شرح الموطأ -466- كتاب العقول: باب جَامِعِ العَقْلِ

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقول، باب جَامِعِ الْعَقْلِ.

فجر الإثنين 4 جمادى الأولى 1444هـ.

 باب جَامِعِ الْعَقْلِ

2563 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ, وَأبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ".

قَالَ مَالِكٌ : وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ: أَنَّهُ لاَ دِيَةَ فِيهِ.

2564- وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ، كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتِ الدَّابَّةُ، إِلاَّ أَنْ تَرْمَحَ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحُ لَهُ، وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ بِالْعَقْلِ. قَالَ مَالِكٌ: فَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ أَحْرَى أَنْ يَغْرَمُوا، مِنَ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ.

2565 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ، أَو يَصْنَعُ أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ فِي ذَلِكَ مِنْ جَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَصَاعِداً، فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلاَ غُرْمَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْبِئْرُ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ لِلْمَطَرِ، وَالدَّابَّةُ يَنْزِلُ عَنْهَا الرَّجُلُ لِلْحَاجَةِ، فَيَقِفُهَا عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا غُرْمٌ.

2566 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ، فَيُدْرِكُهُ رَجُلٌ آخَرُ فِي أَثَرِهِ، فَيَجْبِذُ الأَسْفَلُ الأَعْلَى فَيَخِرَّانِ فِي الْبِئْرِ فَيَهْلِكَانِ جَمِيعاً: أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي جَبَذَهُ الدِّيَةَ.

2567 - قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ، أَوْ يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ فَيَهْلِكُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلاَكٍ أَوْ غَيْرِهِ.

2568 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عَقْلٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْقِلُوهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنَ الدِّيَاتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنَ الرِّجَالِ.

2569 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَقْلِ الْمَوَالِي: تُلْزَمُهُ الْعَاقِلَةُ إِنْ شَاؤُوا، وَإِنْ أَبَوْا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُقْطَعِينَ، وَقَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِي زَمَانِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دِيوَانٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وَمَوَالِيهِ، لأَنَّ الْوَلاَءَ لاَ يَنْتَقِلُ، وَلأَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَالَ: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".

قَالَ مَالِكٌ: وَالْوَلاَءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ.

2570 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا أُصِيبَ مِنَ الْبَهَائِمِ: أَنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئاً قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا.

2571 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، فَيُصِيبُ حَدًّا مِنَ الْحُدُودِ: أَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، إِلاَّ الْفِرْيَةَ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى مَنْ قِيلَتْ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: مَا لَكَ لَمْ تَجْلِدْ مَنِ افْتَرَى عَلَيْكَ، فَأَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْمَقْتُولُ الْحَدَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْتَلَ، ثُمَّ يُقْتَلَ، وَلاَ أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ إِلاَّ الْقَتْلَ، لأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.

2572 - وَقَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا وُجِدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ، فِي قَرْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ دَاراً وَلاَ مَكَاناً، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ الْقَتِيلُ، ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ لِيُلَطَّخُوا بِهِ، فَلَيْسَ يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

2573 - قَالَ مَالِكٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا، فَانْكَشَفُوا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ ،لاَ يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي ذَلِكَ: أَنَّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ، وَأَنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ أَوِ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ، فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعاً.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل مودته ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المرتقين بالمجد أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويتحدث سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله- عن مسائل متفرّقة تتعلق بالعقل والديات، ويقول: "عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله تعالى عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: جَرْحُ الْعَجْمَاءِ"؛ تأنيث أعجم، والمراد به الدابة من الحيوانات "الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ"؛  أي: هدر لا شيء فيه، يعني: أراد الجرح الذي لا صنع لأحد فيه ولا يكون باختيار أحد، وإنما إجرام من دابة ليس لها قائد ولا لها سائق في وقت إطلاقها المعتاد، فذلك "جُبَارٌ"؛ يعني: هَدَر لا مؤاخذة عليه ولا مخاطبة فيه "وَالْبِئْرُ"؛ أي: إذا حفرها في ملكه أو فنائه، أو في موضع عام في طريق واسع لأجل سقي الدواب وغيرها، ثم جاء أحد وسقط في تلك البئر فهو "جُبَارٌ".

  • فإذا حفرها في ملكه أو في مواتٍ فيقع فيها إنسان أو غيره فيتلف فلا ضمان. 
  • كذلك لو استأجره لحفرها راح يحفر وقعت عليه البئر فحينئذ لا ضمان كذلك، لأنه لم يستوثق لنفسه ذلك الحفار فالأمر راجع إليه في ترتيب كيفية الحفر وتفادي سقوط شيء عليه. 
  • أما إذا حفرها في ملك غيره أو في طريق المسلمين، فوقع فيها إنسان أو دابة فيضمن ذلك ويكون عليه الضمان.

فإن الضمان يجب أيضًا بسبب. 

ما تأكله أيضًا الدابة من الزرع والشجر حق الغير: 

  • إن كان ذلك في الليل فإن ما تفسده يضمنه مالكها، لأن الليل تحفظ فيه وتحرز الحيوانات ولا تترك. 
  • وأما إذا وقع ذلك في النهار ولم تكن يدري أحد عليها فلا ضمان فيه.

وهكذا جاء عن سيدنا البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنه كانت له ناقة ضارية دخلت حائطًا فأفسدت فيه، فقضى رسول الله ﷺ: 

  • أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها 
  • وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها

المواشي والحيوانات حفظها بالليل على أهلها، فإذا أطلقوها في الليل والناس نيام، ويريدونهم يصلحون حراسة على مزارعهم مساكين في وقت نومهم! فالضمان على صاحبها، أما إذا كان في النهار وأنت تخلي زرعك هكذا، وتجي الحيوانات تأكل وإنت غافل في النهار إحفظ زرعك، وفي الليل أصحاب الماشية يحفظون مواشيهم، وعليهم الأمانة في أن لا يتركوها تفاجئ أحدًا في زرعه ونحوه.

لأن العادة تجري أن المواشي ترسَل في النهار لأجل الرعي وتحفظ في الليل، كذلك عادة أهل الحوائط حفظها بالنهار دون الليل، فإذا ذهبت في الليل كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت العادة فيه أنها تحفظ وأنها تحرز وتمنع من الانطلاق.

وكذلك فيجب الضمان بسبب كما يجب المباشرة، فإذا حفر بئرًا في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه، أو وضع في الطريق حجرًا أو قشر بطيخ ونحوه في طريق المسلمين، وهلك فيه إنسان أو دابة ضمنه، لأنه تلف بعدها بعدوان فضمنه.

وهكذا جاء عن القاضي شُريح: أنه ضَمَّن رجلًا حفر بئرًا فوقع فيه رجل فمات، ويروى كذلك عن سيدنا علي. أما إذا حفرها في ملك نفسه أو في ملك غيره بإذنه، فلا ضمان عليه لأنه غير متعدٍّ بحفرها. 

وكذلك كما تقدم معنا إذا استأجر رجل يحفر بئر حفرها بعدين هدمت عليه ووقع فيها ما يضمن، لأنه على الحفار.. هل هو أبله بليد ما يعرف كيف الحفر ولا يعرف كيف يقي نفسه فلماذا يتعرّض للاستئجار مثل هذا!.. فالأمر راجع إليه.

"وَالْمَعْدِنُ"؛ يعني: المكان الذي يخرج منه شيء من الجواهر وغيرها، "جُبَارٌ"، يعني إذا انهار على من حفر فيه فهلك دمه هدر لا ضمان فيه، "وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" وهو ما يوجد من الذهب والفضة من دفين الجاهلية، فهو ركاز يلزم فيه الخمس حالًا زكاة، ويكون الأربعة الأخماس لمالك الأرض التي وجد فيها ذلك الكنز وذلك الذهب أو الفضة.

وتوسّع في معنى الركاز والمعدن المستخرج أبو حنيفة يقول: هو ما استخرج ذهب أو فضة، أو رصاص أو نحاس أو حديد أو زئبق، كله فيها الخمس عنده، وقيّد ذلك الشافعية بالذهب والفضة، "قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ: أَنَّهُ لاَ دِيَةَ فِيهِ".

قَالَ مَالِكٌ:"الْقَائِدُ" للدابة الذي يقودها من أمامها، "وَالسَّائِقُ" لها الذي يزجرها من خلفها، "وَالرَّاكِبُ" عليها فهؤلاء "كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ"، أكلت، وإن كان في النهار أكلته، ولكنه هذا راكب عليها أكلت الزرع حق الناس وأنت مسؤول عن ذلك، أو يقودها أو يسوقها من ورائها فهو بذلك ضامن، قال: "الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ، كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتِ الدَّابَّةُ"، لأن هذا السير منسوب إليهم هم الذين يسيرونها، سواءً الراكب عليها أو القائد لها أو السائق، لأن مقتضى السوق أو القود سواء، وللراكب يكون ممسكًا بزمامها، "إِلاَّ أَنْ تَرْمَحَ" ترفس برجلها "الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحَ" من أجل ما أثيرت على ذلك الرمح فلا ضمان حينئذٍ، "وَقَدْ قَضَى" يعني حكم سيدنا "عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الرجل الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ" فوطئ على إصبع رجل من جهينة "بِالْعَقْلِ"؛ أي: بالدية، لأنه هو الذي أجرى ذلك الفرس.

"قَالَ مَالِكٌ: فَالْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ أَحْرَى يعني أولى وأجدرأَنْ يَغْرَمُوا"؛ يعني: يؤدوا الغرامة ويقضى عليهم بالدية "مِنَ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ" لأنه إذا أجراها لا يستطيع غالبًا منعها بخلافهم، الراكب على الدابة الذي يقدر يوقفها.

  • قال: ما نفحت برجلها أو ذنبها فلا يضمن، عند أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه وهذا هو الظاهر من قول مالك. 
  • يقول الشافعي والرواية الأخرى عند الإمام أحمد بن حنبل: يضمن. 

وإذا كان الراكب معه رديف، بجواره  يضمنون كلهم أم المتقدم منهم فقط؟ 

  • أبو حنيفة ومالك قالوا: أنت مشارك له وأنت قاعد هنا تخليه يصلح الذي يريد وأنت مالك دور! ولماذا عادك راكب معه رديف. 
  • قال الإمام الشافعي: لا يضمن الرديف؛ لأن زمام الدابة ليس بيده، زمام الدابة مع ذاك، وقال: أنا ما دريت به إلا فك الدابة علينا ودخلها زرع الناس وأنا وراءه والزمام بيده.

فما جنت الدابة بيدها ضمن راكبها ما أصابت من نفس وجرح ومال، وكذلك إذا قادها أو ساقها، هكذا الإمام مالك يقول: لا ضمان عليه، أخذ بعموم "الْعَجْمَاءِ جُبَار".

"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ"؛ يعني: يربطها على الطريق "أَو يَصْنَعُ" أمور أخرى "أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ" قال مالك: في هذه الأمور كلها: "أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يضعه عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ أحد فِي ذَلِكَ مِنْ جَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ". 

  • هذا هو مذهبه ومذهب الشافعي كذلك. 
  • واستثنى أبو حنيفة إذا كان أذن له الإمام فإنه لا يضمن. 

ال: "فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً"، لا يتحمله العاقلة  "وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَصَاعِداً"، كما تقدم معنا مذهبه "فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ"، هذا ما اختاره الإمام مالك والإمام أحمد؛ أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث. وتقدم معنا أن الشافعية قالوا: لا فرق بأن يكون ما تحمله ثلث الدية أو أقل أو أكثر كلهم لا فرق بين القليل والكثير.

"وَمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ"، في طريق واسعة ويعتاد بجانبها ربط الدواب وربطها في جانب، "فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلاَ غُرْمَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْبِئْرُ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ لِلْمَطَرِ"، أي ليجمع فيها ماء المطر،  "وَالدَّابَّةُ يَنْزِلُ عَنْهَا الرَّجُلُ لِلْحَاجَةِ" اليسيرة، "فَيَقِفُهَا عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا غُرْمٌ" يعني لا على الرجل ولا على بيت المال، نعم، أما من تصرف بما لا يجوز له ولا يحق له فيضمن.

"قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ، فَيُدْرِكُهُ رَجُلٌ آخَرُ فِي أَثَرِهِ، فَيَجْبِذُ الأَسْفَلُ الأَعْلَى  فَيَخِرَّانِ فِي الْبِئْرِ فَيَهْلِكَانِ جَمِيعاً" لا حول ولا قوة إلا بالله! هذا بدأ ينزل في البئر، جاء ذا من فوقه ودقه سقطوا معًا في البئر، قال مالك: ففيهم جميعًا "أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي جَبَذَهُ" وهو الأسفل الذي جبذ الأعلى؛ مسكه سقط معه، يقول: الذي هلك منهم بفعل نفسه ما أمسك الثاني ولا تسبب في سقوطه ما عليه شيء، لكن الذي تسبب؛ الذي جبذه هو الذي تسبب في هلاك الثاني وأما كونه هو هلك معه أنت على نفسك! لماذا تجبذ الثاني هذا وحين جبذ الثاني هو سقط معه، فخلاص أنت الجابذ عليك، على عاقلتك الدِّيَةَ. وأما هذاك معذور مسكين ما صلح فيك شيء أنت صلحت في نفسك وجنيت على نفسك، فعلى عاقلة الجابذ "ديّة" الذي جبذه، الأعلى منه.

قَالَ مَالِكٌ "فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ" قال انزل هات لنا دلو فيها أو طلع شيء منها أو هات لنا ماء انزل فيها.. "أَوْ يأمره يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ" يصعد يجيب له التمر، يسقط المسكين "فَيَهْلِكُ" لا حول ولا قوة إلا بالله.. قال مالك: "أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلاَكٍ أَوْ غَيْرِهِ" إذا كسر شيء من أعضائه ومات فهذا ضامن لما أصابه.

فهذا كما يقول الإمام مالك: إذا استعان صغير أو عبد في شيء له بال فهو ضامن لما أصابه؛ لأنه أمره بغير إذن من له الإذن؛ 

  • العبد يعتبر إذن سيده 
  • والصبي يعتبر فيه إذن أبيه إذا كان له أب

 وهذا لا هو أبوه ولا وليّه. حصل صبي على شجرة قال: اقفز اقفز يا ولد اسقط انزل، ارمي نفسك، رمى نفسه وكسر، عليه الضمان حقه.. لماذا تتأمر على طفل مالك حق فيه؟ وتسببت في هذا.. فيضمن.

"وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَقْلِ الْمَوَالِي: تُلْزَمُهُ الْعَاقِلَةُ إِنْ شَاؤُوا، وَإِنْ أَبَوْا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُقْطَعِينَ"؛ يعني: سواءً كانوا من أهل الديوان  أو منقطعين عنه لا يجمعهم ديوان؛ يريد أن مواليه يعقلون معه إن كان  المولى ومعتقوه أهل ديوان يشملهم، أو كانوا غير أهل ديوان فإن كان مولى من أهل ديوان ومعتقوه أهل ديوان أو لم يكونوا أهل ديوان؛ فأهل ديوانه يعقلونه، إن لم يكونوا من قبيلة، وإن لم يكونوا من قبيلة واحدة، وإن كان منهم من ليس من أهل الديوان لم يدخل معهم في الديوان. 

يقول: "وَقَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ"؛ أي: أدَّوا الديات "فِي زَمَنِ  رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِي زَمَانِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دِيوَانٌ"، إذ لم يكن ديوان في زمان رسول اللَّه ﷺ، "وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"، دوّن الدواوين في العرب في عام خمسة عشر من الهجرة النبوية، بعد ما فتح بيت المقدس. قال:"فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وَمَوَالِيهِ، لأَنَّ الْوَلاَءَ لاَ يَنْتَقِلُ، وَلأَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَالَ "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، قَالَ مَالِكٌ: وَالْوَلاَءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ". في الحديث: "الولاء لحمةٌ كلحمة النسب".

"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا أُصِيبَ مِنَ الْبَهَائِمِ: أَنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئاً قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا"، فمن أصاب شيئًا من دابة، فمقدار ما نقص من ثمنها بعد الإصابة يضمنه. 

  • كذلك قال الإمام مالك وكذلك الشافعي والإمام أحمد. 
  • أما أبو حنيفة قال: من فقأ عين شاة القصاب، ما نقص، لأن المقصود هو اللحم فلا يعتبر نقصان، أما عين بقرة الجزار وجزور والحمار والبغل والفرس، يقول أبو حنيفة فيه ربع قيمته. 
  • وعند غيره الاعتبار بما نقص من القيمة.

"يقول مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، فَيُصِيبُ حَدًّا مِنَ الْحُدُودِ: أَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، إِلاَّ الْفِرْيَةَ"؛ وهي أن يقذف أحد، فإذا قذف أحد فعليه حد الفرية. "إِلاَّ الْفِرْيَةَ"؛ يعني: حد القذف لا يندرج في القتل يُجلد أول ثمانين جلدة ثم يقتل، بخلاف غيرها من الحدود. 

