شرح الموطأ -461 - كتاب العقول: باب ما جاء في عَقْل العَيْن إذا ذهبَ بصَرُها، و باب ما جاء في عَقْل الشِّجَاجِ

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقول: باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا، و باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ.

فجر الإثنين 26 ربيع الثاني 1444هـ.

 باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا

2515 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ: فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إِذَا طَفِئَتْ مِئَةُ دِينَارٍ.

2516 - قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتَرِ الْعَيْنِ، وَحِجَاجِ الْعَيْنِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ الاِجْتِهَادُ، إِلاَّ أَنْ يَنْقُصَ بَصَرُ الْعَيْنِ، فَيَكُونُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ.

2517 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ إِذَا طَفِئَتْ، وَفِي الْيَدِ الشَّلاَّءِ إِذَا قُطِعَتْ، إِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ الاِجْتِهَادُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَقْلٌ مُسَمًّى.

 باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ

2518 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَذْكُرُ: أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ، إِلاَّ أَنْ تَعِيبَ الْوَجْهَ فَيُزَادُ فِي عَقْلِهَا، مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ، فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَاراً.

2519 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ فِي الْمُنَقَّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً.

قَالَ: وَالْمُنَقَّلَةُ الَّتِى يَطِيرُ فِرَاشُهَا مِنَ الْعَظْمِ،وَلاَ تَخْرِقُ إِلَى الدِّمَاغِ، وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَفِي الْوَجْهِ.

2520 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ لَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ.

2521 - قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ.

2522 - قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَأْمُومَةُ مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ، وَلاَ تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلاَّ فِي الرَّأْسِ، وَمَا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ إِذَا خَرَقَ الْعَظْمَ.

2523 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ عَقْلٌ، حَتَّى تَبْلُغَ الْمُوضِحَةَ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْتَهَى إِلَى الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَجَعَلَ فِيهَا خَمْساً مِنَ الإِبِلِ، وَلَمْ تَقْضِ الأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَلاَ فِي الْحَدِيثِ، فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ.

2524 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الأَعْضَاءِ فَفِيهَا ثُلُثُ عَقْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ.

2525 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ لاَ يَرَى ذَلِكَ، وَأَنَا لاَ أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الأَعْضَاءِ فِي الْجَسَدِ أَمْراً مُجْتَمَعاً عَلَيْهِ، وَلَكِنِّي أَرَى فِيهَا الاِجْتِهَادَ، يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.

2526 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقَّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الاِجْتِهَادُ.

2527 - قَالَ مَالِكٌ: فَلاَ أَرَى اللَّحْىَ الأَسْفَلَ وَالأَنْفَ مِنَ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا، لأَنَّهُمَا عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ، وَالرَّأْسُ بَعْدَهُمَا عَظْمٌ وَاحِدٌ.

2528 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنَ الْمُنَقَّلَةِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان عبده المصطفى خير الورى، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله، وأصحابه من رفع الله لهم به قدرا، وعلى أتباعه ومن والاه في الله ومشى على سبيله سراً وجهراً، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، من جعلهم الله سبحانه وتعالى بين الخلائق الأفضلين المصطفين الكبراء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يتابع سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في الموطأ ذكر ما يتعلق بالعقل والديات في قطع الأعضاء والجناية عليها، وذكر البصر، وقال: "باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا"، ولا خلاف بين الفقهاء في أن فقأ العين أو قطعها دية كاملة، إذا كان العينان الاثنتان، وفي الواحدة نصف الدية، سواء كانت العين صغيرة أو كبيرة صحيحة أو مريضة سليمة أو حولاء، إنما اختلفوا في العين العوراء، فهل يلزم في قلعها دية أو قصاص؟ أو تجب فيها حكومة عدل يحكم ويرى؟

وكذلك إذا قلع العين السليمة من الأعور قلع التي ما عاد معه إلا هي هذه الواحدة؟

  • فيقول الشافعية والحنفية: يلزمه نصف الدية؛ لأنه قلع عيناً واحدة وفي العين نصف الدية.
  • وقال المالكية والحنابلة: إذا قلع العين السليمة من الأعور ففيه دية كاملة؛ لأنه فقد البصر نهائيًا.

يقول -عليه رحمة الله-: "أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ: فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ"؛ يعني: الباقية في موضعها " إِذَا أُطْفِئَتْ"، يعني: إذا ذهب نورها، وذهب منها البصر بجناية؛ "مِئَةُ دِينَارٍ"، هذا كلام سيدنا زيد ابن ثابت، ولم يأخذ بذلك الإمام مالك. يقول: "الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ"؛ هي التي بقيت صورتها وهيئتها ولكن ذهب البصر، لطمه لطمة أو تصرف معه تصرف أفقده البصر، والعين محلها قائمة ما خرج منها شيء وهيئتها كما هي، فعند الإمام مالك: ما بقي فيها إلا الاجتهاد، مثل اليد الشلاء إذا قطعت.

قَالَ يَحْيَى: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتَرِ الْعَيْنِ"؛ أي: قطع جفنها الأسفل، قال: "وَحِجَاجِ الْعَيْنِ؟" حجاج العين: العظم المستدير حولها، العظم المشرف على غار العين، "فَقَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ" الذي سئل عنه "إِلاَّ الاِجْتِهَادُ، إِلاَّ أَنْ يَنْقُصَ" بذلك الجرح "بَصَرُ الْعَيْنِ،  فَيَكُونُ لَهُ"؛ أي: المجروح "بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ"، وهكذا فإذا شج حاجبه فبرأ؛ برئ بعد ذلك، فما دام سلمت العين فيه حكومة، وإن نقص من بصره شيء فليس له إلا قدر دية ما نقص من بصره. يعني الحاجب، وإن كان عضو غير العين، فهو من آلات العين وتوابعه، فإذا أصابه بضربة، ولم يؤثر في غير الحاجب؛ اعتبر تأثيرها في الحاجب، وإذا أثرت في البصر، الذي هو مقصود العين سقط تأثيرها في الحاجب؛ لأن فيه الاجتهاد ولم يكن فيه أرش مقدر، فإذا لم يبلغ الموضحة، وهي التي توضح العظم، والموضحة إنما تكون في الرأس أو في الوجه، إذا لم يبلغ الموضحة؛ فإنما فيه الاجتهاد.

"قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ المختار عِنْدَنَا فِي أن الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ" في محلها: "الْعَوْرَاءِ" التي لا تبصر "إِذَا طُفِئَتْ"؛ يعني: أزيلت بجُرح، وإن كان نورها قد ذهب من قبل، "وَفِي الْيَدِ الشَّلاَّءِ" كذلك، وهي: التي ذهبت منفعة البطش عنها  "إِذَا قُطِعَتْ، إِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ الاِجْتِهَادُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَقْلٌ مُسَمًّى"، فلم يثبت عنده ما ورد في ذلك.

ويروي بعض الأئمة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يقول: "قضى النبي ﷺ في العين القائمة السَّادَّة لمكانها؛ بثلث الدية". 

وإذا قطع أو قلع أشفار العينين؛ إذا كان الأربعة ففيه دية كاملة، كل واحد ربع دية، إذا تلفت فلا يرجى عودها؛ ففي كل شفر من أشفار العين؛ ربع دية، ففي الأربعة دية كاملة، وهكذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة.

ولو قلع أو قطع الأهداب وحدها دون الأشفار: 

  • فالأهداب أيضا عند الحنفية والحنابلة فيها دية، مثل قطع الأشفار.
  • قال الشافعية: في قطع الأهداب وحدها حكومة، مثل بقية الشعور،
  • والمالكية يقولون: لا دية في قلع أشفار العينين ولا في أهدابهما، بل تجب فيهما حكومة عدل مطلقة.

هذا ما يتعلق بالعين، وانتقل إلى الشِجَاج.

 

باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ

 

ويتكلم على الشجاج. 

  • والشجاج: ما يكون في الرأس أو الوجه. 
  • والجِراح: ما يكون في سائر البدن.

فالشجاج: الجراحة التي تكون في الرأس والوجه. 

يقول:  "بَاب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاج". "يذكر عن سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ " أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ"، فالجروح الواقعة في الرأس والوجه لها حكم واحد، فمنها: 

  • ما يسمى الحارصة: وهي التي تحرص الجلد يعني تخدشه ،ولا تخرج الدم، يقال لها: حارصة أو خارصة.
  • والثانية الدامعة: التي تظهر الدم ولا تسيله، كالدمع في العين.
  • الثالثة الدامية: التي يسيل منها الدم، وقيل: التي تُدمي دون أن يسيل منها دم، وهذه الدامية.
  • والباضعة: هي التي تشق اللحم بعد الجلد شق خفيف.
  • والمتلاحمة: التي تغوص في اللحم، فتذهب فيه أكثر مما تذهب الباضعة.
  • والسمحاقة: التي تصل إلى الجلدة الرقيقة التي بين اللحم والعظم، هذه الجلدة تسمى السمحاق، سميت الشجة باسمها.
  • والموضحة: التي توضح العظم وتكشفه.
  • والهاشمة: التي تهشم العظم وتكسره.
  • المُنَقِّلة: التي تنقل العظم بعد كسره، أي: تحوّله من موضع إلى موضع آخر.
  • والآمّة: ويقال لها أيضًا: المأمومة، التي تصل إلى أم الدماغ، أي: الجلدة الرقيقة التي تجمع الدماغ، خريطة الدماغ.
  • الدامغة: التي تخرق الجلدة التي تجمع الدماغ وتصل إلى الدماغ، هذه ما عاد يعيش الإنسان معها غالبًا.

فيقول: "أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ، إِلاَّ أَنْ تَعِيبَ الْوَجْهَ فَيُزَادُ فِي عَقْلِهَا"، أي: في دية موضحة الوجه، "مَا بَيْنَهَا"، بين موضحة الرأس "وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ، فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَاراً"؛ يعني: على أهل الذهب، لأن الدية الكاملة على أهل الذهب كانت ألف دينار، فنصف عشرها يكون خمسين دينار، هذا أصل عقل الموضحة، فإذا زيد عليه النصف للعيب صار خمسة وسبعين.

قال محمد: الموضحة في الوجه والرأس في كل واحدة نصف عشر الدية. هذا قول أبي حنيفة أيضًا. الموضحة ما أظهرت عظم الرأس أو عظم الوجه.

"قال مالك: الأَمْرُ" المجتمع عليه "عِنْدَنَا: في أَنَّ الْمُنَقَلَةِ"؛ وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، "خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً"؛ أي من الإبل. وهكذا فالمنقّلة زائدة على الهاشمة، أي: تكسر العظم، وهذا مع كسره تنقله؛ تزيل العظام عن موضعها، فيحتاج إلى نقل العظم ليلتئم، وفيها خمسة عشر من الإبل. "قال مالك: وَالْمُنَقَّلَةُ هي: الَّتِى يَطِيرُ فَرَاشُهَا"، يعني الرقيق مِنَ الْعَظْمِ، قال: "وَلاَ تَخْرِقُ"؛ أي: لا تصل "إِلَى الدِّمَاغِ"؛  تكون قاتلة في الأغلب إذا وصلت الدماغ، "وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَفِي الْوَجْهِ" كما تقدم.

إذًا؛ فالمنقلة: التي أزال فراش العظم، وهي العظم الرقيق، كقشر البصل يعني يزيله الطبيب. فالمنقلة هي التي أزالها الطبيب ونقل صغار العظم منها لأجل الدواء. يقول: "وَلاَ تَخْرِقُ إِلَى الدِّمَاغِ، وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ".

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمَأْمُومَةَ، وَالْجَائِفَةَ"؛ التي تصل للجوف، " لَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ"؛ يعني: قصاص.

  • والمأمومة: ما يصل إلى الدماغ، قدر مغرز إبرة فأكثر.
  • الجائفة: ما يصل إلى الجوف مثل ذلك.

 وليس فيها قَوَد، كما قال أكثر الفقهاء.

"قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري: لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ". فيكون فيها الحكومة ؛فليس في المأمومة ولا في الجائفة قصاص. أيضًا عند الإمام أحمد، وعامة العلماء: كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة. 

روى ابن ماجة في سننه: عن العباس بن عبد المطلب؛ عم النبي ﷺ: قال لا قود في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المتنقلة، لأنهما جرحان، لا تؤمن الزياد فيهما.

"قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَأْمُومَةُ  مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ"؛ أي: يصل إليه، "وَلاَ تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلاَّ فِي الرَّأْسِ" ،  والمأمومة أيضاً يقال لها: الآمّة؛ "مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ"، "وَلاَ تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلاَّ فِي الرَّأْسِ وَمَا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ  إِذَا خَرَقَ الْعَظْمَ". فالجراحة الواصلة إلى أم الدماغ سميت آمة ومأمومة.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ عَقْلٌ"، يعني: دية مسماة، بل فيها الحكومة، "حَتَّى تَبْلُغَ الشجة الْمُوضِحَةَ"، فإذا بلغت شجة جاء فيها الحكم السابق. يقول: "وَالْمَأْمُومَةُ  مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ، وَلاَ تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلاَّ فِي الرَّأْسِ، وَمَا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ، إِذَا خَرَقَ الْعَظْمَ" .

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ عَقْلٌ، حَتَّى تَبْلُغَ الْمُوضِحَةَ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْمُوضِحَةِ  فَمَا فَوْقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْتَهَى إِلَى الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَجَعَلَ فِيهَا خَمْساً مِنَ الإِبِلِ"، فما دون ذلك يرجع إلى الحكومة والاجتهاد. قال: "وَلَمْ تَقْضِ الأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَلاَ فِي الْحَدِيثِ، فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ  بِعَقْلٍ"؛ يعني: من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، ممن يُقتدى به من القديم، إلى زمان سيدنا الإمام مالك، يعني بعد زمانه، ولا في الحديث بعد زمان الخلفاء الراشدين: "فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ" من الشجاج، لم تقض "بِعَقْلٍ"؛ يعني بشيءٍ مسمى معين.

  • فالموضحة أول الشجاج المؤقتة.
  • ما قبلها من الشجاج، لا توقيت فيها، يعني: ما ورد في الشرع تعيين شيء لها ترجع إلى الحكومة.

 ولكن من عند الموضحة، فما بعد؛ جاء الترتيب من الشارع، تحديد ما يلزم صاحبها.

"قال: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الأَعْضَاءِ فَفِيهَا ثُلُثُ عَقْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ"؛ يعني: ما ينفذ في عضو من الأعضاء، أي عضو كان فيها الثلث عقل ذلك العضو الذي نفذت الجراحة إليه، والجمهور قالوا في ذلك حكومة.

"قال مَالِكٌ: وكَانَ ابْنُ شِهَابٍ لاَ يَرَى ذَلِكَ"، وَأَنَا أيضًا، يقول الإمام مالك: "وَأَنَا لا أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الأَعْضَاءِ  فِي الْجَسَدِ أَمْراً مُجْتَمَعاً عَلَيْهِ"، يعني: لا أرى أنا أيضًا، "لاَ أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الأَعْضَاءًِ فِي الْجَسَدِ أَمْراً مُجْتَمَعاً عَلَيْهِ، وَلَكِنِّي أَرَى فِيه الاِجْتِهَادَ، يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا"؛ فهذا قول ابن المسيب ما تابعه عليه العلماء.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الاِجْتِهَادُ".

"قَالَ مَالِكٌ: ولاَ أَرَى اللَّحْي الأَسْفَلَ" أي: عظم الحنك الذي عليه الأسنان، اللحيان الأعلى والأسفل: منبت شعر الخدين والذقن، "وَالأَنْفَ"؛ أي: لا أرى الأنف أيضًا "مِنَ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا، لأَنَّهُمَا عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ، وَالرَّأْسُ بَعْدَهُمَا عَظْمٌ وَاحِدٌ". وجمهور أهل العلم قالوا: الأنف من الوجه واللحي الأسفل من الرأس. كان مذهب مالك سمعته، لكن الجمهور بعد ذلك قالوا: أن الأنف من الوجه و اللحي الأسفل من الرأس.

"ويقول: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ"؛ يعني: أخذ القصاص. فالجمهور؛ أنه ليس في شيء من شجاج الرأس قصاص، سوى الموضحة.

 باب ما جاء في عقل الأصابع

الله يحفظ علينا حقائق الإسلام، والإيمان، واليقين، والدين، والاستقامة، ويتحفنا بالكرامة ويدفع عنا الآفات والأسواء، ويصلح لنا السر والنجوى، ويلحقنا بأهل التقوى، ويعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، ويثبتنا على الصراط المستقيم، ويصلح شؤون  الأمة أجمعين، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

04 جمادى الأول 1444

تاريخ النشر الميلادي

27 نوفمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام