شرح الموطأ - 481 - كتاب القدر: باب النَّهْىِ عن القَوْل بالقَدَر

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب القدر، باب النَّهْىِ عَنِ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ.

فجر الإثنين 2 جمادى الآخرة 1444هـ.

باب النَّهْىِ عَنِ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ

2638 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، قَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلُومنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ".

2639 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِىِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف:172]. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ ربِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ، فَيُدْخِلَهُ ربِهِ النَّارَ".

2640 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".

2641 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُوسٍ الْيَمَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ.

قَالَ طَاوُوسٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ".

2642 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَالْفَاتِنُ.

2643 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَؤُلاَءِ الْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: رَأْيِي أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَذَلِكَ رَأْيِي. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا برسوله المصطفى مُحمَّد ﷺ وحسن بيانه عمّا أنزل الله عليه ووجّهه إلينا ليصلُح به من كل متقبّلٍ له وعاملٍ به شأن سرّه وإعلانه، وصلى الله وسلم وبارك وكرم على عبده المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأهل متابعته في جميع شأنه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين من الحق -سبحانه وتعالى- بأوسع فضله وأعظم امتنانه، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعدُ، 

فابتدأ الإمام مالك عليه -رضوان الله تعالى- يذكر في هذا الكتاب ما ورَدَ عن الله ورسوله في أن المكوّن الخالق الحكيم قدّر الأشياء وقضاها في أزله، فهو يُحدِثها بقدَرِه في كل شأن وجزءٍ وحالٍ منها واحدًا بعد الآخر، ولا يكون في كونه إلا ما قضاه وقدّره، ولا يكون في مملكته وخلقه إلا ما شاءه - سبحانه وتعالى- وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن.

وكان من قَدَرِ الله - تبارك وتعالى- الذي قدّره أن جعل لهذا النوع من المخلوقات وهو الإنس والجن مجال اختيار، وآتاهم على ذلك قُدراتٍ وجعل لهم إراداتٍ، فالإرادات وشؤونها وما يريدونه كغيرها من الكائنات والمخلوقات تحت ملكه وسيطرته وإرادته، لا يشذ منها شيء عن إرادته وقَدَره -سبحانه وتعالى- فالكلّ مقدّرٌ والكل منه ما قدّر من إعطاء الاختيار وإعطاء القدرة والإرادة للكائنات، وكل ما أُوتوا من القدرات والإرادات والاختيارات فجزئياتٌ غير مطلقة فيما قدّر لهم وعلى مقدار ما وهبهم، إنسًا وجنًّا بل وما آتى من القدرة - سبحانه وتعالى- للحيوانات وما إلى ذلك فكلّه بحدٍّ محدود، وشأنٍ مقدّرٍ موضوعٍ معينٍ من قِبَل الخلّاق الحكيم الذي لا خالق غيره سبحانه وتعالى. 

ثم جاء أهل الزيغ والبدعة في دين الله - تبارك وتعالى- فمنهم من أنكر القدر أصلًا، وظنّ أن المملكة مسيّبة يتصرف فيها هؤلاء العاجزون القاصرون بما شاءوا، وأنّ ما شاءوه يحدثونه من عند أنفسهم لا علاقة له بتكوين المكوّن ولا بإرادة الخلاّق - جل جلاله- وكأن الأمر أُنف، وكأن هؤلاء الكائنات والمخلوقات التي هي في نظرهم مختارة، يفرضون في المملكة ما شاءوا ويعملون ما أرادوا من دون إرادة الملك والعياذ بالله -تبارك وتعالى- ونسبوا العجز إلى الحق -جلّ جلاله- وكأنه يجري في مملكته ما لا يريده.

وهذا ملكٌ لا يرضى به مخلوق في ملكيته، لو مُلِّك مخلوق على مكان ثم صار الذي يجري في المملكة وأكثره على غير مراده لقال: ما الفائدة تجعلوني ملكًا صورة وكذب تكذبون عليّ؟ حتى تجري في الحدود التي جعلها الله للملوك من الأنظمة والشؤون العامة على مرادهم وعلى ترتيباتهم، فإذا كان لا يجري أو أكثر الذي يجري في مملكته ضدّ ما يريده يقول: هذه مملكة هذه؟! هذا لعبة ضحكوا عليّ هذه مملكة؟ ما هذا مُلك! فهذا المُلك لا يرضاه مخلوقٌ لنفسه، أفيصفون مُلك الملك القدير الذي بيده ملكوت كل شيء بهذا المُلك؟ ويقولون: يجري في مملكتك ما لا تريد ومالم تُقدّر فكأن غيره مَلَكَ مملكته حاشاه جلّ جلاله.

وقد قال في أرباب الشر والفساد والضرّ

  • (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام:112].
  • (وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ)[الأنعام:137].
  • يقول سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس:99].

ولكنها حِكمةٌ نُسجت بيدٍ حَكَمت ثم انتسجت بالمنتسجِ ليضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، وليملأ الجنة بمن شاء وليملأ النار بمن شاء. وهو خالق الكل وإليه مرجع الكل.

 وجاءت فرقةٌ آخرةٌ يقولون: مع الاعتراف بأن كل شيء بقضاء وقدر يقولون: لا اختيار للإنسان أصلا ولا للجان.. عجيب! وهذا قدر الله تعالى جعل له اختيار، و أي عاقل منكم ما يفرّق بين حركة اليد الشلّاء من دون اختيار وبين حركة اليد الصحيحة لتأخذ هذا وتضع هذا! ماحد يفرّق بين هذا بعقله؟ إرادة واختيار موجود، ويكون سلب إرادة! كيف ما يوجد اختيار؟ قالوا: لا خلاص، كأن الإنسان فقط مجبر على كل شيء! فماذا تريدون؟ أن تبعدوا شيئًا خلقه الله! وهو ما آتانا من اختيار وما آتانا من إرادة -سبحانه وتعالى- أمرنا أن نسخّرها بوفق منهاجه، وما شرع لنا ورتب العقاب على  مخالفتنا ذلك.

فهؤلاء جبرية -والعياذ بالله تعالى-، وهؤلاء قَدَرية بمعنى ينفون القضاء والقدر، وهؤلاء يثبتون القضاء والقدر وينكرون الاختيار، وهؤلاء فرقة أخرى تقول: ولكن الخلق في أفعال الإنسان الاختيارية له اختيار وقدر، لكن أفعاله الاختيارية هو الذي يخلقها (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضَ)[فاطر:3]، (وَاللَّهُ وَخَلَقَكُمْ وَمَا تَعَمَلُونَ)[الصافات:96]، فزاغوا عن سواء السبيل، الجبر والاعتزال كله مطّرحٌ، فكله باطل والحق فيما بيّن الله وبيّن رسوله أن كل شيء بقضاءٍ وقدر، وقد آتى الإنسان اختيارًا وآتاه إرادة وقدرة وهو يحاسبه أين صرفها وإلى أين وجهها. 

  • (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148].
  • (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)[البقرة:286]. 
  • (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا)[فصّلت:46]. 

صدق الله وصدق رسوله ﷺ.

ثم قالوا: في القضاء والقدر أن أحدهما ما سبقَ في علم الله من تكوين الكائنات ومنها حتى الخواطر التي تخطر على بال كل مخلوق، كلها قُدِّرت من قَبل خلق المخلوقات وحركاتهم وسكناتهم وكلماتهم ولحظاتهم وأنفاسهم، كم عدد رمش عين كل واحد من المكوّنات المخلوقات، وكم عدد ما يأكل من الحبات من أي نوع من الأنواع، وكم عدد شعراته وذرّات ما يلبس أو ما يشرب، من أي عدد القطرات التي تشربها، ومن أي ماء، وبأي شيء يختلط، وفي أي إناء يكون… قدّرها ودبرها وأرادها قبل خلقها ووقعت على مُراده، فهي تقع على مراده. 

  • فما سبق في الأزل من هذا القضاء بهذه الأشياء وإيجادها على ما سبقَ في علمه هو القضاء
  • ثم حصولها في الواقع على ما سبقَ في القضاء هو القدر
  • وقيل: عكس ذلك 

والقصد أنه قدّر ودبّر الأشياء في الأزل قبل خلق كل شيء، ثم خلقها على حسب ما سبقَ في علمه وإرادته وتقديره، فلا وعزّته وجلاله، لا تزيد ذرّة في شيء ولا تنقص ذرّة من شيء؛ فالأمر كما قدّر ورتّب -سبحانه وتعالى- فهو ملك المملكة القيوم على مملكته لم يسيّبها لأحد، ولم يهملها لأحد من خلقه، بل هو مالك الملك (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[آل عمران:26-27].

قال سيدنا الإمام الشافعي:

فما شئتَ كان وإن لم أشأ *** وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن 

خلقت العباد على ما أردت ***  ففي العلم يجري الفتى والمُسِن

 على ذا مننتَ وهذا خذلت ***  وهذا أعنت وذا لم تُعِن

لا إله إلا هو جل جلاله وتعالى في علاه.

وهذا مقتضى الألوهية ومقتضى الربوبية وضرورة الألوهية في الوجود والكون، فما حقّ آل السماء والأرض إلا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، (وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)[سبأ:12] والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

(قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)[المائدة:17] لا إله إلا هو، وهكذا بيّن لنا سبحانه وتعالى-على لسان رسوله أنه قدّر ودبّر الأشياء.. 

 فليس لمخلوقٍ من الأمر هاهنا *** ولا ثمّ شيءٌ فاعتمد قول صادقِ

 هو الربُّ لا ربٌّ سواه وكلهم *** عبيدٌ وتحت الحكم من غير فارق

 نعم بعضهم مِمّن يحبّ ويرتضي *** لطاعته والبعض عاصٍ ومارق

 بتوفيقه صار المطيع يطيعه *** وخالفَ بالخذلان كل مُفارق

وذكر لنا حديث لقاء سيدنا موسى بأبينا آدم -عليهما الصلاة والسلام- وأنه كما قال ﷺ: "تَحَاجَّ آدَمُ"؛ أي: تحاجج "آدَمُ وَمُوسَى" -عليهما السلام- أي طلب كل منهما الحجّة فيما يقول، ويذكر كل واحد حجّته، ثم يقول: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى" -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- أي: غلبه بالحجة "حجّ آدم موسى" غلبه بالحجة، وقال له سيدنا موسى: "أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسِ"؛ أي: يعني بأكلك من الشجرة وتسببت بإخراجهم من الجنة، "وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ" التي أهبطك -الله تعالى- فيها، وقال: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ)[طه:118-119]. 

أنتَ أبونا خيّبتنا وأخرجتنا من الجنة! أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض! قال له سيدنا آدم عليه السلام: "أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ"؛ يعني: علّمه مما خصّه به من أنواع العلوم التي خصّ بها أصفيائه، "وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ" وفي لفظٍ: واصطفاك على الناس برسالته. "قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ" أنت تعلم أننا بإراداتنا وبما عندنا معرّضين للنسيان إذا شاء أن ننسى، وأن نفعل في نسياننا ما قضاه وقدّره أن نفعله ناسين، وجرى الأمر كذلك، أتريد أن تغيّر في مملكة الله شيئًا قد رتبه وقضاه؟ هل يمكن ذلك؟ الله الله الله! "أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟" فمن حيث القضاء والقدر قدّر المقادير وهو الذي قال عليه السلام: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23]. وقال: اللهم بحقّ صاحب هذا الاسم مُحمَّد اغفر لي، كيف عرفت مُحمَّداً ولم أخلقه؟ قال: لما نفخت فيّ من روحك نظرت أوّل ما خلقتني إلى قوائم العرش فوجدت مكتوبًا عليها لا إله إلا الله مُحمَّد… فقلت: لم يضف إلى اسمه إلا اسم أحب الخلق إليه، فهو ذا أتوسل به إليك، قال له: صدقت إنه لأحبّ الخلق إليّ ولولاه ما خلقتك ولا خلقت أرضًا ولا سماء، وأنا أظهره في ذريّتك في الكون من أولادك، صلى الله على سيدنا مُحمَّد وعلى آله، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت للوالد بالولد، وقد شفعته فيك، ولو تشفّعت إلي بمُحمَّد في أهل السماوات والأرض لشفّعته فيهم.

علمنا أنه لم يكن -عليه صلوات الله وتسليماته- يدّعي براءته ولا يدّعي أنه لم يخطئ ولا ينسب نفسه إلى عدم الظلم والخطأ (ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا..) وأنه تاب وكما قال سبحانه وتعالى: (فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ)[طه:122]، فهو تابَ وندم على ما كان منه، والكل بقضاء الله، ولم يجعل أيضًا من توبته وإرادته أنه صانعٌ لما أراد من دون الإرادة الإلهية، وأنه قابل الله سبحانه وتعالى… لا هذا ولا هذا ولكن علم أنه قَدَر قُدّر عليه وعليه الندم فندِم، وعليه التوبة فتاب وعليه الاعتراف فاعترف، وعليه الرجوع فرجع، فكان كما أحبّ الله سبحانه وتعالى. 

بخلاف إبليس فإنه أصرّ وعاند وكأنه يريد أن يفرض لنفسه ما تشتهيه نفسه وتهواه وتمنّيه به بنفسه، وأنه صاحب منزلة ومكانة. لماذا لم تسجد لآدم؟ قال: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)[الأعراف:12] ولا رضي أن يندم ولا أن يرجع، فكان جزاؤه اللعنة إلى يوم الدين -والعياذ بالله تعالى- ولكن هذا ندم واعتراف ورجع فاجتباه ربه فتابَ عليه وهدى (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ)[طه:122]. رزقنا الله اتباع طريقة الأنبياء والأصفياء.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران:135]، بل رجعوا وأنابوا وتابوا، وهكذا كان الأنبياء والصالحين، ولكن لا مجال لهذا اللوم ولا لكونك أنت الذي أخرجت، فإن الله رتّب هذا الأمر بل مِن قبل خلقه وخلق جسده وتكوينه قال للملائكة: (إنّي جَاعِلٌ) أين؟ (فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، في الأرض خليفة لا في الجنة! (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة:30] بجيب خليفة بحطّه هنا في الأرض، ما قال في الجنة! وخلقه وحطّه في الجنة، ولكن الخلافة حقّه ليست في الجنة هنا في الأرض، فلابد  يرجع يخرج إلى الأرض هو من قبل خلقه قد قال محله هناك في الأرض.

ولذا يقول أهل الذوق والحقيقة في عجيب سرّ ما انطوى عليه قَدَر الله: أن آدم -عليه السلام- لو انكشف له من الحقيقة من إرادة الله له الخلافة على وجه الأرض لسارع بنفسه إلى أكل الشجرة، ولكنّه في مقام العصمة والأدب، فما كان إلا أن أغواه إبليس فنَسِيَ، (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)[طه:115]؛ لم يعزم على مخالفة أمرنا بإرادته واختياره؛ نسِيَ ففعله نسيانًا ولله أن يؤاخذ من شاء ناسيًا أو ذاكرًا سبحانه وتعالى.

فذكر له صورة هذه المؤاخذة وفرّت منهما ثياب الجنة وحُللها، لأن الله -تبارك وتعالى- جعل في الخلق والتكوين والتركيب ملاءمة بين الطاعة ودار الكرامة والجنة، وبين المعصية ودار الغضب والنار؛ فالمعاصي تتفق مع النار تمامًا وتتجاذب إليها وتجذب النار إليها وتتصل بها، والطاعات تتجاذب مع الجنة وتتناسب وتتلاءم معها، فبمجرّد أن وقعوا في الخطيئة فرّت ثياب الجنة منهم؛ الحُلّة التي عليهم خرجت لأنها ما تتلاءم مع المعصية، بمجرّد المعصية فرّت منهم الثياب (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ)، وقاموا يأخذون من ورق الشجر يغطّون نفسهم بها، ما قد حصل منهم أن رأوا السّوأة أبدًا من حين خلقهم الله، بل كانت عليها حجاب من نور، وما كانوا ينظرون إلى السوأة فلما وقعوا في المعصية كشف الله لهم، وأبعد عنهم الستر الظاهر وستر النور فصاروا يرون.. (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) [طه:121]. (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:22-23].

قال: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى" فكانت الحجة الغالبة لسيدنا آدم على نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكى التسليم. (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) [البقرة:37]، عندئذٍ وقد علم سيدنا موسى أن الأمر بعد القضاء والقدر تمّ بالتوبة، وأن الله تاب عليه واجتباه وهداه، فما حقّه أن يلومه بعد ذلك. انظر ربك كيف يقول تاب عليه وهداه، تلوم ايش عادك؟ ايش بتفعل؟.. "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى" وهكذا.. 

كما علّمنا الأدب مع سادتنا الصحابة سبحانه وتعالى في كتابه وعلمنا ويقول: (حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ) [آل عمران:152] لماذا (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ)؟ حتى ما يجيء واحد بعدهم يقول عصوا وعملوا… نقول له: اسكت! اقرأ: (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ) قدامك، رُح دوّر لك عفو أنت ما ندري بك يعفو أو ما يعفو! هؤلاء لقد عفا عنهم بنص القرآن، أنت رُح دوّر لك عفو! اسكت ساكت لا تتكلم على قوم عفا الله عنهم، (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ).

 وقال: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) لا يجيء واحد من بعد يقول هؤلاء ضحك عليهم الشيطان، قال: (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) خلاص..(وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) عاد حد يقدر يتكلم؟ خلاص.. (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[آل عمران:155]. أنت دوّر لنفسك عفو، قل:"اللهمّ إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عنا" أنت ما ندري يعفو عنك ولّا ما يعفو.. أما هؤلاء بالنص قد عفا عنهم خلاص، فهم سادتنا وقادتنا وأئمتنا عليهم، رضوان الله تبارك وتعالى.

 وبهذا الأدب نفسه الذي أشار إليه سيدنا آدم جاءتنا السُّنة المطهرة، وأُمرنا أن لا نذكر الأموات إلا بخير، وأن لا نسبّ أحد منهم، وأن لا نذكر مساوئهم لأنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا؛ إن كان قد عفا عنهم فيا ويلك تتكلم عليهم! وإن كان قد عذّبهم فالشأن ليس لك، ولا لك شِرك في مملكته حتى تقول، وما أذِن لك في ذلك. وهكذا، قال: "اذكروا محاسن موتاكم وكفّوا عن مساويهم"، كما أن الكفّ عن المساوئ حتى للأحياء واجب، ففي الأموات من باب أولى وهو أخصّ وأحق.

وذكر لنا بعد ذلك: "أَنَّ سَيدنا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)" وفي قراءة: ذرّياتهم، (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) قرّرهم بربوبيته (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) أنت ربنا وحدك لا شريك لك (شَهِدْنَا) بذلك، الله أكبر! قال: (أَن تَقُولُوا)؛ يعني: أتمّ هذا الإشهاد، وأنطقكم به في عالم الأرواح، لئلا تقولوا إذا جئتم إلى الدنيا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) [الأعراف:172] عن حقيقة توحيدك وما كان عندنا خبر. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ"؛ أي: بقدرته وإرادته أخرج من ظهر آدم النسمات التي ستوجَد من جميع بني آدم، كلنا، مَن في زمننا ومَن قبلنا ومَن يأتي، كلهم أخرجهم -سبحانه وتعالى- من ظهر أبينا آدم، عبّر بالمسح عن تعلق القدرة بظهر آدم.

"فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ"؛ يعني: من ظهر آدم "ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟" إذا قده الأمر مكتوب ومقدّر ومقضي ففيم العمل؟ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلُهُ بِهِ الْجَنَّةَ"، وإن الله تعالى "إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ بِهِ النَّارَ." اللهم ادخلنا الجنة واجعلنا من أهل الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.

ولهذا قال: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُ) [البقرة:148] توجّه حيث شئت فأنت ممّا له وُجّهت فاختر للمليح، وهكذا فبيّن ﷺ مع سابق القضاء والقدر أنّا لِمَا أوتينا في دائرة الاختيار والمشيئة أن ذلك عنوان، ويترتب عليه الحساب والعذاب والعقاب، ويترتب عليه الثواب والجزاء الحسن على تسييرنا اختيارنا فيما أحبّ ربنا، والعذاب على صرفنا اختيارنا فيما كَرِهَ ربنا -جلّ جلاله- وفيما حرّم علينا، والكلّ قَدَره والكلّ أمره، جلّ جلاله.

ولهذا قالوا: إذا جئت لواحد من هؤلاء المبتدعة الذي يقول: الإنسان ما له اختيار، ما له خلق ولا له كسب وإنما هو مجبر، قال: أعطِه لطمة أو انتف لحيته أو خرّج لسانه قل له: قدر! الإنسان ما له اختيار خلاص… ما يقبل منك هذا بيقول: ليه تفعل لي كذا؟ انت تقول الإنسان ما له اختيار! اضربه وقل له هذه قدر من الله ما لي حق، ما لي اختيار أنا!  كيف مالك اختيار؟.. ما بيرضى منك بذلك! 

فأنت ايش الكلام حقك هذا كلام باطل.. لنا اختيار محاسبون عليه ونعاقب عليه، وهو بقدر الله، هو اختيارنا من عندك جبناه أم من عند أهلك؟ من أين جبناه؟ من عند ربك هو من أعطانا  الاختيار، وهو إذا شاء ينزعه ينزعه -جلّ جلاله- ومن فضله أنه ما يحاسبنا ويعاقبنا إلا على ما اخترناه، وما سلب عنّا فيه الاختيار قال: ما فيه حساب، "رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق"، إذا فقد اختياره قال: انا ما عاد أحاسبك، لكن ما أعطيتك فيه الاختيار أحاسبك عليه. 

وذا يقول: كذا وذا يقول كذا كلام فارغ! هذا هو الله في عظمته وجلاله وحكمته ورأفته ورحمته واختياره عظيم المغفرة شديد العقاب. انتبه لنفسك! 

  • (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام:147]. 
  • (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ)[الحجر:49-50] 

لا تمسك واحد وتترك الثاني، هذا أنا، الله هكذا، فانتبه لنفسك.. لا تقدر تُسقّط  شيء ولا تقدم شيء ولا تؤخر شيء، فالله يرزقنا حسن الأدب ويجعلنا من أهل الجنة الذين بعمل أهل الجنة يعملون. وقال في الحديث أيضًا: "اعملوا فكل ميّسر لما خُلقَ له" وقرأ ﷺ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ)؛ أي: النار (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ) [الليل:5-11] اللهم ارزقنا حسن الأدب. 

ثم إنه سبحانه جمع هذه الذرّية الذين يخرجون من آدم، ولمّا رأت الملائكة الأعداد هذه للنسّم قالت: يا ربي لا تسعهم الأرض! هذه الأرض اللي كوّنتها.. قال: إني جاعلٌ موتًا، ما يجتمعون هؤلاء كلهم، إنما كل ساعة حد يجيء وحد يموت، وموت بينهم! كيف يهنأ لهم العيش؟ إذًا لا يهنأون والموت عندهم.. قال: إنّي جاعلٌ أملًا؛ بخلّي فيهم أمل، يقبرون الميت ويروحون يأكلون ويشربون ما كأن شيء!... ومع أن الحيوانات في هذا أكيس مننا، ولو علمت أنها تُذبح ما أكلتم منها سمين، ما بتسمن أبداً بتهتمّ! وهذا داري أنه بيموت ويصلح كل شيء ما كأنه بيموت! غفلة وأمل زائد عند الإنسان.. 

(وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) أهل الجنة وأهل النار كلّهم أشهدَهم، قالوا: بلى، ولا أحد أنكر في ذاك الوقت، الآن  موجودين مُنكرين، أنواع الكفار موجودين، قد أخذ عليهم العهد وخانوا، وإلا فكلّهم أقروا في البداية قالوا: آمنّا… لا إله إلا الله. 

وكلّهم كانوا من ظهر آدم وهو المؤمن، فالأصل الإيمان والإسلام، والكفر كلّه طارئ على البشر، طارئ على بني آدم، حتى لمّا انتشر الكفر في وقت سيدنا نوح، أهلك الله الكفار كلهم ما عاد بقي إلا مؤمن، فجميع الموجودين على ظهر الأرض من ذرية مؤمنين، من ذرية الذين ركبوا السفينة مع نوح، أما الثانيين ما عاد لهم أولاد؛ قد هلكوا هم وأولادهم، ما عاد لهم أحد؛ هلكوا لكن هؤلاء الذين في السفينة.. فالموجودين على ظهر الأرض من بني آدم ذرية مؤمنين، لكن هم تنكروا وانحرفوا وإلّا كلهم ذرية مؤمنين مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله، آبائهم هكذا كانوا (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)[الإسراء:3]. فنعوذ بالله من التنكّر، ونعوذ بالله من الكفر والجحود، نسأل الله الثبات على الإيمان واليقين حتى يتوفّانا مسلمين مؤمنين.

وذكر لنا قول رسول الله ﷺ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ"، فما أعظم الكتاب والسنة، وقد جاءنا في صحيح مسلم وغيره: "كِتَابَ اللَّهِ وعِترتِي أهل بيتي" وهذا أقرب إلى البيان، لأن الله -سبحانه وتعالى- إذا أنزل الكتاب على أحدٍ من الأنبياء أو بعث نبي يجعل لهم قدوة، قدوة يقتدون به هو النبي موجود قدامهم، ما يكون كتاب وروحوا اعملوا بما فيه! قدّامكم التطبيق والتنفيذ؛ قدّامكم النبي، فإذا ترك فينا الكتاب والسنة أين التنفيذ؟ أين القدوة ؟ قال هو موجود "وعترتي أهل بيتي" لن يتفرقّا؛ هذا القرآن وهذا هُم، فلا يزال على مدى القرون في خيار عترته وأهل بيته وصُلحائهم من هم نموذج العمل بالقرآن، وكيفية التطبيق له والرجوع إليهم في الأمر وفي فهم الكتاب والسنة، "وعترتي أهل بيتي لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض"، اللهم اجعلنا في أول الوُرَّاد على خير العباد في حوضه يوم التناد.

وذكر لنا بعد ذلك عن طَاوُوس اليماني -اسمه ذكوان طاؤوس لقبه- يقول:"أَدْرَكْتُ أنَاسًا" يعني: جماعة "مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ"، من أين جاؤوا بهذا الخبر؟ من خير البشر اللهم صل عليه وعلى آله، فهم الذين صحِبوه وعلموا ما جاء به، فقال كانوا يقولون: "كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ"؛ جميع الأمور بتقدير الله -تبارك وتعالى- قال ربنا في كتابه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر:49] فهو مقدّر بالمعْـنييَن، كيف بالمعْـنييَن؟ 

  • مُقدّر مكتوب مقضي في الأزل. 
  • ومُقدّر محدّد بحدوده التي سبَقت في علم الله لا تزيد ولا تنقص.

"قَالَ طَاوُوسٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ"؛ فبيّن لنا ﷺ الْكَيْسِ كيف يكون: 

  • الكيْس يعني: الجدّ والاجتهاد والصدق والعزيمة والقيام بالأمر على وجهه هذا كَيْسِ. 
  • مقابله عجز، تساهل تكاسل، تخاذل، عدم مبالاة فتور غفلة هذا العجز. 

قال ﷺ في بيان المعنى: "الكيّس من دانَ نفسه"؛ حاسبَ نفسه، "من دانَ نفسه وعَمِلَ لِمَا بعدَ الموت، والعاجِز" الأحمق "مَن أتْبَعَ نفسهُ هواهَا وتمنّى على الله" حتى الْعَجْزِ وَالكَيْسِ بقضاء وقَدَر من عند الله، يارب اجعلنا من أهل الْكَيْسِ،  ونعوذ بك من الهمّ والحزن ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبْن والبخل.

أو قال: "الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ". والحديث أيضًا في صحيح مسلم كما أخرجه الإمام مالك. "كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ". 

قال أيضًا: عن "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَالْفَاتِنُ" يعني: المضلّ، يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، اللهم اهدنا فيمن هديت. 

ويأتي الفاتن بمعنى: المُضِلّ وبمعنى المختَبِر، قال لسيدنا موسى: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) [طه:85]؛ أضلّهم وراحوا يعبدون العجل، لا حول ولا قوة إلا بالله! (فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا)[طه:86] وقال سيدنا موسى بعد ذلك: (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ) [الأعراف:155]، اللهم اهدنا فيمن هديت يا كريم.

ويقول أبو سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ "كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فقَالَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ؟" يعني: الذين ينفون القضاء والقدر، ما أفعل بهم؟ يُنكرون أن الله قضى الأشياء وقدّرها، وأنّ لهم قدرة على خلق أفعال أنفسهم! قال له أبو سهيل: "رَأْيِي أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ"؛ تطلب منهم التوبة عن هذه العقيدة الفاسدة وهذا الزيغ، فإن قبلوا وَتَابُوا "وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ"؛ يعني: يُنكرون قَدَر الله وهو مثبوت في الكتاب العزيز وفي السُّنة الغرّاء، ومشهور بين المسلمين متواتر معروف عن رسول الله ﷺ "قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَذَلِكَ رَأْيِي" فيه هذا هو ليس إلا هذا، "قَالَ الإمام مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي" فيه؛ وأنا كذلك؛ إن لم يتوبوا يُقتلوا لأنهم مرتدّين -والعياذ بالله تبارك وتعالى- كفروا بأمرٍ قد حكم الله فيه ورسوله ﷺ.

وهؤلاء الذين قالوا أنّ الإنسان يخلق أفعال نفسه بقدرة أعطاه الله له.. سَلِموا من الكفر بقولهم بقدرةٍ أعطاه الله إياه وخلقها فيه وضلّوا وابتدعوا، ولو ادّعوا أنها من غير قدرة الله لكفروا والعياذ بالله تبارك وتعالى.

ولمّا جاء من يعتقد أنه يخلق أفعال نفسه إلى عند الإمام أحمد بن موسى بن عجيل -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ويريدون أن يحاجّوه في المسألة، فحضروا وهم يُعتبرون من أهل العلم ولكن يعتقدون هذه العقيدة الفاسدة، فقالوا: جئنا لك من أجل: الأفعال اختيارية عند الإنسان هو الذي يخلقها قال لهم: هو يخلقها؟! قالوا: نعم، قال لهم: هل من خالق غير الله؟ قالوا: لا، لكن الأشياء الاختيارية هو الإنسان الذي يخلقها! قال: مثل ماذا الأشياء الاختيارية؟ قالوا: مثل قيامه وقعوده، قال: قيامه وقعوده باختياره هو يخلقه؟! قال: هيا قوموا في اعتقادكم تخلقون القيام قوموا، قاموا، دعا الله تعالى لا يمكّنهم من الجلوس، قال: هيا اجلسوا! كل واحد منهم ما قدر يجلس، ينظرون لبعضهم، ما قدروا يجلسون، قال لهم: هيا أنتم تقولون القعود عمل اختياري يخلقه الإنسان فاخلقوه، اخلقوا القعود، اقعدوا!.. ولا واحد قدر يقعد، قال لهم: ايش الكلام حقكم هذا؟ خلاص ما لكم إلا ترجعوا إلى الحقّ، تقولوا الله هو الذي يخلق لنا قيام وقعود كله من عنده (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصافات:96]، وإلا محلّكم هذا خلاص! قالوا: تُبنا، اللهمّ أقدرهم على القعود.. قعدوا، من عنده هو، اغترّيتوا شفتوا نفسكم تقومون تقعدون ظنّيتوا من عندكم، لا شيء من عندكم ولا من عند آبائكم ولا أمهاتكم، ولا من مخازنكم، إنما هو.. أعطاكم قدرة تقوموا تقعدوا واختيار فيها وإذا شاء ينزعها ينزعها، وما تشوفوا كم من واحد فيكم أشلّ ما يقدر يقوم؟ وهو إنسان إنسان هيا خلّوه يخلق القيام.. ما يقدر! لا إله إلا الله .. ولكن إذا أراد الله يقوم قام.

 وهكذا، كان مع بعض الأخيار من المحبّين في الحجاز بنت مسكينة مُقعدة ما تقدر تقوم، وجاؤوا يأخذون الحبيب أبو بكر العطاس الحبشي -عليه رحمة الله- إلى المدينة المنورة، فمرّوا على الكعبة، طاف طواف الوداع لأنه يريد المدينة، وخرجوا وهو مستغرق في ذكره وعمله، مرّوا على البيت الذي فيه بنتهم ليقرأ عليها ويدعو لها، وهو ما عرف لماذا جاءوا به هنا، فظن أنهم  بيتوضؤون ويرتبون أمر السفر، صادف دخل وإذا بنساء البيت عندهم قاعدات مع البنت هذه، قال: أيش هذا؟ نساء يقعدن في محل الرجال ما تستحوا قوموا! هربن قامين، وذي ما تقدر تقوم  قال: وأنتِ لماذ ما تقومين قومي.. قامت وشردت ودخلت إلى المكان! دخل إلى المكان حقهم جلس منتظر، جاؤوا، قالوا: يا حبيب نحن جبناك من أجل هذه البنية كانت ما تقوم، وهو ما عنده خبر ولا داري بها قال: لها قومي قامت وبس وروّحت.. قال: حصل المقصود، أراد الله -تبارك وتعالى- على يدك عمرها ما قامت لمّا قال لها: وانتِ ماتستحين ما فيش حياء! قومي من هنا.. قامت نهضت ومشت، وإذا بها تمشي وخلاص من ذاك اليوم انحلّ كل شيء. 

الأمر أمره، والفعل فعله، والخلق خلقه سبحانه وتعالى، ما أحد له شيء، تشوف نفسك تقدر تقوم تظنه من عندك، من عندك؟ لحظة واحدة وإذا بك ما عاد تقدر تتحرك! فالأمر أمره لا تغترّ وصرّف قدرتك فيما أحب، وانتبه لنفسك واستعدّ للقائه، وإلا الأمر أمره، والقضاء قضاؤه، والفعل فعله. (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصافات:95] قال: سيدنا إبراهيم. 

الله يرزقنا الإيمان واليقين والتقوى والإخلاص، والله يجعلنا مِمّن سيّرهم فيما أحب وما يحب في القول والفعل والنية والقصد والعمل، ويجعل جميع ما آتانا من اختيار وإرادة وقدرة في محابّه وفي مرضاته، لا نزيغ منها في شيء إلى ما يكره ولا إلى سخطه إنه أكرم الأكرمين، نسألك رضاك ولقاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، ومن الحرمان من ذوق الصالحين، فلا تحرمنا خير ما عندك لشرّ ما عندنا، بسرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

02 جمادى الآخر 1444

تاريخ النشر الميلادي

26 ديسمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام