شرح الموطأ -463 - كتاب العقول: باب ما جاء في دِيَة جِرَاحِ العَبْد
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقول، باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ.
فجر الخميس 29 ربيع الثاني 1444هـ.
باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ
2538 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولاَنِ: فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ.
2539 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ: أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ.
2540 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفِي مُنَقَّلَتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَفِي مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ، وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ الأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ، يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَصِحُّ الْعَبْدُ وَيَبْرَأُ، كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ، وَقِيمَتِهِ صَحِيحاً قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ هَذَا، ثُمَّ يَغْرَمُ الَّذِي أَصَابَهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ.
2541 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ ذَلِكَ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ، كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ.
2542 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الأَحْرَارِ، نَفْسُ الأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ، وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ، فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْداً عَمْداً، خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ، فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ، أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِىَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ، فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إِذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَرَضِيَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ الْعَبِيدِ، فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ.
2543 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ: إِنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ أَصَابَ فَعَلَ، أَوْ يُسْلَمَهُ فَيُبَاعُ، فَيُعْطِي الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ دِيَةَ جُرْحِهِ، أَوْ ثَمَنَهُ كُلَّهُ إِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ، وَلاَ يُعْطِي الْيَهُودِيَّ وَلاَ النَّصْرَانِيَّ عَبْداً مُسْلِماً.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله عالم الظهور والبطون، مكرمنا بمنهجه القويم وشرعه المصون، ومبيّنه على لسان عبده الأمين المأمون، سيدنا محمد ﷺ وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه من يهدون بالحق وبه يعدلون، وعلى من تبعهم بإحسان على الصدق والإخلاص في الظهور والبطون إلى اليوم يبعثون، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلق بالديات والعقل ويقول: "باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ"؛ أي: المملوك، أن يصاب فيجرح أو يصيبه وغيره كذلك ويجرحه الله، فإذا قتل العبد حراً أو عكسه أو قطعه فذلك عبدٌ بعبدٍ خطأً أو عمداً يثبت في ذلك المال،
- وهو في الحر دية النفس أو العضو أو الحكومة.
- في العبد قيمته إذا قُتل مهما كانت قليلة أو كثيرة ولو كانت أكثر من دية الحر العبرة بقيمته.
- إلا ما جاء عن أبي حنيفة: أنه ما يتجاوز دية الحر.
وهكذا يقول المالكية والشافعية والحنابلة وكذلك أبو يوسف من الحنفية: أنه يلزم في قتل العبد قيمته تبلغ ما بلغت، قلت على دية الحر أو كثرت.
ثم يقول -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-: "أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولاَنِ: فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ"؛ لأن الحر إذا جُرح فوُضح عظمه فصارت الموضحة عليها نصف عشر دية؛ فكذلك العبد يكون نصف عشر ثمنه، فلو جرح حرًّا وموضحة فعليه نصف عشر ديته، وكذلك إذا جرح عبد فأوضحه عليه نصف عشر ثمنه. فهكذا يقول أيضًا: "أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ: أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ." يعني: من قيمته.
قَالَ مَالِكٌ: "وَالأَمْرُ" المختار "عِنْدَنَا"؛ يعني: في المدينة "أَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفِي مُنَقَّلَتِهِ" كذلك؛ أي العبد إذا أصابته "مُنَقَّلَتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ"؛ أي: قيمته فكما أن دية منقلة الحر خمسة عشر فإذا العشر ونصف العشر من ديته فكذلك هذا من قيمته، "الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ" قيمته "وَفِي مَأْمُومَتِهِ" العبد "وَجَائِفَتِهِ"؛ أي: فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا "مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ ثُلُثُ ثَمَنِهِ"؛ لأن الحر في "مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ ثُلُثُ" ديته فهذا ثلث ثمنه.
"وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ الأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ يجب مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ" واجب ينظر ما نقص من ثمنه بسبب الجناية فيسلمه لسيّده. قال: "يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَصِحُّ الْعَبْدُ وَيَبْرَأُ، كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ" في هذا الحال والوقت "بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ، وبين قِيمَتِهِ إذ كان صَحِيحاً قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ" هذا الجرح، "ثُمَّ يَغْرَمُ"؛ يعني: يدفع "الَّذِي أَصَابَهُ" يغرم "الَّذِي أَصَابَهُ"؛ يعني: الجاني إلى سيد العبد "مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ" التفاوت الذي بينهما، فيضمن ما نقص من قيمته فيما عدا الموضحة وأخواتها.
وهكذا فهمت أن عامة أهل العلم، على أنه ما قُدِّر من دية الحر يقدر من قيمة العبد في سائر الأعضاء.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ" من الغرامة "فَإِنْ أَصَابَ كَسْرُهُ أو كَسْرَهُ نَقْصٌ" فاعل، أصابَ نقصٌ كسره "أَوْ عَثَلٌ" يعني: برأ على غير استواء "عَثَل" برأ على غير استواء، "كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ"؛ يعني: على الجاني "مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ".
قَالَ مَالِكٌ: "الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ"؛ أي مملوك، ذكر كان أو أنثى "كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الأَحْرَارِ" يعني: "نَفْسُ الأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ، وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ" يُقتل على حد قوله تعالى: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)[المائدة:45] وفيه (النَّفْسَ بِالنَّفْس) وهذا هو مذهب مالك والشافعي. ويقول أبو حنيفة: لا قصاص بينهما في الأطراف المملوكيَن. إذًا؛ هنا ثلاثة أقوال:
- أن القصاص بينهم في النفس وما دونها وهذا قول الشافعي ومالك.
- والثاني لا قصاص بينهم لا في النفس ولا في الجرح وأنهم كالبهائم، هذا قول الحسن وابن شبرمة وغيرهم.
- والثالث أن القصاص بينهم في النفس دون ما دونها، وهذا قول أبي حنيفة.
فإذًا؛ يجري القصاص بين العبيد في النفس في قول أكثر أهل العلم، وهو أيضًا الرواية عن أحمد المشهورة في مذهبه.
- ويجري القصاص بينهم في ما دون النفس كذلك وهو أيضا مذهب مالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد.
- والأخرى للإمام أحمد: لا يجري القصاص بينهم فيما دون النفس.
أخذ الجمهور بعموم قوله تعالى: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة:45]. "فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْداً عَمْداً، خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ، فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ، أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ"؛ هذا العقل، "وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِىَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ" القاتل؛ يسلمه إلى سيد المقتول "فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إِذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَرَضِيَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ"، بعد ذلك لأن عدوله عن قتله رضا منه بالمقابل مثل الرضا بالدية.
إذًا؛ إذا "قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْداً عَمْداً، خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ"؛ يعني: قصاصًا "وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ"، فيكون سيد القاتل بالخيار بين أن يدفع إليه قيمة عبده المقتول لأنه الذي أتلف عليه، أو يسلم إليه العبد الجاني، لأنه ليس عليه أكثر من ذلك. قال الشافعي: سيد الجاني مخير بين أن يفتدي بأرش الجناية أو يسلمه بالبيع، فإن كان ثمنه قدر أرش الجناية كان الباقي لسيد الجاني.
وهكذا، يقول: "وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ الْعَبِيدِ، فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ" فالجروح قصاص مثل القتل كما هو عند الجمهور، وسمعت قول الإمام أبي حنيفة: لا قصاص بينهم فيما عدا النفس.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ"؛ أهل الذمة ذا "إِنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ أَصَابَ فَعَلَ، أَوْ أَسْلَمَهُ فَيُبَاعُ، فَيُعْطِي الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ دِيَةَ جُرْحِهِ، أَوْ ثَمَنَهُ كُلَّهُ إِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ، وَلاَ يُعْطِي الْيَهُودِيَّ وَلاَ النَّصْرَانِيَّ عَبْداً مُسْلِماً" فذلك لا يجوز.
ويذكر بعد ذلك ما جاء في دية أهل الذمة، ثم إن العاقلة لا تحمل جناية العبد لأنه لا عاقلة له، أما الجناية على العبد:
- فيقول المالكية والحنابلة وقول عند الشافعية: أن الذي يتحمل قيمة العبد هو القاتل نفسه إن كان حرا وليس عاقلته ولو كان القتل خطأ.
- لكن قال الحنفية وهو الأظهر عند الشافعية: تحمل العاقلة نفس العبد كما تحمل الحر، إنما في العمد لا ما تحمله سواء كان حر أو عبد.
وينتقل للكلام على أهل الذمة.
رزقنا الله الخشية منه والإنابة إليه والأدب معه والصدق في جميع أحوالنا، ووقانا الأسواء والأدواء وجميع البلوى، وتولانا بما تولى به أهل التقوى، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وبلغنا من خيرات الدارين فوق آمالنا، وختم بأحسن الحسنى أعمارنا وآجالنا في لطف وعافية، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
04 جمادى الأول 1444