(374)
(607)
(535)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجامع، باب مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ.
فجر الأربعاء 27 جمادى الأولى 1444هـ.
باب مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ
2625 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ *** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بِوَادٍ وَحَـوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمـاً مِيَاهَ مَجِنَّةٍ *** وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ".
2626 - قَالَ مَالِكٌ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ:
قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ *** إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
2627 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ، لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ".
الحمد لله مُكرمِنا برسوله المصطفى، وما خصَّصه به فرفَعَه على جميع مَن عَداه من البرية ظاهرًا وخفا، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرّم على عبدك المُجتبى سيدِنا محمدٍ وعلى آله الأطهار وصحبه الشُّرفا، وعلى من والاهم فيك ولهم اقتفى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الأئمةِ الحُنفا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويذكر المؤلف -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلّقُ بمدينة نبينا المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
"وتقول أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ" في الهجرة، يوم الاثنين لاثني عشر من ربيعٍ الأول، كان دخوله على القول المشهور. "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ"، وتقدم معنا أن الوَعْكَ هو الحُمَّى أو شدةُ الحمى، "وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ" بن رباح، وغيرُهما كثيرٌ من الذين وفدوا إلى المدينة، وكانت مشهورةً بذلك من قبل، أن الذي يصل إليها ينالـُه مرض، ولهذا قالوا: قدِمنا المدينةَ وهي أوبأُ أرضِ الله، فرفَعَ الله وباءَها وبلاءَها، وصارت بلادَ الطبّ والشفاء. قَالَتْ: "فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا" تقول السيدة عائشة. وجاء في روايةٍ عند ابن إسحاق وعند النسائي: لمّا قدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهي أوبأُ أرض الله، أصاب أصحابَه منها بلاءٌ وسُقْمٌ، وصرفَ اللهُ ذلك عن نبيه، وأصابت أبا بكرٍ وبلال وعامر بن فهيرة، قالت: فاستأذنتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم، تقول: وذلك قبل أن يُضربَ علينا الحجاب، فأَذِنَ لي، فدخلتُ عليهم وهم في بيتٍ واحد، أي في غرفةٍ واحدة. "فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟" أي: تجدُ نفسك، "وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟" وفي رواية ابن إسحاق أيضًا: ويا عامرَ بن فهيرة، كان عندهم في نفس الغرفة كيف تجدك؟ "قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ *** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ"
حتى جاء في رواية ابن إسحاق قلت: إنا لله!.. إنَّ أبي لَيَهذي وما يدري ما يقول. وهو رَجَزٌ تمثّلَ به سيدنا أبو بكر، وهو كان يُذكَرُ لحنظلةَ بن سيّار:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ *** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
"وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ"؛ يعني: ارتفع عنه أثرُ الحُمّى، إذا ذهبت عنه وأفاق، "يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ"؛ يعني: يرفع صوته ببكاءٍ أو غناء. والأصل في قولهم رفَعَ عقيرتَه، ويرفع عقيرته: أن رجلًا انعقرت -أي: قُطِعت- رجلُه، فرفعَها أي المقطوعةَ على الأخرى، وجعل يصيح، فصار كلُ من رفع صوته يقولون: رفع عقيرتَه، وإن لم تُرفع رجلُه. فيقول:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** ……………..
"أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى يعني: ليتني علمتُ جوابَ ما يختلج في صدري، "لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ"؛ والمراد: وادي مكة، "وَحَـوْلِي إِذْخِرٌ"؛ نوعٌ من الشجر له رائحةٌ طيبة، عريض الأوراق، "وَجَلِيلُ" نباتٌ أصفر ضعيف.
"أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بِوَادٍ وَحَـوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمـاً مِيَاهَ مَجِنَّةٍ *** ………………………..
المَجنَّة: موضعٌ على أميالٍ من مكة المكرمة، مِيَاهَ مَجِنَّةٍ، كان سوقاً يُعَقد في أيام الجاهلية في المِجنّة هذه.
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمـاً مِيَاهَ مَجِنَّةٍ *** وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
"وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي"؛ يعني: يظهر للعين "شَامَةٌ وَطَفِيلُ"؛ وهما: جبلان بمكة، على نحو ثلاثين ميلاً من مكة، يُشرفان على مَجِنّة، هذه الذي ذكرها، "وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ".
"قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ"، ذهبت للعيادة سمِعتْهم يُنشدون هذه الأبيات، وتصوَّرتْ السيدةُ عائشة أنَّ الحمَّى بلغت بهم مبلغ، فأخذوا يَهذون وما يعقِلون من شدَّة الحُمّى، قالت: فنظرَ ﷺ إلى السماء فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ"؛ وهنا أيضًا بمعنى: بل أشدّ، "وَصَحِّحْهَا"؛ يعني: من الوباء، اصْرفه، "وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا" ما يُكالُ من الحبوب والأقوات، "وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا" هذه التي هي مشهورة بها وتصيبُ نازليها، "فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ"، وكانت يومئذٍ مساكنَ بعض المضادّين لله ورسوله، المعاندين من اليهود، فاستجاب الله دعاء نبيه ﷺ وصارت الجُحفةُ مَن جاءها وُعكَ وجاءته الحمّى، بدلَ المدينة المنورة.
