شرح الموطأ -458 - كتاب العقول: باب عَقْلِ المرأة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقول، باب عَقْلِ الْمَرْأَةِ.

فجر الخميس 22 ربيع الثاني 1444هـ.

 باب عَقْلِ الْمَرْأَةِ

2494- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ إِصْبَعُهَا كَإِصْبَعِهِ، وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ، وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ، وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقَّلَتِهِ.

2495- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَبَلَغَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولاَنِ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمَرْأَةِ: أَنَّهَا تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ كَانَتْ إِلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ.

2496- قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقَّلَةِ وَمَا دُونَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا، مِمَّا يَكُونُ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَصَاعِداً، فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ كَانَ عَقْلُهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفَ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ.

2497- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ: أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَلاَ يُقَادُ مِنْهُ.

2498- قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَأ، أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبَهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ، كَمَا يَضْرِبُهَا بِسَوْطٍ فَيَفْقَأُ عَيْنَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

2499- قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلاَ قَوْمِهَا، فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا كَانَ مِنْ قِبِيلَةٍ أُخْرَى مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهَا شَيْءٌ، وَلاَ عَلَى وَلَدِهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا، وَلاَ عَلَى إِخْوَتِهَا مِنْ أُمِّهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلاَ قَوْمِهَا، فَهَؤُلاَءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا، وَالْعَصَبَةُ عَلَيْهِمُ الْعَقْلُ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَذَلِكَ مَوَالِي الْمَرْأَةِ، مِيرَاثُهُمْ لِوَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهَا، وَعَقْلُ جِنَايَةِ الْمَوَالِي عَلَى قَبِيلَتِهَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريّته سيِّدنا مُحمَّد عبد الله وخيرته وصفوته، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته وعلى أهل ولائه ومُتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الراقين في الفضل أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المُقرَّبين وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

يتابع الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- ما يتعلَّق بالدِّية، ويذكر دية المرأة وعقل المرأة، فيقول: "عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ إِصْبَعُهَا كَإِصْبَعِهِ، وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ، وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ، وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقَّلَتِهِ". وهذا مذهب الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- كما هو مذهب غيره من الأئمة. والذي جاء في الدِّية، دية النَّفس، اتفاقهم أنه يلزم نصف دية الرّجل إذا قُتلت المرأة، فيقول: أن الأنثى الحُرة المُسلمة، نصف دية الرّجل الذّكر الحُر المُسلم. وهذا جاء فيه حديث عنه صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، وجاء عن جماعة من الصَّحابة، وبذلك يقول ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة، نصف دية الرّجل. لما جاء عن معاذ عن النَّبي ﷺ قال: "دية المرأة على النِّصف من دية الرّجل"، وهذا في دية النَّفس. 

واختلفوا كذلك في دية الأطراف كما قرأنا كلام ابن المُسَيِّب هذا، أنها إلى أن تصل إلى ثُلث الدِّية، وأما ما يكون من ثُلث الدِّية فأكثر فيرجع فيه إلى النِّصف. يقول الحنفية والشَّافعية: أنها أيضًا على النِّصف من دية الأطراف كما هي على النِّصف من دية النَّفس؛ دية النَّفس نصف وكذلك دية الأطراف والجراح، فتكون بالنسبة لما يُسلم. 

وهذا الذي شرعه الله -تبارك وتعالى- من تسليم المال مع كونه على العموم زجرًا وتأديبًا، وفيه أيضًا معاوضة في جانب كسب المال، ولمّا أن الكسب غالبًا يكون على أيدي الرّجال أكثر؛ فكان التعويض لهذا أكثر في واقع المجتمع أو في عموم المجتمع، لا علاقة لذلك بالقدر أو بالمكانة أو بالدرجة عند الله أو بالتكريم والتعظيم؛ لا علاقة له بشيء من ذلك. فإنه يعظم الثواب إذا قُتل رجل، فسامح أولياؤه في الدِّية، وليس في ذلك أنهم نقصوا قدره أو أنهم اعتبروه لا شيء أو ما يساوي شيء، ليس شيء من هذا الكلام، فإن هذه الدِّية ما جُعلت مقابل قدر أي آدمي كان، فإن الآدمي ما تساويه الدُّنيا وما فيها وجميع ملكها ما يساويه شيء ولكن هذا جاء لمجال التعويض في جانب ما يحتاجه النَّاس من كسب الأموال. 

ولمّا كان الكسب عند الرّجال هو الغالب وهم الذين أُلزموا بالنفقة على مَن عداهم من أبناء وبنات ومن زوجات وما إلى ذلك، وأن وجود الثّريّة وصاحبة المال والقدرة على الإنفاق من النِّساء، يكون على وجه نادر بالنسبة للرجل. ففي جوانب الأموال جاءت هذه الشَّريعة بهذه المُراعاة لحاجة النَّاس للمال؛ لا علاقة لها بقيمهم، فقيمهم أكبر من جميع المال من يوم قامت الدُّنيا إلى أن تقوم السَّاعة، "لَزوالُ الدُّنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ رجلٍ مسلمٍ"، وامرأة مُسلمة وإلى غير ذلك. 

وهكذا كما جُعلت أيضًا الدِّية في الجراح كما هي في النَّفس عند الشَّافعية وعند الحنفية كذلك. يقول المالكية والحنابلة، هذا الذي ذكره الإمام مالك هنا، يقولون مثلهم الحنابلة: إن بالنسبة للجراح تساوي الرّجل في دية الأطراف إلى أن تبلغ ثُلث الدِّية. إذا بلغت ثُلث الدِّية رجعت إلى عقلها. 

  • فإذا قُطع لها مثلًا ثلاث أصابع؛ فلها ثلاثون من الإبل كمثل الرّجل. 
  • إذا قُطع لها أربع أصابع؛ تأخذ نصف ما يأخذه الرّجل؛ يعني الرجل يأخذ أربعين، هي تأخذ عشرين الآن لأن جاوزت الثُّلث. 

إذا جاوزت الثُّلث الدِّية؛ ترجع إلى النِّصف، وما قبل الثُّلث؛ فتساوي الرّجل، هذا بالنسبة للتعويض، هذا مذهب الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-. 

ويروون في ذلك عن عُمَر وابن عُمَر وزيد بن ثابت، ويروون فيه حديثًا عند النَّسائي وإسناده ضعيف، يقول ﷺ: "عَقْلُ المرأة مثل عَقْل الرَّجُلِ حتى يبلُغَ الثلث من دِيَتِها". أخذ به الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل. 

ولضعفه والإجماع على أنها في النَّفس نصف دية الرّجل. قال الإمام أبو حنيفة والإمام الشَّافعي: أن في جميع الجراح؛ فديتها نصف دية الرّجل. 

وهكذا كما أشرنا لا اعتبار له بمسألة الدرجة أو القيمة أو مثله ولا يُدرى من الأفضل. هذا بالنسبة لما يتعلَّق بالمال. أما بالنسبة للإثم؛ فواحد. إنما من كان على منزلة عند الله -سواءً كان رجل أو امرأة- فالاعتداء عليه أشد، أشد غضبًا عند الله -سواء كان رجل أو امرأة-؛ لا فرق بينهم الذي هو أقرب عند الله وأحب إلى الله؛ يكون أعظم إثمًا وأشد جُرمًا وأعظم غضبًا عليه من الله -تبارك وتعالى-؛ فلا فرق في ذلك إلا من حيث المنزلة عند الله. وأما فمسألة الإثم لا تختلف. وأما مسألة العقل والدّية فهذا هو الذي راع فيه الشَّارع الغالب، من أسباب كسب المال وجمعه في واقع النَّاس والمجتمعات، فجعل لهذا مقابل يزيد على هذا، وكلّه مجرد تنبيه فقط للفاعل وإلا فالإثم عظيم لمَن تعمَّد ومَن أخطأ فليكن تذكرة له، وعليه أن يتنبه لئلا يقع في مثل ذلك في باقي عمره.

وهكذا يروي لنا الحديث الثاني عن "سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمَرْأَةِ: أَنَّهَا تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ كَانَتْ إِلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ". 

"قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقَّلَةِ" من هذه الجراحات التي تكون أخف "وَمَا دُونَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا"، فالدية فيها عشر من الإبل، أقل من الثُّلث فعندهم سواء، "مِمَّا يَكُونُ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَصَاعِداً"؛ أي: زائد من الثُّلث مثل اليد والرجل؛ فالدية في كل واحد منها النِّصف "فَإِذَا بَلَغَتْ" ديتها "ذَلِكَ"؛ يعني: الثُّلث أو أكثر من الثُّلث  "كَانَ عَقْلُهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفَ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ"، على الأصل المذكور. وفيه أيضًا رجوع الإمامين فيما زاد على الثُّلث الدِّية إلى ما قال أبو حنيفة والشَّافعي: أنه النِّصف، فلم يجدوا محيدًا عن ذلك فيما زاد على الثُّلث.

قال مَالِكٍ: "أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ: أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ"؛ على الزوج، وأرشه "وَلاَ يُقَادُ مِنْهُ"؛ يعني: ما يقتص منه.

"قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَأ"، مثل "أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبَهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ"؛ ما أراد، "كَمَا" لو كان مثلًا "يَضْرِبُهَا بِسَوْطٍ" فجاء على عينها "فَيَفْقَأُ عَيْنَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ". لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وَنَحْوَ ذَلِكَ من جرح؛ فهو مأثوم إذا قصد الوجه لكن لم يقصد أنه يُفسد عليها عينها فحصل ذلك، فعليه أن يُسلّم الدِّية. 

  • وهكذا يقول أبو حنيفة أيضًا والشَّافعي: أنه إذا كان في مشروعية التأديب؛ المُعلم مع الطالب أو ولي الأمر مع الولد أو الزوج مع الزوجة؛ أنه إذا كان ناتج عن التَّأديب المشروع في نشوزها، فهناك الضّمان عند أبو حنيفة والشَّافعي، يضمن لأنه جاوز حده بيقين. 
  • ويلاحظ الإمام مالك والإمام أحمد أن أصل فعله مشروع، فتجاوزه الحد يكون غير مقصود له؛ فأسقطوا في ذلك الضَّمان. وقال: ليس على الزوج ضمان الزوجة إذا تلفت من التَّأديب المشروع في النّشوز، ولا على المعلم إذا أدب صبيه الأدب المشروع.

 لكن ما يكون الأدب المشروع يؤدي إلى شيء من هذا، فإن الضربة المشروعة للتأديب اشترط فيه: أن لا يكسر عظمًا ولا يسيل دمًا، وأن لا يكون في الوجه، ولا يكون إلا في مثل اليد أو الرجل إلى غير ذلك من القيود التي جاءت، وأن لا يبلغ به أدنى الحدود. وقيل: لا يجاوز عشر أسواط. وقيل: لا يجاوز ثلاث ضربات لأجل التَّأديب وهكذا. فما يحصل تلف إلا من مجاوزة الحد الذي شُرع للتأديب. 

وكذلك قد يكون لسبب من الأسباب أن الذي أُقيم عليه حد قذف أو حد شرب خمر صدف أن مات؛ أن قتل؛ فهذا أيضًا ناتج عن تأديب مشروع له. فإذا لم يُعلَم قبل أنه من مرضه أو من حالته أنه يؤدي الضرب هذا إلى موته، لم يُعلم ذلك؛ فليس هناك شيء. ولكن إن عُلم ذلك؛ وجب عليهم أن يُفرّقوا هذا الضرب حتى يتحمله جسده، ولا يكون في وقت واحد حتى يؤدي إلى قتله، فلا بُدّ من مُراعاة ذلك. فإذا لم يُعرَف ذلك وصادف أنه قُتِل؛ فذلك جاء عن أمر مشروع، فما جاوز المشروع فالضمان فيه بإجماع.

"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا."، إذًا علمنا في مسألة الضَّرب للتأديب، وإذا ضرب مثلًا امرأة ناشزة لكن بالقيود المنصوص عليها، ضرب تأديب يُقصد منه الصَّلاح لا غير، إذا أفضى إلى تلف أو هلاك وجب الغُرم لأنه لن يؤدي إلى تلف إلا وهو جاوز الحد. 

  • فبذلك يقول الحنفية والشَّافعية وكذلك قول عند المالكية قوي عندهم في المذهب أنه يضمن. 
  • الحنابلة قالوا: المرأة الناشزة إن تلفت من ضرب زوجها المشروع للتأديب؛ فلا ضمان. لكن قولهم المشروع يخرج كونه الوصول للتلف ما يتأتى أن تتلف بالضرب المشروع إلا إن كان شيء سبب آخر لها، تكون بها علة أخرى، مرض آخر، فصادف أن جاء على محل فيه جرح لها أو فيه مرضٌ فيها فأصاب ذلك، فعليه أن يتنبه لذلك. 

وعلى كُل فالأئمة الثلاثة يقولون: أن ذلك يوجب الضّمان عليه وأن يُسلِّم الدّية.

وقَالَ مَالِكٌ:  "فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلاَ قَوْمِهَا، فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا كَانَ مِنْ قِبِيلَةٍ أُخْرَى مِنْ عَقْلِ"؛ أي: دية "جِنَايَتِهَا" التي كانت في خطأ "شَيْءٌ، وَلاَ عَلَى وَلَدِهَا إِذَا كَانُوا"؛ عندها أولاد "مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا، وَلاَ عَلَى إِخْوَتِهَا مِنْ أُمِّهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا"؛ إخوان من الأُم، "وَلاَ قَوْمِهَا، فَهَؤُلاَءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا"، على حصصهم في القرآن والسُّنّة.

"وَالْعَصَبَةُ عَلَيْهِمُ الْعَقْلُ"؛ أي: الدِّية "مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْيَوْمِ"؛ يعني: إلى الآن، "وَكَذَلِكَ مَوَالِي الْمَرْأَةِ"؛ الذين أعتقتهم المرأة، يكون "مِيرَاثُهُمْ لِوَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهَا"؛ لأن الميراث ما يختص بالقبيلة، وَيكون "عَقْلُ جِنَايَةِ الْمَوَالِي عَلَى قَبِيلَتِهَا.".

إذًا؛ لا خلاف بين أهل العلم أن:

  • العاقلة العصبات، وأن غيرهم من الإخوة من الأم، وسائر ذوي الأرحام والزوج، وكل مَن عدا العصبة؛ ليسوا من العاقلة الذين يُسلِّمون. 
  • والآباء والبنين؛ مُختلف فيهم بين الأئمة، هل هم من العاقلة الذين عليهم أن يودوا ويُسلِّمون في الدّية أو لا؟ الأصول والفروع. 
  • فأما غير الأصول والفروع من القرابة؛ فبالاجماع أنهم هم العاقلة. 
  • وجاءت روايتان عن الإمام أحمد، فرواية كل العصبة من العاقلة حتى الآباء والأبناء، فعلى أب القاتل أن يُسلِّم حظه من دية الخطأ لولده، دية قتل الخطأ لولده وكذلك الابن. 
  • وهذا أيضًا مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة، هذه الرواية عن الإمام أحمد. 

لما جاء أنه قضى رسول الله ﷺ أن عقل المرأة بين عصبتها مَن كانوا لا يرثون منها شيئًا إلا ما فضل عن ورثتها، فهم عصبة فأشبهوا الأخوة، الأبناء والآباء كذلك. 

  • الرواية الثانية عن الإمام أحمد: ليس الآباء والأبناء من العاقلة. 
  • هذا قول الشّٰافعي، مذهب الإمام الشَّافعي: أن العاقلة التي تغرم دية الخطأ عن القاتل الخطأ، فهم قرابته من غير الأصول والفروع، غير أبوه وولده مع أنهم هم أقرب. 
  • ولكن عند الإمام أبي حنيفة والإمام مالك: كلُّهم يدخلونهم على الأب يُسلِّم، وعلى الابن يُسلِّم مع بقية العاقلة من إخوانه ومن أعمامه ومن بني عمومته وهكذا.

وجاء عن أبي هريرة أنه قال: اقتتلت امرأتان من هُذيل ورمت إحداهما الأخرى، فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومَن معهم. فجعل ﷺ دية المقتولة على عاقلتها، برأ زوجها وولدها. فقالت عاقلة المقتولة: ميراثها لنا، قال ﷺ: ميراثها لزوجها وولدها، رواه أبو داود. 

فإذا كان الولد ابن ابن عم، أو كان الوالد مولى أو عصبة، فيدخل في العقل عند الإمام أحمد. الإمام الشَّافعي قال: لا يعقل لأنه والد أو ولد. فهذه مسائل ما يتعلَّق بالعقل، قال: وسائر العصبة -باقي العصبات من العاقلة- بعدوا أو قربوا من النَّسب، والمولى وعصبته، والمولى وعصبته، ومولى المولى وعصبته وغيرهم؛ عصبة يرثون المال إذا لم يكن وارث هذا أقرب منهم؛ فيدخلون في العقل. ولا يُشترط أن يكونوا هم وارثين في الحال وعندهم مَن يحجبهم، إنما لو لم يكن أمام قبلهم أحد لورثوا؛ فهم من العاقلة، والله أعلم.

رزقنا الله الصِّدق والإخلاص والإيمان واليقين، وحمى وحرس دماءنا ودماء المُسلمين،  وأعراضنا وأعراض المُسلمين، وأموالنا وأموال المُسلمين، وجعلنا في الهُداة المُهتدين، المُقتفين لأثر سيِّد المُرسلين في كل قول وفعل، ونية ومقصد، وإرادة وخاطر، وحركة وسكون، وأن الله يكشف الشدائد ويدفع البلايا عنا وعن أُمة حبيبه أجمعين، ويجعلنا في الهُداة المُهتدين، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

27 ربيع الثاني 1444

تاريخ النشر الميلادي

20 نوفمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام