شرح الموطأ -456 - كتاب العقول: باب دِيَةِ الخَطَأ في القتل
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقول، باب دِيَةِ الْخَطَأ فِي الْقَتْلِ.
فجر الثلاثاء 20 ربيع الثاني 1444هـ.
باب دِيَةِ الْخَطَأ فِي الْقَتْلِ
2488 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَساً، فَوَطِئَ عَلَى إِصْبَعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَنُزِىَ مِنْهَا فَمَاتَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِينَ ادُّعِىَ عَلَيْهِمْ: أَتَحْلِفُونَ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِيناً مَا مَاتَ مِنْهَا؟ فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا، وَقَالَ لِلآخَرِينَ: أَتَحْلِفُونَ أَنْتُمْ؟ فَأَبَوْا، فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا.
2489 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، وَرَبِيعَةَ بْنَ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَةُ الْخَطَإِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَراً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً.
2490 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لاَ قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ، وَإِنَّ عَمْدَهُمْ خَطَأٌ مَا لَمْ تَجِبْ الْحُدُودُ، وَيَبْلُغُوا الْحُلُمَ، وَإِنَّ قَتْلَ الصَّبِيِّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ خَطَأً، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَكَبِيراً قَتَلاَ رَجُلاً حُرًّا خَطَأً، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ.
2491 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَتَلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لاَ قَوَدَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ، يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ، وَتَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ، ثُمَّ عُفِي عَنْ دِيَتِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ، جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إِذَا عُفِي عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان عبده وصفوته خير بريّته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيواصل سيدنا الإمام مالك في الموطأ ما يتعلّق بالديات، وذكر في هذا الباب: "باب دِيَةِ الْخَطَأ فِي الْقَتْلِ" فاستفتح بحديث سيدنا عمر في صلحه بين أهل قتيلٍ فيه لَوَث؛ لم يقم بأداء البيّنة المدّعون ولا المدّعى عليهم، فعاد إلى الصلح بينهم فأصلح فيه بشطر الدية.
يقول: "باب دِيَةِ الْخَطَأ فِي الْقَتْلِ" فدية الخطأ في القتل كما ستأتي مخففة تتقسم على أخماس: "عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ" وعشرون بنو مخاض عند الحنابلة، وعشرون بنات لبون "وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً" وهكذا هي أخماسٌ في مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي أيضًا، ألا أن الشافعية والمالكية ما جعلوا بني مخاض بل جعلوا بدل بني مخاض بني لبون. وهكذا جاء عند ابن مسعود قال رسول الله ﷺ: "في دية الخطأ عشرون حقّة.."، جاء في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجة.
يقول: في ذكر الحديث الأول إذًا دية الخطأ هذه مخففة وهي أيضًا على العاقلة لا تلزم في مال القاتل نفسه -الخطأ- فدية الخطأ على العاقلة كما تقدّم معنا أجمع على ذلك الصحابة، وجاءت به الأخبار عن سيدنا رسول الله ﷺ أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة؛ يعني: قبيلة القاتل هذا الذي وقع منه القتل الخطأ، وهي أيضًا مخففة من جهة التأجيل مؤجلة ثلاث سنين، كما جاء عن سيدنا عمر وسيدنا علي أنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين.
ذكر لنا هذا الحديث عن سيدنا عمر: "أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ" نسبة إلى بني سعد، سعد يُقال سعدِ جمع سعديين أو سعديّون كما جاء، قال: "أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَساً"؛ يعني: أسرعه جريًا وسيرًا "أَجْرَى فَرَساً، فَوَطِئَ"؛ أي: مشى حافر فرسه "فَوَطِئَ عَلَى إِصْبَعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ" وجهينة قبيلة من قضاعة، "فَنُزِىَ"؛ يعني: سال منها الدم، من إصبعه لما وطأها الفرس، فكأنه أصابه جرح منه فنزي يعني: جرى دمه ولم ينقطع، نزيَ في لفظ: فنزِف منها، يعني سال الدم، "فَمَاتَ" الجُهني "فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِينَ ادُّعِىَ عَلَيْهِمْ"؛ يعني: أولياء السعدي هذا الذي أجرى الفرس "أَتَحْلِفُونَ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِيناً" بأن الجهني "مَا مَاتَ مِنْهَا؟" وأنه ليس من الفعلة المذكورة، وأنه إنما صادف أجله وإنما مرور الفرس عليه ما يقتضي هذا النزيف ولا يقتضي الموت أصلاً وإن موته بسبب ثاني، فأمر السعديين أن يحلفوا بالله ما مات منها، كأنه على باب القسامة وعدّ هذا لَوَث لكن ابتدأ بالمُدّعى عليهم بالأيمان، "فَأَبَوْا"؛ أي: أنكر السعديون أن يحلفوا "وَتَحَرَّجُوا" يخافون أن يكون السبب الواقع هو نفس هذا الوطء من قِبَل الفرس، فخافوا أن يحلفوا بالله هيبةً "وَقَالَ" سيدنا عمر -رضي الله عنه- "لِلآخَرِينَ" للجهنيون "أَتَحْلِفُونَ أَنْتُمْ؟" يعني: أن تحلفون بالله أن موته ما كان إلا بهذا السبب؟ أنه ما مات إلا بوطء حافر الفرس، "فَأَبَوْا" أيضًا امتنعوا من الحلف، خافوا أن يكون موته بسبب آخر وهذا جاء صدفة، فلما نكل هؤلاء وهؤلاء كان سيدنا عمر كأنه أصلح بينهما، وسماه هنا وعبّر عنه بقضاء وليس بقضاء؛ "فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ"؛ أي: نصف الدية "عَلَى السَّعْدِيِّينَ"؛ أي: عاقِلة الذي أجرى الفرس هم السعديون، من بني سعد بن ليث.
قَالَ سيدنا مَالِكٌ: "وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا"؛ يعني:
- القضاء بشطر الدية
- وأن يبدأ في المدََعى عليهم بالحلف
بل المصير إلى الأحاديث الدالة على أن يبدأ في القسامة بالمدّعِين، فهم أولى في الحجة من قول الصاحب قال عامة الأئمة:
- أن البداية تكون بالمدَّعى في القسامة تكون الحلف على المدّعِين.
- فإن أبوا رُدّت على المدّعى عليهم.
ويقال: إنه يمكن أنه كان عند سيدنا عمر جائز أن يُبدأ بهؤلاء أو هؤلاء، وجاء عن سيدنا جرير بن عبدالله البجلي، يقول: بعثه رسول الله ﷺ سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي ﷺ فأمر بنصف العقل، جاء هذا في رواية أبي داود، يعني: أمر بنصف الدية استطابة لأنفس أهاليهم، وزجر المسلمين في ترك التثبّت عند الوقوع في الشبهة، لما وصلوا أظهروا السجود فلم يصدقوا أولئك أنهم مسلمون فقتلوهم، فحكم بنصف الدية، وهذا الأصل في حكم سيدنا عمر هنا بنصف الدية أيضًا، والأوجه أنه على طريق الصلح، أنه أصلح بينهم سيدنا عمر، وقال: خلاص أنتم ما تعرفون وأنتم ما تعرفون؛ نصف الدية يسلمونها لكم وسامحوا وروّحوا فأصلح بينهم في ذلك وانتهى الإشكال.
يقول: عن "ابْنَ شِهَابٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، وَرَبِيعَةَ بْنَ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَةُ الْخَطَأ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَراً" وَعِشْرُونَ حِقَّةً، "وَعِشْرُونَ جَذَعَةً". يأتي إلى تفصيل ديّة الخطأ، وكان أشار إلى ما يتعلق بالقسامة فيما روى عن سيدنا عمر ابن الخطاب.
- فيقول عنها الحنفية أن يقول: خمسون من أهل المحلة إذا وُجد فيها قتيل بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتل.
- كذلك يقول المالكية: يحلف خمسين يمين أو جزء منها على إثبات الدم.
- كذلك يقول الشافعية: القسامة اسم للأيمان التي تُقسم على أولياء الدم.
- ويقول الحنابلة كذلك: الأيمان المكررة في دعوى القتيل.
هذا القسامة فقال جمهور العلماء: أن القسامة مشروعة، وأنه يثبُت بها القصاص أو الدية إذا لم تقترن الدعوى ببينة أو إقرار ووُجِدَ اللوَث.
وهكذا، وقد جاء أن سيدنا عبد الله بن سهل ومحيصة، خرجا إلى خيبر في جهد أصابهم، فأتى محيصة وأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطُرح في عين، فأتى يهود قال: أنتم والله قتلتموه؟ قالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدِم على قومه فذكر لهم ذلك، فأقبل هو وأخوه حويصة -كان أكبر منه- فجاء حويصة وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة يتكلم، هو الذي كان شهِد بخيبر، قال رسول الله ﷺ: لمحيّصة كبّر كبّر، تكلم حويصة أخوه ثم محيصة قال رسول الله ﷺ: إما أن يدوا صاحبكم؛ يسلمون الدية، وإما أن يؤذَنوا بحرب، فكتب لهم رسول الله ﷺ إليهم في ذلك كتبوا: إنّا والله ما قتلناه! لمّا أنكروا قال رسول الله ﷺ: لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا :لا، خافوا لأنهم ما شاهدوا أحد يقتل واللوَث موجود، والمتهمين هم بالقتل يهود ولكن لم يشاهدوا بعينهم فخافوا. قال: فتحلف لكم يهود؟ قالوا يا رسول الله، ليسوا بمسلمين هؤلاء ما يبالون بالأيمان، فوداه رسول الله ﷺ من عنده، فبعث إليهم رسول الله ﷺ مائة ناقة حتى أُدخلت عليهم الدار دية، حتى يقول سهل: ركضتني منها ناقةٌ حمراء. هكذا الحديث جاء في الصحيحين وهو الأصل في القسامة.
كذلك جاء أن رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ من الأنصار، يقول أن رسول الله ﷺ: أقرّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها رسول الله ﷺ بين ناس من الأنصار في قتيل ادّعوه على يهود.
إذًا؛ فجمهور العلماء على القول بهذا: إذا وُجد اللوَث، فشُرعت القسامة لصيانة الدماء وعدم إهدارها، وحتى لا يُهدر دم في الإسلام، حرصًا على حفظ الدماء وصيانتها، فكيف تكون القسامة؟
- يقول الجمهور: الأيمان في القسامة تُوجّه إلى المدّعي؛ يكلفون حلفًا ليثبت مدّعاهم ويُحكم لهم به، وهكذا.. فإن نكلوا عنها، وُجهت الأيمان على المدَّعى عليهم، فيحلف أولياء القتيل خمسين يمينًا، فإن لم يحلف المدّعون ولم يرضوا بيمين المدّعى عليه؛ برِئ المتهمون، وكان دية القتيل في بيت المال عند الحنابلة، إذا لم يحلفوا ولم يرضوا بيمين المدَّعى عليهم، فإذا نكل المدَّعى عليهم عن اليمين رُدّت الأيمان أيضًا عند الشافعية على المدعين، فإن حلفوا عوقب المدَّعى عليهم، وإن لم يحلفوا لا شيء لهم. يقول المالكية: من نكل من المدّعى عليهم حُـبِس حتى يحلف أو يموت في السجن، هكذا عند الأئمة الثلاثة من جهة توجيه الأيمان إلى المدّعِين أولاً.
- وقال الحنفية: أنّ الأيمان توجه إلى المدّعى عليهم كما جاء في حديث سيدنا عمر. فإن حلفوا لزم أهل المحلّة الدية فإذا نكلوا، قال: من وجبت عليه القسامة عند الحنفية من أهل المحلة يُحبَس حتى يقرّ أو يحلف.
وفي هذا الأثر ذكر لنا تفصيل الدية الخطأ؛ يقول: "عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُون وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَراً" ، ذاك كان وعشرون حقة "وَعِشْرُونَ جَذَعَةً". وجاء أيضًا في حديث ابن مسعود: دية الخطأ أخماس، يقول: قضى النبي ﷺ في دية الخطأ: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض وهكذا جاء الاختلاف في تفصيل التخميس هذا.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لاَ قَوَدَ"؛ أي: لا قصاص "بَيْنَ الصِّبْيَانِ" في أنفسهم "وَإِنَّ عَمْدَهُمْ" أيضًا "خَطَأٌ"؛ يعني: في حكم الخطأ لرفع القلم عنهم، "مَا لَمْ تَجِبْ الْحُدُودُ" وَ ما لم "يَبْلُغُوا الْحُلُمَ "حينئذٍ حكمهم حكم البالغين.
- إذًا قتل الخطأ:
- لا قصاص فيه، باتفاق الأئمة
- وإنما تجب الدية والكفارة إذا تم القتل في خطأ.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا) [النساء:92]. فهي إذًا مؤجلة على العاقلة في ثلاثِ سنين، دية الخطأ على عاقلة الجاني مؤجلة في ثلاث سنين.
- يقول الحنفية والمالكية: إن القاتل يدخل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي مثل أحدهم.
- ولم يرَ ذلك الشافعية والحنابلة.
إذًا؛ دية قتل الخطأ دية مخففة.
- ولكن عند الشافعية الحنابلة قد تغلّظ بسبب، فتصير مغلّظة وإن كانت خطأ مثل:
- إذا حدث القتل وكان في الحرم، في حرم مكة وإن كانت خطأ فتغلّظ فيه الدية تحقيقًا للأمن.
- وإذا حدث القتل كذلك في الأشهر الحرم.
- وإذا قتل القاتل ذا رحمٍ محرم.
هذه الحالات تجب فيها الدية مغلظة وإن كان القتل خطأ.
- ولا تغلّظ عند الحنفية والمالكية بحالٍ من الأحوال.
كذلك إذا قتل في حرم المدينة، لا تغلّظ عند الجمهور في وجه، في قول عند الشافعية أنها تغلّظ لأنها كالحرم في تحريم الصيد، وبذلك ألحق بها القتل فيها كالقتل بالحرم المكي.
كيف تُغلّظ؟
- الحنابلة قالوا: تجب أربع خمس وعشرون حقة، وخمس وَعِشْرُونَ جَذَعَة وخمس وعِشْرُونَ بنت مَخَاضٍ وخمس وَعِشْرُونَ بنت لَبُون.
- قال الشافعية: إنها مثلّثة: ثلاثون حِقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلِفة.
أيضًا يقول الحنفية والحنابلة في الدية التي في الخطأ: أخماس، أخماس باتفاق الفقهاء، ولكن بعد ذلك في كونها عِشرونَ بنت مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بنت لَبُونٍ وعشرون حقة، وعشرون جذعة، هذا متفقين فيه. عاد باقي عشرين، العشرون هذه؛ الحنفية والحنابلة يقولون: عشرون بني مخاض. والمالكية والشافعية يقولون: بني لبون.
أما الأربعة متفق عليها، أن عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة بالاتفاق، وعشرون هل هي بني مخاض أو بني لبون؟
- الحنفية والحنابلة يقولون بني مخاض.
- والمالكية والشافعية يقولون بني لبون.
يقول: كذلك إذا كان القتل بين صبيان، فالصبي عمده خطأ عند جمهور الفقهاء؛ أن الصبي والمجنون عمدهم كالخطأ، يعني مقابله. وهو عند الشافعية مقابل الأظهر؛ أن عمده خطأ ولكن الأظهر عند الشافعية أن عمد الصبي والمجنون يصير عمد إذا لهما نوع تمييز، إلا أنه لا يجب عليهم القصاص للشبهة، يجب عليهم موجبه الآخر وهو الدية، ويُعدّ عمدًا عند الشافعية في الأظهر، ولكن يخرج منه القصاص من أجل وجود الشبهة، فيخرج عنه القصاص. وإذا كان للمجنون نوع تمييز أيضا يُعدّ عمدًا، ولكنه للشبهة ينتفي القصاص وتجب الدية.
من المعلوم أنه لا يكون القصاص إلا أن يكون القاتل متعمّدًا القتل، لا يجب في غير العمد، يقول ﷺ: "العمد قَوَد" وتدخل هذه الدية في تركة المقتول ويقتسمها ورثته، مع أنها إنما دخلت بعد قتله بعد موته، ولكنهم ما استحقوها إلا بسببه، فصارت كأنها ملكه، فتـُقسم بينهم مثل التركة.
يقول: "الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لاَ قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ، وَإِنَّ عَمْدَهُمْ خَطَأٌ"؛ كونه لا قَوَد مُجمع عليه، ولكن هل يعد عمدهم خطأ هو عند الأئمة الثلاثة، لكن الأظهر عند الشافعية أنه يُعدّ عمدًا إلا أنه لا قصاص فيه.
الصبي إذا قتل؟ حدث الفعل قبل البلوغ في أيام رفع القلم عنه، إن قتل بعد ما يبلغ نعم قصاص، بدون بلوغ ليس فيه قصاص، ما يكون فيه قصاص إلا إن كان التصرف بعد البلوغ نعم، لكن يلزم فيه الدية.
يقول: "وَإِنَّ عَمْدَهُمْ خَطَأٌ مَا لَمْ تَجِبْ الْحُدُودُ، وَيَبْلُغُوا الْحُلُمَ، وَإِنَّ قَتْلَ الصَّبِيِّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ خَطَأً، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَكَبِيراً قَتَلاَ رَجُلاً حُرًّا خَطَأً، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ" والكبير هذا لمّا أنه لم يستقل بالقتل، شاركه من لا قصاص عليه حينئذٍ سقط القصاص عنه وشارك في الدية، "صَبِيًّا وَكَبِيراً قَتَلاَ رَجُلاً حُرًّا خَطَأً، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا" الصغير والكبير "نِصْفُ الدِّيَةِ" أما إن كان الصبي قتل وحده فهذا ما فيه خلاف بين الأئمة الأربعة أنه لا قصاص على الصبي لقوله ﷺ: "رُفع القلم عن ثلاثة" وذكر منهم الصبي.
"قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَتَلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لاَ قَوَدَ فِيهِ" كذلك بالاتفاق، "وَإِنَّمَا هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ، يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ، وَتَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ، ثُمَّ عُفِي عَنْ دِيَتِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ، جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إِذَا عُفِي عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ.".
- فدية المقتول موروثة عنه مثل سائر أمواله، وهي كتركته عند الجمهور.
- وفي قول بعض أهل العلم: إنما ترجع إلى عَصَبته الذين يعقلون عنه، ترجع الدية إليهم.
فإذا عفا المقتول خطأ عن الدية؟
يقول مالك والشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء: أن عفوه من ذلك في ثلثه، مثل الوصية الآن يصير حكمه أو تبرع في حال مرضه، إلا أن يجيزه الورثة قال: مسامَح هذا الذي ضربنا إذا أنا مت ما أريد منهم دية، وينظَر إن كان مقدار الدية ثلث في ماله فأقل، فهو خلاص قد سامحهم، وإن كان أكثر من الثلث فما تنفذ المسامحة منه؛ لأنه ليس له حق تبرع إلا في الثلث فقط، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بالكرامة، ودفع عنا الأسواء، وألهمنا رشدنا وتمّم سُعدنا وبلغنا أملنا وفرج الكرب عنا وعن الأمة أجمعين بسر الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
22 ربيع الثاني 1444