَةِ.
يقول: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ"؛ أيّ مثل غُسْلَ الْجَنَابَةِ في استيعاب جميع البَدن بالماء، والانتباه مِنَ المعاطف وما إلى ذلك؛ أيّ: غُسْلَ كغُسْلَ الْجَنَابَةِ. "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ"؛ والمعنى كما جاء في بعض الرِوايات: "كمثل غُسْلَه مِنَ الْجَنَابَةِ". يقول التشبيه به إذًا في الكيفية لا في الحُكم، وحمَلَهُ بعض أهل العلم على أنَّه بالنِسبة للمُتأهل -المُتزوج- أنْ يكون تَسبّب في وجوب الغُسْلَ عليه وعلى أهله، لرواية أيضًا "مَنْ غُسِّلَ، واغْتَسَلَ". فيكون المعنى في "غُسْلَ الْجَنَابَةِ"؛ في الحكم، وجاء ذلك في بعض الروايات. وحمَلوا عليه معنى: "غَسَّلَ". وحمل آخرون معنى "غَسَّلَ" على تغسيل ثيابه وتنقيتها لأجل يوم الْجُمُعَةِ "مَنْ غَسَّلَ، واغْتَسَلَ". و ذكروا عن الإمام النووي تضعيف هذا القول، واستدراك الحافظ بأنَّ ابن قُدامه حكاه عن أحمد وأنَّه رُويَ عن جماعة مِنَ التَّابعين وأنَّ المُراد به غسل الجنابة في الحُكم.
يقول: لو اغْتَسَلَ الجُنُب بنيَّة غُسْلِ الْجَنَابَةِ والْجُمُعَةِ معًا، يُجزئه أو لا؟
يُجزئه عند الأئمة، إلا في قول عند مالك أنَّه لا يُجزئه عن واحدٍ مِنْهُما؛ ولكن ذكروا في المُدوَّنة للإمام مالك: أنَّه صرَّح بأنَّه يُجزئه الغُسْلَ الواحد عن الْجَنَابَةِ وعن حضور الْجُمُعَةِ. ولكن حملوا قوله: أنَّه لا يُجزئه على مَنْ لم ينوِ، على من اغتسل فنوى رفع الْجَنَابَةِ ولم ينوي الغُسْلَ لأجل الْجُمُعَةِ، فلا يُجزئه ذلك، ولكن إذا نوى هذا وهذا حصل بغُسْلٍ واحد رفع الْجَنَابَةِ وفضيلة الاغتسال لحُضور الْجُمُعَةِ.
قال: هذا هو الحُكم وهو: مُستحبٌ مندوبٌ عند عامة الأئمة، وقيل بوجوب ذلك. إلا أنَّ محل الإجزاء عند الإمام مالك كما سَمعْت، وكما صرَّح به في الموطأ: إنْ كان اغتساله، كان عند رواحِهِ للجُمُعَةِ؛ فيُجزئه عن الْجَنَابَةِ وعن الْجُمُعَةِ. وقد صرّح أنَّه: إنْ أبطأ ولم يكُن وقت ذهابه إلى الْجُمُعَةِ، فلا يُجزئه عن الْجُمُعَةِ، فعنده غُسْلَ الْجُمُعَةِ، إنَّما يكون عند الذهاب إلى الْجُمُعَةِ، هذا يتحدّث عن وقت الغُسْلَ.
عَلِمْنا قول الجُمهور: بأنَّه سُنَّة. وكذلك عَلِمْنا أنَّ وقته يدخل مِنْ صلاة الفَجر عند الشََّافعية. والأفضل: أنْ يكون عند الرواح. وفي قولٍ عندهم: كالعيد مِنْ مُنتصف اللَّيل؛ إذا انتصف اللَّيل دخل وقت غُسْلَ الْجُمُعَةِ، كما هو في العيد. والمُعتمد غير ذلك وفرَّقوا بينه وبين العيد أنَّه كان يأتي لحضور صلاة العيد مَن حوالي المدينة المُنورة، فكانوا يأتون مِنْ مسافات مِنْ العوالي والقُرى نحو المدينة، ورسول الله ﷺ يُصلي العيد أوَّل الوقت بعد ارتفاع الشَّمس، فما يُمكنُهم أنْ يغتسلوا بعد الفَجر ثُمَّ يُدركوا العيد معه ﷺ؛ فأذِنَ لهم أن يغتسلوا قبل الفَجر، ويمشون مِنْ أجل إدراك صلاة العيد مع زين الوجود ﷺ.
وعَلِمْنا مذهب الإمام مالك أنَّه لا يُجزئ الغُسْلَ عن الْجُمُعَةِ إلا عند الذهاب؛ عند الرواح. فإنْ قَدّمَ فلا، كما قرأناه في نصِّه في الموطأ. قال: "ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى"؛
ويُروى في رواية: أنَّها سِتُ ساعات. وزاد بعدها الكبش الأقرن الدجاجة، وبعد الدجاجة العُصفور، ثُمَّ البيضة. فرَّق بين الدجاجة والعُصفور في ثواب مّنْ تقرَّب بشيء مِنْ ذلك. والمشهور في الرواية والحديث أنَّها خَمْس ساعات.
يجلس الملائكة في كُلّ مكان تُصلي فيه الْجُمُعَةِ، أو لغير الحفظة الذين يمشون مع إلانسان غير رقيب وعتيد، ملائكة خاصين بيوم الْجُمُعَةِ، يأتون إلى كُلّ مكان تُصلي فيه الْجُمُعَةِ مِنَ الفَجر، فيكتبون الداخل للجُمُعَةِ الأوَّل فالأوَّل، إلى أنْ يصعد الخطيب على المِنْبَر، فتجتمع الملائكة -هؤلاء الكتبة الذين يُخصَّصون بيوم الْجُمُعَةِ- حوالي المِنْبَر، يستمعون الذكر. وفيه تعظيم الخُطبة حتَّى مِنْ قِبَل الملائكة، فيستمِعون. وهذا آدمي، والخطيب يخطب، ولا زال مُتأخِّر في طريقه أو في بيتُه! فيستمعون الذكر هؤلاء الملائكة، فلا يطلع في صحائفهم مِنْ جاء بعد صعود الخطيب على المِنْبَر، وإن كان يكتب وقت ساعته مِنْ قِبَل حفظته، ومِنْ قِبَل رقيب وعتيد، ولكن عند هؤلاء الملائكة الخاصين بالْجُمُعَةِ، ما يطلع في أسمائهم؛ لأنَّه جاء بعد صعود الخطيب على المِنْبَر. فإذا صعد الخطيب المِنْبَر، وأذَّن المُؤذِّن؛ اجتمعوا حول المِنْبَر، طووا صُحُفَهم، واجتمعوا حول المِنْبَر.
فتُجزَّأ هذه السَّاعات إلى خَمْسة أجزاء متساوية: فالجزء الأوَّل، يُقال له السَّاعة الأولى، والجزء الثَّاني يُقال له السَّاعة الثاَّنية، وهكذا. والذي جعلها مِنْ ارتفاع الشَّمس أو تعالي النَّهار، فجعلوا ما كان أيضًا بالتَّوقيت، الغروب ساعة واحدة، اثنتين، ثلاثة، فإنَّه في الغالب تُقام صلاة الْجُمُعَةِ في السَّاعة السادسة مِنَ السَّاعات الغروبية الزوالية. فعدّوا نفس السّاعات هذه، نفسها السَّاعات الزمانية: الواحدة، والثَّانية، والثَّالثة، والرَّابعة، إلى وقت الزوال.. فيكون الزوال غالب أيَّام السَّنة في أثناء السَّاعة السَّادسة؛ فحملوها عليها.
"ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى"، ومِنْ قوله راح، أخذ المالكية أنَّ الرَواح: إنَّما يكون مع الزوال أو قُرب الزوال، ما يكون رواح قبل الزوال، هذا غُدوّ؛ ما كان قبل الزوال غُدو. ولكن جاء في بعض الروايات: "ثُمَّ غدا إلى الْجُمُعَةِ ". ولفظ الرواح ثابت في رواية الإمام مالك، وقال بعضهم: لم يطَّلع عليه إلا في رواية الإمام مالك. وعلى كُلّ حال فالروايات متعددة، وبلفظ راح وبلفظ غدا.. ومِنَ المعلوم أيضًا في اللُغة عندنا، أنَّه يُستعمل راح؛ ذهب في أيّ ساعة مِنْ ليل أو نهار، في أول اللَّيل أو أول النَّهار يقولون راح. فاللغة فيه واسعة، والروايات فيه مُتعددة.
إذًا، يقول الإمام مالك: المُراد في السَّاعات أنَّها لحظاتٌ لطيفة بعد زوال الشَّمس إلى وقت صعود الخطيب المِنْبَر. وهؤلاء الملائكة المَخصوصون، يستمرون مِنَ الصُّبح، أو مِنْ طُلوع الشَّمس، أو مِنْ حين الزوال على الأقوال، إلى صُعود الخطيب على المِنْبَر؛ فيجتمعون عند النداء الذي بين يديّ الخطيب نحو المِنَْبر يستمعون الخطبة. إذًا، فابتداء السَّاعات على هذه الأقوال: مِنْ طُلوع الفَجر، أو مِنْ تعالي النَّهار، أو مِنَ إلاشراق، أو مِنَ الزوال. فتجمَّعت في بداية الوقت أربعة أقوال.
ويقول بعض المشايخ: أنَّ اختيار ارتفاع النَّهار، لاختلاف الروايات، واختلاف أقوال الأئمة، وفي ارتفاع النَّهار خروج مِنْ خلاف الإمام مالك وبعض الإشكالات التي وردت على اختيار القول بالزوال؛ لأنَّه جاء في بعض الروايات أنَّه يجلس ﷺ على المِنْبَر مع الزوال. يخرج مع الزوال، فما يبقى وقت، أين السَّاعات؟ كيف تُحسب؟ فبذلك رجَّح بعضُهم أنَّه مِنْ حين أنْ يتعالى النَّهار. ومِنَ الذي أُثر، أنَّ مِنْ أوِّل البِدَع التي حدثت في الأُمَّة: ترك التبكير إلى الْجُمُعَةِ.. ترك التبكير إلى الْجُمُعَةِ.
"فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً"؛ تصدَّق ببدَنَة، وأخرجَها في سبيل الله -تبارك وتعالى-؛ يعني: أنَّ له ثواب عظيم. وبيَّن النِسب بين السَّاعات، كالنِسب بين البَدَنة والبقرة والكبش الأقرن ثُمَّ الدجاجة ثُمَّ البيضة، فبينها نِسب، فكذلك في الفضل بين هذه السَّاعات كالنسبة والفرق بين هذا وهذا. "وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ"؛ لأنَّه أكمل وأحسن صورة؛ لأنَّ قرنَه يُنتفع به؛ يعني: ذو قرنين. "وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً" واحدة البيض؛ يعني: تصدَّق بذلك. فبَانَ الفرق بين هذا وهذا وهذا. وجاء في بعض الروايات: أهدى "فكأنَّما أهدى..".
قال: "فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"؛ يعني: حضروا إلى المِنْبَر يستمعون الذِّكر؛ يعني: خُطبة الْجُمُعَةِ، (..فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..) [الجمعة:9]. إذًا، هؤلاء ملائكة مخصوصين بكتابة أهل الْجُمُعَةِ في أماكن إقامة الْجُمُعَةِ. ويُقال أنَّ القُرب في ساحة النَّظر إلى وجه الله -تبارك وتعالى- في الجنَّة على قدّر التبكير إلى الْجُمُعَةِ.
جعلنا الله مِنْ مُعَظِّمي الشَّعائر، ومُقتَفي الآثار للنَّبي الطَّاهر، وأصلح لنا كُلّ باطنٍ وظاهر، ورزقنا الاستِنان بسُنَّة مُصطفاه ﷺ، وتولانا به في كُلّ قول وفعل ونيَّةٍ ومقصد، ظاهرًا وباطنًا. بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي مُحمَّد ﷺ.
26 مُحرَّم 1442