شرح الموطأ - 444 - كتاب الحدود: باب ما لا حَدَّ فِيه
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحدود، باب مَا لاَ حَدَّ فِيهِ.
فجر الثلاثاء 26 ربيع الأنوار 1444هـ.
باب مَا لاَ حَدَّ فِيهِ
2424 - قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الأَمَةِ يَقَعُ بِهَا الرَّجُلُ وَلَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ، فَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ مِنَ الثَّمَنِ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا الأَمْرُ عِنْدَنَا.
2425 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ لِلرَّجُلِ جَارِيَتَهُ: إِنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا الَّذِي أُحِلَّتْ لَهُ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ أَصَابَهَا، حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ بِذَلِكَ، فَإِنْ حَمَلَتْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ.
2426 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوِ ابْنَتِهِ: أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ، حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ.
2427 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ خَرَجَ بِجَارِيَةٍ لاِمْرَأَتِهِ مَعَهُ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَهَا، فَغَارَتِ امْرَأَتُهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: وَهَبَتْهَا لِي. فَقَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِينِي بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ لأَرْمِيَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَاعْتَرَفَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ.
نص الدرس مكتوب:
الحمدُ لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته، سيدنا محمدٍ خيرة الله وصفوته، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان، وعلى أنبياء الله ورسله محل اصطفائه من خليقته، وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويتحدث الإمام مالكٌ عما لا يقع به الحد. وفي الحديث عنه ﷺ: "ادرؤوا الحدودَ بالُشبُهات"، وأنه إذا وقعت شبهةٌ يخرج إقامة الحدّ، لِما قامت عليه الشريعةُ المطهرة، من بيان رحمةِ الله بعباده، ومحبتِه سترَ خلقه سبحانه وتعالى.
أمّا ما يترتب على ذلك من المؤاخذة في الدار الآخرة، فإن ذلك راجعٌ إلى سابق إرادة الله، التي يُستجلى شأنُها في حال العبد مع مولاه، من إصرارٍ وعدم مبالاةٍ، أو من ندمٍ وخضوعٍ وتذللٍ، ورجوعٍ لمولاه سبحانه وتعالى، فهي مبيِّناتٌ أو إشاراتٌ لما سيكون في الأخرة من عفوٍ أو عقوبة، فيعذِّبُ من يشاء ويَرحمُ من يشاء، جل جلاله وتعالى في علاه.
وذكر الإمامُ مالك هنا: مسألة الجاريةِ المملوكة لعدد، اثنان فأكثر، فهي مشتَركةٌ لا يَستَقِل واحدٌ من الشركاء بمِلك يمينها، ولكنه يملكُ من رقبتِها جزءًا وشيئًا. "قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الأَمَةِ يَقَعُ بِهَا الرَّجُلُ وَلَهُ فِيهَا شِرْكٌ"، له حظٌ من مِلك رقبتها، قلَّ أو كثُر، يشاركُه آخرٌ، واحدٌ أو أكثرُ من واحد، فحينئذٍ الحدّ يُدرَأ لوجود الشُّبهة؛ لأن له نصيبٌ من المِلك لها، ولكن يؤدَّبُ ويعاقَب ولا يُبلَغُ به الحد. ويقول: "أَنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ"، لأجل شُبهة الشِّرك الذي له في تلك المملوكة، فدُريء الحدُّ، وبقيَ العقابُ بقدر ما يرى الإمام لمرتكِب المحذور، كَحالِ من لم يُصِب الحدّ، من الأمور التي يَرجِعُ فيها التعزيرُ إلى رأي الإمام.
قال: "وَأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ"، إذا حَمَلت منه، أن يثبت منه نسبُه إن حَملت، لأن الولدَ لاحقٌ به من وطءِ الشبهة هذه، "وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ"؛ يعني: على هذا الواطئ الجاريةُ "حِينَ حَمَلَتْ"، لأنها تصير أمَّ ولدٍ بسببه، "فَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ" سواءً كانوا واحد أو جماعة، "حِصَصَهُمْ مِنَ الثَّمَنِ"، الذي قُوِّمت به الجارية "وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ" أم ولد "لَهُ"، وحدَه، يتخلص بملكها، وتكون أمَّ ولدٍ له، تُعتق بموته.
قال: "وَعَلَى هَذَا الأَمْرُ عِنْدَنَا". يعني بالمدينة المنورة وعليه الجمهور، جمهور أهل العلم على هذا الحكم، إذا كانت الأمَةُ بين شريكين، فأصابها أحدُهما وأُدِّبَ ولم يُبلَغ به الحدّ، يَضمنُ القيمةَ لبقية الشركاء، إن صارت أمّ ولدٍ له، يعني إن حملت وولدت، صارت له أمّ ولد.
مع إجماعهم أيضًا، على تحريم وطءِ الجارية المشترَكة، لأنه يُصادِف ملكَ غيره، والحق تعالى يقول: ( إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) [المؤمنون:6]، وهذا لم يتمّ له مِلكُ اليمين، وإنما له فيه بعضٌ وله فيه شركٌ، ومع ذلك أيضًا يدرؤون الحدَّ -مع قولهم بالتحريم- يدرؤون الحدَّ، لأن له فيها مِلكٌ، فصار بذلك له شبهةٌ درَأت عنه الحد، وإنما يبقى معه أن يؤدَّب أو يُعزَّر بنظر الإمام.
- وخرج عن الأئمة الأربعة أبو ثور، فقال: ما دام وطء محرّم فلا بدّ من إقامة الحدّ فيه.
- وقال الأئمة الأربعة وغيرهم: الشبهةُ تَدرأُ الحد.
وإنما يُقامُ الحدُ فيما وقع على غير نكاحٍ صحيحٍ، ولا شُبهةِ نكاح، ولا ملكِ يمينٍ، ولا شبهةِ ملك يمين، حينئذٍ يكون هذا هو المحرم المحظور، الذي به تُقام الحدود.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ لِلرَّجُلِ جَارِيَتَهُ"؛ أي: يأذنُ له في معاشرتِها، قال: "إِنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا"؛ يعني: "الَّذِي أُحِلَّتْ لَهُ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ" يعني على الواطئ "يَوْمَ أَصَابَهَا"؛ يعني: يعتبرُ قيمتها، "حَمَلَتْ" الجاريةُ "أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ"، بالشبهة، وهو إذنُ المالك لها.
والحكم أيضاً: "فَإِنْ حَمَلَتْ" منه "أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ". فيصير ابنُ الشبهة، -ولد الشبهة-، يلحق بأبيه لما فيه من شبهة أنه كأنه ملّكَه إياها، أو جعل له سبيلًا. ومع ذلك فعند عددٍ من الأئمة يُعدُّ هذا زانيًا بكل حالٍ، سواءً أذِن مالكُها له أو لا، مادام يملِكُها غيرُه، وهي جاريةُ غيرِه، فهذا لا يتأتى أن يُستباحَ ببذلٍ ولا عاريةٍ ولا مَنحٍ، وما إلى ذلك.
لكن تَكبرُ الشبهةُ وتقوى، إذا كانت الجاريةُ ملكاً للفرع، يعني مِلكاً للابن، ووطيء الأبُ جارية ابنه، فهذا الذي أكثر أهل العلم على "أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ".
وكذلك ما يتكلم عليه من جارية زوجته، -تملكُها زوجتُه-، فإذا وطئَ جاريةَ امرأتِه بإذن امرأته، فهذا عند الأئمة الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة: يُجلَدُ مئةً، لا يُرجم ولا يُغرّب، ولكن يُجلد مئة.
أما إن لم تكن أحلَّتها له، فضلاً عن أن تكون وهبته إياها، كما في القصة وهبتها إياه، فصارت مُلكَه، لكن إذا أحلّتها له، صارت الآن الشُبهة قائمةٌ، ووجبَ عليه الجَلدُ، ويعتبر زانياً، ولكن إذا من دون أن تأذن له زوجتُه المالكة للجارية، ولم تُحِلُّ له ذلك، فإنه يصير بذلك مُقامًا عليه الحد، ولا يندفعُ عنه الحدُ بذلك، لأن حكمَ مِلكِ زوجته كملكِ غيرها من الأجانب، لا يَحِلُّ له أن يأخذ من مِلكها شيئًا بغير إذنها.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوِ ابْنَتِهِ: أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ، حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ"؛ يعني: تُقوّم بثمنها. يقولون: لأن الأب له حقٌ في مال ابنه، فصار مثلَ الشريك يطأُ جاريةَ شريكه، فأثبت ذلك درءَ الحدّ، ولكنهم مجمعون على أنه مأثوم، فالأب إذا وطئَ جارية ولده، أكثر أهل العلم يقولون: أن الحدَّ يُدرأ عنه، ولكن هو مأثوم أيضًا باتفاقهم، وعدُّوا مُلكَ ابنه لها، شبهةً درأت عنه الحد.
والقول الثاني في وطء جارية الزوجة، ولو بإذن الزوجة: أنه يعتبر مثلَ وطء أجنبية، أحلَّته أو لم تحلّه، وهو القول الثاني عند الإمام الشافعي، والإمام مالك أيضًا، لأنها لا تملك له الإباحةَ في مثل ذلك.
وذكر الروايةَ التي جاءت أيضًا عند أبي داود، من أن ابن حُنينٍ وقع على جارية امرأتِه، فرُفع إلى النُعمان بن بشيرٍ، وهو أميرٌ على الكوفة ذاك الوقت، فقال: لأقضينّ بقضيَّة رسول الله ﷺ، إن كانت أحلَّتها لك جلدناكَ مئة، وإن لم تكن أحلَّتها لك رجمناك بالحجارة، فوجدها قد أحلَّتها له فجَلَده مئة، وهذا الذي ذكرناه من أنه مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
ويقول الأحناف: إذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته، وقال: ظننتُ أنها تحِلّ لي، يقول أيضًا: أنه يُدرَأ عنه الحد إن قُبِلَ قولُه هذا، بأن كان حديثَ عهدٍ بإسلام، أو ناشئ بمنطقة بعيدة عن العلم، وإذا قال أعلم أنه حرامٌ أقيم عليه الحدّ.
يقول عليه الرضوان: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ"؛ يعني: هذا الرجل "خَرَجَ بِجَارِيَةٍ" مملوكةٍ "لاِمْرَأَتِهِ" وكانت الجارية "مَعَهُ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَهَا، فَغَارَتِ امْرَأَتُهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُ" عمر "عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:" له الرجل "وَهَبَتْهَا لِي"، إن زوجتي قد وهبتها لي فصارت ملكي.
"فَقَالَ سيدُنا عُمَرُ: لَتَأْتِينِي بِالْبَيِّنَةِ"، يعني: الشهادة العادلة على أنها وهَبَتْها لك، "أَوْ لأَرْمِيَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ."؛ يعني: أرجُمك وأُقيمُ الحد عليك، لأنك حينئذٍ زانٍ محصن، "قَالَ: فَاعْتَرَفَتِ امْرَأَتُهُ" بعد ذلك "أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ." قالت: نعم أني قد أعطيته إياها من قبل، فلم يَرجُمه سيدنا عمر، دفع عنه الحد، لأنها أقرّت بأنها قد وهبتها له.
وكأنها وَهبتها له وظنّتْ أنه لا يقربُها، وتبقى خادمة، فلما قربها غارت، وأرادت إنكار الهبة، ثم تحرَّجت من ذلك، ورأت أن الإنكار هذا قد يؤدي إلى قتل زوجها؛ إلى رجمه، فرجعت واعترفت بأنها قد وهبتها له من سابق، قبل، حتى لا تقع في الحرَج بينها وبين الله، وتُعرِّضُ زوجها للقتل من غير حق.
وهكذا جاء في رواية البيهقي يقول: وهبتْ امرأةٌ لزوجها جاريةً، وخرج بها في سفرٍ، فوقع عليها فحَبَلت، فبلغ امرأتَه، فأتت سيدَنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تقول: إني بعثتُ مع زوجي بجاريةٍ تخدمه وتقوم عليه، فبلغني أنها قد حبلت منه، فلما قَدِم الرجلُ أرسل إليه سيدُنا عمر قال: ما فعلت الجاريةُ فلانة أأحبلتَها؟ قال: نعم، قال: ابتعتها؟ قال: لا، قال: فوهبتها لك؟ قال: نعم، قال: لك بينةٌ على ذلك؟ قال: لا، قال: لتأتيَنِّي بالبينة أو لأرجُمَنّك، فقيل للمرأة إن زوجك الآن قد يُرجم، فأتت عمرَ بن الخطاب وقالت: أنا قد وهبتها له من أول، لكن جاءتني الغيرة، الآن حين رأيته، ما ظننتُه أنه يقرب منها، فأقرّت أنها وهبتها له، فرجع سيدُنا عمر وقال: جئتِ أول مرةٍ تنسبينه إلى الزنا، سنجلدك أنتِ الآن نجلدك جلدَ الفرية، افتريت على الرجل، قد وهبتيها له لماذا تجيئين لعندي تشتكين من زوجك؟! … وهكذا هو الحكم في هذه المسألة.
وينتقل الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في ذكر الحدود إلى حد السرقة، التي جاء فيها حدٌ فظيعٌ، يؤذِن بأنها سببٌ من أسباب هلاك الناس، واضطراب حياتهم في الدنيا، فأوجبَ الحقُ تعالى فيها هذا الحدَّ العظيم، الذي قال فيه: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38]. فإذا سرق من حرزِ المثل مقدار رُبع دينارٍ فأكثر، صار بذلك محدودًا بقطع يده، مع أنه لو اُعتديَ على يَدِه فـقُطِعت، لكانت ديتُها خمسين من الإبل -نصف الدية-، خمسين من الإبل، يكون قيمتها في الغالب نحو خمسمائة دينارٍ من الذهب، ولكن بسرقة ربعِ دينارٍ تُـقطَع، ولما سُئـِل بعضُهم: ما بال دية اليد إذا قُطعت خمسمائةُ دينار، يعني خمسين من الإبل، وهي إذا سَرَقت مقدارَ ربع دينارٍ تُـقطع، قيل: أنها لما كانت أمينةً كانت ثمينة، فلما خانت هانت.
قال شاعرُهم في ذلك:
يَدٌ بخمس مئينٍ عسجدٍ وُدِيَت *** ما بالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبع دينارِ
فأجابه المجيب:
عِزُّ الأمانة أغلاها وأرخَصَها *** ذلُّ الخيانة فافهم حكمة الباري
جلّ جلاله وتعالى في علاه.
فهذه الكبائرُ التي جعل الله فيها حدود في الدنيا، في واقع الخلق في المعيشة، مصلحةً كبيرةً، في الزجر القويِ عن هذه المعاصي التي رتب الله عليها حدًّا لصلاح معايشِ الناس ومعادِهم، فرتّب عليها الحدودَ، لِما يكثرُ فيها من السوء والفساد، إذا أُهملت وتُركت في المجتمعات.
والله يجعلنا من أهل تقواه، ويدرأ عنّا وعن الأمة البلايا والآفات والرزايا، ويملأ القلوب بالإيمان واليقين، ويحسنَ لنا خاتمة ربيع الأول، ويفتحَ فيه أبواب أن يكسو الله سبحانه وتعالى المؤمنين وقلوبهم، بأنوار اليقين والإنابة والتوبة والخشية والاستقامة، ويُهيئهم بذلك لكشف الشدائد عنهم ودفع البلايا والآفات، وتحويلِ أحوالهم إلى أحسن الحالات في خير ولطف وعافية، وإلى حضرة النبي ﷺ.
07 ربيع الثاني 1444