شرح الموطأ - 482 - كتاب القدر: باب جامِعِ ما جاء في أهْلِ القَدَر
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب القدر، باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ.
فجر الثلاثاء 3 جمادى الآخرة 1444هـ.
باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ
2644 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا".
2645 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ، مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: سَمِعْتُ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ.
2646 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي، الَّذِي لاَ يَعْجَلُ شَيْءٌ أَنَاهُ وَقَدَّرَهُ، حَسْبِىَ اللَّهُ وَكَفَى، سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا، لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى.
2647 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّ أَحَداً لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بحبيبه المصطفى محمد بن عبد الله، وبيانه عن الحقّ -سبحانه وتعالى- ما به يتبيَّن الهدى لكل من قصده وابتغاه، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على عبده الهادي إليه والدالّ عليه، أكرم الخلائق عليه، سيدنا محمد بن عبد الله صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهُداه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يقول سيدنا الإمام مَالِكْ -عليه رحمة الله-: "باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ"، وقد تقدّم في الفصل الذي قبله إثبات ما أثبت الله ورسوله من القضاء والقدر، وأن جميع ما يكون لا يكون إلا وقد سبق في علم الله في الأزل أنه سيكون على الهيئة والبُقْعَةِ والمكان والزمان الذي هو فيه، فإنفاذ ذلك وبروزه في الواقع يسمّى: القدر.
فالقضاء والقدر متلازمان، و "كُلُّ شَيءٍ بقضاءٍ وقدر"، يقول نبينا صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ.
ويذكر في هذا الحديث: "لاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ"؛ أي: إذا خُطبت امرأةٌ للزواج بها من قِبل أحدٍ من المؤمنين وهو متزوّج، فلا ينبغي للمخطوبة أن تشترط طلاق أختها، سواءً كانت من قرابتها أو كانت من أهل بلدتها، أو كانت من المسلمات؛ فالمسلمون إخوانٌ والمؤمنون إخوانٌ، أو أختها ولو في الآدمية، إذا كان متزوجًا على كتابيَّة بالشروط المجتمعة، فلا ينبغي أن تطلب المرأة الثانية طلاق أختها؛ طلاق ضرّتها.
فإن ذلك تعَدٍّ وتَحَدٍّ وإرادة الاستقلال والانفراد كما مثّله رسول الله ﷺ بأن يأخذ الإنسان ما في إناء غيره، يُفرِغه في إنائه ويترك ذلك الإناء خاليًا.
قال: لا تطلب "طَلاَقَ أُخْتِهَا، لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا"؛ القَصْعَة المبسوطة التي يوضع فيها الطعام، أي تجعل قَصعة أختها فارغة عمّا فيها من الطعام، مَثَل ضربه؛ لحيازة الضَّرَّة حقَّ صاحبتها، "وَلِتَنْكِحَ"؛ يعني: تتزوج هذه المرأة من خطبها من غير أن تسأله طلاق زوجها، وجاء في رواية: "وَلِتُـنْكَح"؛ أي: تنكَح زوجها، الثانية هذه عطف على قوله "لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا"، والرواية المشهورة "ولْتَنكِحْ"، وهذه الرواية الثانية: "وَلِتَـنْكِحَ" يعني لِتَسْتَفرِغَ ولتَسْتَنكِحَ، "فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا" أي لهذه السائلة لها ما قُدّر لها، لن يَعْدُو ذلك ما قُسِمَ لها ولن تَستَزِيدَ به شيئًا.
ولمَّا أن الزوج لو أجابها وطلّق من تظنّ أنها تزاحمها في رزقها؛ فإنه لا يحصل لها من ذلك إلا ما كُتِبَ لها، وقد يَعرِض لهم ما يعرض، أو يأتي لها غيرها إلى غير ذلك، أي: فلتُراعوا أمر القضاء والقدر، ولتُراعوا حقوق بعضكم البعض، ولتتركوا الأنانية، ولتتركوا الاستئثار دون إخوانكم، فلا تتسبَّب امرأة في طلاق أختها؛ أي: ضرّتها.
وهكذا، على العموم جاءت الشريعة بمنع التَّسَبُّب في التفريق بين مجتمعيَن ومتحابّيَن في الله -تبارك وتعالى- بأيِّ وصفٍ كان، ومنه ما يكون من هذه الزوجيَّة، ومن فرَّق بين متحابين فرّق الله بينه وبين ما يحب يوم القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وهكذا، ومثل هذا الشرط لو اشترطت فهو شرطٌ باطل، لا يصحّ ولا يجوز ولا يَلزم منه شيء. هكذا نهى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عن مثل هذا الأسلوب وهذا التصرّف، وينبغي استحضار أنَّ الأمر مقضيٌّ ومُقدّرٌ، ولا يكون إلّا ما قدّره الله -سبحانه وتعالى- ولهذا جاء بهذا الحديث في باب القدر.
ثُمَّ ذكر: عن "مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -يقول-: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ"، كما قال تعالى: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) [فاطر:2]. "لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ" اللَّهُ،
فاعتِبر نحن قسمنا بينهم *** تلقاه حقًّا وبالحقّ نَزَل
"وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ"؛ لا ينفع صاحب الحظ حظّه، ولا يصرف عنه عذاب الحقّ -جل جلاله- ولا يرفع له الدرجة عنده، ولا يُعفيه عمّا قدّر الله تبارك وتعالى عليه، "وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ" صاحب الحظّ والغِنى، لا ينفعه من نزول عذابه أو وقوع القَدَر عليه، لا ينفعه حظّه ولا جدّه، ولا يمنع القضاء والقدر أنّ هذا صاحب مال، ولا أنّ هذا صاحب رئاسة، ولا أنّ هذا صاحب مُلك… ما ينفعه شيء، ولا يردّ عنه قضاء الله -تبارك وتعالى- وقدره، "وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ" لا إله إلا الله.
يقول: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ"،
- "يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً" يعني: خيرات عظيمات ومواهب كبيرات
- "يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" يجعله فقيهًا في الدين، أي: فاهمًا لمعانيه وأحكامه ودلالة خطاب الله تبارك وتعالى.
فأصلُ الفقه: الفهم، وقالوا: فَقِهَ كَفَهِمَ وزْنًا ومعنىً.
"مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"، "وإنّما أنا قاسمٌ" جاء في بعض الروايات "والله يُعطي". اللهم فقّهنا في الدين.
ربّ فقّهنا وفقِّه أهلنا *** وقراباتٍ لنا في ديننا
مع أهل القطر أنثى وذكر
يقول: "مُعَاوِيَةُ: سَمِعْتُ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ" المذكورة "مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ"؛ يعني: أعواد المنبر، أي: ورسول الله ﷺ يخطب على المنبر.
- وجاء في رواية: أن معاوية كتب إلى المغيرة: اكتب إليّ ما سمعت النبي ﷺ يقول خلف الصلوات، فكتب إليه: "سَمِعْتُ النبيَّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ خَلْفَ الصَّلاةِ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ".
- وجاء في بعض الروايات ما سمعنا في هذه الرواية من أنه ﷺ قال مع ذلك: "مَن يرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين"؛ يعلمه أحكامه، ويوفقه للعمل بمقتضاها.
- في رواية الطبراني: "من يُرِد الله به خيرًا يُفقهه في الدين ويُلهمه رشده"، فيكون مع فقهه موفقًا لما هو أطيب وأحبّ وأقرب.
اللهمّ ألهمنا رشدنا.
يقول بعض المحدثين: أن الحديثين هذين مختلفين؛ أحدهما في الذكر بعد الصَّلاة، والثاني حديث الباب هذا الذي سمعه معاوية على المنبر، وهو كذلك.
ثم يذكر لنا: "عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ:"؛ أي: مشتهرٌ من الأقوال بين خيار الأمة وصُلحائها "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي" أن يُخلَق، وأنه كما قال تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) [السجدة:7]. "الَّذِي لاَ يَعْجَلُ شَيْءٌ أَنَاهُ"؛ أي: وقته، الأَناء: الوقت، أي: لا يَسبِقُ شيءٌ وقته الذي وقَّته له، "لاَ يَعْجَلُ شَيْءٌ أَنَاهُ" "وَقَدْرَه" في رواية، "وَقَدَّرَهُ" في رواية، يعني: لا يسبق وقته الذي وُقِّتَ له.
- فأناء الشيء: وقت بلوغه.
- وأيضًا الأناء يأتي بمعنى التأخير والانتظار.
يعني لا يسبق وقته الذي قُدّر له، (فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس:49].
"حَسْبِيَ اللَّهُ"؛ أي: الكافي لي في جميع أموري "الله" عَزَّ اسمه، "حَسْبِيَ اللَّهُ وَكَفَى" أي: كفايته يكفي لي من جميع الأمور، فإنّ الله يكفي من كل شيء ولا يكفي عنه شيء، "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا"؛ يعني: أجاب دعاءه وسمعه سماع قبولٍ ورضا، "لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى" ليس وراءه غايةٌ يُرمى إليها، أي: يُقصد إليها بدعاء أو أمل أو رجاء أو خوف ولا غير ذلك، هذه الغاية التي يُرمى إليها، يُقصَد إليها، شُبِّهت بغاية السِّهام التي تُرمى.
وقال بعد ذلك الإمام مَالِكْ: "أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ" أيضًا يقول الإمام مَالِكْ: "إِنَّ أَحَداً لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ"، وهذا جاء في الحديث مرفوعًا عنه ﷺ في روايات: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ" يعني: جبريل "نفث في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لن تموتَ حتى تستكملَ رزقَها وأجلها"، ما يمكن لو بقيَ له في الدنيا حبَّة مُقدّر يأكلها وما أكلها.. ما يمكن يموت حتى يأكل هذه الحبة، ولو كان في عمره باقي ثانية، ما يمكن يموت قبل هذه الثانية ولو كان ما كان، لابد يأخذ أجله ويأخذ رزقه، فلا ينقص من ذلك شيء. "حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ"، يعني: اطلبوا طلب بالطرق الجميلة، أجملوا في الطلب الحلال الطيب، ولا تظنّون أنكم بالكدّ والحرص تأخذون أكثر مما قُدِّر لكم، لن يكون إلا ما قُدّر، هذا هو، إن خَبَبْت وإن هَشَلْت وإن كَدِّيت وإن قعدت، رزقك سييجيئك الذي قد قُدّر لك في الأزل.
وهكذا، وما يقعون في الغش، ولا في الخيانة، ولا في السرقة، ولا في النهب إلا وقد استعجلوا، ولو أنهم اتقوا الله لجاءهم ذلك من غير معصية، ومن غير إثم؛ لأنه رزقهم مُقدّر في الأجل، فلا يكون إلا ما قدّره عزَّ وجل.
الذي لغيرك لن يصل إليك *** والذي كُتِب لك حاصلٌ لديك
فاشتغل بربّك والذي عليك *** في فرض الحقيقة والشرع المصون
وهكذا جاء في رواية بن ماجة والحاكم عن سيدنا جابر يقول أنه قال ﷺ: "أيُّها النّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ". وجاء عن أبي الدرداء عن نبينا ﷺ قال: "إنَّ الرِّزقَ ليطلُبُ العبدَ كما يطلُبُه أجلُه". لا إله إلا الله!
و:
مَثَل الرزق الذي تطلبه *** مَثَلُ الظل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه مُتَّبّعًا *** وإذا ولّيت عنه تبعك
فلا يزيد شيء ولا ينقص، (ذلك تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس:38].
وجاء في الخبر في القيام بالأرزاق، بطلب الرزق وأن الطلب لا ينافي التوكل، وفي الحديث: "إن الله تعالى جعل رزقي تحت رُمحي". وقال عن الطير: "تَغْدُو خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا" ومعنى تغدو: تتسبّب، فإنها ما جلست في أوكارها ولكن خرجت، ولمَّا خرجت رزقها الله -تبارك وتعالى- وعادت بطانًا بما يَسَّر الله -تبارك وتعالى- لها "فاتقوا اللهَ وأَجْمِلُوا في الطلبِ".
رزقنا الله الاستقامة والإجمال في الطلب، والثقة التامة، وإن كثير من المسلمين يُزعزع قلوبهم ويموتون على غير الإيمان؛ لشَكِّهم في الرزق، ولافتتانهم بالأسباب ونسيانهم الرزاق جلّ جلاله. ولمّا تاب بعض الذين كانوا يحفرون القبور ويسرقون الأكفان، فسأله الشيخ الذي تاب على يده: كم قبور حفرت؟ فذكر له عدد كثير، قال: وجدتهم على القبلة أو تحوَّلوا؟ قال أكثرهم محوّلين، قال: أتدري لِمَ حُوّلواعن القبلة؟.. شكّهم في الرزق! عاملوا الله بالشك في الرزق، وظنّوا أنه يرزق الهيئة الفلانية، والبلدة الفلانية، والدولة الفلانية، والأمر الفلاني، ونسوا أنه كلها في قبضته وتحت يده، فلمّا عملوا ذلك زاغت قلوبهم -والعياذ بالله تبارك الله وتعالى- ولذلك كانوا يقولون: الشكُّ في الرزق شكٌّ في الرزّاق.
اللهم ارزقنا بغير حساب، وافتح لنا في الخير كل باب، وادفع عنا الأوصاب، بسر الفاتحة إلى حضرة النَّبي مُحمد ﷺ.
03 جمادى الآخر 1444