وجاء في رواية الإمام أحمد بن حنبل وابن حبان عن سيدنا جابر قال: استأذَنتْ الحُمَّى على رسول الله ﷺ فقال: مَن هذه؟ قالت: أمُّ مَلدَم -يعني: الحمّى- فأمر بها إلى أهل قُباء، فبلغوا ما لا يعلمه إلا الله، فشكَوا ذلك إليه، فقال: ما شئتم، إن شئتم دعوتُ الله ليكشفَ عنكم، وإن شئتم تكونُ لكم طهورا، فقالوا: أفتفعل؟ قال: نعم. قالوا: فدعْها، تكون طهور لنا.
وجاء عن عائشة عند ابن عبد البر، أن عائشة رضي الله عنها قالت: لما دخل رسول الله ﷺ المدينةَ حُمَّ أصحابُه، فدخل يعودهم، فقال: يا أبا بكر كيف تجدُك؟ فقال: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ… وهكذا، فدعا النبي ﷺ أن يُحبِّب الله إليهم المدينة، فحبب الله إليهم المدينة كحُبِّهم لمكة، بل أشدّ، رضي الله عنهم.
وجاء أيضًا عند ابن إسحاق يقول: أصابت الحُمّى الصحابةَ حتى جَهِدوا مرَضًا، قال: حتّى ما كانوا يصلُّون إلا وهم قعودٌ، فخرج ﷺ وهم يصلون هكذا، فقال: اعلموا أن صلاةَ القاعد على النصفِ من صلاة القائم، فتجشّموا القيام؛ أي: تكلّفوه على ما بهم من الضَّعف والسُقْم.
ويقول: "أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ:
قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ*** إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ"
كلُ امرئٍ مجاهِدٌ بطوقه *** كثورٍ يحمي جسمَه برَوقِه
وكان عامرُ بن فهيرة مولى سيدِنا أبو بكر الصديق، كان استُرقّ، واشتراه سيدُنا أبو بكر وأسلم قديمًا، ورافق سيدَنا أبا بكر في الهجرة، كان يرعى الغنم في جبل ثور، ثم يروحُ إلى النبي ﷺ مع أبي بكر وهما في الغار، وممّن حضر بدر، عامر بن فهيرة، واستُشهد ببئر معونة، وهو ابن أربعٍ وأربعين سنة، يَقُولُ: "قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ"؛ قبل حلوله يعني: شدةَ الموت "إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ"؛ يعني: هلاكُه "مِنْ فَوْقِهِ" يعني أن جُبنَه وحذرَه غيرُ دافعٍ عنه المنية إذا حَلّت به.
وذكر لنا: "عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ" جمع نَقْبٍ أنقاب "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ" زادها الله شرفاً وكرامة، أنقابُها؛ يعني: مداخِلُها، الأماكن التي يُدخَل بها إلى المدينة المنورة، "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ"؛ أي: يحرُسونها "لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ".
ويقولون استشكَل بعضُهم أنه كيف لا يدخلها الطاعون والطاعونُ فيه شهادةٌ، وكيف قُرِنَ بالدجال؟ وامتُدِحت المدينةُ بعدم دخولها أو دخولهما!
وهو كما هو مبيّنٌ أنه مما يسلِّطُ الله الجانَّ على الإنس فيطعنونهم. قالوا: وفيه إشارةٌ إلى أن كفّارَ الجن والشياطين ممنوعون من دخول المدينة المنورة، ومَن اتفق دخولُه، لا يُمكَّن من طعن أحدٍ منهم، "لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ"؛ والطاعونُ ليس في حد ذاته هو الشهادة، إنما يكون سبب، يعني من الأمراض التي ينال بها صاحبُها الشهادة، فليس الفضلُ في نفس المرض، ولكن إذا أصاب مؤمنًا فصبَرَ عليه واستسلمَ لقضاء الله فمات، فله ثوابُ الشهيد.
"ولا يدخُلُها الدَّجَّالُ"، حتى جاء في صحيح البخاري: "ليس من بلدٍ إلا سيَطَؤه الدجال، إلا مكةَ والمدينة، ليس له من نقابها نقبٌ إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجفُ المدينةُ بأهلها ثلاثَ رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق". لا إله إلا الله، سبحان الله!
وفي الحديث: أنه ينزل بخارج المدينة المنورة، لا يقدر على الدخول إلى حدود المدينة والحرم الذي حدده ﷺ.
وفي الحديث أيضًا في صحيح مسلم: أنه يخرج إليه بعضُ المؤمنين، ومنهم هذا الذي عدَّهُ ﷺ من سادة الشهداء، حتى يُقال: إنه الخضر، قال غيره: أنه لما يخرج إليه يقول: أتعلمُ أني ربُّك؟ يقول له: أنت الأعورُ الكذاب، الخبيث الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله، فيأمرُ بقتله، فيقول: أيها الناس اثبتوا، فإنه لن يُسلَّط على أحدٍ من بعدي، فيُشَقُّ نصفين حتى يمشي الدجال بين نصفيه، ثم يقول: تريدون أن أردَّه لكم؟ أحييه وتعلمون أني ربكم؟ يقولون: نعم، فيجمعُ بين شقيه، فيحييه الله تعالى ويقوم، وهذا اختبار من الله، وهذا هو النفسُ التي يُحييها الله بعد الموت، في صورةٍ أنها على يد الدجال.
وأما ما يَدَّعي من إحياء الموتى قبل ذلك فتصويرٌ، تصويرٌ وتخييل من أتباعه من شياطين الجنِّ، يصوّرُهم الله بصور الموتى الذين في القبور، فيجيءُ إلى المقبرة يقول: قوموا! فيخرجون جانَّاً على صور الأموات الذين ماتوا، فيَظنُّ المُغفّلون وأتباعهم أن هؤلاء هم أهلهم، يقول: تعرفون هؤلاء؟ يقولوا: هذا جدي، وذاك يقول: هذا عمي، هذا يقول: خالي…… يقول: اسألوهم ماذا وجدوا في الآخرة، يجدون أنا ربهم، قولوا لهم كيف الخبر؟ قال: هذا ربكم!هذا ربنا!.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
جنٌّ كفار كذابين، فتقع فتنةٌ كبيرةٌ يَفتتنُ مَن يفتتن، ويثبّتُ الله من يثبت، أمام عقول الخلق كلـهم أعور، وما يقدر يصلّح عينه، ومكتوبٌ عليه كافر، ويعبدونه! أعوذ بالله.. مصائبُ.. عقل الإنسان هذا إذا ما له توفيق من الله وعناية، فإنه يضل، ما عاد يجي على شيء.. مخربط!
قدام عيونهم يشوفونه، عاجزا مسكينا أعور على عينٍ واحدة، وعينُه طافية كأنها عِنَبة، ومع ذلك يتبعونه وكأنه ربُّهمّ، حد بعضهم لأجل الخبز، وبعضهم مبتهرٌ ببعض المظاهر والاختبارات التي يسمونها استدراج، (سَنَسْتَدْرِجُهُم) [الأعراف:182] يستدرجه الله تعالى بها.
فإذا جاء إلى مكة مُنِع من دخول مكة، وهذا آيةٌ من الآيات، هذا يدّعي الربوبية ولا يقدر أن يدخل إلى البلاد! وإذا جاء إلى المدينة ضَرَبَ خيمتَه عند الحجارة السوداء، يقال: بالجُرُف، في محل عيَّّنه ﷺ ويقول: تنظرون ذاك القصر الأبيض؟ هذا قصرَ أحمد. وسبحان الله المكان الذي عيَّنه ﷺ هذا ، إذا التفتَّ من جهته الآن بعد التوسعة في الحرم، تشوفه أبيض، ويقول: تنظرون إلى ذاك القصر الأبيض؟ وهو على شكل قصر الآن مع ما بنوه، في المكان ذاك يتبيّن كأنه قصرٌ، ويقول: إن هذا القصر كان حق أحمد. صلى الله على نبينا، ما بنى قصوراً في الدنيا، بنى مسجده الشريف، ولم يضع لبنةً على لبنةٍ في بيتٍ له ﷺ.
وإذا أحياه يقول: أمتُّك وأحييتُك تعلم أني ربك؟ يقول: أنت الأعور الدجال الخبيث الكذاب، والله ما ازددتُ فيك إلا بصيرةً، حدثَنا عنك رسول الله، فيريدُ أن يقتله فلا يُسلَّط عليه، ما عاد يقدر، ويعلم أنه انتهت أيامه، يرجع هاربًا نحو الشام، ويكون ببيت لُدّ، وينزل سيدنا عيسى ابن مريم شرقي دمشق، والإمام المهدي هناك، عند إقامة الصلاة في الفجر، فينزلُ على جناحَي ملَكَين عند المنارة البيضاء، يقول في الحديث وعاد ما كانت هناك منارات تبنى في أيامه ﷺ.
فيحسُّ به سيدُنا المهدي فيتأخر، ليتقدّم سيدنا عيسى، فيأبى، ويقول قد أقيمت باسمك الصلاة، أنت خليفة محمدٍ ﷺ -نائب عنه- فيصلي هذه الصلاة الأولى مأمومًا، يصلي صلاةَ الصبح، ثم يكون هو الإمام، ولكن في هذه الفريضة يصلّي خلف الإمام المهدي، ثم يتوجّه نحو لُد، يدرك الدجّال بباب لُدّ في فلسطين، فإذا رآه تذاوب كما يتذاوب الملح في الماء فيقتُلُه، وتنتهي فتنةُ الدجال، أربعين يومًا قد ملأ النار خلائقٌ دخلوا فيها والعياذ بالله تعالى، وملايين قد كفروا، وملايين قد ماتوا في أيامه، يكفرون ويموتون على الكفر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وهكذا، يُضلُّ الله مَن يشاء ويهدي من يشاء.
فيارب ثبّتنا على الحق والهدى *** ويارب اقبضنا على خير ملّةِ
اسلك بنا مسالك محبوبيك من المقرّبين إليك في عافية بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
27 جمادى الأول 1444