قال: "إِلاَّ الْفِرْيَةَ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى مَنْ قِيلَتْ لَهُ"؛ يعني: تلزم العار على المقذوف "يُقَالُ لَهُ: مَا لَكَ لَمْ تَجْلِدْ"؛ يعني: لم تطالب بالحد على "مَنِ افْتَرَى عَلَيْكَ"، إذًا أنت مُقِرّ على نفسك بالجريمة، مقر على نفسك بالفاحشة! "فَأَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْمَقْتُولُ الْحَدَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْتَلَ، ثُمَّ يُقْتَلَ، وَلاَ أَرَى أَنْ يُقَادَ" يقول الإمام مالك "مِنْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ إِلاَّ الْقَتْلَ، لأَنَّ الْقَتْلَ" أشد من هذا،   فصار تدخل الحدود في القتل، من وجب عليه حد لله تعالى من مثل شرب خمر أو غيره ووجب عليه القتل.. نجلده أربعين جلدة؟ خلاص نحن أصلًا سنقتله قتلة واحدة إلا في حد الفرية، كما ذكر الإمام مالك.

وهكذا إذا اجتمعت الحدود تكون أقسام إذا كانت كلها خالصة لله تعالى، هي نوعان: يكون فيها قتل مثل ما سرق، وزنا وهو محصن وشرب الخمر، وهذا ما دامت كلها لله تعالى تتداخل مع بعضها البعض، فيها القتل فقط، ولكن عند الشافعية يُستوفى كل حد ويُنتهى إلى القتل.

يقول -عليه رحمة الله-: "الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا وُجِدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ، فِي قَرْيَةٍ"؛ يعني: وجد بين قوم في قرية "أَوْ غَيْرِهَا، لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ"؛ أي: إلى ذلك المحل "دَاراً وَلاَ مَكَاناً"، لماذا؟ "لأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ الْقَتِيلُ، ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ لِيُلَطَّخُوا بِهِ"؛ يعني: يُرموا به، قال شوفوا هذا تحت داره قتله، وهو واحد قتله وجاء به إلى هناك، "فَلَيْسَ يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ"، فوجود القتيل في محلة قوم أو عند دارهم لا يوجب لطخًا عليهم، ولا يعلق بهم التهمة، ولكن هذا اللوث يأتي فيه حكم القسامة بعد ذلك.

فإذا وُجد القتيل بين قريتين فمن يلزمه الدية أو القسامة من أهل القريتين؟ الأقرب إليهما.. جاء في رواية البزار والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: أن قتيلاً وُجد بين حيين، فأمر النبيﷺ أن يقاس إلى أيهما أقرب، فوُجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر، فألقت ديته عليهم.

وجاء في رواية ابن أبي شيبة وُجد قتيل في اليمن بين وادعة وأرحب، لما وُجد القتيل بينهما، كتب عامل عمر -رضي الله عنه- إليه فكتب إليه: قِس ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم، قاسوا فوجدوه أقرب إلى وادعة،  قال: فأخذنا وأغرمنا وأحلفنا قلنا يا أمير المؤمنين: أتحلفنا وتغرمنا قال: نعم، فأحلف خمسين رجلاً بالله ما قتلت وما علمت، فأقام القسم عليهم، فحلف خمسين رجل بالله ما قتلت وما علمت قاتلا.  

"قَالَ مَالِكٌ: فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا، فَانْكَشَفُوا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ ،لاَ يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ" من القتل أو الجراحة، قال: "إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَت" مَا سَمِعَ الإمام "فِي ذَلِكَ: أَنَّ فيه الْعَقْلَ"؛ يعني: الدية واجبة، "وَأَنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ"، يعني: عقل كل واحد من المقتولين والمجروحين على الفريق المضاد لهم الذي قاموا ضدهم، "وَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ أَوِ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ"؟ واحد دخل بينهم لا هو من هؤلاء ولا من هؤلاء، يمشي في الطريق مسكين  وحصلوه مقتول بينهم "فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعاً"، ومن كان من أحد المتضادين فالعقل على الفريق المضاد.

رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بالكرامة، ودفع عنا الآفات وموجبات الندامة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وحمانا والمسلمين وكشف الشدائد عنّا والمؤمنين، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، ورفعنا مراتب القرب والدنوّ إليه في عافية مع الصلاح والفوز والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

04 جمادى الأول 1444

تاريخ النشر الميلادي

28 نوفمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام