شرح الموطأ -459 - كتاب العقول: باب عَقْل الجَنِين

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقول، باب عَقْلِ الْجَنِينِ.

فجر الأحد 25 ربيع الثاني 1444هـ.

باب عَقْلِ الْجَنِينِ

- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ.

2501- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي الْجَنِينَ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ. فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَالاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلْ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ".

2502- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَاراً، أَوْ سِتَّ مِئَةِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُ مِئَةِ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ.

قَالَ مَالِكٌ: فَدِيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا، وَالْعُشْرُ خَمْسُونَ دِينَاراً، أَوْ سِتُّ مِئَةِ دِرْهَمٍ.

2503- قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ لاَ تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ، حَتَّى يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ وَيَسْقَطَ مِنْ بَطْنِهَا مَيِّتاً.

2504- قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ: أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً.

2505- قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ حَيَاةَ لِلْجَنِينِ إِلاَّ بِالاِسْتِهْلاَلِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الأَمَةِ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ.

2506 - قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً عَمْداً، وَالَّتِي قَتَلَتْ حَامِلٌ، لَمْ يُقَدْ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِنْ قُتِلَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَمْداً أَوْ خَطَأً، فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قُتِلَتْ عَمْداً قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا، وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ، وَإِنْ قُتِلَتْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهَا دِيَتُهَا، وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ.

2507 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ؟ فَقَالَ : أَرَى أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته الغرّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه الكُبراء، ومَن والاهم في الله وسار بمسارهم سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الراقين في كل فضلٍ أعالي الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقربين وعلى جميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

ويذكر سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ما يتعلَّق بعقل الجنين، فيما إذا اعتدى أحدٌ على امرأة حامل؛ فضرَّ الجنين الذي في بطنها، فقتله، فخرج ميِّتًا وما يتعلَّق بذلك من المسائل. وذكر لنا حديث أبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ" وهذيل هذا ابن مُدركة بن إلياس. وجاء في رواية، أنه: كان له امرأتان إحداهما هُذلية والأخرى عامرية، فضربت الهُذلية بطن العامرية. وجاء في ذلك روايات.

قال: "رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى" بحجر "فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا"؛ يعني: ألقته، ألقت جنينها المذكور، "فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ"؛ أي: حكم عليه الصَّلاة والسَّلام، "بِغُرَّةٍ"؛ أي: عبَّرَ به عن الجسد كامل، عن "عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ"؛ يعني: يُسَلِّم هذا الذي جنى على الحامل فأخرجت الجنين. يُسَلِّم عبدًا أو أمة سالم من العيوب.  

والتعبير أيضًا بالغُرَّة يدل على أنه من الخِيار، ويقول: القضاء بالغرَّة في دِيَّة الجنين، على هذا اتفق الفقهاء -عليهم رضوان الله- أن: الواجب في الجناية التي ترتب عليها انفصال الجنين من بطن أُمه ميتًا؛ غُرَّة سواءً كانت الجناية بضرب أو بتخويف أو بصياح أوغير ذلك مما سبب إنزال الجنين. فإذا خرج ميتًا؛ وجب فيه الغرَّة وسواء كانت الجناية عمدًا أو خطأ، كما جاءنا في هذا الحديث. 

والحديث أيضًا في الصَّحيحين: "أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ". تفسير للغُرَّة؛ الغرة تكون عبدًا أو وليدًا، ولا فرق بين أن يكون الجنين ذكرًا أو أنثى. أما إذا ألقت الجنين حي، خرج ومات، وعُلِمَ أن موته بسبب الجناية التي كانت؛ فهذا فيه دِيَّة كاملة؛ ليس فيه غُرَّة لأنه نفس قد برزت إلى الوجود حيَّةً وكان موتها بسبب الجناية المُتقدمة؛ فيلزم فيه الدِّية. 

لكن إذا ألقت الجنين ميتًا، وكذلك إذا ماتت ثم ألقت الجنين ميتًا بعد موتها: 

  • فالحنفية والمالكية يقولون: الجنين يموت بموت أمه، ينقطع عنه النَّفس بانقطاع نفس أمه؛ فليس فيه شيء. 
  • يقول الشَّافعية والحنابلة: تجب فيه غُرَّة أيضًا لأنه جنينٌ تلف بالجناية التي كانت من الجاني على أُمه، فعُلِمَ ذلك بخروجه. 

وأن الموت في الغالب يكون بالجناية لا بموت أُمه، كما لو سقط في حياتها؛ متفق على أنه صار آدمي موروث.  فإذا خرج في حياتها وبالاتفاق؛ تجب فيه الغُرَّة. قالوا: فكذلك إذا ماتت ثم خرج ميتًا فكذلك.  أمّا إذا خرج حيًا فإنه نفس، إن حصل الموت بسبب الجناية؛ فهذا قتل نفس تجيب فيه الدِّية، كما تقدَّمت معنا أحكام الدِّية. وهكذا فإذا ألقت بعد الجناية جنينين ميتين أو ألقت ثلاثة؛ على كل واحد غُرَّة،  غُرَّتين، ثلاث غُرَرْ على حسب ما تلقي من الأجنّّة. 

  • إن كان جنين واحد؛ فغُرَّة واحدة وهو مملوك أو جارية مملوكة. 
  • فإذا ألقت من الأجنة أحياء ثم ماتوا؛ تعددت أيضًا الدِّية.
  •  وإن كان بعضهم حي فمات، وبعضهم ألقته ميِّت؟ في الحي دِيّة، وفي الميت غُرَّة. 

وهكذا إذا قد ظهر بعض خلقه في بطن أُمه فخرج ميتًا؛ فتلزم فيه الغُرَّة. ويقول الإمام مالك: لا تلزم الغُرَّة حتى تُلقيه كاملًا. فالمراد الأصل في الغُرَّة هذا بياض في الجبهة، وفي الحديث: "أنتمْ الغُرُّ المُحَجَّلُونَ يومَ القيامةِ، من إسباغِ الوُضوءِ"؛ يعني: تبيض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة. والأغر من الخيل؛ الذي غُرَّتُه أكبر من الدرهم. والمراد بالغُرَّة هنا: العبد والأمة.

  • فهي في الاصطلاح تُطلق على:  ما فوق الواجب من الوجه أيضًا، وفيه إطالة الغرة في الوضوء. 
  • وتطلق على ما يجب في الجناية على الجنين، يقال له: غُرَّة وهي أمة أو عبد مميز سليم من العيوب.

فإذًا لا بُد أن يكون ذلك العبد أو الأمة سالمين من العيوب التي يثبت بها الرّد في البيع؛ لأن المعيب ليس من الخيار، بل ليس بغُرَّة، فيشترط أن يكون منتفعًا به؛ فلهذا قال الشَّافعي: لا ينقص عن سبع سنين لأن مَن لم يبلُغها؛ لا يستقل غالبًا بنفسه، يحتاج إلى تعهد بتربية، ويحتاج .. فلا يُجبَر المستحق على أخذه. قم ربِّ لك هذا ما يزال صغير، هات لي، واحد يخدمنا الآن وقد جنيت علي، تجيب لي واحد أخدمه وأقوم به! أعطني واحد يقوم معي ويخدمنا، ويؤدي واجبه معي؛ لهذا قال: لا يُجبر على أخذه إذا كان أقل من سبع سنين. وبعضهم أخذ من لفظ الغلام: مَن لا يزيد على خمسة عشر سنة، ولا تزيد الجارية على عشرين سنة، وعلى كُل حال ما قد جاوز حدود التربية ونشط، فيمكن ولو كذلك ما لم يبلغ حد الهرم، فكُله يُجزئ؛ يكفي غُرّة في دفع العقل عن الجاني الذي جنى على امرأة حامل. 

وذكر لنا حديث "سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي الْجَنِينَ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ."، فصادف أحد من الأعراب جاء بكلمات يرددها، ويريد أن يتملص من أداء هذا الواجب والحكم النَّبوي. "فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ" فإن حكم عليه بالغُرّة، ولي المرأة التي غُرَّت؛ يعني: التي قضى عليها بالغُرَّة. وبعضهم قال إنه: زوجها. قال: وردد هذا الكلام "كَيْفَ أَغْرَمُ مَالاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلْ"؛ يعني: أضمن ما لا شرب ولا أكل، مازال جنين. "وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلْ"؛ يعني لم يرفع صوته عند الولادة، فكان يتعجب من إيجاب الدِّية. "وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ"، وفي نسخ: "يُطل"؛ يعني يُهدر. فلمَّا سمع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم هذا الترديد بالسجع، "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ". يأتون كلمات للناس يُسَجِعُونَها ويَمَشُون عليها باطلهم وكذبهم وزورهم. حكم من الله ورسوله جاءكم! كلام فارغ، ولا يفيد صاحبه شيء! "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ". والحديث إذًا جاء في صحيح مُسلم، فمن أجل السَّجع هذا الذي سَجَعَ فيه، شبّهَه بهم؛ لمُشابَهتِه كلامه كلامهم. 

ذمّه لأنه أراد بِسَجِعه، دفع ما أوجبه صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم، وكان من الجاهلين؛ فلم يعاقبه، ولا يحتاج تعزير هذا ولكنه أعرض عنه ﷺ،(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، صلَّى الله عليه وآله وصحبه وآله وسلَّم. 

وذكر بعد ذلك "عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَاراً، أَوْ سِتَّ مِئَةِ دِرْهَمٍ"؛ يعني: أن العبد أو الأمة لا يكفي إلا أن يساوي ذلك. فإذا جاء بغرّة أقل من هذا المبلغ؛ لا تجزئ أن تكون دية للجنين إذا قُتل، فلا بُد أن يكون ذلك. وعليه أيضًا الأئمة، يقولون الإمام مالك والشَّافعي: أنه اشترط في الغُرّة بلوغها نصف عشر الدِّية. 

قال: "وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُ مِئَةِ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ"؛ 

  • خمس مئة دينار على أهل الذهب. 
  • وستة آلاف درهم عند أهل الورق. 

وهذا على مذهب الإمام مالك كما تقدَّم معنا، بل الأئمة الأربعة على أن: دية المرأة نصف دية الرَّجل. "قَالَ مَالِكٌ: فَدِيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ -المسلمة- عُشْرُ دِيَتِهَا، وَالْعُشْرُ خَمْسُونَ دِينَاراً"، يُجْمَعْن "أَوْ سِتُّ مِئَةِ دِرْهَمٍ" عند الإمام مالك، من جهة الصَّرف. هل يُصرف بعشرة أو إحدى عشر أو اثنى عشر؟ وقد يختلف الصَّرف من وقت إلى وقت، يقوَّم كم يسَاوي الدّينار من الدّراهم.

يقول مَالِكٌ: "وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ لاَ تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ، حَتَّى يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ وَيَسْقَطَ مِنْ بَطْنِهَا مَيِّتاً." فما تلزم الغُرّة وهذه الدِّية إلا إذا سقط من بطن أمه وفارق الحياة. أما ما دام وسط بطن أمه؛ ليس هناك تقدير، كم يَغرَم؟ وماذا أصاب الجنين؟ ما ندري بشيء حتى يخرج الجنين. فإذا خرج الجنين ميتًا بسبب الجناية؛ وجبت الغُرّة فتلزم. تجب إذا سقط من الضربة، بأن يسقط عقب الضرب أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط من بطنها. 

أما لو وقعت الجناية على حامل لم يسقط جنينها؛ فليس هناك ضمان على الجنين ولكن فقط ضمان الاعتداء على الأم. ويقول الإمام مالك: إذا سكن بعد حركة، فكان الجنين يتحرك ولكن بعد الجناية هذه سكن؛ لم تعد هناك حركة، فعند الأئمة عامة: لا نعلم أنه بهذا أو بغيره. 

  • ولكن يقول الإمام مالك: الظاهر أنه قتل الجنين؛ فتلزمه الغُرّة. 
  • والجمهور على أنه لا يثبت.

 كما أشار إمام مالك إلا أن يُزايل بطن أمه، ويسقط من بطنها. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ: أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً." فحينئذٍ  يُعتبر هل هو ذكر أو أنثى، وهذا من المُجمع عليه. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ حَيَاةَ لِلْجَنِينِ إِلاَّ بِالاِسْتِهْلاَلِ"؛ يعني: رفع الصوت عند الولادة. "فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ"؛ صاح. "ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً."؛ فعلامة الحياة المُستقرة، صياح وبكاء. 

  • خصص الإمام مالك العلم بحياته بالاستهلال وهو الصّياح ورفع الصّوت 
  • ولكن يقول بقية العلماء والأئمة: إذا عُلمَت حياته بأي علامة من العلامات، بحركة اختيارية أو بعُطاس؛ فتيقن بذلك حياته؛ ففيه الدِّية. 

قال الإمام مالك: مجرد عطاس لم يأخذ به، ومجرد حركة لم يأخذ به. قال: فإذا استهل؛ فيه الدّية. وإذا لم يستهل؛ ففيه الغُرَّة. خصص الإمام مالك معرفة حياته بالاستهلال فقط وهو صياحه وبكاؤه. أما إذا لم يكن ذلك، فعنده شك أنه لم يكن حيًا بعد خروجه، وقد يكون هذا أثر من الآثار يحصل لمَن يخرج ميتًا؛ ففيه الغُرَّة فقط. وإنما تكون الدِّية إذا استهل، واستأنس بالحديث الذي جاء عند البيهقي: "إذا استَهلَّ المولود.. وَرِثَ وُوُرِّثَ" ولكن الاستهلال هو واحد من العلامة، وليس المقصود أنه  ليس من علامة إلا الاستهلال، فأي علامة ظهرت من حركة اختيارية ومن باب أولى إذا كان رضاع أو كان هناك عطاس ونحو ذلك، فهذا كُله يدل على أنه خرج حيًا، ثم مات، فتلزم الدِّية. 

قال الإمام مالك: "وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الأَمَةِ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ"، إذا كان ابنها من غير سيِّدها. فإذا كان ابنها من سيِّدها، حكمه حكم ولد الحُرّة ولكن إذا كانت حامل من متزوجة به ولم تكن من سيِّدها حامل. فإذا كان جنين الأمة مملوك، فسقط من الضربة ميتًا؛ فيه عُشر قيمة أمّه. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً عَمْداً، وَالَّتِي قَتَلَتْ حَامِلٌ"؛ القاتلة الجانية حامل، "لَمْ يُقَدْ مِنْهَا"؛ لا يؤخذ القصاص "حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا"؛ ما يقيمون عليها الحد الآن، إذا قتلت المرأة رجلًا أو امرأة عمدًا، وكانت حاملًا؛ فلا يجوز أن يُقتَص من حامل قبل وضعها، اتركها حتى تضع، سواء كانت حاملًا وقت الجناية أو طرأ عليها الحمل قبل استيفاء القِصاص، خلاص، إذا ثبت حملها، فلا يمكن إقامة الحد عليها حتى تضع. جاء في رواية بن ماجة عن عدد من الصحابة، قالوا: "إذا قتِلَتْ المرأة عمدًا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملًا، وحتى تُكفِّل ولدها"، كما حكم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالنسبة للغامدية التي استوجبت حدًا، فلم يُقم عليها الحد، "وقال: اذهبي حتى تضعيه، وجاءت به. فقال: اذهبي حتى ترضعيه." فإذا اغتنى عنها؛ يُقام عليها الحد، وكذلك القِصاص.

قال: "وَإِنْ قُتِلَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَمْداً أَوْ خَطَأً، فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا"؛ أي: على قاتل "فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قُتِلَتْ" المرأة وهي حامل "عَمْداً قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ"؛ شيء، "فَإِنْ قُتِلَتْ عَمْداً قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا"؛ يعني قصاصًا وليس في جنينها دية، "وَإِنْ قُتِلَتْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهَا دِيَتُهَا، وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ"؛ يعني: إذا بقي الجنين في بطنها ولم يخرج حيًا ولا ميتًا قبل موتها. قال الإمام الشَّافعي والإمام أحمد -كما تقدَّمت الإشارة معنا-: أن هذا يأخذ جزاء قتله للأم وعليه الغُرَّة أيضًا. إذًا؛ فعليه دية وعليه الغُرَّة لأن الظاهر موته بهذه الجناية وبهذا الضرب، يجب الغُرَّة مع دية الأم.

و "سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ."؛ يعني: يُلقى بالضرب؛ يُطرح. فقال في هذا الجنين: عُشر دية أمه وهي نصف دية المُسلم. 

وأصلح الله أمور المُسلمين وعصم دماؤهم، وحفظ أعراضهم وأموالهم ودفع الآفات عنّا وعنهم، وأصلح شؤونهم بما أصلح به شؤون الصَّالحين، ووقانا وإياهم الأسواء والأدواء وكل بلوى، وعاملنا بفضله وما هو أهله بالسِّر والنجوى، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

26 ربيع الثاني 1444

تاريخ النشر الميلادي

20 نوفمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام