(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، باب إتمامُ المُصلّي ما ذَكَرَ إذا شكَّ في صلاتِه.
فجر الأحد 18 محرم 1442هـ.
باب إِتْمَامِ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إِذَا شَكَّ فِي صَلاَتِهِ
254 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعاً، فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً، شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ".
255 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَتَوَخَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلاَتِهِ فَلْيُصَلِّهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ.
256 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَعْبَ الأَحْبَارِ عَنِ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلاَتِهِ، فَلاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعًا؟ فَكِلاَهُمَا قَالَ: لِيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
257 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ النِّسْيَانِ فِي الصَّلاَةِ قَالَ: لِيَتَوَخَّ أَحَدُكُمُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلاَتِهِ فَلْيُصَلِّهِ.
الحمد لله مُكرمنا بأحكام دينه، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته وأمينه، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه، وعلى آله وأصحابه، وأهل ولائه ومحبته واتِّباعه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم وأتباعهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يقول الإمام مالك عليه رحمة الله تبارك وتعالى في موطَّئِهِ: "باب إِتْمَامِ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إِذَا شَكَّ فِي صَلاَتِهِ" ويروي "عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ" فيكون هذا مُرسل، و لكن جاء برواياتٍ عديدة مُسند عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تبارك وتعالى عنه- كما جاء في صحيح الإمام مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه فيروي زيد بن أَسْلَمَ عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري الصحابي "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعاً"
فحذَّر ﷺ من أن يسترسل أحَدُنا وراء الأفكار التي يُلقيها له الشيطان في الصلاة حتى لا يدري كم صلّى، ويقول: إنَّ الشيطان يُدْبِرُ عند الأذان وعند الإقامة ثمَّ يأتي لأجل أن يوسوس للمصلِّي و يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا.. حتّى لا يدري الرجل كم صلّى؛ فهذا نَقصٌ وضعفٌ في الصلاة قد ينشأ عنه أنَّه لا يدري كم صلى.
أما الذين تتزاحم على أذهانهم وأفكارهم عظيم معاني ما هم فيه، فقد يغفل عن عدد الركعات فشأنُهُم شريفٌ وكريمٌ، ولكن في هذه الأحاديث بيان الحكم في المسألة إذا شكَّ المصلّي وهو يصلّي كم صلّى.
وحملوا الشّّكَّ على أصْلِه في الاصطلاح وهو: استواء الطرفين؛ تجويز أمرين مع استواء الطرفين في التجويز، فهذا شك، فإذا ترجَّح أحدُ الطرفين: فالراجح يكون ظن، والمرجوح يكون وهمًا. ولم يفرِّق بين ذلك الشافعيّة والمالكيّة وقالوا: إذا طرأ الشَّكُّ عليه فليطرح الشَّك وليعمل باليقين؛ فإنَّ اليقين لا يُزال بالشّك، وهكذا الشَّكُّ في النقصانِ كَتَحَقُّقِهْ في قواعدهم اللغوية، الشَّكُّ في النقصانِ كَتَحَقُّقِهْ كأنَّه تحقَّق النُّقصان؛ لأنَّ الأصل العدم، فإذا شكَّ سواءً كان بِظَنٍّ أو بِوَهْمٍ أو باستواء الطرفين بالشَّك الخَالص، فعليه عند المالكيّة والشافعيّة أن يزيد ركعةً ثمَّ يسجد سجدتي السهو.
وقال الحنفيّة: إنْ كان مبتدئًا بالشكِّ فيستأنف الصلاة، وإن كان يعاوده الشَّكُّ من وقت لآخر فليتحرّى وينظر ما غَلبَ على ظنِّه ويعمل، فإن لم يتبين له شيءٌ وبقي على الشَّكِّ لم يرجِّح أحد الطرفين فَلْيَبنِ على اليقين وهو الأقل. ورأى الحنفيّة أنَّهم بذلك جمعوا بين الروايات:
عَلِمنا مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي: أنَّه مطلقًا يذهبُ إلى البناء على اليقين وهو الأقل ويزيد ركعة ثمَّ يسجد للسهو. وجاءت الروايات عن الإمام أحمد عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
إذن، عَلِمْنا قول مالك والشافعي في البناء على اليقين، لا يُجزئُه التحرّي، وهكذا جاء عن بعض أهل العلم، ولِمَا جاء في حديث أبي سعيد الخدري: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعاً، فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً"، فَلْيُصلّي ركعة فويبني على الأقل وهو اليقين فيبني عليه؛ وذلك لأنَّ اليقين لا يُزيلَهُ الشَّكْ، ولأن الشَّكَّ في النقصان كَتَحَقُّقِه.
وعَلِمنا قول أبو حنيفة:
واختلفت الروايات عن الإمام أحمد عليه رضوان الله تبارك وتعالى:
وبعد ذلك، في هذه المسألة أيضًا يقول الإمام أحمد :
وهذا يوافق فيما قبل السَّلام وبعد السَّلام مذهب الإمام مالك والشافعي القَائِلَيْنِ بالبناء على اليقين، وحينئذٍ فسجدة السهو قبل السَّلام، ويوافق مذهب الإمام أبي حنيفة فيما قال: أنَّه يتحرّى وعنده إذا تحرّى فالسجدة عنده بعد السَّلام كما هي مطلقًا كما تقدَّم معنا أنَّ سجدتي السهو:
فبذلك قال الإمام أحمد: إن أخذ باليقين فيسجد قبل السَّلام، وإن أخذ بالتحرّي فيسجد بعد السَّلام، موافقةً لِمَنْ قال بالتحرّي ولِمَنْ قال بالأخذِ باليقين؛ وهما الإمام مالك والإمام الشافعي قال: وأن يأخذ باليقين وهو الأقل.
فيذكُر لنا هذا الحديث أنَّه ﷺ قال: "إِذَا شَكَّ" تردَّد فيفسره الحنفيّة: إذا تردَّد من غير رُجحَانٍ استوى عنده الطرفان، فيعملون بهذا الحديث الذي أخذ به الإمام مالك والإمام الشافعي، يقول: "فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعاً، فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً"؛ يعني: يزيد ركعة حتى يتيقن أنَّه أدَّى الصلاة كاملة وليسجد سجدتين للسهو.
وجاء أيضًا في رواية: "إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فلْيُلْقِ الشكَّ، ولْيَبنِ على اليقينِ، فإذا استيقنَ التَّمامَ سجد سجدتَينِ"، ويقول أيضًا الحنفيّة: أنَّ سجدة السهو إذا حصل مقتضاها واجبة، فيجب أن يسجد للسهو، وأخذوا بمثل ظاهر الحديث "فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ" فأخذوا فيه وجوب سجدة السهو، وقال الجمهور: هي سنّة؛ إن عَمِلها أدرك الثواب وإلا صحَّت صلاته وفاته الثواب ووقع في صلاته نقص. قال "وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ" فنَصَّ على أنَّ سجدة السهو قبل التسليم وبهذا أخذ الإمام أحمد في مَنْ بنى على اليقين كما هو في الحديث: "فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ".
قال: "فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى" بعد الشَّك "خَامِسَةً،" إنْ كان صلَّى أربعًا وهو شكَّ في ذلك، فاحتاط فصلَّى ركعةً فصارت الخامسة "شَفَعَهَا" أي: صَيَّرَها شَفَعًا اثنتين اثنتين، كيف؟ يقول: بأنَّ صلاة الظهر والعصر والعشاء والصبح شَفِعْ، فإذا صلَّى الصبح ثلاثًا أو صلَّى الظهر خمسًا أو العصر أو العشاء خمسًا صارت وِتر، وهي آتية في الوضع الشرعي بالشَّفِعْ، يقول: فإن صادف أنَّها خمس أو ثلاث في الصبح شَفَعَها، أي صَيَّرها شَفع "بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ"، سَجدَتي السهو جعلتها كأنَّها ركعة؛ فصارت شفعًا لموافقة الأصل في وضع الصلاة أنَّ الظهر والعصر والعشاء والصبح شفعًا، فهو بوجود السَّجدتين مع هذه الخامسة فكأنَّه صلَّى سِتًا والسِتُّ شَفْع، أو في الصبح فكأنَّه صلَّى أربعًا والأربع أيضًا شَفْع، قال: "شَفَعَهَا"؛ أي: صَيَّرَها شفعًا "بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ"، يعني: لو لم يسجد للسهو كانت الخامسة لا تناسب أصل المشروعيَّة؛ وهي أنَّ الصلاة شَفْع.
كذلك في المغرب، إذا شكَّ فالمغرب وِتر، فإذا شكَّ زاد ركعةً؛ فإن صادفت أنَّها الرابعة فالسجدتين تجعلها وترًا؛ تجعلها خامسة، فيطابق أصل المشروعيَّة بواسطة هاتين السجدتين، "وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً" هي أصلًا رابعة ما كانت خامسة، كانت رابعة في حقيقة الأمر؛ فالسجدتان "تَرْغِيمٌ" إغاظة وإذلال للشيطان "تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ"، أنت تريد تُدخل علينا الشك في الصلاة؟! سنسجد لربنا سجدتين على رغم أنفك يا مَن أبيت السجود لأمر الله تعالى واستحققت بذلك العذاب واللعنة إلى يوم الدين، فأنا سأسجد لهذا الرَّب على رغم أنفك، فيكون نتيجة جهده إذا كان السهو ناشئ عن محاولة الشيطان أن يُغفِل المصلّي، نتيجته أنَّ المصلّي زاد سجدتين للربِّ على رغم أنف هذا الماكر المُتربِّص. قال: "فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ" إغاظة وإذلال للشيطان؛ لأنَّه تَكَلَّف في التَّلبيس فَأَضَلَّ الله سعيه، جعل وسوسته سببًا للتقريب لسجدةٍ استَحَقَّ اللَّعين بتركها الطرد من رحمة الله -والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وعنده أورد هذا الحديث الإمام مالك من أجل الاستدلال على مسألة الشك في الصلاة مع مخالفة الرواية لمذهبه في أنَّ السجود عنده بعد السَّلام، و سجوده هنا كما نصَّ عليه قبل السَّلام خلافًا لمذهب الإمام مالك كمذهب أبي حنيفة أنَّ سجود السهو إنَّما يكون بعد السَّلام كما تقدم معنا.
إذن، من دخل عليه الشَّكُّ ولم يَدْرِ زاد أم نقص فليسجد للسهو. قال بعض أهل العلم: ليس عليه إلا ذلك، وليس عليه أن يتحرَّى ولا يبني على اليقين، بل يسجد فقط سجدتين للسهو وهذا قولٌ ضعيف. كذلك أضعف منه ما جاء أنَّه إذا طرأ عليه الشَّكُّ أعاد الصلاة من دون أن يبني على اليقين ولايتحرّى ولكن يعيد الصلاة، خلاص تبطل صلاته وهذا أضعف الأقوال.
وبعد ذلك علمنا قول الحنفيّة بالتوخِّي، وقول الشافعية والمالكية بالبناء على اليقين؛ وهو الأقل ويزيد ركعة سواءً كان استوى الطرفان عنده أو ترجَّح أحدهما، فيبني على اليقين وهو الأقل.
فهذه الرواية عن الإمام أحمد بن حنبل، رواية في التحرّي ورواية كمالك والشافعي في البناء على اليقين. والرواية التي عليها المشهور في مذهبه -عليه ظاهر مذهبه- أنَّه: إن كان منفردًا فليبني على اليقين، وإن كان إمامًا فليتحرّى، فأخذه منه ﷺ لمَّا كلمه ذو اليدين تحرّى وسأل الصحابة، أحق ما يقول ذي اليدين؟ ثمَّ بنى على ذلك.
وعلمنا قول الحنفيّة أنَّه: إن كان ذلك أول ما لَقي وأنَّه نادر أن يشكَّ في الصلاة فتبطل صلاته ويستقبلها من جديد، وإن كان يطرأ عليه الشَّك من وقت لآخر فليتوخَّى، فإن رجَّح أحد الطرفين عمل به وإلا بنى على اليقين وهو الأقل.
ثمَّ عندهم تجب سجدة السهو كما علمنا، يجب السجود للسهو عند الحنفيّة كما علمنا. فهذا الحكم في المسألة، وفي الحديث يقول: "إذا شكّ أحدكم في صلاته، فليتحرَّ الصواب فليُتمَّ عليه"، جاء أيضًا في الصحيحين وهو دليل الحنفيّة فيمن يطرأ عليه الشَّك.
وذكر لنا حديث: "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَتَوَخَّ"؛ يعني: يتحرّى "الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلاَتِهِ فَلْيُصَلِّهِ،" يعني: يَبْني على اليقين وهو الأقل "ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ".
وأورد لنا حديث: "عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَعْبَ الأَحْبَارِ" كعب الأحبار: جمع حَبْرٍ، يُقال بكسر الحاء وبفتحها: حَبْرٌ وحِبْرٌ بمعنى العالِم، كعب الأحبار: يعني ملجأ العلماء، فيُقال للعالِم: حَبر، وكعب الأحبار يعني: الملجأ لهم والمرجع، وكعب بن ماتع أسلم في زمن سيدنا عمر بن الخطاب، كان من علماء اليهود، ومات سنة اثنين وثلاثين في خلافة سيدنا عثمان، وعمره وقد جاوز المئة، فهو أدرك زمن النبي لكنّه لم يدركه ولم يَرَهُ وأسلم في عهد سيدنا عمر بن الخطاب -كعب الأحبار-، وكان من حُفَّاظ التوراة من علماء اليهود ومن كبار علمائهم. "عَنِ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلاَتِهِ، فَلاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعاً ؟ فَكِلاَهُمَا" يعني: الذين سألهما؛ كعب الأحبار وعمرو بن العاص " فَكِلاَهُمَا قَالَ: لِيُصَلِّي رَكْعَةً" يعني: يَبْني على اليقين وهو الأقل، "ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ" للسهو "وَهُوَ جَالِسٌ." إذن، فهذا مذهب عبد الله بن عَمرو وكعب الأحبار.
ويروى عن عبد الله بن عمرو: أنَّ مَنْ شَكَّ في ركعة وهو مُبتدأ بالشَّكِّ لامُبتلى بِهِ، أعاد، و هذا يوافق مذهب الحنفيّة في الرواية التي ذكرها الشوكاني في (نيل الأوطار): أنَّه ذهب -يعني عبد الله بن عَمرو- إلى أنَّ مَن شَكَّ في ركعة وهو مبتدأ بالشَّك لامبتلى به أعاد.
ويروي أيضًا لنا: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ النِّسْيَانِ فِي الصَّلاَةِ قَالَ : لِيَتَوَخَّ" -أي ليتحرَّى- "أَحَدُكُمُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلاَتِهِ فَلْيُصَلِّهِ." يعني: يبني على اليقين، كما هو مذهب مالك والشافعي، ليَتَيقَنْ أنَّه أَتَمَّ الصلاة. وهكذا جاءنا بعض البيان في مذاهب الأئمة فيما يتعلق بمن سهى في صلاته، وما يتعلق باحتياطه وهو: البناء على الأقل أو بتوخّيه والمشي على ما يَغلُب عليه الظَّنْ.
رزقنا الله إقام الصلاة على الوجه الأحسن، وجعلنا مِمن تخشع قلوبهم وتَحضُر معه، وهو عالم السرِّ والعَلن، وتولّانا بما تولى به أهل الفِطَنْ، ممن صدق معه، وأقبل بالكُليّة عليه، وقُبِلَ لديه في عافية بِسِرِّ الفاتحة وإلى حضرة النبي ﷺ.
21 مُحرَّم 1442